"هجوم" على الرايخستاغ

اسم الكاتب: أبو بكر ريغا



إنها لصورة قاتمة، ولكنها مثالية لوسائل الإعلام: فصيل من "الإسلاميين" المتعطشين للدماء يحتل مبنى البوندستاغ ويدمرون الديمقراطية بانقلاب مفاجئ ويرفعون علم الخلافة في العاصمة الألمانية. هكذا يصور التصور الأخير للحرب على الإرهاب، وهو تصور طويل الأمد وينطوي على آثار نفسية.

لكن هذا التصور ليس من اختراع طبيب نفسي بل من الموقع الإلكتروني لمجلة دير شبيغل: الموقع الإخباري الأكثر انتشارا في ألمانيا، وهو موقع طالما نقل لنا -بصورة سريعة وحصرية وعادة دون الكشف عن الظروف- خططا إرهابية وشيكة.

العواقب واضحة، الكثير من الألمان خائفون والجمعيات الإسلامية في البلاد تشكو من موجة جديدة من الهجوم الشعبوي (نسبة إلى مبادئ حزب الشعب الأميركي) على الأقلية المسلمة.

لحسن الحظ فإن التصورات الأخيرة لهجوم محتمل ليست أكثر من نظرية مؤامرة بحاجة إلى إثبات. مسلم راديكالي ألماني اتصل هاتفيا بالسلطات الألمانية من هاتف عمومي في باكستان وأخبرها عن الخطط.

عدد قليل جدا من وسائل الإعلام الألمانية بينت أنه في الوقت الذي أعطى الـ"أف بي آي" ونظيره الألماني "بي كي أي" أهمية كبيرة للتقرير الذي يحذر من مخطط إرهابي عالمي محتمل، فإن وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" من جهة والاستخبارات الفدرالية الألمانية والمكتب الفدرالي من جهة أخرى كانتا تنظران بعين الشك إلى الموضوع.

بعبارة أخرى، في خضم الإرباك الناتج عن تعدد السلطات وبالتالي اختلاف اهتماماتها، ليس هناك موقف واحد مشترك. الأجهزة الأمنية المتكاثرة التي تتخذ أشكالا فريدة من حيث الحجم والعدد أصبحت شبكات مغلقة في ألمانيا كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية.

"
الكثير من المسلمين يدفعون فاتورة التعميم حتى في حياتهم اليومية أثناء بحثهم عن عمل أو مسكن أو حتى عند دخولهم عفويا إلى أحد الأسواق الألمانية التقليدية لمستلزمات أعياد الميلاد المسيحية
"

ونظرا لوجود بضع مئات من المسلمين المتحمسين فإن تقارير كهذه لا يمكن أن تنسب إلى عالم الخيال. ومن الجيد أن غالبية العلماء المسلمين قد أشاروا إلى أن الإسلام يحرم الهجمات الانتحارية والإرهاب عامة، بالإضافة إلى قرون من عدم تبني الإسلام لهذه الظاهرة. باختصار، لأن المسلمين يعرفون الشريعة الإسلامية ظلوا في منأى عن المخططات الإجرامية التي يقوم بها دخلاء معزولون.

ولكن بطبيعة الحال المسلمون قلقون من خديعة الإرهاب والربط المستمر بينه وبين الإسلام. يتحمل الساسة الكثير من اللوم الذين يناسبهم التلاعب بالأمن في مواجهة الحريات. الآن وفي وقت لم تتأكد فيه الهجمات بعد، هناك مطالبات بتشديد القوانين. عقوبات وقائية مثل تلك التي اقترحها نوربرت غيس الخبير في الأمن الوطني في "سي أس يو"، ولن يكون الإجراء الوقائي أقل من سجن وقائي على التراب الألماني.

الكثير من المسلمين يدفعون فاتورة ذلك التعميم حتى في حياتهم اليومية أثناء بحثهم عن عمل أو مسكن أو حتى عند دخولهم عفويا إلى أحد الأسواق الألمانية التقليدية لمستلزمات أعياد الميلاد (المسيحية).

لقد تم إعلامنا أنه إذا ما حدث أن دخل "ثلاثة غرباء يتحدثون العربية فقط" فجأة إلى مناطقنا، فعلينا التزام الحذر وإخبار الشرطة إذا ساورنا الشك. هذا هو الأسلوب الألماني الجديد لليقظة والحذر الذي أوصى به المسؤول الأمني الألماني إيرهارت كورتنغ.

