إسرائيل وسرقة المياه الفلسطينية

إسرائيل وسرقة المياه الفلسطينية - الكاتب: نبيل السهلي



أهمية المياه للدولة الصهيونية
مقدمات السيطرة على مياه الضفة
الديموغرافيا الفلسطينية وأزمة المياه القادمة
إسرائيل ومخططاتها القادمة

صدرت تقارير دولية وفلسطينية مؤخراً تشير بمجملها إلى شح المياه في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وبخاصة في مدينة بيت لحم, حيث بات المستوطن الإسرائيلي يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني صاحب الحق بالمصادر الطبيعية الفلسطينية.

ويلحظ المتابع للأنشطة الإسرائيلية المختلفة وخاصة الاستيطانية منها أن عملية التخطيط لمصادرة المياه العربية جنباً إلى جنب مع مصادرة الأرض كانت من الأولويات الإسرائيلية، وفي هذا السياق نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثيقة سرية كتبها بن غوريون في عام 1941، جاء فيها "علينا أن نتذكر أنه من أجل قدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أن تكون مياه الأردن والليطاني مشمولة داخل حدودنا".

وإثر إنشاء إسرائيل في مايو/أيار من عام 1948 سعت السلطات الإسرائيلية إلى السيطرة على الجزء الأكبر من الموارد المائية في فلسطين، وبدأت الدوائر الإسرائيلية المتخصصة على الفور في تنفيذ المشاريع المائية، وأهمها وأضخمها مشروع ما يسمى ناقل المياه الوطني، لنقل مياه بحيرة طبريا إلى صحراء النقب التي تشكل أكثر من 50% من مساحة فلسطين التاريخية.

أهمية المياه للدولة الصهيونية

"
لم ينصرف أصحاب القرار والمخططون في إسرائيل يوماً عن البحث في وضع مخططات ورسم السياسات لجهة السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية
"

ركزَت أدبيات الحركة الصهيونية قبل إنشاء إسرائيل على أهمية المياه لاستمرار الدولة الصهيونية المنشودة في الحياة، وقد تأكد ذلك في وثائقها الصادرة بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية أغسطس/آب من عام 1897، وقد توضحت أهمية المياه للمشروع الصهيوني أيضاً من خلال تصريحات القادة الإسرائيليين بعد إنشاء إسرائيل في مايو/أيار من عام 1948.

ولم ينصرف أصحاب القرار والمخططون في إسرائيل يوماً عن البحث في وضع مخططات ورسم السياسات لجهة السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية، وتبعاً لذلك فإن المياه هي التي حددت جغرافية إسرائيل وتوسعاتها منذ عام 1948 مروراً بعدوان الخامس من يونيو/حزيران في عام 1967 وصولاً حتى اللحظة السياسية الراهنة، الأمر الذي يفسر مسار الجدار العازل منذ البدء في إنشائه في صيف عام 2002، حيث سيلتهم أكثر من 50% من أراضي الضفة الفلسطينية البالغة مساحتها الكلية خمسة آلاف وثمانمائة كيلومتر مربع.

وسيحجز في ذات الوقت أهم الأحواض المائية الفلسطينية في الضفة الغربية من الجهة الغربية للجدار لصالح الإسرائيليين واستخداماتهم المختلفة، سواء للزراعة أو للشرب أو للصناعة، تاركاً بذلك الفلسطينيين في عجز وشح كبيرين في ظل زيادة سكانية عالية تزيد عن 3.5% سنوياً بينهم، الأمر الذي سيؤدي إلى تعطيش الفلسطينيين واتساع ظاهرة التصحر في أرضهم الزراعية، وبالتالي احتمالات طرد قسري للآلاف منهم بطرق غير مباشرة.

مقدمات السيطرة على مياه الضفة
وما يوضح الأهمية المائية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالنسبة لإسرائيل، استصدار السلطات الإسرائيلية لعشرات القرارات الجائرة من أجل التمدد المائي في عمق الضفة الغربية، ومن أهم تلك القرارات القرار العسكري الإسرائيلي الصادر في السابع من يونيو/حزيران من العام المذكور والذي يقضي بالسيطرة على جميع مصادر المياه الموجودة في الأراضي التي تم احتلالها في العام المذكور، واعتبار تلك المصادر ملكاً لإسرائيل وللمؤسسات ذات الصلة، كما تم استصدار أوامر لاحقة من قبل السلطات الإسرائيلية تمً من خلالها التحكم بجميع مصادر المياه الفلسطينية بشكل فعلي، وكانت البداية بمنع تراخيص خاصة بحفر آبار جديدة من قبل الفلسطينيين أو إصلاح القديم منها، وقد أدى ذلك إلى السيطرة على نسبة كبيرة من حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في الضفة الغربية.

وتبعاً لذلك باتت قضية نقص المياه في الأراضي الفلسطينية مع زحف الجدار في عمق تلك الأراضي تنذر بأزمة حقيقية وخطر كبير على مستقبل حياة الفلسطينيين ونشاطهم الزراعي، الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش دور القطاع الزراعي الفلسطيني وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم ظاهرة الفقر المدقع التي يعاني منها في الأساس نحو 60% من المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية.

