القمة الأفروعربية.. حوار الفرص الضائعة

القمة الأفروعربية.. حوار الفرص الضائعة - الكاتب: حمدي عبد الرحمن



جذور مفهوم "الأفروعربية"
من الانقطاع إلى التلاحم
أزمة الفرص الضائعة
"سرت" الأفريقية وآفاق المستقبل

يمكن القول إن انعقاد القمة الأفروعربية الثانية في سرت يوم 10/10/2010 أي بعد مرور نحو 33 عاما من انعقاد القمة الأولى في القاهرة عام 1977، إنما يعكس حقيقة الفرص الضائعة التي اتسمت بها مسيرة العلاقات العربية الأفريقية منذ مرحلة ما بعد الاستقلال.

فعلى الرغم من أن العلاقات والوشائج الأفروعربية ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، وإنما هي نتاج تاريخي موغل في القدم وحقيقة ثقافية وحضارية متعددة الأبعاد، فإن ثمة قضايا معقدة ومتشابكة وقفت، ولا تزال، أمام عملية تفعيل العلاقات بين الجانبين بما يمكنها من بناء شراكة إستراتيجية راسخة الأركان.

ويحاول هذا المقال طرح وبلورة أهم تحديات وآفاق العمل العربي الأفريقي المشترك في ظل مناخ دولي متسارع التحول والتبدل.

جذور مفهوم "الأفروعربية"

"
إذا كانت الرابطة الأفروعربية هي في أحد أبعادها نتاجا للجغرافيا والجيولوجيا فإنها في بعدها الإنساني نتاج للتاريخ والتفاعلات المشتركة بين الكيانين العربي والأفريقي
"

لقد ذهب بعض الكتاب مذهب المفكر الكيني الأبرز علي الأمين المزروعي في قوله إن "الأفروعربية" إنما هي تعبير عن جوهر التلاحم العضوي بين المنطقتين العربية والأفريقية. إذ تشير بعض الدراسات إلى أن العرب والأفارقة كانا يعيشان في قارة واحدة قبل الانفصال الجيولوجي لأفريقيا عن شبه الجزيرة العربية بفعل ظهور البحر الأحمر.

وقد اكتمل هذا الانفصال بين الكيانين في القرن التاسع عشر مع حفر قناة السويس. ومع ذلك فإن حجم التفاعلات بين الكيانين العربي والأفريقي عبر هذه الفترة التاريخية الطويلة قد تجاوز عملية الانفصال العضوي التي سببها البحر الأحمر. يعني ذلك أن خبرة التفاعل والعيش المشترك لحقبٍ وفترات طويلة أدت إلى ظهور المجتمعات الأفروعربية.

وإذا كانت الرابطة الأفروعربية هي في أحد أبعادها نتاجا للجغرافيا والجيولوجيا، فإنها في بعدها الإنساني نتاج للتاريخ والتفاعلات المشتركة بين الكيانين العربي والأفريقي. وقد اتخذ هذا الاتصال البشري مسالك ثلاثة رئيسية: أولها منطقة شرق أفريقيا التي اتسعت في نطاقها لتشمل منطقة المحيط الهندي. فقد تاجر العرب وهاجروا إلى منطقة شرق أفريقيا الكبرى منذ عصر ما قبل المسيحية.

أما المسلك الثاني فيجسده حوض النيل الذي يمثل شريان الحياة لكثير من المجتمعات العربية والأفريقية بدليل أنه أدى إلى تأسيس دولة أفروعربية كبرى وهي السودان. وتمثل منطقة ساحل الصحراء وغرب أفريقيا المسلك الثالث للتلاحم بين الشعبين العربي والأفريقي، فتاريخ العلاقات بين العرب والبربر في شمال الصحراء والأفارقة في جنوبها قديم ومعروف.

من الانقطاع إلى التلاحم
وعلى الرغم من عمق الروابط التي تجمع بين التكتلين العربية والأفريقية فإنهما واجهتا تحديات خطيرة خلال الحقبة الاستعمارية، فقد دأبت الدول الأوروبية على تقطيع أواصر الالتقاء والتلاحم بين الكيانين العربي والأفريقي بشتى السبل.

