المستوطنات الإسرائيلية الوجه الآخر لعملية الاحتلال

المستوطنات الإسرائيلية.. الوجه الأخر لعملية الاحتلال / نبيل السهلي



– فكرة الاستيطان

– التقاط الفكرة
– بداية النشاط الاستيطاني
– خزان الهجرة اليهودية
– إسرائيل وأهمية الاستيطان

تركز الحديث خلال الأشهر القليلة الماضية على قضية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وأهمية تفكيكها باعتباره أحد رموز ومعالم الاحتلال.

وفي ظل مطالبة إدارة باراك أوباما بتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ورفض حكومة نتنياهو لذلك، برزت ضرورة ملحة لتوضيح فكرة وفلسفة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين في سياقها التاريخي، إذ يعتبر الاستيطان الإسرائيلي الوجه الآخر لعلمية الاحتلال، المكمل لتهويد الأرض الفلسطينية وتفريغها من سكانها العرب.

وترى الأدبيات الصهيونية في المستوطنات مرتكزًا أساسيًّا لإستراتيجية السيطرة الديموغرافية والسيطرة على الأرض، ناهيك عن كونها الحزام الأمني والاقتصادي للمجتمع الصهيوني.

وترمي تلك المستوطنات إلى توطين أكبر عدد من المهاجرين اليهود في الأراضي الفلسطينية للإخلال بالميزان الديموغرافي لصالح التهويد في نهاية المطاف.

وقد تم إخضاع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي لمنهاج تدريجي في عملية توسع غير محدد برقعة واضحة دل عليها بشكل جلي تصريح بن غوريون "حدود إسرائيل ستعينها الأجيال القادمة".


"
كانت السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ نشوء الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن
"

فكرة الاستيطان
تشير الدراسات التاريخية إلى أن فكرة الاستيطان في فلسطين بدأت تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد ترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءا من النسيج الحضاري الغربي، لهم ما لهم من الحقوق وعليهم ما عليهم من الواجبات، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين، ويجب أن يعودوا إليه.

وكانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدانماركي أوليغربولي عام 1695 حين أعدّ خطةً لتوطين اليهود في فلسطين، وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت.

وفي عام 1799 كان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا.

وفي القرن التاسع عشر، اشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، وانطلقت هذه الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض (الدولة العثمانية) التي عرفت حينئذ بالمسألة الشرقية.

وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود وغيرهم، أمثال اللورد شاتسبوري الذي دعا إلى حل المسألة الشرقية عن طريق استعمار اليهود لفلسطين، بدعم من الدول العظمى، ساعده في ذلك اللورد بالمرستون (1856-1784) الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها حين قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838 وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين، كما طلب من السفير البريطاني في القسطنطينية التدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.


التقاط الفكرة
تشير الموسوعة الفلسطينية إلى سعي الحركة الصهيونية بعد ظهورها حركة سياسية عنصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورنس أوليفانت (1888-1820) الذي كان عضوًا في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضًا في السلك الدبلوماسي الإنجليزي، واعتقد ضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدرة على جمع الأموال.

ومن أجل ذلك قام عام 1880م بنشر كتاب بعنوان "أرض جلعاد" اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستوطنات جديدة.

وبالإضافة إلى أوليفانت حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين، ومن بين هؤلاء مونتفيوري (1784-1885) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عامًا مقابل 10%-20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحكم المصري لبلاد الشام آنذاك.

ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من قطع الأرض بالقرب من القدس ويافا، وأسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضا تحت تحفظ السلطات العثمانية على مشاريع الاستيطان في فلسطين.

كما بذل وليم هشلر جهودا في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية.


"
للاستيطان دور بارز في تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين، وقد نجحت الحركة الصهيونية في الاعتماد على فكرة الاستيطان وفلسفته التي جاءت من وراء البحار
"

بداية النشاط الاستيطاني
قامت مجموعة من اليهود في عام 1878 بشراء 3375 دونما من أراضى قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى عام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والترلاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة من 1882-1884.

وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء والاستئجار لمدة طويلة، وقد لعبت المؤسسات اليهود التي أنشئت لهذا الغرض دورا هاما في ذلك ومن بينها: منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897، والصندوق القومي اليهودي "الكيرن كايمت" وصندوق التأسيس اليهودي "الكيرن هايسود" والشركة الإنجليزية الفلسطينية.

ونشطت هذه المؤسسات بعد الحرب العالمية الأولى خصوصًا بعد تمكن المنظمة الصهيونية العالمية من استصدار وعد بلفور الشهير عام 1917 الذي يقضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، إذ لعبت حكومة الانتداب دورًا كبيرًا في تمكين اليهود من السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وذلك باتخاذها العديد من الإجراءات، منها فتح الأراضي الأميرية وجعلها أراضي ملكية وسن قانون أملاك الغائبين.

وتمكن اليهود بالاعتماد على تلك الإجراءات من امتلاك أكثر من عشرين مليون دونمًا من أراضي الفلسطينيين بعد قيـام دولة إسرائيل في مايو/أيار من عام 1948.

ومن المهم الإشارة إلى أن المستوطنات لم تظهر بشكل منتظم خلال القرن التاسع عشر إلا في عام 1878، عندما تمكنت مجموعة من يهود القدس من تأسيس مستوطنة بتاح تكفا، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات، هي مستوطنة ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا، ثم مستوطنة يسود همعليه ومستوطنة عفرون عام 1883، ومستوطنة جديرا عام 1884، وفي عام 1890 أقيمت مستوطنات رحوبوت ومشمار هيارون.

وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عام 1898 أقر قانون المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها كافة الشؤون المتعلقة بالاستيطان بعد أن وصل عدد المستوطنات الإسرائيلية الزراعية إلى 22 مستوطنة، سيطرت على 200 ألف دونم، ارتفعت إلى 418 ألف دونم بعد الحرب العالمية الأولى، بعد هذا التاريخ انطلقت مرحلة جديدة من مراحل الاستيطان اليهودي في فلسطين، إذ عملت المؤتمرات الصهيونية العالمية بدءا من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897.

ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة، والعمل على تغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية.

لقد كانت السيطرة على الأرض الفلسطينية جوهر الفلسفة التي انتهجتها الصهيونية العالمية منذ نشوء الفكرة الأولى لتوطين اليهود في فلسطين وتابعتها إسرائيل بعد قيامها حتى الآن.

وقد رافق عمليات الاستيلاء على الأراضي عملية تغيير ديموغرافي، ففي جميع حالات الاستيلاء كانت تجلب أعداد من اليهود من مختلف أنحاء العالم ، ليحلوا مكان السكان العرب الفلسطينيين.

وقد تعرضت الأراضي الفلسطينية لخمس موجات متتالية من الهجرات اليهودية، وذلك في أعقاب الأزمات السياسية المتعاقبة التي حدثت منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية في المناطق التي وجد فيها اليهود.


خزان الهجرة اليهودية
ثمة موجات من الهجرة اليهودية ساعدت في تحقيق الهدف الديموغرافي للاستيطان الذي يعتبر أساس السياسة السكانية الصهيونية في فلسطين، وقد حصلت الموجة الأولى من الهجرة اليهودية بين عامي 1882-1903، إذ هاجر نحو عشرة آلاف يهودي من روسيا في أعقاب حادثة اغتيال قيصر روسيا وما تبعها من عمليات اضطهاد لليهود هناك.

وبين عامي 1904 و1918 حدثت الموجة الثانية، ووصل عدد المهاجرين إلى 85 ألف مهاجر، ثم حدثت الموجة الثالثة بين عامي 1919 و1923 بعد حدوث الثورة البلشفية في روسيا، وبلغ عدد المهاجرين في هذه الموجة نحو 35 ألف مهاجر.

وتمت الموجة الرابعة بين عامي 1924 و1932، حين هاجر نحو 62 ألف مهاجر بسبب قيام الولايات المتحدة الأميركية بسن قوانين حدت من الهجرة إليها، أما الموجة الخامسة فكانت بين عامي 1933 و1938، حيث بلغ عدد المهاجرين في هذه المرحلة حوالي 164 ألف مهاجر بسبب التشريد الذي حل بالمخيمات اليهودية في مناطق الاحتلال النازي.

