قضايا الحل النهائي وعبثية المفاوضات المباشرة

نبيل السهلي - عنوان المقال: قضايا الحل النهائي وعبثية المفاوضات المباشرة



– السلام ليس في أجندة نتنياهو

– الوضع النهائي بعين إسرائيلية
– حقائق فلسطينية بشأن الوضع النهائي
– استخلاصات أساسية

بعد انطلاقة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في واشنطن بحضور الرئيس المصري وملك الأردن ورعاية الرئيس الأميركي برزت أسئلة عديدة حول مستقبل قضايا الوضع النهائي، حيث تم الاكتفاء بإصدار بيان لإطلاق المفاوضات والإشارة إلى عناوينها الرئيسية وآلية الإدارة وتجنب كل نقطة تعتبرها الحكومة الإسرائيلية شرطا مسبقا.

وتبعا لذلك لبت الدعوة الشروط الإسرائيلية، وغابت المرجعيات السياسية التي طالبت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك رغم إشارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه بواشنطن إلى أن منظمة التحرير قبلت المفاوضات المباشرة على أساس وجود مرجعيات تتمثل في الاتفاقيات الموقعة مع الطرف الإسرائيلي وفي المقدمة منها خريطة الطريق.

واللافت أن وزيرة الخارجية الأميركية قد شددت إبان دعوة الأطراف للمفاوضات المباشرة على سقف زمني مدته عام كامل لإنجاز اتفاقات محتملة حول قضايا الوضع النهائي التي تتضمن قضايا جوهرية، مثل قضية الاستيطان والقدس واللاجئين والحدود والمياه، مما يضع علامات استفهام على مستقبل تلك القضايا في ظل التعنت الإسرائيلي الراهن من جهة، والانقسام الفلسطيني وغياب المرجعيات السياسية من جهة أخرى.


السلام ليس في أجندة نتنياهو
في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن مفاوضات فلسطينية إسرائيلية مباشرة، سلط الإعلام الإسرائيلي المرئي والمقروء الضوء على وثيقة الغايات العليا التي أعدتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقد رسمت الخطوات ذات الأهمية القصوى التي يجب أن تقوم بها المؤسسات الإسرائيلية المختلفة في الفترة القادمة.

"
ستحمل المفاوضات المباشرة تداعيات ومخاطر جمة، في المقدمة منها محاولات تصفية القضايا الجوهرية، مثل قضايا اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود
"

وقام بتعميم الوثيقة المدير العام للوزارة يوسي غال على السفراء والدبلوماسيين الذين يمثلون إسرائيل في العالم.

وتتجاهل تلك الوثيقة كليا ما جاء في خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان عندما أعلن موافقته على حل الدولتين، مما يدفع إلى الاعتقاد بأنه لا جدوى من مفاوضات فلسطينية مباشرة مع حكومة نتنياهو.

وبالعودة إلى نص وثيقة وزارة الخارجية الإسرائيلية نرى أنها أكدت على موضوع تعزيز الأمن الإسرائيلي الذي يعتبر على رأس سلم أولويات الوزارة، بحيث يشمل هذا البند غايات ثانوية بينها إدارة الصراعات ودفع عمليات واتفاقيات سلام، ومحاربة ما وصف بمحاولات نزع الشرعية عن إسرائيل.

وذهبت الوثيقة الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك، عندما ارتأت وزارة الخارجية الإسرائيلية العمل على توسيع الحرب القانونية ضد المنظمات غير الحكومية في العالم وفي الهيئات الدولية، التي ترى وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها في غالبيتها العظمى منظمات حقوق إنسان تنتقد سياسات وممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين.


الوضع النهائي بعين إسرائيلية
ستحمل المفاوضات المباشرة تداعيات ومخاطر جمة، في المقدمة منها محاولات تصفية القضايا الجوهرية، مثل قضايا اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود.

فثمة اتفاق بين كل الأطياف السياسية الإسرائيلية على حل تلك القضايا، حيث تؤكد جميع الأحزاب الإسرائيلية بتلاوينها المختلفة على الدوام أن حل قضية اللاجئين يجب أن يتم عبر توطين اللاجئين في الدول المضيفة، وبالتالي عدم القبول بمبدأ حق العودة حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

وترى تلك الأحزاب أن القدس بشقيها الشرقي والغربي يجب أن تبقى العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل، وتؤكد على شرعية النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، مع الإصرار على السيطرة الإسرائيلية المطلقة على الحدود حتى الأردن من الشرق، فضلا عن إبقاء السيطرة على المصادر المائية الفلسطينية.

