الذكرى التاسعة لأحداث سبتمبر.. الحيثيات والنتائج

بشير الأنصاري - عنوان المقال: الذكرى التاسعة لأحداث سبتمبر.. الحيثيات والنتائج



الديمقراطية
المخدرات
– الإرها
ب
لماذا هذه الحرب؟

تحيي الولايات المتحدة الأميركية هذه الأيام الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على رمزي الثروة والسلاح في مدينتي نيويورك وواشنطن. ولم يمض شهر على وقوع الواقعة وإذا بالرئيس الأميركي يظهر على شاشات التلفاز ليعلن بدء عملية "الحرية الدائمة" بهدف القضاء على قواعد الإرهاب في أفغانستان (بوش- 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001).

ومنذ تلك اللحظة ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تذكّر العالم بمهامها الإنسانية الثلاث، قمع الإرهاب واجتثاث المخدرات وبناء دولة ديمقراطية حديثة في أفغانستان (بوش- 15 ديسمبر/كانون الأول 2008). والآن، وبعد مضي تسع سنوات على أحداث سبتمبر/أيلول الغامضة، لا بد لنا من التوقف قليلا لنقيّم الإنجازات الأميركية في الميادين الثلاثة.


الديمقراطية
بعد مرور خمسين يوما على بدء عملية الحرية الدائمة، عُقد اجتماع دولي في ألمانيا عرف بمؤتمر بُون، وكان الهدف منه وضع الخطط والقواعد الأسياسية لمرحلة ما بعد طالبان وانتخاب رئيس أفغانستان.

ورغم انعقاد المؤتمر تحت مظلة الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة كانت اللاعب الحقيقي فيه. ورغم حصول عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي عبد الستار سيرت على أحد عشر صوتا مقابل صوتين فقط لحامد كرزاي، فإن الولايات المتحدة فرضت مرشحها على الوفود والدول المشاركة في المؤتمر، ومن ثم شهد العالم وضع حجر الأساس للديمقراطية الأفغانية الوليدة على أسس غير ديمقراطية (من حديث سيرت مع الكاتب 2008).

"
الهدف الأميركي من غض الطرف عن زراعة المخدرات وتجارتها هو استخدامها كورقة ضغط على اللاعب الروسي الذي يعتبر أول المتضررين من مخدرات أفغانستان
"

مسرحية الديمقراطية هذه التي شهدت مدينة بُون أولى حلقاتها استمرت في العرض. وفي الانتخابات الرئاسية الأولى التي أجريت عام 2004 شهدت البلاد عمليات تزوير واسعة، فقد كان عدد المسجلين للانتخابات في بعض المدن أكبر من العدد الذي كان يحق لهم التصويت (بي بي سي- 1 أغسطس/آب 2004).

وأثناء مؤتمر صحفي مشترك عقده الرئيس كرزاي مع وزير الدفاع الأميركي دونالد رمسفيلد في القصر الجمهوري يوم الثلاثاء 11 أغسطس/آب 2004 سئل عن موضوع الذين حصلوا على أكثر من بطاقة تصويت، فقال الرئيس كرزاي بالحرف الواحد ووزير الدفاع الأميركي ينظر إليه "في الواقع هذا لا يزعجني، إذا أخذ الأفغان بطاقتين بدل بطاقة واحدة وأرادوا أن يصوتوا مرتين نحن نرحب بذلك. هذه ممارسة للديمقراطية، دعهم يمارسونها مرتين" (نيويورك تايمز- 28 أغسطس/آب 2004).

أما الانتخابات الرئاسية الثانية التي أجريت قبل عام، فعمليات التزوير فيها وصلت حد الفضيحة العالمية. فالرئيس كرزاي الذي كان من أول المرشحين للرئاسة، قام بتعيين جميع أعضاء اللجنة المستقلة للانتخابات تمهيدا لعمليات التزوير.

