ثمانية أعوام على مشروع الجدار العازل

العنوان: ثمانية أعوام على مشروع الجدار العازل




الأهداف النهائية من إنشاء الجدار
تداعيات الجدار على حياة الفلسطينيين

القدس والجدار العازل
الجدار وفشل الإستراتيجية الإسرائيلية
نتائج واستخلاصات

الجدار العازل الإسرائيلي هو عبارة عن حاجز طويل بدأت في بنائه إسرائيل قبل ثمانية أعوام (2002-2010) في عمق الضفة الغربية؛ وذلك بغية منع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين لإسرائيل أو إلى المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر؛ ويتشكل هذا الحاجز من سياجات وطرق دوريات في المناطق المأهولة؛ مثل منطقة المثلث أو منطقة القدس؛ وتم نصب أسوار بدلاً من السياجات.

بدأ بناء الجدار العازل في شهر يونيو/ حزيران من عام 2002؛ ويقدر طول الجدار وفق معظم الخرائط الإسرائيلية بحوالي 720 كيلومترا؛ وتقدر التكلفة النهائية بنحو 3.4 مليارات دولار، ويمر الجدار بمسار متعرج حيث يحيط بمعظم أراضي الضفة الغربية، وفي أماكن معينة، مثل قلقيلية بحيث يشكل معازل، أي مدينة أو مجموعة بلدات محاطة من كل أطرافها تقريبا بالجدار.

وقد اعتمدت إسرائيل في بناء الجدار العازل على الأسمنت المسلح وبارتفاع يتراوح بين 4.5 أمتار إلى 9 أمتار في المناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين؛ وسياج إلكتروني في المناطق ذات الكثافة المتدنية بالسكان؛ وعلى الرغم من أن 15% من مقاطع الجدار تمتد على حدود عام 1948؛ إلا أن الباقي -حسب الخرائط الإسرائيلية- سيبنى في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967؛ ويدخل الجدار بعمق 22 كلم في عمق الضفة الغربية، ويمر الجدار في أراض زراعية في الضفة الغربية؛ ويعزل أكثر من 5 آلاف فلسطيني في مناطق مغلقة بين الخط الأخضر والجدار, وقامت السلطات الإسرائيلية بتأسيس شبكة من البوابات في الجدار؛ إضافة إلى نظام تصاريح مرور للتحرك خلال الجدار.

وفيما تقول الحكومة الإسرائيلية إن الهدف من بناء الجدار هو حماية الإسرائيليين من العمليات الفدائية الفلسطينية، بيد أن شبكة الجدران والأسوار والخنادق هي سرقة لأراضي الفلسطينيين ومصادرتها بشكل تدريجي ومبرمج وفق فترات زمنية مدروسة؛ وبالتالي تقسيم وعزل التجمعات السكانية؛ فضلاً عن فصل المواطنين الفلسطينيين عن المدارس وأماكن العمل.

وقد بني القسم الأكبر من الجدار في مناطق شمال الضفة الغربية وهو يحيط بمدينة قلقيلية ومناطق شمال الضفة الأخرى، وسيضم المخطط كبرى المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى منطقة تكون متصلة بمناطق الخط الأخضر. وقد بات الجدار بعد ثماني سنوات من البدء في إنشائه في مراحله الأخيرة.

الأهداف النهائية من إنشاء الجدار

"
ثمة أهداف إستراتيجية من وراء بناء الجدار تكمن في توفير عمق إستراتيجي أمني لإسرائيل؛ ومحاصرة الكثافة السكانية الفلسطينية؛ فضلاً عن احتواء الضفة الغربية على مخزون مياه جوفية بحجم كبير
"

يهدف الجدار الإسرائيلي العازل إلى فرض حقائق إسرائيلية على الأرض يصعب الانفكاك عنها؛ بحيث سيلتهم أكثر من 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية من جهة؛ ويقوم بجعل المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية على شكل كانتونات معزولة ديمغرافياً وجغرافياً؛ وتسعى إسرائيل من وراء استكمال الجدار العازل في عمق الضفة الغربية إلى حجز خزانات المياه الجوفية من جهة الغرب لتبقى لصالح المستوطنات من جهة والاستخدامات الإسرائيلية المختلفة من جهة أخرى؛ وستسيطر إسرائيل بالقوة على 80% من مصادر المياه الفلسطينية المتاحة في الضفة الغربية والمقدرة بمجملها بحوالي 750 مليون متر مكعب سنوياً.

