أميركا إسلامية وأوباما خليفة للمسلمين!

أميركا إسلامية وأوباما خليفة للمسلمين!





 
يبدو أن الخوارج، في زمن تصارع المسلمين الأوائل حول الخلافة، من بين باقي الجماعات التي شكلت النسيج الفكري والمذهبي الإسلامي، كانوا على حق فيما يشترط في مواصفات الخليفة الذي يستحق أن يعتلي منصب الخلافة ويقود الأمة برمتها. لأن فكرة أحقية قريش الحصرية في الخلافة لم يكتب لها أن تستمر إلا بقدر ما كان أمرا واقعا تغلبت فيه العناصر القرشية على السلطة؛ مثل الأمويين والعباسيين إلى حين.

فمرحلة ما بعد العباسيين، تغلبت فيها فكرة أهلية الخليفة وإن كان ""أسود شعره زبيبة""، مما يعني أن حُكم دار الإسلام مفتوح لمن يتلوّن بدين هذه الدار وإن كان غير قرشي. ورغم أن الحديث النبوي يخبر عن عودة الخلافة إلى سابق عهدها، فإنه لا يعين بالضبط وبالضرورة الجهة التي ستحقق هذه العودة، خاصة أن المسلمين اليوم اشتهروا بهجر هذا الدين ظهريا، واختزلوه في أبسط الرسوم والأسامي.

"
هل يمكن أن يتجاوز المنتصرون في عالم اليوم نظرتهم إلى العالم الإسلامي باعتباره مصدر رزق وطاقة وغنائم، إلى رؤيا أكبر وأعمق في الحضارة ومستقبل البشرية، فيعتنقوا الإسلام لقيادة أهله والعالم أجمع؟
"

فهل يمكن أن يتجاوز المنتصرون في عالم اليوم نظرتهم إلى العالم الإسلامي باعتباره مصدر رزق وطاقة وغنائم، إلى رؤيا أكبر وأعمق في الحضارة ومستقبل البشرية، فيعتنقوا الإسلام لقيادة أهله والعالم أجمع؟

فعلى غير المعهود، يكسر الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأميركية حاجزا نفسيا شكل على الدوام هوة عميقة في طبيعة العلاقات بين العالم العربي الإسلامي والعالم الجديد، حين خرج باراك حسين أوباما في ليلة شهر رمضان لهذا العام بخطاب إلى الأمة الإسلامية جمعاء يهنئها بحلول هذا الشهر.

وطبيعة شهر رمضان الدينية على عكس أي حدث آخر قومي أو وطني من مثل استقلال الدول الإسلامية أو تحرير بعض ثغورها المتبقية أو استرجاع قلاعها وغيرها من الأعياد الوطنية، ألزم أوباما توجيه الكلمة إلى المسلمين لا باعتبارهم كيانات سياسية وقومية منفصلة، ولكن باعتبارهم منتمين إلى هوية أولى تاريخية دينية فوق وطنية وفوق قومية، وهي الانتماء إلى الإسلام مصدر الوحدة والتشابه لدى المسلمين جميعا بدءا بطريقة ممارسة الطقوس اليومية كالصلاة، إلى الاعتقادات العميقة والاحتفالات الموسمية كعيد الفطر وعيد الأضحى وقبلهما شعيرة الصيام.

قد يكون خطاب الرجل سياسيا محضا ليثبت فيه التزامه، من بين التزامات عديدة وكثيرة قطعها على نفسه في حملته الانتخابية، بفتح حوار جاد مع العالم الإسلامي. وهو طريق ولاشك، لإثبات وجهة النظر الغربية عامة والأميركية خاصة والتي تصنف المسلمين إلى فئة صالحة وأخرى باغية تمارس الإرهاب وتروج للظلامية، على عكس ما يدعو إليه الإسلام والصيام. والخطاب كذلك محاولة لدغدغة مشاعر المسلمين ""الصالحين"" خاصة، للمساهمة في عملية الحرب الفانية التي تدور رحاها بأرض ""شيرشاه""* و""شاه جهان""** أفغانستان المستعصية.

لكن خارج أرض العم سام أيضا لم يحدث أن وجّه رجل لا من الصين وروسيا ولا من إنجلترا وفرنسا أو غيرها من الدول العظام التي استأسدت فيما مضى على دار الإسلام، خطابا إلى الأمة الإسلامية ليهنئها بشهر الصبر والتسامح أو بغيره من مناسبات المسلمين الكثيرة.

