النشاط الإنجيلي في كردستان العراق

العنوان: النشاط الإنجيلي في كردستان العراق



الكنائس الإنجيلية في كردستان
حملة تنديد بتنصير الأكراد العراقيين

لقد تركت عملية قتل المنصر الأميركي (المشيخي) كامبرلاند في مدينة دهوك على يد سليم مصطفى آغا البيسفكي الدوسكي في 12/6/1938م آثاراً بعيدة في الوجدان الشعبي الكردي، وأدت في الوقت نفسه إلى وقف نشاط الإرساليات التنصيرية في منطقة دهوك إلى ما بعد انتفاضة 1991، حين سيطرت الأحزاب الكردية العلمانية على مقاليد الأمور في كردستان العراق وانسحبت الإدارة الحكومية العراقية منها.

فقد عادت الإرساليات الإنجيلية الأميركية والأوروبية إلى كردستان العراق مرة أخرى، وبدأت تقوم بعمليات الإغاثة والدعم التي كان الشعب الكردي في أمسّ الحاجة إليها حينها نظرا للحصارين الدولي والعراقي عليه، فضلا عن قيامها بنشاطات تنصيرية تعيد إلى الأذهان ما قام به كامبرلاند وزملاؤه المنصرون من مشاريع حين بدأت أعداد من الكرد تعتنق النصرانية دون خوف أو وجل، رغم بعض الاعتراضات من قبل الأحزاب الإسلامية الكردية واتحاد علماء الدين الإسلامي فضلا عن الحركة الديمقراطية الآشورية وبعض الكنائس الكلدانية والسريانية.

"
الأحزاب الكردية العلمانية بشتى أصنافها من قومية واشتراكية وماركسية كان لها دور كبير في تعزيز القيم المناوئة للإسلام دينًا ونظام حياة، خاصة بعد سيطرتها على مقاليد الأمور في كردستان العراق
"

ولا تزال ذكرى قتل سليم مصطفى البيسفكي للمنصر الأميركي كامبرلاند باقية في أذهان المسلمين الكرد، لذلك عندما جاء المنصرون الجدد إلى كردستان العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1992 كانوا على حذر شديد خوفا من تصفيتهم، ولكنهم لم يدروا أن المجتمع قد تغير وأن السنوات التي تلت مقتل كامبرلاند حدثت فيها تغييرات سياسية وثقافية واجتماعية.

فالأفكار العلمانية قد غزت المجتمع الكردي مثله في ذلك مثل بقية المجتمعات الإسلامية المحيطة به، فضلا عن ذلك أن الأحزاب الكردية العلمانية بشتى أصنافها من قومية واشتراكية وماركسية كان لها دور كبير في تعزيز القيم المناوئة للإسلام دينًا ونظام حياة، خاصة بعد سيطرتها على مقاليد الأمور في كردستان العراق اعتبارا من سنة 1992.

الكنائس الإنجيلية في كردستان
لذا تأسست لأول مرة كنائس أجنبية بتسميات إنجيلية مختلفة تبعا لمرجعياتها الأميركية والأوروبية من معمدانية ومشيخية ومصلحية وميثودية وأسقفية في كردستان العراق، فضلا عن كنائس ناطقة باللغة الكردية في أربيل والسليمانية ودهوك، في ظل العولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان! التي بشرت بها الولايات المتحدة الأميركية وتمت الدعاية لها في وسائل الإعلام المختلفة، وهذه الكنائس هي:

1- كنيسة النعمة الإلهية
2- كنيسة الانتقال
3- كنيسة الناصري
4- كنيسة قداسة النهضة
5- الكنيسة المعمدانية (كنيسة العهد الجديد)
6- كنيسة الرسل
7- كنيسة الاتحاد المسيحي الأميركي الكردي، التي يدعمها أشخاص أميركيون مخضرمون في الحركة الإنجيلية العالمية كالمنصر الأميركي فرانكلين غراهام الذي يلتقي برؤساء العالم وكان من الداعمين والمؤيدين الأقوياء للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ووالده بيل غراهام يملك أكبر مؤسسة إنجيلية تنصيرية في العالم.
8- كنيسة كورد زمان (الكنيسة الناطقة باللغة الكردية)، وتعد هذه أحدث الكنائس التي تم تأسيسها في المدن الكردية الرئيسية الثلاث.