وعلى الرغم من ادعاءات إسرائيل بأن الدواعي الأمنية ومحاولة الحد من العمليات الفدائية في داخل إسرائيل هو ما يدعوها لبناء الجدار العازل وبناء المستوطنات التي تعزل القرى الفلسطينية بالاستيلاء على أرض الضفة؛ لكن ثمة أهداف إستراتيجية من وراء بناء الجدار وتكمن بما يلي: توفير عمق إستراتيجي أمني لإسرائيل؛ ومحاصرة الكثافة السكانية الفلسطينية؛ هذا فضلاً عن احتواء الضفة الغربية على مخزون مياه جوفية بحجم كبير.

كما تسعى إسرائيل من وراء الجدار إلى تأمين الحدود سواء كانت الحدود الشرقية لمنع التواصل عبر الحدود المشتركة بين الفلسطينيين والأردنيين أو حماية حدود الخط الأخضر الذي تقع داخله المدن الإسرائيلية ذات الكثافة السكانية العالية؛ وفي نفس الوقت تحاول إسرائيل تحقيق متطلبات المساومة السياسية مع الفلسطينيين؛ والسعي إلى مقايضة المستوطنات بقضايا اللاجئين أو الحدود في إطار مفاوضات قضايا الوضع النهائي.

تداعيات الجدار على حياة الفلسطينيين
تشير الخرائط الإسرائيلية الدالة على الجدار العازل ومساره إلى أنه سيمر في عمق أراضي الضفة الغربية وخاصة الزراعية منها؛ مما سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة على كافة مناحي الحياة للفلسطينيين؛ وتشير الدراسات إلى أنه سيؤثر على حياة 210 آلاف فلسطيني يقطنون 67 قرية ومدينة بالضفة الغربية؛ حيث إن 13 تجمعا سكانيا يسكنه 11.700 فلسطيني سيجدون أنفسهم سجناء في المنطقة ما بين الخط الأخضر والجدار العازل.

واللافت أن هناك وجود جدار مزدوج؛ أي جدار آخر يشكل عمقا للجدار الفاصل سيخلق منطقة حزام أمني؛ الأمر الذي سيجعل من 19 تجمعا سكانيا يسكنه 128.500 فلسطيني محاصرين في مناطق وبؤر معزولة.

إضافة إلى ذلك سيؤدي إقامة الجدار الإسرائيلي العنصري إلى إعاقة حرية حركة الفلسطينيين وقدرتهم على الوصول إلى حقولهم أو الانتقال إلى القرى والمدن الفلسطينية الأخرى لتسويق بضائعهم ومنتجاتهم؛ فضلاً عن ذلك سيؤدي بناء الجدار إلى الفصل بين 36 تجمعا سكانياً شرق الجدار يسكنه 72.200 فلسطيني وبين حقولهم وأرضهم الزراعية التي تقع إلى الغرب منه؛ وسيعيق الجدار وصول سكان المناطق الفلسطينية الريفية إلى المستشفيات في مدن طولكرم وقلقيلية والقدس الشرقية لأن هذه المدن ستصبح معزولة عن باقي الضفة الغربية؛ بحيث ستزداد وفيات الأطفال الرضع؛ وكذلك سترتفع وفيات الأمهات أثناء الولادة.

"
الجدار العازل سيعيق حركة قوة العمل الفلسطينية ونشاطاتهم الاقتصادية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر بين عدد كبير من الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية
"

كما أن نظام التعليم الفلسطيني سيتأثر أيضا من جراء استمرار البناء في الجدار العنصري الذي سيمنع المدرسين والتلاميذ من الوصول إلى مدارسهم؛ خاصة وأن المعلمين يصلون من خارج هذه القرى؛ وسيجد حوالي 14.000 فلسطيني من 17 تجمعا سكانيا أنفسهم محاصرين بين الجدار العنصري والخط الأخضر؛ ناهيك عن ذلك سيجد حوالي 20.000 فلسطيني في الشمال أنفسهم في شرق الجدار؛ بينما أرضهم الزراعية تقع إلى الغرب منه.

ومن الأهمية الإشارة أيضاً إلى أن الجدار العازل سيعيق حركة قوة العمل الفلسطينية ونشاطاتهم الاقتصادية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر بين عدد كبير من الأسر الفلسطينية في الضفة الغربية؛ وخاصة أن غالبية المجتمع بالضفة هو مجتمع ريفي داهم الجدار العازل أراضيه الزراعية الخصبة.

ولهذا كله فإن الاستمرار في بناء الجدار العازل سيزيد من تصحر الأراضي الفلسطينية؛ فضلاً عن احتمالات ارتفاع نسب التسرب المدرسي بين الطلاب الفلسطينيين.

القدس والجدار العازل
كان لعملية الاستمرار في بناء الجدار الإسرائيلي العازل في الضفة الغربية آثار متشعبة على السكان الفلسطينيين ومؤسساتهم وبناهم التحتية في مدينة القدس، حيث تستهدف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية بما فيها الجدار العازل إفراغ المدينة من أهلها العرب ومن مؤسساتهم وتهويدها في نهاية المطاف.