ما هو مستوى سذاجتنا لكي نجهل إلى أين تتجه الأمور؟ (في الحقيقة أن الهجوم الحقيقي الوحيد في اليوم الذي ألقى فيه كورتنغ توصياته تلك كان إضرام النار في مسجد برلين).

من الممكن أن تكتسب العلاقة بين المسلمين وسلطات الأمن شكلا أفضل، هناك عدم ثقة متبادل، والمسلمون باعتبارهم أقلية تواجه باستمرار تهما بأن لها علاقة بالإرهاب، عادة يتلقون التقارير حول المخبرين بمشاعر مختلطة.

فأولئك المخبرون يستخدمون لغة راديكالية متشددة ليروا من هم الأشخاص الذين يستجيبون لأطروحاتهم. يقال إن بريطانيا فيها ستون ألف وسيط بين المسلمين على اتصال منتظم بالأجهزة الأمنية ولا يعرف عدد المخبرين والعملاء بين مسلمي ألمانيا.

على أي حال هناك مناخ غريب سائد الآن، السياسة أمر لا يتم الحديث عنه في أغلب المساجد الألمانية "فقط للبقاء على بر الأمان"، وفي الكثير منها هناك شعور بعدم الثقة المتبادل، فأولئك الذين يكنون العداء للإسلام غالبا يشيطنون الممارسات الدينية الإسلامية علنا.

في بعض الحالات حرض الأمن الألماني بعض المشبوهين على القيام بأعمال إجرامية. "لقد تم توثيق ذلك في سياق مجريات التحقيقات" كما يقول المحامي كريستيان كيسلر الذي ترافع عن شخص عمره 18 عاما من نيونكيرشن.

"
في عصر غوغل وسلسلة المؤسسات والجهات التي تعمل في الخفاء تستطيع المعلومات المشكوك بصحتها أن تمرر بضغطة زر بسيطة
"

ذلك الشاب يقال إنه حرضه أحد الوسطاء للتهديد بالقيام بهجمات في ألمانيا من خلال سلسلة من الخطب المصورة طالب فيها بإطلاق دانييل شيندر عضو "مجموعة سواريلاند". وطبقا للمحامي يثبت ملف التحقيق بوضوح أن عميلا للشرطة قام بالاتصال مع الشاب البالغ من العمر 18 عاما في أحد المساجد في سبتمبر/أيلول الماضي.

إن اختلاق مشهد معين، ومن ثم التحكم فيه ليس تكتيكا جديدا، ولكنه ممارسة تقع ضمن المنطقة الرمادية من المصطلحات الرمادية.

فالوسيط السابق الذي عمل لبادن-فيرتمبرغ لحماية الدستور، وكان الأب الروحي تقريبا لجميع المتشددين في مشهد آلم الإرهابي لا يزال حرا طليقا في الخارج.

فجميع الأشخاص الذين يشتبه بتورطهم في الإرهاب في هذا السياق كانوا على اتصال بمشهد آلم. وإلى يومنا هذا، لا يزال من غير المعروف كيف وأين وتحت أي ظرف "خرجت مجموعة آلم عن السيطرة".

يجادل خبراء الأمن من جهة أخرى بأن الأعمال الإرهابية لا يمكن الكشف عنها دون الاختراق النشط. ويشتكون من أن جزءا من الأسباب التي تجعلهم يلجؤون إلى أسلوب الاختراق هو ضعف التقارير "الطوعية" التي تأتي من الجالية الإسلامية لقلة حيلتها في هذا الجانب، وذلك لسبب بسيط وهو ندرة الأدلة الدامغة أو القرائن المتوفرة لكي تقدم إلى أجهزة الأمن. كل هذه الأسباب تؤدي إلى النظر إلى المسلمين على أنهم يلعبون دور المتفرج السلبي.

الموضوع ليس مقصودا بالطبع، ولكن غالبية المسلمين يعانون من الاضطهاد بسبب حالة الطوارئ مثل بقية المواطنين، وفي الوقت نفسه هم يشتركون مع بقية أقرانهم في الوطن في القلق من الهجمات الإرهابية التي تعد أسوأ ما يمكن تصوره لملايين المسلمين المحبين للسلام في البلاد.