كما تأسست مكتبات متخصصة في المحافظات الثلاث لبيع الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) وغيره من كتب التنصير التي تعود معظمها إلى مؤلفين أميركيين والمترجمة بواسطة إنجيليين عرب من المصريين واللبنانيين, فضلا عن وجود كتب إنجيلية مترجمة باللغة الكردية باللهجتين الكرمانجية الشمالية (البهدينانية) والكرمانجية الجنوبية (السورانية).

والعديد من هذه الكتب يتحدث عن تنصير مزعوم لعدد من المسلمين الذين يحملون جنسيات خليجية كالمملكة العربية السعودية باعتبارها قلعة الإسلام، فضلا عن كتابات بعنوان "نبي وقس" مؤلفها المدعو موسى الحريري (جوزيف قزي من أهالي منطقة حماة السورية)، كما توجد مدارس أميركية ثلاث في كل محافظة كردية ملحقة بهذه الكنائس مهمتها إنشاء جيل كردي جديد مبني على أسس الليبرالية وحوار الأديان وتقبل الرأي الآخر, بجانب وجود دروس في الكتاب المقدس ودراسة تاريخ الكرد من وجهة نظر الكنيسة.

"
نشاط الكنائس الإنجيلية في كردستان العراق يشبه إلى حد ما نشاطها في منتصف القرن التاسع عشر في إنشاء الجامعة الأميركية في بلاد الشام حتى يتخرج جيل كردي جديد يبني قيمه على ركائز الحضارة الغربية
"

إن نشاط الكنائس الإنجيلية في كردستان العراق يشبه إلى حدٍ ما نشاطها في منتصف القرن التاسع عشر في إنشاء الجامعة الأميركية في بلاد الشام حتى يتخرج جيل كردي جديد يبني قيمه على ركائز الحضارة الغربية التي تتقاطع في كثير من بديهياتها مع أسس ومرتكزات الحضارة الإسلامية، فضلا عن إثارة الشبهات التي كان أسلافهم المستشرقون قد أثاروها، لذا يحاولون من جديد اجترارها عن طريق بثها بين ناشئة الكرد بلغتهم ولهجاتهم العديدة كأنها أفكار جديدة بقصد إبعادهم عن الفضاءين العربي والإسلامي.

في الآونة الأخيرة أنشئت جامعة أميركية في مدينة السليمانية، وتم جمع التبرعات لإنشاء بنايات الجامعة بواسطة دعم الرئيس العراقي جلال الطالباني وتبرعات بملايين الدولارات من عدد من أغنياء المدينة، ولذا يرى الداخل إلى المدينة من جهة الغرب على الجانب الأيمن من الشارع الرئيسي بنايات وعمارات جميلة تحيط بها الحدائق والساحات، في إشارة إلى الجامعة الأميركية في السليمانية.

كما أن الكثير من المطبوعات الإنجيلية تصل إلى كردستان قادمة من مراكز الإنجيليين الرئيسية في عمان والقاهرة وبيروت, أي أن الكثير من مراجعهم وكتابهم من أصول عربية من مصر ولبنان والأردن حيث للإنجيليين نشاط واسع في مجال التأليف والترجمة وإلقاء المحاضرات في النوادي والفضائيات التي يستقر قسم من محطاتها في قبرص، أما قبل سقوط بغداد بيد الأميركان فإن غالبية المؤلفات كانت تأتي إلى كردستان قادمة من ألمانيا وتركيا.

ومهما يكن من أمر فإن الإنجيليين يدعمون إسرائيل بكل قوتهم، ولا غرابة في ذلك فغالبية الإنجيليين ينتمون إلى الصهيونية المسيحية التي سبقت الصهيونية اليهودية في محاولتها إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، لذلك فالمنظمات والإرساليات الإنجيلية هي عيون إسرائيلية في مناطق تواجدها، وقد اتهمت بعض الشخصيات العائدة للحركة الآشورية وبعض آباء الكنائس العراقية المتعددة الإنجيليين بأنهم جواسيس لإسرائيل، وقد جاؤوا إلى المنطقة بقصد زرع الشقاق بين المسلمين والمسيحيين الذين تعايشوا لمئات السنين.

