هل يغير أوباما قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟

هل يغير أوباما قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟



– أوباما والهجمة الإسرائيلية على غزة
– فريق أوباما للأمن القومي
– أولويات أوباما في السياسة الخارجية؟
– تغيير قواعد اللعبة
– هل سينقذ أوباما إسرائيل من نفسها؟
– هل يمارس أوباما ضغوطا على إسرائيل؟

بعد صمته المطبق نسبيا بشأن الهجوم على غزة، تعهد الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما الأسبوع الماضي بالضغط الفوري من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط وانتهاج سياسة واضحة نحو حوار سياسي مع إيران.

أوباما والهجمة الإسرائيلية على غزة
لقد دافع أوباما عن تردده في الحديث عن الهجوم الإسرائيلي الوحشي قبل أن يتسلم زمام الأمور في البيت الأبيض 20 يناير/كانون الثاني، قائلا إنه كان منشغلا في تشكيل فريقه الدبلوماسي حتى "يكون لديه منذ اليوم الأول أفضل فريق ينخرط بشكل فوري في عملية السلام بالشرق الأوسط".

وقال أوباما إن "الفريق سيجتمع مع جميع اللاعبين بحيث "يتمكن الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي من تلبية طموحاتهم".

وبالضغط عليه لتوضيح رؤيته، ألمح أوباما إلى تسوية سلام تقوم على حل الدولتين تحظى ملامحها –أمن إسرائيل وقابلية الحياة للدولة الفلسطينية- بموافقة دولية:

"أعتقد إذا ما نظرتم ليس فقط إلى إدارة بوش، بل أيضا إلى ما جرى في عهد إدارة بيل كلينتون، تدركون الخطوط العامة للتسوية السلمية المقبلة وقد أجرى مكالمة تاليا مع أهم محطات التلفزة الأميركية وأوضح بأنه سيتبع "نهجا إقليميا جديدا"، في الشرق الأوسط.

هناك ثلاثة ملاحظات حول "منهج أوباما الجديد" تستحق أن نسلط عليها الضوء، أولها أنه أكد على استثماره منذ اليوم الأول لمكانة وهيبة المنصب الرئاسي في محاولة التوسط بتسوية سلام عربية إسرائيلية تلبي الطموحات الوطنية للطرفين، وليس للإسرائيليين فقط.

وثانيها أن أوباما ركز على ضرورة المشاركة السياسية "لجميع الأطراف الفاعلة هناك" بمن فيهم إيران خلافا للاستبعاد والتهديد الذي ميز نهج سلطة بوش. فقد وعد بتأكيد جديد على احترام خيارات وثقافة الآخر، وتأكيد جديد على الاستعداد للحوار، ولكن على الوضوح أيضا في ماهية مبتغياتنا".

"
دافع أوباما عن تردده في الحديث عن الهجوم الإسرائيلي الوحشي قبل أن يتسلم زمام الأمور في البيت الأبيض قائلا: إنه كان منشغلا في تشكيل فريقه الدبلوماسي حتى "يكون لديه منذ اليوم الأول أفضل فريق ينخرط بشكل فوري في عملية السلام بالشرق الأوسط"
"

وأخيرا، فإن "اعتقاد أوباما بأن الحوار السياسي والنهج الإقليمي هو بداية للانطلاق" يشير إلى التخلي الواضح عن الموقف العسكري المفرط لإدارة بوش وتجاهلها المخزي لعملية السلام العربي الإسرائيلي.

فمن حيث الخطاب والمضمون فإن إدارة أوباما ستمثل انفصالا وانفصاما عن الإدارة السابقة، والهجوم على غزة شاهد على ذلك، فبينما أيد بوش في سياسته الخارجية إسرائيل بشكل أعمى ضد حماس، فإن أوباما يبدو أكثر دقة ويرى الأزمة من منظور أوسع وأشمل وإقليمي.

الرئيس المنتخب قال إن لدى إسرائيل حق الدفاع عن النفس، ولكنه قرن ذلك التصريح بإعلانه الأسف عن الخسارة في صفوف المدنيين، ووعد باتخاذ إجراءات سريعة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

وبطبيعة الحال، كان يجب على أوباما أن يوجه انتقاده لاستخدام إسرائيل القوة المفرطة والوحشية ضد المدنيين في غزة وانتهاكها لقوانين الحرب. ولكن هذا الفشل لا يجب أن يحجب الحقيقة بأنه لم ينضم إلى جوقة الأصوات في المؤسسة السياسية الأميركية في تأييدهم الصريح للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.