وبفعل النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية ومنها امتداد الجدار لأكثر من ستين كيلومترا حول القدس من أصل مائة كيلومتر هي طول الجدار المقرر حول القدس؛ باتت المدينة شبه خاوية من المؤسسات الفلسطينية، حيث تم إغلاق ومنع عمل خمسين مؤسسة فلسطينية وعلى رأسها بيت الشرق والمركز الجغرافي.

وتشير دراسات فلسطينية إلى أنه منذ ربيع عام 1994 أخذت العديد من مؤسسات القدس بالانتقال إلى مدن أخرى في الضفة الغربية لتصبح مقرا رئيسيا لها بعد أن تمركزت لسنوات في المدينة المقدسة.

وبعد الانتهاء من بناء القسم الأكبر من الجدار حول القدس، انتقلت مؤسسات فلسطينية أخرى من أطراف مدينة القدس كالضاحية والرام إلى مناطق أخرى. ويهدف الجدار العازل حول القدس والذي سيمتد إلى نحو مائة كيلومتر إلى عزل المدينة ديمغرافياً وجغرافياً عن المدن والقرى في الضفة الغربية؛ ناهيك عن ضم أكثر من ربع مساحة الضفة إلى توسعات المدينة وفق مسار الجدار العازل.

الجدار وفشل الإستراتيجية الإسرائيلية
على الرغم من التخوف المشروع للفلسطينيين من الاستمرار في بناء الجدار العازل الإسرائيلي لأنه سيلتهم بعد الانتهاء من مراحله الأخيرة أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية البالغة خمسة آلاف وثمانمائة كيلو متر مربع، ناهيك عن عزله لمدينة القدس ديمغرافياً وجغرافياً عن مدن وقرى الضفة الغربية، إلا أن ثمة حقيقة يجب إظهارها في المقابل، وفي المقدمة منها أن هواجس كبيرة باتت تؤرق المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، مثل عدم القدرة على جذب غالبية اليهود في العالم، بل على العكس من ذلك، حيث تشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى ازدياد الهجرة المعاكسة وخاصة بين اليهود الروس خلال السنوات الأخيرة.

"
يمثل الجدار العازل عنوانا للتراجع في مستويات إستراتيجية وأيديولوجية لإسرائيل رغم خطورته على ممتلكات وأراضي الفلسطينيين
"

وفي مقابل ذلك لم تستطع إسرائيل طرد كل العرب من فلسطين التاريخية، ولهذا تراجعت شعارات إسرائيل الإستراتيجية الهادفة إلى عملية إفراغ فلسطين من أهلها العرب والإخلال بالميزان الديمغرافي لصالح المهاجرين اليهود في نهاية الأمر، ولم يعد المتابع للشأن الإسرائيلي يسمع أو يقرأ بأن حدود إسرائيل إلى حيث تصل قدم الجندي الإسرائيلي عبر الاحتلال، بل العكس كان الجدار العازل عنوان التراجع في مستويات إستراتيجية وأيديولوجية في نفس الوقت رغم خطورته على ممتلكات وأراضي الفلسطينيين.

نتائج واستخلاصات
مما تقدم يمكن تسجيل النتائج والاستخلاصات التالية:

أولا : الجدار العازل: هو عبارة عن حاجز طويل بدأت إسرائيل في بنائه قبل ثمانية أعوام في عمق الضفة الغربية قرب الخط الأخضر. ويقدر طول الجدار وفق معظم الخرائط الإسرائيلية بحوالي 720 كيلومترا.

ثانياً: يهدف الجدار الإسرائيلي العازل إلى فرض حقائق إسرائيلية على الأرض يصعب الانفكاك عنها؛ بحيث سيلتهم أكثر من 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية من جهة؛ ويقوم بجعل المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية كانتونات معزولة ديمغرافياً وجغرافياً.

ثالثاً: سيؤثر الجدار على حياة 210 آلاف فلسطيني يقطنون 67 قرية ومدينة بالضفة الغربية حيث إن 13 تجمعا سكانيا يسكنه 11.700 فلسطيني سيجدون أنفسهم سجناء في المنطقة ما بين الخط الأخضر والجدار العازل.

رابعاً: ثمة هواجس إسرائيلية من وراء بناء الجدار العازل؛ في المقدمة منها عدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الإستراتيجية إن على صعيد الأرض أو على الصعيد الديمغرافي أيضاً.

خامساً: تستهدف النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في مدينة القدس بما فيها الجدار العازل إفراغ المدينة من أهلها العرب ومن مؤسساتهم وتهويدها في نهاية المطاف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.