كما أن كنيسة الدوبارة المصرية الإنجيلية تدعم الإنجيليين في كردستان عن طريق إقامة الدورات والمحاضرات في كل من أربيل والسليمانية ومنتجع دوكان السياحي الواقع غربي السليمانية.

نعم، اعترفت الصحافة الكردية بأن عدة مئات من الكرد قد تنصروا على يد الكنيسة الإنجيلية في كردستان، ولكن يبدو أن الأمر مبالغ فيه، وإذا ما دخل بعض الكرد في النصرانية فهذا يرجع في حقيقة الأمر إلى أنهم كانوا أصلا لا يفهمون شيئا عن الإسلام، أو أن بعض هؤلاء دخل لغرض مادي بحت نظرا للعوز الذي كان الكرد يعانونه جراء الحصارين الدولي والعراقي، حتى إن البعض من هؤلاء كان يريد عن طريق الدخول في النصرانية السفر عن طريق المنظمات الإنجيلية إلى أميركا وأوروبا.

في يومي 6 و7/4/2006 عقدت الكنيسة الكردية الحديثة النشأة مؤتمرها الثالث في أربيل بمشاركة أكثر من ألف كردي مسيحي لم يمر على تنصرهم سنة واحدة، حيث كانوا في العام المنصرم أربعمائة شخص فقط حسب تقديرات المنصرين، ونجمت عن هذا المؤتمر ردود أفعال متباينة من حيث التشجيع من البعض والإدانة من الحركات الإسلامية والشخصيات الاجتماعية، وهم يتزايدون باستمرار!

"
مؤتمرات الإنجيليين مستمرة في الانعقاد لعدة مرات في السنة بصورة دورية في مدن: دهوك وأربيل (ضاحية عينكاوة) والسليمانية، ومنتجع دوكان
"

ومؤتمرات الإنجيليين مستمرة الانعقاد عدة مرات في السنة بصورة دورية في مدن: دهوك، وأربيل (ضاحية عينكاوة) والسليمانية، إضافة لمنتجع دوكان على التوالي.

منذ أكثر من ثمانين سنة انتشرت الأفكار الشيوعية في العراق عامة وكردستان خاصة، ولم تتمكن الحركات الماركسية من التأثير على إيمان الشعب، ففي كل قرية كردية كان يبنى المسجد قبل البدء ببناء أول بيت، وكان التشكيك بالإسلام من الخطوط الحمر عند الكرد، وعدم أداء الصلاة والصوم خلق مشاكل كثيرة بين أفراد العائلة الواحدة، وحرم الكثير من الأبناء من حق الوراثة لهذه الأسباب، إذن، من الذي يجبرهم على أن يتحولوا إلى النصرانية ويتركوا دينهم، دين الآباء والأجداد؟

حملة تنديد بتنصير الأكراد العراقيين
عبرت الحركة الديمقراطية الآشورية "المسيحية" في العراق عن مخاوف من الآثار السلبية المترتبة على حملة تجري في إقليم كردستان العراق لتنصير أكرادها المسلمين. وأكدت الحركة الآشورية في بيان مشترك مع الاتحاد الإسلامي الكردستاني إدانتها واستنكارها "لأية محاولة تنصيرية استفزازية في كردستان".

وقال البيان إن للتعايش السلمي الديني والقومي بين المسلمين والمسيحيين والكلدوالآشوريين والكرد جذورا تاريخية راسخة على أساس احترام الأديان والتآخي والوطن المشترك والتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة، وقال إنه ظهرت في الفترة الأخيرة "حركة غريبة جاءت من خارج البلاد باسم تنصير الكرد المسلمين وحتى إعادة تنصير المسيحيين". وشدد على أن هذه الممارسات تستفز المسيحيين والمسلمين في الإقليم وتتسبب في خلق التوتر وتسيء إلى التعايش بين الجانبين "ولا يستبعد أن تستغل من قبل الجماعات الإرهابية في هذه المرحلة". وطالبت الحركة الآشورية والاتحاد الإسلامي في الختام السلطات والمؤسسات ذات العلاقة بمنع هذه الممارسات اللامسؤولة "بهدف الحفاظ على وحدة صفوف شعبنا"..