وإذا رجعنا إلى الوراء، إلى ماضي الأمة الإسلامية، سيقفز إلى أبصارنا للوهلة الأولى أن كثيرا من الأسر التي قادت المسلمين وصنعت تاريخهم لم تكن بالضرورة عربية الدم والعرق، وباستثناء الإمبراطورية الأموية التي تَقوّض سلطانها بسبب ما روجته عنها حركة الشعوبية كونها تفضل العرب على العجم، وتحتكر السلطة داخل العنصر العربي، فإن الإمبراطورية العباسية، خاصة في مرحلتها الثانية تحت البويهيين والسلجوقيين، كانت تتحكم في مصائرها أعراق من الفرس والترك وغيرهم. أما العثمانيون الأتراك فهم نموذج خالص لعنصر غير عربي ممن حكم دار الإسلام منذ بداية التأسيس على يد عثمان بن أرطغرل إلى غاية النهاية على يد مصطفى أتاتورك بلا مشاركة أي عنصر آخر.

ليس الغرض من هذا العرض لدول الخلافة الإسلامية إصدار أحكام حول أي منها، أو تصنيفها حسب أهميتها، أو البحث في حقيقة الحكم فيها هل هو خلافة أو ملك أو مجرد استغلال، لكن همنا هنا هو البحث في القاسم المشترك الأسمى الذي تثبته الدلائل التاريخية ويصدقه الواقع، وهو نشر الإسلام وربح جغرافيا جديدة كثيرة لصالح دار الإسلام على عهد هذه الإمبراطوريات، وكذلك لإثبات أن المسلمين جميعا بمن فيهم العرب، لم يكونوا ميالين إلى شق عصا الطاعة على من يحكمهم كونه مختلفا عرقيا.

"
حقيقة الإسلام تعلو على العرق والنسب والشعب الواحد، والإسلام أمانة بيد المتغلب، وكان السلطان أو الخليفة أو الملك يستمد شرعيته من مدى سهره على نشر الإسلام وتحقيق الفتوحات
"

فحقيقة الإسلام تعلو على العرق والنسب والشعب الواحد، والإسلام أمانة بيد المتغلب، وكان السلطان أو الخليفة أو الملك يستمد شرعيته من مدى سهره على نشر الإسلام وتحقيق الفتوحات ليس على يد الإمبراطوريات المذكورة أعلاه فقط، بل أيضا على عهد الإمارات المستقلة والمماليك البعيدة مثلما كان في عهد أحمد بن طولون وكافور الإخشيدي والمماليك بمصر والشام والمغول والأفغان ومماليك السودان وغيرها، وكل هذه الإمارات غير عربية العرق والنسب رغم أن بعضها كان عربي اللسان والمنشأ، ولكن الباقي كان ولاؤه للإسلام وهدفه نشره.

وبالتفاتة بسيطة وعابرة، سينتبه المقارن بين أهل دار الإسلام وغيرهم من باقي الشعوب الأخرى، أن المسلمين في المنطقة الواحدة، تتباين سحنات وجوههم وتختلف أشكالهم بين بياض وسواد وما بينهما وبين لهجات وألسن وصفات، وهي وحدها عربون ودليل تسامحية الإسلام وقدرته على التوفيق والتطبيق، أما عدا هذا الدين فإن سكان أوربا أو آسيا أو أفريقيا يتشابه أفراد تلك المجتمعات كما تتشابه حبات الأرز، بسبب غلبة فكرة القومية العرقية على أي مبدأ آخر كيفما كان، وإن كانت المسيحية في غرب أوروبا.(1)

ورغم أن دار الإسلام تعرضت للهجمة الاستعمارية الشرسة التي أفرزت من بين أبشع نتائج هذا الاستعمار ظهور دول قومية ووطنية، لم يعد أمر فُرقتها يقف عند حد الاختلاف في وجهات النظر والتصارع حول المدن والمناطق كما كان أمر الدويلات الإسلامية التاريخية، بل صار لكل دولة قومية جديدة حدودها المصنوعة وشعاراتها الخاصة وراياتها المميزة وعُمْلاتها الذاتية، وصارت العلاقات فيما بينها تتحكم فيها مرجعية جديدة هي مرجعية الأمم المتحدة التي تسهر على تنظيم الدول وفك صراعات الحدود والمياه وما شابههما.

هذا معناه أن الإسلام صار شأنا مختلفا عما مضى، ولم يعد يسمح لأحد أن يجعل من الجهاد والفتوح ونشر الإسلام الوسيلة الشرعية التي تقلده منصب زعامة البلد، ولكن ظهرت وسائل أخرى لبلوغ هذا المبتغى منها الادعاء بالدفاع عن حوزة البلاد أو ظهور عسكري طموح يدعي أنه يروم الإصلاح.