ومن جانب آخر، وحسب التقرير الرسمي لهذه اللجنة، فإن الذين صدرت لهم بطاقات تصويت بلغ عددهم أكثر من 17.5 مليون ناخب (التقرير الرسمي للجنة الانتخابات 2009). هذا في الوقت الذي تقدر فيه المراجع الدولية عدد سكان أفغانستان بنحو 28 مليونا (سي آي أي/ فاكت بوك)، ومن هذا الرقم فإن 50% فقط بلغوا سن التصويت القانوني.

وبناءً على هذا فإن الذين كان يحق لهم التصويت لا يمكن أن يتجاوز عددهم 14 مليون نسمة، هذا إذا افترضنا جدلا أن جميع السكان الذين يحق لهم التصويت قد سجلوا للانتخابات، وأن الدولة تسيطر على كامل التراب وتقوم بتغطية جميع المناطق، وأن كبار السن والمعاقين سجلوا للتصويت أيضا.

فبعد كل هذه الافتراضات لصالح كرزاي، نجد أن عدد البطاقات الزائدة التي أصدرتها لجنة الانتخابات لا تقل عن 3.5 ملايين بطاقة تصويت.

والغريب أن التقرير الرسمي للجنة الانتخابات يشير إلى أن عدد بطاقات التصويت التي صدرت في بعض الولايات مثل بكتيا ونورستان وغيرها كان أكثر من مجموع سكان تلك الولايات (التقرير الرسمي للجنة الانتخابات 2009 وتقرير مكتب الإحصاء المركزي).

خلاصة القول، إن الديمقراطية الأميركية المهداة إلى الشعب الأفغاني حولت جهاز الدولة إلى أداة ضخمة للاحتيال والتزوير والخديعة. والغريب أن سفير الولايات المتحدة السابق في أفغانستان خليل زاده اعتبر هذه الديمقراطية أعظم إنجاز تاريخي للأفغان خلال خمسة آلاف سنة الأخيرة (إذاعة صوت أميركا- 26 مايو/أيار 2005).


المخدرات
قبل أحداث سبتمبر كان إنتاج المخدرات في أفغانستان يصل إلى أقل من 10% من الإنتاج العالمي، ولكن بعد الاحتلال شهد العالم موجة "تسونامي المخدرات" الأفغانية تجتاج نصف الكرة الأرضية. واليوم وبعد تسع سنوات من وجود حلف شمال الأطلسي المكثف في أفغانستان أصبحت البلاد تصدر 93% من المخدرات إلى أسواق العالم.

كما أعلن رئيس جهاز مكافحة المخدرات الروسي فيكتور إيفانوف في أواخر مايو/أيار الماضي أن مخزون مخدرات أفغانستان يكفى لتلبية احتياجات مدمني العالم خلال مائة عام.

ورغم أن الادارة الأميركية أعلنت تعهدها والتزامها بالعمل لتخليص أفغانستان من الهيرويين لدرجة أن رئيس الأركان المشتركة للقوات الأميركية مايكل مولن صرح في جلسة مع إحدى لجان مجلس الشيوخ بأن على الولايات المتحدة أن تطارد تجار المخدرات بدل مطاردتها طالبان، ورغم مشاركة الطائرات الأميركية المقاتلة ومروحيات كندية وجنود بريطانيين في عمليات القضاء على زراعة الخشخاش فإن البلاد ما زالت تشهد تزايدا في إنتاج المخدرات.

"
مصير الحرب على المخدرات لا يختلف عن مصير الحرب على الإرهاب، حيث ظهر المندوب الأميركي في أفغانستان وباكستان ريتشارد هالبروك ليقول للعالم إن إبادة المخدرات في أفغانستان ليست إلا تبديدا للأموال
"

السؤال الذي يطرح نفسه، أليس بإمكان الولايات المتحدة التي تسيطر على كل الطرق وتراقب المطارات أن تفعل ما فعلته قبل عشرين سنة في باناما؟ ولماذا ارتفعت نسبة إنتاج المخدرات في السنوات التسع الماضية؟

يرى البعض أن الهدف الأميركي من غض الطرف عن زراعة المخدرات وتجارتها هو استخدامها كورقة ضغط على اللاعب الروسي الذي يعتبر أول المتضررين من مخدرات أفغانستان.