"
قضية نقص المياه في الأراضي الفلسطينية مع زحف الجدار في عمق تلك الأراضي تنذر بأزمة حقيقية وخطر كبير على مستقبل حياة الفلسطينيين ونشاطهم الزراعي
"

وفي الوقت الذي غابت فيه أية خطة مواجهة حقيقية فلسطينية وعربية للحد من سرقة إسرائيل لمزيد من المياه العربية، تكثف اللجان الإسرائيلية المسؤولة عن المياه نشاطها لمعركتها القادمة مع الفلسطينيين، حيث يندرج النشاط المذكور ضمن سياسة إستراتيجية لا تنفصل عن السياسة الاستيطانية الإسرائيلية الهادفة إلى بسط السيطرة على أكبر مساحة من الأرض وعلى كافة مصادر المياه وأقل عدد من السكان الفلسطينيين.

وتذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك حيث ترى بحفر الفلسطينيين لثلاثمائة حفرة مياه في الخزان الجوفي في الضفة خلال السنوات القليلة الماضية بأنه يمس بمشاريع ري إسرائيلية قريبة من هذه الحفر، بحيث ترتفع نسبة الملوحة إلى حد تؤدي إلى تراجع أداء قطاع الزراعة الإسرائيلي، وبالتالي انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، الأمر الذي تسعى السلطات الإسرائيلية جاهدة لعدم حدوثه.

الديموغرافيا الفلسطينية وأزمة المياه القادمة
على الرغم من ندرة المياه في فلسطين بشكل عام مقارنة بالنمو السكاني المرتفع فإن أزمة المياه بين الفلسطينيين أخذت منحى خطيرا بعد عام 1967، واتسعت الأزمة المائية لتشمل عدداً من الدول العربية، خاصة بعد سيطرة إسرائيل على مياه نهر الأردن والحاصباني وغيره، وفي سوريا بانياس وجبل الشيخ، كما سيطرت على جميع الأحواض المائية في فلسطين.

استطاعت السلطات الإسرائيلية عبر مخططات وسياسات دؤوبة من السيطرة على 81% من حجم مصادر المياه الفلسطينية خلال الفترة (1967-2009)، حيث تشير الدراسات إلى أن حجم الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين في المنطقتين نحو (750) مليون متر مكعب سنوياً.

وعلى الرغم من وجود اتفاقية حول تحويل إسرائيل لثمانين مليون متر مكعب من المياه في السنة للفلسطينيين، لكن السلطات الإسرائيلية تنصلت منها.

وفي حين يحتاج فلسطينيو الضفة إلى 150 مليون متر مكعب سنويا من المياه، فلا يتوفر لهم سوى 50%  منها. ومع الارتفاع المستمر لمجموع سكان الضفة والقطاع الذي وصل إلى أكثر من أربعة ملايين فلسطيني في عام 2009، سيزداد الطلب على المياه، لكن من الواضح أن المشكلة المائية ستكون بوتائر عالية في قطاع غزة، نظراً للكثافة السكانية والمساحة الضيقة التي لا تزيد عن 364 كليومتراًً مربعاً، ويحتاج سكانها إلى مائة وعشرين مليون متر مكعب سنويا في وقت لا يتجمع لهم من مياه الأمطار سوى خمسة وأربعين مليون متر مكعب.

وأدت الأوضاع التي خلفتها سياسات الاحتلال الإسرائيلي إلى حدوث مشكلة صحية بسبب تلوث مصادر المياه نتيجة للسحب الزائد للمياه الذي يؤدي إلى دخول المياه العادمة إلى المياه المستعملة.

إسرائيل ومخططاتها القادمة
وستستمر إسرائيل في مخططاتها من أجل السيطرة على مزيد من مياه المنطقة العربية، حيث تشير الدراسات إلى أن إسرائيل تستهلك حالياً أكثر من 90% من المياه المتجددة سنوياً لأغراض الاستهلاك المختلفة المنزلية والزراعية والصناعية.

وفي ضوء احتمال اجتذاب أعداد محتملة من المهاجرين اليهود في السنوات القادمة وزيادة الطلب على المياه، من المحتمل أن ترتفع نسبة العجز المائي الإسرائيلي لتصل إلى مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي ستبحث إسرائيل عن خيارات للسيطرة على مصادر مائية عربية لتلبية حاجاتها المائية.

"
بدون سيطرة الفلسطينيين على مصادرهم الطبيعية وفي المقدمة منها شريان الحياة المياه، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بالمعنى الحقيقي، ولاعن سلام أيضا بينهم وبين الإسرائيليين
"

مما تقدم يتضح أن سياسات إسرائيل المائية إزاء الفلسطينيين في الضفة والقطاع وارتفاع معدلات الخصوبة بين النساء الفلسطينيات التي تتعدى ستة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابية، جعلت شبح العطش والجوع يلوح بالأفق بين الفلسطينيين، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القرارات والاتفاقيات الدولية وفي المقدمة منها اتفاقية جنيف لعام 1949، ونتيجة ذلك بات المستوطن الإسرائيلي في الضفة الغربية يستهلك ستة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني هناك.

وتبقى الإشارة إلى أنه بدون سيطرة الفلسطينيين على مصادرهم الطبيعية وفي المقدمة منها شريان الحياة المياه، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بالمعنى الحقيقي، ولا عن سلام أيضا بينهم وبين الإسرائيليين، وذلك على الرغم من الحديث المتكرر عن تسويات محتملة. ولهذا يجب إعطاء بعد عربي وقانوني لقضية السيطرة الإسرائيلية على المياه الفلسطينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.