توقعات وكالة الطاقة وذروة إنتاج النفط

توقعات وكالة الطاقة الدولية وذروة إنتاج النفط / سعد الله الفتحي





 
أصدرت وكالة الطاقة الدولية دراستها السنوية عن توقعات الطاقة العالمية لعام 2009 على المدى الطويل بما في ذلك سوق النفط والغاز، وقدمتها للصحافة مؤخرا. وهذه الوكالة أسستها الدول الصناعية الغنية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1974 لتراقب سياسات الطاقة في مواجهة القوة المتزايدة لأوبك في ذلك الوقت.

بحوث الوكالة عادة ما يسعى إليها ذوو العلاقة لاحتوائها على ثروة من المعلومات وعلى توقعات العرض والطلب في المدى الطويل، وهي معدة من قبل منظمة تعبر عن مصالح أعضائها وآرائهم. تثير توقعات 2009 تساؤلات بقدر ما تعطي إجابات بسبب بعض الآراء غير المتفائلة التي بدت أكثر وضوحا هذا العام مما كان في سنوات سابقة.

"
أسعار النفط ستسير نحو الارتفاع بموازاة الكلفة الحدية لإنتاج الطاقة بحيث يصل سعر النفط في 2030 ما يقرب من 190 دولارا للبرميل بالقيمة الاسمية, وفي الوقت نفسه هناك تلكؤ في الاستثمار قد يحتاج إلى وقت لاستعادة النشاط
"

الوكالة أعدت هذه التوقعات على خلفية أسوأ ركود اقتصادي منذ وقت طويل إضافة إلى أن انهيار أسعار النفط في النصف الثاني من 2008 وانتعاشها في 2009 أثر على التوقعات. وتفترض الوكالة أن أسعار النفط ستسير نحو الارتفاع بموازاة الكلفة الحدية لإنتاج الطاقة بحيث يصل سعر النفط في 2030 ما يقرب من 190 دولارا للبرميل بالقيمة الاسمية. وفي الوقت نفسه هناك تلكؤ في الاستثمار قد يحتاج إلى وقت لاستعادة النشاط، مما قد يسبب نقصا في العرض في المستقبل.

وتشير الدراسة إلى أن الاستثمار في مجال النفط والغاز قد انخفض بمقدار 90 مليار دولار في 2009 بالمقارنة مع مستوى 480 مليار دولار في 2008. و أخيرا لابد من أن الأنشطة المتزايدة والمؤتمرات المتعددة للتصدي لظاهرة التغير المناخي والتعديلات المتوقعة في سياسات الطاقة ستؤثر بدون شك على التوقعات.

إزاء هذه الخلفية، وفي الحالة المرجعية، فإن توقعات نمو استهلاك الطاقة بموجب الدراسة أقل من تلك التي كانت في 2008 على الرغم من بوادر الانتعاش الاقتصادي الموعود. من المتوقع أن ينمو الطلب على الطاقة من 12000 مليون طن نفط مكافئ في 2008 إلى 16800 مليون طن نفط مكافئ في 2030. الزيادة في الطلب أو 93% منها ستحدث في بلدان غير تلك المنضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخاصة في الصين والهند حيث من المرجح أن ينمو الطلب على الطاقة من 2600 م ط ن م في 2008 إلى أكثر من 5000 م ط ن م في 2030.

وستسهم أنواع الوقود الأحفوري من النفط والغاز والفحم بنحو 77% من الطلب على الطاقة، وبالتالي تتساءل الوكالة هل في الإمكان إدامة هذا الطريق في ضوء تأثير الانبعاثات المتأتية عن حرق الوقود الأحفوري.

أما الطلب على النفط الذي بلغ 85 مليون برميل يوميا في عام 2008 فمن المتوقع أن يرتفع إلى 105 ملايين برميل يوميا في 2030 أي بفارق كبير عن التوقعات التي نشرت في 2005 والتي بلغت 120 مليون برميل يوميا.

هذا الانخفاض جاء نتيجة الآثار المترتبة على الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وسياسات الدول الصناعية بشأن تغير المناخ وإمكانية اتخاذ بلدان أخرى بعض التدابير في نفس الاتجاه. وبالتالي فإن الطلب على النفط من المرجح أن يزيد بـ24% فقط في حين أن نمو الطلب على الفحم والغاز سيكون بنسبة 42% و53% على التوالي، وإن كان نمو الطلب على الفحم بهذا الشكل مشكوكا فيه في ضوء ارتفاع تأثير الفحم النسبي في ظاهرة تغير المناخ.

ولكن السؤال الأكثر أهمية فيما يتعلق بتوقعات النفط هو رأي الوكالة المفزع (للمستهلكين على الأقل) بالنسبة لإنتاج النفط في 2030 على أنه من "حقول لم يتم تطويرها أو لم تكتشف بعد". وتمضي الوكالة إلى القول "هناك حاجة إلى الاستثمار المستدام أساسا لمكافحة انخفاض الإنتاج من الحقول القائمة، والتي سوف ينخفض إنتاجها بنسبة الثلثين تقريبا بحلول 2030". ومنذ عدة سنوات وحتى عندما كانت التوقعات أعلى بكثير فإن الوكالة كانت دائما تؤكد على توفر الموارد دون أية تحفظات من هذا القبيل.