وسواء كان هذا الرأي صحيحا أم لا، فإن ما يهمنا هو النتائج الحاصلة التي يعتبرها البعض جزءاً من الأجندة السياسية لتخدير الأدمغة وتغييب العقول، ومن ثم تدمير الإنسان الذي يملك تلك الأرض.

ورغم أن زراعة المخدرات لها تاريخ طويل في أفغانستان فإن نسبة الإدمان في أوساط الأفغان كانت أقل بكثير من نسبته في الدول المجاورة. أما اليوم وبعد تسع سنوات من الحرب فجاءت منظمة الأمم المتحدة لا لتضع أفغانستان على رأس قائمة الدول المصدرة للمخدرات، بل أيضا على رأس قائمة الشعوب الأكثر إدمانا على وجه الأرض.

فقد ارتفع عدد مدمني الهيروين خلال السنوات الخمس الماضية بنسبة 140%، وأصبح 8% من سكان البلاد اليوم يتعاطون المخدرات (دراسة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، 21 يونيو/حزيران 2010).

الخمر ظاهرة أخرى انتشرت انتشار النار في الهشيم، فمن السهل أن يجد الزائر اليوم قوارير الخمر الفارغة ملقاة على طرفي الطريق في بعض القرى والأرياف، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ أفغانستان ولا حتى أيام الاحتلال السوفياتي.

وعند السؤال عمن يقف خلف المخدرات؟ يقال إن 50 بليون دولار من عوائد مخدرات أفغانستان تذهب إلى البنوك الأميركية كل سنة (صوت روسيا- 20 أغسطس/آب 2009)، كما أن هنالك قناعة لدى البعض بأن أسرة الرئيس كرزاي تلعب دورا كبيرا في هذه التجارة.

وقد كتب جيمز رايزن مقالا كشف فيه علاقات شقيق كرزي بشبكة المخدرات في أفغانستان (نيويورك تايمز- 4 أكتوبر/تشرين الأول 2008). كما أنه كشف عن علاقة أسرة الرئيس في اغتيال عضو البرلمان الأفغاني حبيب الله الذي كان قد اتهم أسرة كرزاي بالتورط في تجارة المخدرات أمام البرلمان.

وكان الإعلام العالمي مثل سي أن أن والجزيرة وأي بي سي والصحافة العالمية مثل مجلة تايمز ونيويورك تايمز وغيرها، قد سلط الضوء على علاقة مافيا المخدرات بأركان الحكم في أفغانستان.

أين وصلت حرب المخدرات؟ مصير الحرب على المخدرات لا يختلف عن مصير الحرب على الإرهاب، حيث ظهر المندوب الأميركي في أفغانستان وباكستان ريتشارد هالبروك ليقول للعالم إن إبادة المخدرات في أفغانستان ليست إلا تبديدا للأموال (أسوشيتد برس- 28 يونيو/حزيران 2009)، كما أن وزير الدفاع روبرت غيتس سبق له أن أعلن عن فشل أميركا في محاربة المخدرات الأفغانية (قناة سي بي أس الأميركية- 4 أغسطس/آب 2008).


الإرهاب
الهدف الأول من تجييش الجيوش واستنفار الشعوب ومن ثم إطلاق عملية الحرية الدائمة لم يكن إلا القضاء الكامل على الإرهاب المتمثل في القاعدة وطالبان. وقد نجح الرئيس بوش وإدارته في تعبئة الرأي العام لهذه الحرب حيث أيده 90% من الشعب الأميركي كما لبى نداءه 47 عضوا في المجتمع الدولي للمساهمة بقواتهم العسكرية.

وعلى أرض الواقع تمكنت الآلة الحربية الأميركية في الشهور الثلاثة الأولى من إسقاط طالبان من جهة، واستطاعت الدبلوماسية الأميركية أن تسحب البساط من تحت أقدام "حكومة المجاهدين" من جهة أخرى، ومن ثم أن تنقل السلطة إلى الرئيس كرزاي الذي دخل العاصمة على متن مروحية عسكرية أميركية.