ومن ذلك القضاء على العلاقات والمواريث المشتركة بين الفريقين وإعادة توجيه الاقتصادات العربية والأفريقية لربطها بالدول الأوروبية. ولا يخفى كذلك أن الغرب حاول خلق جذور العداء والصراع بين شعوب المنطقة. اتضح ذلك بجلاء في دول مثل السودان وموريتانيا وتنزانيا.

بيد أن تحديات ما بعد الاستعمار التي شهدت التأكيد على جملة من السياسات العامة التي التف حولها كل من العرب والأفارقة مثل محاربة الاستعمار ومواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، قد أعادت وصل ما انقطع بين الطرفين.

وقد تجلت الأفروعربية في لحظات تاريخية لا تنسى كما حدث في أعقاب انتصار أكتوبر 1973 حيث قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني تضامناً مع الموقف المصري.

"
جسد انعقاد مؤتمر القاهرة 1977 إرادة التضامن العربي الأفريقي التي ازدادت حماستها بفعل عوامل ثلاثة، وهي دور مصر الناصرية ومجيء العقيد القذافي للسلطة عام 1969 ودور دبلوماسية النفط العربية
"

وعليه فقد بدأ الحديث عن ضرورة وأهمية الحوار الإستراتيجي بين العرب والأفارقة، وهو ما دفع بالبعض إلى المطالبة بإحياء مشروع خط القاهرة-كيب تاون بعد تخليصه من مضامينه الاستعمارية.

وبالفعل احتضنت القاهرة في عام 1977 القمة الأفروعربية الأولى التي أقرت إعلان القاهرة للعمل العربي الأفريقي المشترك. وقد تمثلت أهداف برنامج عمل التعاون العربي الأفريقي في الدفاع عن المزيد من التفاهم بين الشعوب العربية والأفريقية.

وعليه فقد جسد انعقاد هذا المؤتمر إرادة التضامن العربي الأفريقي التي ازدادت حماستها بفعل عوامل ثلاثة، وهي: دور مصر الناصرية، ومجيء العقيد القذافي للسلطة عام 1969، ودور دبلوماسية النفط العربية.

أزمة الفرص الضائعة
مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن المنصرم تأزمت العلاقات الأفروعربية تأزما شديدا، وهو ما أدى إلى خلق جو من الشك وعدم الثقة بين الطرفين. لقد أفضت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية إلى حدوث حالة من الارتباك والفوضى في العلاقات العربية الأفريقية.

بل إن الجانب العربي قد تخلى عن الأساس الأيديولوجي والإستراتيجي الذي يدعم فرضية أن الرابطة الأفروعربية هي ضرورة تحتمها المصالح المشتركة والاعتبارات الأمنية للطرفين.

وإذا كان بعض الدارسين يؤكدون على أهمية متغيرات العولمة الجديدة والتكالب الاستعماري الجديد على الموارد واكتساب النفوذ في أفريقيا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وكذلك الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا باعتبارها أبرز تحديات العمل العربي الأفريقي المشترك، فإن ثمة عوامل نفسية ترتبط بسلبيات الماضي البعيد لا بد من تجاوزها لإعادة إحياء الرابطة الأفروعربية.

إننا في العالم العربي نشير دوما على استحياء لخبرة الرق ومشاركة بعض التجار العرب فيه، كما لا نحب أن نعالج أجواء الشك والصور الذهنية السلبية المتبادلة بين العرب والأفارقة.

وعلى سبيل المثال فإن التحيزات العنصرية في مناطق التماس العربي الأفريقي على طول الساحل الغربي للصحراء الأفريقية تظهر شعورا بالاستعلاء العنصري من قبل مجتمعات (البيضان) من العرب والمور تجاه مجتمعات "السودان" من الفولاني والولوف والتكولور.

ولا شك أن استخدام الأسماء المستعارة التي تحمل دلالات عنصرية وصورا ذهنية سلبية عن الآخر بين الجماعات العرقية في مالي مثل الطوارق والمور والعرب والصونغاي، تعبّر في جوهرها عن أجواء الشك والإحساس بعدم الأمن في هذه المجتمعات.

"سرت" الأفريقية وآفاق المستقبل
لعل السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في الجديد الذي تمثله قمة سرت الأفروعربية عام 2010، فقد شارك في الاجتماع الذي أعقب القمة العربية الاستثنائية في سرت مندوبون من أكثر من ستين دولة عربية وأفريقية.