من كل هذا نفهم أن دور الحاكم الجديد في الدولة الوطنية الجديدة أصبح يتلخص في حماية الإسلام في الجغرافيا التي تشكل حدود بلاده، فيسهر على بناء المساجد ونشر التوعية الدينية وتأسيس جهاز وزارة الحقل الديني لينظم للناس حاجياتهم الدينية. وصار الفرد مطالبا أن يمارس إسلاما فرديا يتناغم وطبيعة الفردانية المنتصرة في العصر الحديث في كل حقل من حقول الحياة المادية، أما شأن الدفاع عن الأرض والعِرْض فهو شأن الدولة والعسكر.

ومؤشرات ديمومة الفصال بين أقطار دار الإسلام توحي أن وسائل النصر وأدوات الغلبة غير متوفرة لديها، وما تزال هذه الأقطار تلح على البحث عن مكامن قوتها في أسباب نجاح الغرب نفسه، رغم أن هذا الغرب ذاته يحس اليوم بالعجز والضعف والاضمحلال. وابن خلدون فيما مضى وهو الخبير بشؤون الدول والحكيم في أسباب عللها قد أجزم أن العرب لا يوحدهم إلا دعوة دينية، نحن اليوم لا نراها ولا نجد إرهاصاتها في أي مكان.

"
المسلمون لا يعنيهم من يحكمهم، لكن الذي يعنيهم بالدرجة الأولى أن يكون حاكمهم مسلما وعادلا يتوخى القسط ومصالح الناس, ولعل من بين دواعي بعض شعوب الإسلام لتهب إلى استقبال إسلام الغرب معاناتها في أوطانها من الجوع والحرمان والقهر
"

فما الذي يمكنه أن يستعصي على حسين أوباما ليحكم دار الإسلام؟ لأن الشعوب المسلمة في كثير من البلدان الإسلامية لا يشكل عائقُ تبعيتها كليا لأميركا إلا حاجز الدين لدى هذه الأمة الأميركية. ومثلما حدث أن حكمت دارَ الإسلام عناصرُ كثيرة وأعراق شتى، ولم يكن شرط قيامها بهذا الدور سوى اعتناق الإسلام، فإن الغرب اليوم خاصة أميركا مدعوة في عهد حسين أوباما إلى اعتناق الإسلام.

وبسرعة البرق تزول كل الحواجز النفسية والمادية أو غيرها. والمسلمون لا يعنيهم من يحكمهم، لكن الذي يعنيهم بالدرجة الأولى أن يكون حاكمهم مسلما وعادلا يتوخى القسط ومصالح الناس. ولعل من بين دواعي بعض شعوب الإسلام لتهب إلى استقبال إسلام الغرب معاناتها في أوطانها من الجوع والحرمان والقهر.

والراجح أن مقولة ""الشعوب على دين ملوكها"" ما تزال إلى اليوم قابلة للتطبيق وسارية المفعول. وفي أمة مثل الولايات المتحدة الأميركية التي تنخر الأزمات كيانها وتستنزف الحروب ميزانيتها وتغرّب المادية إنسانها عن طبيعته، فإنها أقرب إلى قبول دعوات الانخراط في دين يحفظ لهم ريادة العالم ويوفر لهم على الدوام مصادر قوتهم.
ـــــــــــــــ
* يقول كرستيان هورتيغ في حق السلطان شير شاه الذي حكم أفغانستان والهند ما بين 1526- 1554 ""استولى على السلطة بشمال الهند سنة 1540 وهو رجل حرب وحكم فريد من نوعه. في ظرف ست سنوات أعاد تنظيم الجيش ونظام الضرائب والإدارة وبنى الطرقات وحرر التجارة مهيئا بذلك 150 سنة من الاستقرار المغولي… وبعد ثلاثة قرون تبنى البريطانيون لصالحهم جزءا من هذا الإرث"."

فأفغانستان ليست أرض شعب همجي تائه، إنه مصدر إلهام لسيدة البحار البعيدة في مجال يحسب فقط لصالح بريطانيا وحدها وهو النظام الإداري المحبك.

** شاه جهان صاحب المعلمة التاريخية الكبرى تاج محل التي بناها لزوجته.

1- التنوع البشري القائم اليوم في الو.م.أ مثلا وأوروبا، هو ثمرة هجرات قريبة العهد منا فقط، وسودان أميركا لم يعتبروا مواطنين إلا بعد زهق أرواح وخوض حمامات دم في مواجهات كثيرة، ومع ذلك تستمر المحنة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.