وإلى جانب هذه الموجات كانت هناك هجرات سرية قام بها اليهود الشرقيون (السفارديم) من جهات مختلفة من اليمن والحبشة وأفريقيا الشمالية وتركيا وإيران في فترة الأربعينات، وذلك بسبب قيام سلطات الانتداب البريطاني بفرض قيود على الهجرة اليهودية تقربًا للعرب للوقوف بجانبها في الحرب العالمية الثانية.

"
رغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة بسبب التكلفة العالية وكفاح أهل غزة الطويل، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر عملية استيطان إسرائيلية
"

وقد بلغت حصيلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى عام 1948حوالي 650 ألف مهاجر يهودي، وبعد قيام دولة إسرائيل قامت بتشجيع الهجرة اليهودية بسن العديد من القوانين مثل قانون العودة عام 1950، وقانون الجنسية الإسرائيلي عام 1952، فازداد عدد المهاجرين، إلى أن بلغ في الفترة من 1948 إلى 1967 1.3 مليون مهاجر.

ولم تتوقف الهجرة رغم بعض التراجعات بفعل تراجع عوامل الطرد والجذب إلى فلسطين المحتلة، والثابت أن السنوات الذهبية للهجرة كانت بعد عام 1948 وفي عقد التسعينيات من القرن العشرين، حين شكلت هجرة اليهود من دول الاتحاد السوفياتي السابق النسبة الكبرى من بين مجموع المهاجرين اليهود.

وبشكل عام ساهمت الهجرة بنحو 65% من إجمالي الزيادة السكانية لليهود في فلسطين خلال الفترة (1948-1960)، وكذلك هي الحال بالنسبة للفترة (1990-2000).

بيد أن الهجرة تراجعت خلال الفترة (2000-2009) نظرًا لأن القسم الأكبر من يهود العالم يتركزون في مناطق ودول غير طاردة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا، وإن حصلت بعض الهجرات من تلك الدول فلن يتعدى الرقم بضع مئات مقابل نحو 176 ألف مهاجر في بعض أعوام التسعينيات من القرن المنصرم.


إسرائيل وأهمية الاستيطان
أشرنا إلى أن للاستيطان دورا بارزا في تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين، وقد نجحت الحركة الصهيونية بالاعتماد على فكرة الاستيطان وفلسفته التي جاءت من وراء البحار، حيث تم الإعلان عن قيام إسرائيل في مايو/أيار من عام 1948 على 77% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27009 كيلومترات مربعة.

وتمكنت إسرائيل من طرد معظم السكان الفلسطينيين بعد أن ارتكبت العديد من المذابح والمجازر، وقامت بتدمير أكثر من 400 قرية ومدينة فلسطينية.

ومن المجازر المرتكبة في حق العزل الفلسطينيين مجزرة بلد الشيخ في قضاء مدينة حيفا، ومجزرة دير ياسين وكفر قاسم في قضاء مدينة القدس.

وأصبح الفلسطينيون يعيشون مشردين لاجئين في البلاد العربية المجاورة وفي داخل فلسطين في الضفة والقطاع، وما زالوا إلى الآن رغم صدور القرار 194 وخمسين قرارًا آخر يدعو إلى ضرورة عودتهم إلى أراضيهم في أسرع وقت ممكن.

وفي المقابل فتحت أبواب الهجرة اليهودية على مصراعيها ليتدفق الكثير من اليهود من مختلف أنحاء العالم، واستمر هذا الوضع حتى حرب الخامس من يونيو/حزيران عام 1967 التي كان من أهم نتائجها استكمال سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع.

وبذلك تكون فرصة جديدة قد سنحت لإسرائيل لمتابعة مخططات الصهيونية لتهويد فلسطين عبر النشاط الاستيطاني الذي بدأ في القرن التاسع عشر.

ورغم تفكيك المستوطنات من قطاع غزة بسبب التكلفة العالية وكفاح أهل غزة الطويل، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر عملية استيطان إسرائيلية منذ عام 1967.

وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية أدى إلى بناء 151 مستوطنة إسرائيلية تضم أكثر من ثلاثمائة ألف مستوطن إسرائيلي، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، وفيها نحو 190 ألف مستوطن إسرائيلي، وهناك مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية من مدينة القدس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.