وقد تكون الوثيقة الموقعة في العام 1996 بين حزبي العمل والليكود ذات دلالة على الرؤى والتصورات الإسرائيلية المشار إليها إزاء قضايا الوضع النهائي.

وفي نفس الاتجاه تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال خطابه في 14 يونيو/حزيران 2009 إلى أهم القضايا التي برزت مع ظهور القضية الفلسطينية، وأكد في سياق حديثه على ثوابت إسرائيل المعهودة من تلك القضايا، حيث يوجد إجماع إسرائيلي.

وبالنسبة للقضية الأبرز قضية اللاجئين الفلسطينيين (5.5 ملايين لاجئ فلسطيني) ارتأى أن تحل في خارج إسرائيل، وبالتالي عدم تحميل إسرائيل أية مسؤولية سياسية أو قانونية عن تلك القضية وتداعياتها.

"
نتنياهو قد رهن مبدأ التفاوض مع الفلسطينيين والوصول إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح باعتراف فلسطيني بفكرة يهودية الدولة
"

كما أكد نتنياهو في خطابه على ثابت من ثوابت الخطاب السياسي الإسرائيلي حيال إبقاء القدس بشقيها المحتلين الشرقي والغربي عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، ويعتمد نتنياهو في ذلك على وقائع تحاول المؤسسات الإسرائيلية فرضها على الأرض في مدينة القدس بغية تهويدها والإطباق عليها.

وفي هذا السياق تشير الدراسات المختلفة إلى أن السياسات الإسرائيلية في المدينة استطاعت أن تنال من المدينة، فبات هناك طوقان من المستوطنات الإسرائيلية يصل عددها إلى 26 مستوطنة حول القدس الشرقية ويتركز فيها نحو 190 ألف مستوطن إسرائيلي.

وثمة محاولات إسرائيلية ما زلنا نشهد فصولها لتهويد الأحياء العربية القديمة من خلال الإخطارات اليومية لهدم منازل العرب وطردهم والسيطرة أيضا على ما تبقى من عقارات ومحال تجارية عربية بغية تهويدها وفرض الأمر الواقع الاحتلالي.

وعن موقف حكومة نتنياهو من المستوطنات الإسرائيلية التي تعتبر من أهم معالم الاحتلال، أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه على أن إسرائيل لن تصادر أراضي جديدة في الضفة الغربية ولن تبني مستوطنات إسرائيلية هناك، لكنه لم يشر إلى إمكانية تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واستمرت حكومته في الموافقة على بناء مزيد من المستوطنات والوحدات الاستيطانية.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى انتشار أكثر من 151 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية في العام 2010 يقطن فيها أكثر من 350 ألف مستوطن إسرائيلي، وقد تمّ إنفاق نحو 70 بليون دولار أميركي منذ عام 1967 على بناء تلك المستوطنات.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن نتنياهو قد رهن مبدأ التفاوض مع الفلسطينيين والوصول إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح باعتراف فلسطيني بفكرة يهودية الدولة، وبالتالي محاولة شطب القرار 194 من أجندة الأمم المتحدة فيما بعد، فضلا عن السعي الإسرائيلي إلى تهميش الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، وتهيئة الظروف إن أمكن ذلك لطرد عدد كبير منها.


حقائق فلسطينية بشأن الوضع النهائي
في مقابل الثوابت الإسرائيلية التي أكد عليها نتنياهو إزاء القضايا الجوهرية في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، تؤكد السلطة الفلسطينية ومرجعيتها العليا منظمة التحرير الفلسطينية على الثوابت في قضايا الوضع النهائي، فيشير الفلسطينيون إلى ضرورة إيقاف النشاط الاستيطاني وتفكيك المستوطنات من الضفة الغربية بناء على قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، في المقدمة منها القرار 479 الصادر عن مجلس الأمن الذي يعتبر الاستيطان والمستوطنات باطلة ويجب تفكيكها وبشكل خاص في مدينة القدس، وكذلك هي الحال بالنسبة للجدار العازل، حيث دعت منظمة العدل الدولية إلى تفكيكه وعدم شرعيته.

وتؤكد منظمة التحرير في الوقت ذاته على ضرورة أن تفضي أية مفاوضات مع إسرائيل إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة على كامل مساحة الضفة والقطاع (ستة آلاف كيلومتر مربع) وعاصمتها الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة في يونيو/حزيران من عام 1967.