الأمر المثير للاهتمام لا ينطوي على أن الرئيس المنتخب لم يدن الوحشية الإسرائيلية علنا بل على أنه لم يجاهر بدعمه للحرب. وهذا التردد يكشف عن عقلية وطبيعة أوباما المتوازنة في النظام السياسي الذي لا يسمح بمعارضة أو انتقاد "الدولة اليهودية" سواء كانت على حق أو خطأ.

وكسياسي محنك يدرك أوباما أهمية توخي الدقة في مساره بين رسالة التغيير التي نادى بها وإيمانه بمقاربة إقليمية تعتمد إشراك سوريا في المحادثات والانخراط مع إيران وبين دعمه لإسرائيل الذي دأب على تكراره.

كما وصف الحرب في غزة بأنها "مأساة" مستعجلا تحريك عملية السلام وإضعاف المتطرفين. وأشار أوباما إلى أن ما سيطلبه من الطرفين هو "النظر إلى العالم ليس فقط من وجهة نظر أحادية، بل أيضا من خلال وجهة نظر خصومهم".

وشدد في هذه المقابلة على إشراك الأطراف الإقليمية في المحادثات وخاصة سوريا وإيران.

فريق أوباما للأمن القومي
رغم أننا نعرف الآن اللاعبين الأساسيين في فريق أوباما للأمن القومي، فإننا ما زلنا نجهل أولوياته في السياسة الخارجية، فقد اختار فريقا يميل في معظمه إلى اليمين الوسط، لذا فإن اختيار هذه الشخصيات لشغل هذه الأدوار يشير إلى أن الاحتمال في إحداث نقلة نوعية في السياسة الخارجية الأميركية ما زال بعيدا.

وبدلا من ذلك، فإن الولايات المتحدة ستعتمد منهج السياسات الواقعية والبراغماتية التي كانت مرشدا لها في علاقاتها الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

منهج أوباما في العلاقات الدولية سيسير على خطى إدارة كلينتون، معتمدا على خيار القوة والدبلوماسية من أجل المصلحة القومية مع مزيد من التركيز الواضح على حقوق الإنسان وحكم القانون.

وسيتم نشر "القوة الذكية" لأميركا والمزج بين الدبلوماسية والدفاع على مستوى العالم. وبعبارة أخرى، فإن الدبلوماسية، لا القوة العسكرية وحدها، ستكون قاطرة السياسة الخارجية لإدارة أوباما.

"
منهج أوباما في العلاقات الدولية سيسير على خطى إدارة كلينتون، معتمدا على خيار القوة والدبلوماسية من أجل المصلحة القومية مع مزيد من التركيز الواضح على حقوق الإنسان وحكم القانون
"

الرئيس المنتخب يملك من الذكاء والدهاء السياسي ما يؤهله للتغاضي عن التناقض بين تعهداته التي تبناها أثناء حملته الانتخابية للرئاسة وبين الطابع المحافظ لفريقه الأمني والاقتصادي، وقد دافع أوباما عن خياراته قائلا إنه هو المسؤول عن عملية التغيير وإنه سيرفع شعار التغيير في البيت الأبيض ليكون البوصلة الموجهة لإدارته.

وكرر أوباما أمام المراسلين "إنني أدرك من أين تأتي رؤية التغيير أولا وآخرا، إنها تأتي مني. وهذا هو عملي، كي أقدم رؤية في ضوء أين سنذهب؟ وكي أضمن حينها أن فريقي يقوم بالتنفيذ".

أوباما كان مصيبا: مسؤوليته الأساسية هي تقديم الرؤية والتوجيه، ولكن الخطر يكمن في أن رؤيته ستضيع وسط المصالح المتنافسة لوزرائه والخيارات السياسية التي يقدمونها.

أولويات أوباما في السياسة الخارجية؟
العراق بالنسبة للرئيس المنتخب يحمل أهمية خاصة لأسباب رمزية وشخصية (أوباما عارض الحرب قبل الهجوم الأميركي على العراق وتعهد إبان حملته الانتخابية بسحب الجنود في غضون 16 شهرا) وكذلك لضرورات اقتصادية.