لقد انتقد المسلمون مرارا الصحافة الموجهة، هذا ينطبق على الصحفيين الذين يعملون وفقا لما يمكن أن يصنف بأنه "حالة طوارئ"، وهؤلاء ينتجون تقارير منخفضة المستوى نتيجة وقوعهم تحت ضغط سرعة تدفق المعلومات. عدد قليل من آلاف التقارير التي تعد حول الحرب الفوضوية على الإرهاب من نتاج بحث كاتب التقرير بنفسه.

أما في ما يتعلق بالشق الاقتصادي من صناعة الإعلام فإن عددا قليلا من وسائل الإعلام الرئيسية يتمتع بصلات مباشرة من المؤسسات الأمنية. وهذا قد يقود المرء للتساؤل هل تلك الصلات على حساب الحرية في النقد والمسافة التي تجب المحافظة عليها بين الصحفي والمصادر الأمنية.

تتحمل صحافة الإنترنت على وجه الخصوص اللوم في التحول الغريب في مجتمعنا المنفتح في عصر الإرهاب، ففي عصر غوغل وسلسلة المؤسسات والجهات التي تعمل في الخفاء تستطيع المعلومات المشكوك بصحتها أن تمر بضغطة زر بسيطة. ولا توجد وسيلة أخرى بإمكانها إدانة وشجب المعارضين -بينما نحن في قتال مع الإرهاب- خاصة مع استخدام العبارات المموهة.

النشاطات التركية العادية والقتل الجماعي يمكن أن يصنفا بسهولة تحت تصنيف واحد "إسلامي" وفي وجود الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) فإن كل ذلك سوف ينسب بسهولة إلى "المسلمين".

"
كثير من مسلمي ألمانيا يسألون أنفسهم كيف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم ضد قوة لا تعدو كونها الصورة النمطية وتشويه السمعة والتآمر
"

ربما يكون الخطر الأكبر الذي يواجه المسلمين هو أنهم مجبرون على اتخاذ موقف الدفاع في ظل "واقع شبحي" ناتج عن "بعبع شبح". إن الصورة الدراماتيكية المثيرة لتهديد مزعوم للديمقراطية من قراصنة متمردين يسيطرون على الرايخستاغ لا بد أن تحول الانتباه عن التهديد الحقيقي للديمقراطية المتمثل بتكنولوجيا المال العالمية.

الكثير من المسلمين يتساءلون هل وراء الأكمة ما وراءها في ما يتعلق بالنقاش الحامي المتسم بالغموض حول الإسلام.

في نوفمبر/تشرين الثاني كتب كولنر ستدتانزيغر مقالا تحت عنوان "كشمير، في الحقيقة شبح؟" ولكن هذا الصحفي القدير كان جالسا في مكتبه بمقاطعة كولون، إلا أنه توصل إلى استنتاج صادق وحيد من المفروض أن يؤول إليه أي بحث رصين، وهو أن وجود أو عدم وجود ذلك الشبح أمر من المستحيل إثباته، بالنسبة له ولنا.

إن الحكم النهائي المتعلق بصورة الشبح القبيح تذكرنا بالإرهابي كارلوس، وهو حكم متعلق بالدفاع عن وجود افتراضي للعدو. وقد نصّ بصورة موجزة على "أن مسألة وجود الكشميريين من عدمه أمر غير مهم". وفي هذه المرحلة يصبح من المستحيل القفز فوق حقيقة أن ذلك العدو الشبح لم يعد شخصا حقيقيا بل هو شخص مختلق يتوافق مع صورة العدو المؤدلج.

العدو الشبح يمثل نوعا من النموذج المثالي للعدو الشرير الذي يمكن أن يربط بالكثير من الأمور السلبية حسب الرغبة.

والنتيجة هي صورة لعدو يكون جزءا من حقيقة افتراضية. ولكن هل من الممكن أن تكون الهجمات الوهمية والأعداء الوهميون الذين ينتج عنهم في النهاية واقع وهمي يمكن أن يخلقوا نطاقا جديدا من صناعة القرار السياسي القائم على أسس تفتقد الوعي والمنطق.

كثير من مسلمي ألمانيا يسألون أنفسهم كيف يمكنهم الدفاع عن أنفسهم ضد قوة لا تعدو كونها الصورة النمطية وتشويه السمعة والتآمر. إن تقوية وسائلنا الإعلامية يمكن أن تكون خطوة حكيمة لتشجيع الحوار بين المسلمين وأسلوبا عاقلا للحوار مع من يظهر الاهتمام بالموضوع من ممثلي المجتمع والإعلام والسلطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.