"
للتعايش السلمي الديني والقومي بين المسلمين والمسيحيين والكلدوالآشوريين والكرد جذور تاريخية راسخة على أساس احترام الأديان والتآخي والوطن المشترك
"

فقد تم لأول مرة تأسيس كنيسة كردية إنجيلية تدعى "الكنيسة الناطقة باللغة الكردية" في مدينة أربيل يشرف عليها قساوسة كرد، وتحاول هذه الكنيسة إنشاء فروع لها في المدن الكردية الرئيسية الأخرى، وهذا ما حدث في مدينتي دهوك والسليمانية. والغريب أن اختيار القساوسة الخاصين بهذه الكنائس يتم بمواصفات خاصة (أن لا يكون الشخص المرشح يشرب الخمر أو يدخن السجائر)، وهذا ما خلق لهم إشكاليات عديدة، فهذه المواصفات من الصعوبة بمكان الحصول عليها من الأكراد الذين انحرفوا عن دينهم الأصلي الإسلام، لأنهم أساسا كانوا غير ملتزمين، لهذا دخلوا في النصرانية لا لشيء آخر، فجاءت المذاهب الإنجيلية لتحاول بطريقة مكيافيلية تربيتهم من جديد!

فضلا عن ذلك تم تأسيس رابطة للكنائس الإنجيلية في المدن الرئيسية الثلاث، حيث ظهر خلاف في من يتولى رئاسة هذه الرابطة بين الكرد الذين تنصروا وأصبحوا إنجيليين، وبين النصارى الأصليين الذين تحولوا من مذاهبهم الكاثوليكية والنسطورية والأرثوذكسية إلى الإنجيلية.

ويشرف على هذه الكنائس منصرون أميركيون وأوروبيون من الإنجيليين، ينتمون مثلا لرابطة الكنائس الإنجيلية الأوروبية، ومنظمة إنترست الأميركية لدراسة الكتاب المقدس، وورد مشن آلاينس الأميركية (World Missin Alliance)، ومنظمة الاتحاد الأميركية، ومنظمة هلينكتري الأميركية (Healingtree International)، ومنظمة سولت فاونديشن الهولندية (Salt foundation). هذه المنظمات ظاهرها إنساني وباطنها العمل على زعزعة القيم الإسلامية بواسطة شبهات المستشرقين وتلاميذهم ومحاولة اجترارها من جديد، ومن ثم زرع مفردات التنصير المختلفة كالمخلص والفادي وحمل الله والذبيح في تلك القلوب الخاوية.

والإيحاء لمثقفي الكرد بأن الإسلام كان السبب في تأخر الكرد! وأنهم ظلموا من قبل العرب والفرس والترك على حد سواء، ومحاولة المجيء بأساطير وخرافات حول ظلم العرب المسلمين للكرد الزرادشتيين في بداية فتح المنطقة الكردية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه!

"
الهيئات التنصيرية تحاول بشتى السبل الضغط على المؤسسات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني في إقليم كردستان بقصد تغيير قانون الأحوال الشخصية المبني على الشريعة الإسلامية
"

كما أن الحكومة المحلية تمنح قطع أراض لهؤلاء المنصرين لبناء كنائسهم عليها، وتمنح مؤسساتهم الموافقات الأصولية لفتح المعاهد والمدارس والمكتبات وطبع الكتب باللغات العربية والكردية بلهجتيها الرئيسيتين، ثم إن الكثير من أبناء المسؤولين يتعلمون في هذه المدارس التنصيرية وغيرها من المدارس الأجنبية المتواجدة في الإقليم رغم خطورتها على النشء بحجة تعلم اللغة الإنجليزية.

ومن جهة أخرى فإن الهيئات التنصيرية تحاول بشتى السبل الضغط على المؤسسات التشريعية والتنفيذية ومنظمات المجتمع المدني في إقليم كردستان بقصد تغيير قانون الأحوال الشخصية المبني على الشريعة الإسلامية، للسماح للكرد المنتصرين بتغيير هويتهم الإسلامية إلى الهوية النصرانية، فضلا عن عائلاتهم التي تنصرت، ومن ثم جعله قانونا ساري المفعول -في إشارة إلى حرية المعتقد والضمير- وعدم اعتبارهم مرتدين وفقا لأصول العقيدة الإسلامية التي لا تزال سارية المفعول في جميع أنحاء العراق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.