فالولايات المتحدة تنفق قرابة 148 مليار دولار سنويا في العراق وهو مبلغ هائل ضمن اقتصاد يعصف به الركود، فهو يجد صعوبة في توفير المال من أجل مشاريع الإنعاش الاقتصادي والإنفاق المتزايد على الحرب في أفغانستان وباكستان.

وقال أوباما لشبكة سي بي إس الأميركية قبل عدة أيام من تنصيبه "تكمن مهمتي في الانسحاب بطريقة مسؤولة من العراق وترسيخ الوضع هناك".

ولكن أوباما وفريقه يدركان تماما أن إنهاء المهمة العسكرية الأميركية في العراق لن يغير المشهد الأميركي أو قواعد اللعبة في المنطقة".

وكذلك فإن النتائج السياسية لمزيد من زيادة القوات الأميركية في أفغانستان ستكون محدودة وتنطوي على مخاطر. وكما اكتشفت القوى العظمى السابقة على نحو متأخر، فإن أفغانستان هي مصيدة الموت التي دمرت المخططات الكولونية (الاستعمارية) وأجبرتها على التقهقر.

وفي نهاية المطاف يتعين على أميركا خفض مستوى مشاركتها العسكرية والاعتماد على معادلة ومقاربة إقليمية أساسها رؤية سياسية تضمن توفير الاستقرار لبلد مثل أفغانستان مزقته الحرب منذ أواخر السبعينيات.

وفي آخر تصريح للرئيس المنتخب كان واضحا وضوح الشمس "تركيزنا الحقيقي يجب أن يكون على أفغانستان، والمناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان. ويجب أن نمارس ما أمكن من الضغوط على تنظيم القاعدة. هذه هي أولويتي الأولى بصفتي رئيسا للولايات المتحدة الأميركية".

التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الرئيس المنتخب وفريقه للأمن القومي تشير إلى إدراكهم بأن على الولايات المتحدة أن تتودد إلى إيران وباكستان لإيجاد مخرج من هناك، لحسم الصراع في أفغانستان، وأنه لن يكون هناك حل عسكري سواء في أفغانستان أو باكستان، حسب ما تقر به القيادة العسكرية علنا في البنتاغون.

ورغم أن أوباما ما زال يخطط لإرسال ثلاثة أو أربعة ألوية إضافية إلى أفغانستان، فإن الإستراتيجية الجديدة تؤكد على ضرورة المقاربة السياسة الفاعلة مع دول الجوار وكذلك مع المعارضة في الداخل.

إن خيارات أوباما في العراق وأفغانستان تحكمها الوقائع على الأرض، وإن رؤيته وتوجيهه وجاذبيته من غير المرجح أن تؤدي إلى تسوية سريعة، رغم أنه قد لا يجعلها أكثر سوءا كما فعل سلفه بوش.

تغيير قواعد اللعبة

"
إيجاد تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن يساعد رؤية أوباما على إجراء تغيير حيوي على مكانة الولايات المتحدة الأميركية في مخيلة العرب والمسلمين, ولكن هل سيسعى أوباما نحو تغيير قواعد المشهد الإقليمي؟
"

إيجاد تسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن يساعد رؤية أوباما على إجراء تغيير حيوي على مكانة الولايات المتحدة الأميركية في مخيلة العرب والمسلمين. ولكن هل سيسعى أوباما نحو تغيير قواعد المشهد الإقليمي من خلال إيجاد تسوية عربية إسرائيلية شاملة وكسر الحواجز النفسية بين المسلمين واليهود من جهة وبين المسلمين والغرب من جهة أخرى؟

هذا لا يعني أن النجاح مضمون وأن المخاطر قليلة. ولا سيما أن إسرائيل وحلفاءها في الولايات المتحدة سيقاومون بشراسة أي جهود جديدة ترمي إلى بناء دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة وقابلة للحياة.