وقد أدى هذا الرأي إلى القول بأن الوكالة "تستسلم إلى نظرية ذروة إنتاج النفط" التي تقضي بأن الإنتاج النفطي العالمي قد بلغ ذروته وأنه سينخفض بحدة من الآن فصاعدا. وقبل يوم واحد من إطلاق الدراسة نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تصريحا لموظف في الوكالة رفض الإفصاح عن هويته يقول فيه "إن العالم يتجه إلى نفاد النفط"، ولكن الوكالة لا تريد أن تعترف بذلك خوفا من الهلع وارتفاع ألأسعار وانعكاساتها على الأسواق المالية.

وتقول الغارديان على لسان موظف سابق رفض أيضا الإفصاح عن هويته، إن الأميركيين يؤثرون على الوكالة للتقليل من معدلات تراجع إنتاج الحقول وزيادة احتمالات فرص العثور على حقول نفط جديدة. ويضيف أن هناك "قاعدة" في الوكالة تقضي بعدم إغضاب الأميركان، وأن ادعاء الوكالة أن الإنتاج قد يبلغ 105 م ب/ي في 2030 "تفاؤل في أفضل الأحوال أو غير قابل للتصديق في أسوئها".

فاتح بيرول، كبير الاقتصاديين في الوكالة، الذي كان يعمل في أوبك، قال في مقابلة أجريت معه مؤخرا إن إنتاج النفط العالمي من شأنه أن "يبلغ ذروته في غضون 10 سنوات، وإن الحكومات غير جاهزة أبدا لمعالجة هذه الأزمة". وعلى الرغم من التراجع وإعطاء تفسير مختلف للتصريح، فمن المحتمل أن تثير المسألة المزيد من الجدل بسبب الأهمية التي لا تمكن الاستهانة بها لما تنطوي عليه من نتائج.

أما الطلب على الغاز فيمكن أن يتعزز بسبب الإجراءات المتعلقة بتلافي التغير المناخي وهو في الحالة المرجعية سيزداد من 3 تريليونات متر مكعب (ت م م) في 2007 إلى 4.3 ت م م في 2030. وعلى الرغم من هبوطه في 2009 فإنه سيكون في حالة من ألانتعاش بقوة إلى 2015 قبل أن يتهادى إلى نهاية هذه الفترة بحيث يكون معدل الزيادة 1.5% سنويا مقارنة مع 0.9% للنفط.

"
احتياطيات الغاز البالغة 180 ت م م تكفي لمدة 60 عاما بقياس الاستهلاك الحالي ولكن الوكالة تتوقع نتيجة للاستنزاف أن نصف قدرة الإنتاج الحالية سوف يحتاج إلى استبدال بحلول 2030

"

إن احتياطيات الغاز البالغة 180 ت م م تكفي لمدة 60 عاما بقياس الاستهلاك الحالي ولكن الوكالة تتوقع نتيجة للاستنزاف "أن نصف قدرة الإنتاج الحالية سوف تحتاج إلى استبدال بحلول 2030" وهذا يشير مرة أخرى إلى الذروة والهبوط من الحقول القائمة. ولكن موارد الغاز النهائية قد تكون أعلى من الاحتياطيات المؤكدة الحالية حيث إن التقدم في إنتاج الغاز غير التقليدي (ميثان الفحم الحجري والغاز الحبيس وغاز السجيل) وخصوصا في أميركا الشمالية، قد يجعل احتمالات الموارد الإضافية عالية.

ومن المحتمل أن تزداد التجارة في الغاز من 677 مليار متر مكعب (م م م) في 2007 لتبلغ 1070 م م م في 2030 حيث من المتوقع أن يشهد الشرق الأوسط أكبر زيادة في الإنتاج والتصدير. ومع ذلك، في المدى القصير، وبسبب الأزمة الاقتصادية واكتمال العديد من مشاريع الغاز الطبيعي المسال، فإن من المرجح أن تظهر حالة من زيادة العرض في السنوات القليلة المقبلة حتى يتحقق التوازن بزيادة الطلب.

هذه الحال المرجعية، يمكن أن تحدث إذا بقيت سياسات الطاقة للحكومات على حالها. وبالنظر إلى المخاطر المتصورة من ارتفاع الانبعاثات فإن الوكالة تثير كثيرا من الأسئلة حول إمكانية الاستمرار في مسار من هذا القبيل وآثاره فيما يتعلق بتغير المناخ ونوعية الهواء وأمن الطاقة. فإذا بقيت الأمور على حالها، يمكن أن تزداد انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بحيث تسبب ارتفاع معدلات درجات الحرارة في العالم بـ6 درجات مئوية مع "العواقب الوخيمة لتغير المناخ". لذلك، فإن الوكالة تقول "لقد حان الوقت لاتخاذ الخيارات الصعبة لمكافحة تغير المناخ وتعزيز أمن الطاقة في العالم".