وبعد رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بيهودية الدولة خلال جلسات مؤتمر أنابوليس قبل ثلاثة أعوام، ما زالت السلطة ترفض الاعتراف بالفكرة المذكورة والتي اشترطتها إسرائيل للقبول بمبدأ دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

"
ثمة مخاوف من انطلاقة المفاوضات في ظل انقسام فلسطيني وعربي خطير، فضلا عن الانحياز الأميركي للرؤى الإسرائيلية، مما يؤكد ضرورة عدم الانسياق خلف الوعود الأميركية الواهية
"

كما تؤكد منظمة التحرير الفلسطينية على حق عودة اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي المقدمة منها القرار 194 الصادر في نهاية عام 1948، ناهيك عن ضرورة سيطرة الفلسطينيين على مواردهم المائية التي صادرتها إسرائيل لمصلحة الاستيطان في الضفة الغربية.

لكن في مقابل ذلك ثمة مخاوف من انطلاقة المفاوضات في ظل انقسام فلسطيني وعربي خطير، فضلا عن الانحياز الأميركي للرؤى الإسرائيلية، مما يؤكد ضرورة عدم الانسياق خلف الوعود الأميركية الواهية، ومن باب أولى أن تعاد اللحمة إلى الشعب الفلسطيني عوضا عن السير في مفاوضات مباشرة تستهدف إخضاع الفلسطينيين والانقضاض على حق اللاجئين في العودة وعلى الحلم الوطني في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.


استخلاصات أساسية
من خلال ما تقدم يمكن تسجيل الاستخلاصات التالية:

أولا: سبق الدعوة الأميركية للمفاوضات المباشرة رفض إسرائيلي قاطع لاعتماد بيان الرباعية مرجعية للمفاوضات، إذ اعتبرت ما جاء في البيان بمنزلة شروط مسبقة، وحرصا على الموقف الإسرائيلي وعدم استفزازه تم الاكتفاء بإصدار بيان لإطلاق المفاوضات المباشرة.


ثانيا: حددت الإدارة الأميركية سقفا زمنيا مدته عام لإنجاز اتفاقات حول قضايا الحل النهائي، وهنا نشير إلى أن اتفاقات أوسلو قد عقدت في سبتمبر/أيلول من عام 1993، ورغم مرور سبعة عشر عاما عليها، لم تفض المفاوضات التي تلتها إلى أية اتفاقات حول قضايا الحل النهائي، لأنها اصطدمت بالتصورات الإسرائيلية المشار إليها.


ثالثا: هناك إجماع إسرائيلي على تصورات حل قضايا الوضع النهائي، وبالنسبة لقضية اللاجئين ترى كل الأحزاب الإسرائيلية أنها يجب أن تحل على أساس التوطين في أماكن اللجوء المختلفة، وبالتالي عدم تحمل إسرائيل أية مسؤولية سياسية وقانونية عن بروزها، أما القدس فتؤكد الأطياف السياسية الإسرائيلية كافة على ضرورة إبقاء القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل.

وتسعى حكومة نتنياهو إلى ترسيخ ذلك على الأرض، وترفض غالبية الأحزاب الإسرائيلية تفكيك المستوطنات باعتبار أنها تحفظ أمن إسرائيل وتسعى إلى رسم حدودها.


رابعا: رغم الخطاب السياسي الفلسطيني الذي يؤكد على ثوابت قضايا اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والمياه، ثمة مخاطر تحدق بالقضية الوطنية الفلسطينية مع انطلاقة المفاوضات، لأنها لا تتضمن مرجعيات سياسية واضحة من جهة، وتحصل في وقت تشهد فيه الساحة الفلسطينية انقساما خطيرا.

فمن باب أولى تهيئة الظرف والعمل الجاد لإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني عوضا عن السير في مفاوضات مباشرة تستهدف إخضاع الفلسطينيين والانقضاض على أهدافهم الوطنية العليا.


خامسا: من خلال ما تقدم، يمكن القول إنه رغم انطلاقة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل وتفاؤل البعض بالوصول إلى حلول مرضية، فإن القارئ لمسار العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وللتصورات الإسرائيلية للحلول بمقدوره التكهن بفشل تلك المفاوضات، حيث لا يمكن الحديث عن سلام دون عودة الأرض إلى أصحابها الفلسطينيين، فضلا عن عودة اللاجئين إلى ديارهم وأرضهم المحتلة في عام 1948.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.