وثمة ملاحظتان أساسيتان على هذه القمة الثانية للعرب والأفارقة التي جاءت متأخرة عن موعدها ثلاثة عقود كاملة: الأولى، انخفاض مستوى التمثيل بشكل عام كما لو كانت الدول الأفريقية غير متحمسة لاستكمال مؤسسات العمل المشترك مع العالم العربي، أو أنها استجابت على استحياء للضغوط الليبية المطالبة بانعقاد القمة الأفروعربية الثانية في سرت.

أما الملاحظة الثانية فهي ترتبط باعتذار الزعيم الليبي، ولأول مرة، عن ممارسات التجار العرب في مجال استرقاق الأفارقة. ولا شك أن مثل هذا الاعتراف العلني من زعيم عربي قد يساعد في طي صفحة سلبية أثرت على الحوار العربي الأفريقي فترة زمنية طويلة.

وقد جاءت قمة سرت تحت عنوان نحو الشراكة الإستراتيجية بين العرب والأفارقة، كما أنها أقرت خطة عمل تمتد حتى عام 2015. بالإضافة إلى ذلك فقد تم الاتفاق على أن تستضيف الكويت القمة الثالثة عام 2013.

وإذا ما صدقت النوايا وتوافرت الإرادة السياسية بين الطرفين العربي والأفريقي، فإنه يمكن تعويض الفرص الضائعة التي فوّتها كل من العرب والأفارقة على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وإذا كانت بعض القوى الإقليمية الكبرى المنافسة للوجود العربي في أفريقيا قد استطاعت أن تستخدم وسائل قوتها الناعمة لكسب عقول وقلوب الأفارقة (السياسة الإسرائيلية مثال بارز في هذا المجال) فإن الدول العربية الكبرى مثل مصر والجزائر والسعودية وليبيا، وكذا بعض الدول الصاعدة مثل قطر، تستطيع من خلال مساهمتها في مشروعات التنمية الأفريقية أن تعيد قطار التعاون العربي الأفريقي إلى مساره الصحيح.

"
دعوة مخلصة للعرب للتوجه جنوبا صوب أفريقيا لإعادة إحياء الروابط والوشائج التي تجمع بين الشعبين العربي والأفريقي, وليصبح شعارنا جميعا هو "التوجه نحو أفريقيا"
"

على أن المدخل الثقافي لتعزيز العلاقات العربية الأفريقية يقتضي ضرورة إعادة تصحيح الصور الذهنية والقوالب الجامدة المرتبطة بالآخر عند كل من العرب والأفارقة. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى الدور الذي يمكن أن يمارسه "المعهد الثقافي العربي الأفريقي" الذي نشأ في عاصمة مالي باماكو عام 1985 بمقتضى مقررات قمة القاهرة الأفروعربية الأولى.

ويبدو أن أزمة العلاقات العربية الأفريقية قد انعكست على أداء هذه المؤسسة الثقافية المهمة التي افتتحت رسميا عام 2002 ولم تنتج منذ ذلك الوقت إلا عملاً يتيماً واحداً حول "المخطوطات الأفريقية بالحرف العربي".

إننا ومن خلال هذا المنبر نوجه دعوة مخلصة للعرب للتوجه جنوباً صوب أفريقيا لإعادة إحياء الروابط والوشائج التي تجمع بين الشعبين العربي والأفريقي. وليصبح شعارنا جميعاً هو "التوجه نحو أفريقيا"، وتأسيس حوار إستراتيجي يقوم على ركائز ومقومات جديدة، ويطرح كافة القضايا والإشكاليات موضوع الاهتمام المشترك من الجانبين. ويمكن في هذا السياق أن تمارس مؤسسات المجتمع المدني دوراً فاعلاً في التأسيس لتحالف عربي أفريقي جديد.

فهل ننتبه نحن العرب إلى أن مصيرنا واحد وأنه مرتبط في ذات الوقت بإخواننا الأفارقة في الجنوب؟ أم إن مقررات قمة سرت الثانية سوف يكون مصيرها مثل مصير القمة الأولى في القاهرة، وهو ما يعني أننا أمام فرصة ضائعة أخرى في مسيرة العلاقات العربية الأفريقية؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.