"
في الوقت الذي تتنازل فيه الولايات المتحدة عن بناء الديمقراطية في أفغانستان، وتضع حرب المخدرات جانبا، وتتحدث عن التسوية بدل "الحرب على الإرهاب"، نجد أن عملية بناء القواعد العسكرية الأميركية على مشارف الصين وإيران وباكستان ومصادر الطاقة في آسيا الوسطى تجري على قدم وساق
"

أما اليوم، وبعد تسع سنوات على تلك الأحداث، فقد أصبحت الحرب الأفغانية محل خلاف في دوائر صنع القرار الأميركي. وقد أظهر استطلاع لشبكة "أن بي سي" التلفزيونية وصحيفة وول ستريت جورنال تراجع تأييد الرأي العام الأميركي لهذه الحرب حيث عبّر 70% من الأميركيين عن اعتقادهم أن هذه الحرب لن تنتهي بنجاح.

وعلى مستوى القوات التابعة للتحالف فإن عشر دول فقط تخوض الحرب الحقيقية الآن، كما أن هنالك علامات على حدوث شرخ في جبهة الحرب على "الإرهاب".

إن وعورة الطرق والتضاريس الجبلية والتكلفة الباهظة لأطول حرب تخوضها الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى الوضع الأفغاني الخاص بتعقيداته الإقليمية والعرقية والسياسية، جعلت دوائر صنع القرار تميل إلى القناعة بعدم إمكانية الحل العسكري في هذه الحرب.

وفي المؤتمر الدولي الذي انعقد مؤخرا في كابل، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنه "بعد تسع سنوات من الحرب يتساءل الأميركيون وشعوب دول التحالف ما إذا كان النجاح ممكنا في هذه الحرب" أم لا.

وانطلاقا من هذه القناعة فإن العمل على التسوية السياسية مع طالبان والعودة الخجولة إلى الوسيط الباكستاني أصبح الطريق الأقصر والحل الأمثل للخروج من مأزق الحرب على الإرهاب. وفي هذا الإطار، فإن قوائم الإرهاب السوداء التي كانت تثير الذعر يوما ما أصبحت اليوم مدعوة للقاء والتفاوض.

ومن جهة أخرى، فإن اختلاف الرؤى لدى صناع القرار الأميركي مثل نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي والسفير الأميركي لدى أفغانستان وبعض قادة الحرب، كل ذلك زاد من حيرة الإنسان الأميركي ودهشته.

والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة التي ظلت تدق طبول "الحرب العالمية على الإرهاب" لأكثر من ثماني سنوات وجدت أن تلك الحرب أصبحت تشجع وتغذي الإرهاب بدلا من القضاء عليه، الأمر الذي جعل الإدارة الجديدة تتخلى رسميا عن عبارة "الحرب العالمية على الإرهاب".


لماذا هذه الحرب؟
بعد مرور تسع سنوات على أحداث سبتمبر يشهد العالم فشل الولايات المتحدة وحلفائها في تطبيق أهداف الحرب المعلنة مثل "بناء الديمقراطية" و"منع المخدرات" و"الحرب على الإرهاب".

وفي الوقت الذي تتنازل فيه الولايات المتحدة عن بناء الديمقراطية في أفغانستان، وتضع حرب المخدرات جانبا، وتتحدث عن إستراتيجية التسوية بدل "الحرب على الإرهاب"، نجد أن عملية بناء القواعد العسكرية الأميركية على مشارف الصين وإيران وباكستان ومصادر الطاقة في آسيا الوسطى تجري على قدم وساق.

وفي الوقت الذي تعلن فيه أميركا عن انسحابها بحلول يونيو/حزيران المقبل، نجد أنها بدأت تخطط لتأسيس ثلاثة مطارات جديدة لقواتها في أفغانستان وذلك بكلفة تبلغ 1.3 مليار دولار.

هل هنالك علاقة بين مدّ الذراع العسكرية الأميركية إلى تلك المنطقة الحساسة من العالم وواقعة سبتمبر الغامضة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.