وتقترح الوكالة سيناريو آخر بحيث لا تتعدى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون القدر الذي يحافظ على تركيزه في الغلاف الجوي بمقدار 450 جزءا في المليون، على مقربة من المستوى الحالي. وهذا من شأنه الحد من ارتفاع معدلات درجات الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية وتتفق الآراء على واقعية هذا الهدف وإمكانية التعايش مع نتائجه.

في هذه الحالة سيزداد الطلب على الطاقة بنسبة 20% لغاية 2030 والوقود الأحفوري سيكون 68% فقط. هذا السيناريو ممكن التحقيق كما تقول الوكالة بسبب توقع فرض قيود والتزامات على الانبعاثات لغاية 2020 وبعدها في الدول الصناعية، ولأن الاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند من المرجح أن تضع بعض الحدود أيضا وبقية الدول النامية ستركز على اتخاذ تدابير وطنية للحد من انبعاثاتها.

إن الحد من الانبعاثات يمكن أن يتحقق من خلال زيادة كفاءة استخدام الطاقة في النقل والقطاعات المنزلية ومن خلال دعم زيادة الاستهلاك من الطاقة المتجددة وقليل من زيادة مساهمة الطاقة النووية، وأخيرا من خلال اعتماد وتنفيذ مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه. وهذه التدابير تتطلب استثمارا إضافيا قدره 10.5 تريليونات دولار خلال تلك الفترة. ومع ذلك فإن هذه النفقات الإضافية يمكن استعادتها من انخفاض فواتير الطاقة والتنمية الاقتصادية التي ستجلبها والفوائد الصحية التي ستتحقق بسبب الحد من تدهور جودة الهواء.

في هذه الحالة سيكون الطلب على الفحم أقل بكثير من الحالة المرجعية مما يعكس انبعاثاته النسبية العالية. كما أن الطلب على الغاز في عام 2030 سيكون 3.51 ت م م فقط. و سينخفض الطلب على النفط في 2030 إلى حد كبير قد يصل إلى 89 م ب/ي. ومع ذلك فإن إنتاج أوبك من المتوقع أن يكون 47 م ب/ي بالمقارنة مع 52 م ب/ي في الحالة المرجعية بسبب انخفاض الإنتاج المتوقع من خارج أوبك بشكل أسرع، وستحافظ أوبك على قوتها في السوق وربما ترحب بنتائج كهذه تقلل من استثماراتها ولا تؤدي إلى انخفاض عائداتها التراكمية إلا بنسبة 16% مقارنة مع عائدات الحالة المرجعية البالغة 30 تريليون دولار.

ومن الممكن أن يخضع السيناريو 450 لمزيد من التعديل اعتمادا على نتائج مؤتمر تغير المناخ في كوبنهاغن ومستوى التزام مختلف المجموعات الدولية بتخفيض الانبعاثات وعلى أن التزامات البلدان النامية ستعتمد على مستوى المساعدات المالية التي ستقدمها الدول الغنية من أجل تحسين نظم الطاقة وكفاءة استخدامها.

"
سيكون من الصعب حشد الاستثمار في الطاقة خاصة في السنوات القليلة المقبلة بسبب تأثير الأزمة المالية والشروط الأكثر صرامة لتمويل المشاريع من قبل البنوك أو صناديق التنمية
"

وسيكون من الصعب حشد الاستثمار في الطاقة خاصة في السنوات القليلة المقبلة بسبب تأثير الأزمة المالية والشروط ألأكثر صرامة لتمويل المشاريع من قبل البنوك أو صناديق التنمية. فالاستثمارات المطلوبة لغاية 2030 في الحالة المرجعية تقدر بدولار 2008 بما يقرب من 26 تريليون دولار أو 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. و سيكون أكثر من نصف هذه الاستثمارات في قطاع الكهرباء، ونصف جميع الاستثمارات سيكون في البلدان النامية حيث من المتوقع أن يرتفع الاستهلاك والإنتاج في المستقبل بشكل أسرع.

هذه طائفة من الإسقاطات في (توقعات 2009)، ونظرا لعدم اليقين من هذه التوقعات والقرارات الصعبة التي تنتظر الحكومات والشعوب فإنه ينبغي على البلدان المنتجة للنفط أن تكون على قدر من الحكمة في التخطيط لمشاريع التوسع وإنجازها بعناية. وإذا كان العالم حقا يواجه نفاد النفوط التقليدية فإن الحفاظ على الموارد يجب أن تكون له الأسبقية لصالح العالم وأجيال المستقبل في البلدان المنتجة.

إن البلدان الصناعية والوكالة (على الأقل في الماضي) حاولت كل ما في وسعها لتدمير أوبك ولكن المنظمة وقفت أمام اختبار الزمن، وأصبح الاعتماد عليها لتوفير المستلزمات بغض النظر عن السيناريو الذي يسود.

وحول التفاوض بشأن التغير المناخي، يجب على منتجي النفط إبداء أكبر قدر ممكن من التعاون إذا رأوا تعاملا سليما مع جميع مصادر الطاقة ودون التمييز ضد النفط. إن شعوب الدول المنتجة للنفط جزء لا يتجزأ من الإنسانية، وهي معنية بمصير الإنسانية لأنه مصيرها هي أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.