إن هدف التوصل لسلام عربي إسرائيلي ليس ضربا من الأمنيات أو تمرينا أكاديميا. فقد نصح مستشارون كبار لأوباما -منهم السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل ومصر دانيل كيرتزر ومستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو برزينسكي- أوباما بأن الوقت قد حان للتوسط من أجل سلام بين العرب والإسرائيليين في الأشهر الستة الأولى من ولايته وهو يتمتع بالدرجة القصوى من الدعم الشعبي.

ووفقا لتقارير منشورة، فإن كيرتزر -أحد مستشاري أوباما- كتب مذكرة تشير إلى أن ثمة عاملين واعدين آخرين غيرا المشهد الجيوسياسي الإقليمي:

(1) الدول العربية السنية تخشى أنه طالما بقي الصراع العربي الإسرائيلي دون حل، فإن إيران ستعمل على كسب التأييد الشعبي العربي والإسلامي.

(2) صعود الإسلام المسلح يمثل تهديدا لاستقرار الحكام العرب الموالين للغرب.

يبدو أن شلال الدم في غزة عزز اعتقاد أوباما بأن الوقت عامل جوهري، وأن ثمة حاجة ملحة لحسم الصراع العربي الإسرائيلي الخطير. وقد أوضح من خلال حملته الانتخابية وبعد انتخابه رئيسا لأميركا، بأنه سيعالج أزمة الشرق الأوسط منذ "اليوم الأول".

إن الهجمة الإسرائيلية على غزة ربما يخلق فرصة مواتية لإجراء تطور في أزمة الشرق الأوسط وعندما ينقشع الغبار عن مأساة غزة ستدرك القيادة الإسرائيلية مجددا أن ليس هناك حلا عسكريا لمعضلتها الأمنية.

ورغم أن إسرائيل تمتلك تفوقا عسكريا على جيرانها العرب، وقد شنت حروبا متعددة، فإنها لم تستطع أن تحطم الإرادة السياسية لخصومها ولم تحصل على سلام واستقرار طويل الأمد.

في حقيقة الأمر، إن استخدام إسرائيل القوة المفرطة في لبنان عام 2006 والآن في غزة، يظهر بوضوح فشل قوتها الردعية والدمار الذي لحق بمكانتها الأخلاقية على مستوى العالم أجمع.

إن قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين والعرب لن يجلب الأمن لإسرائيل، ومن شأنه فقط أن يعمق الكراهية لإسرائيل في أوساط العرب والمسلمين بالعالم.

هل سينقذ أوباما إسرائيل من نفسها؟
في الواقع حدث تغيير كبير في العالم العربي إزاء عملية السلام مع "الدولة اليهودية". فهناك إجماع بين القادة العرب يقضي بأن الحل يكمن في معادلة الأرض مقابل السلام، وهذا يعني أن على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس الشرقية مقابل الاعتراف الدبلوماسي من قبل كافة الدول العربية.

المثير للاهتمام أن قادة إسرائيل باتوا يستشعرون أخيرا مزايا وفوائد مبادرة السلام العربية التي صدرت عن السعودية في القمة العربية 2002 ببيروت.

فقد أبدى قادة كبار في حزبي كاديما والعمل الإسرائيليين تأييدا في الآونة الأخيرة لمبادرة السلام العربية. ولكن الملفت والمحزن والمخزي أن هؤلاء القادة أنفسهم يشنون حربا ضروسا لكسر إرادة المقاومة العسكرية في غزة.

هل يمارس أوباما ضغوطا على إسرائيل؟

"
لا عجب أن يكون فريق السياسة الخارجية المسؤول عن الملف العربي الإسرائيلي في غاية الأهمية, ويشمل الفريق دينيس روس الذي قد تمتد مسؤوليته إلى الملف لإيراني، وهذا لا يبشر بخير أبدا لطهران
"

الحقيقة أن إسرائيل بصرف النظر عمن يحكمها من اليسار أو اليمين، لن تقدم أي تنازلات مؤلمة -الانسحاب من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات- تعد متطلبات أساسية لتحقيق تقدم، إذا ما غاب الضغط الأميركي.

فلا عجب أن يكون فريق السياسة الخارجية المسؤول عن الملف العربي الإسرائيلي في غاية الأهمية. ويشمل الفريق دينيس روس -المبعوث السابق للشرق الأوسط في عهد إدارتي كلينتون وبوش- الذي قد تمتد مسؤوليته إلى الملف الإيراني، وهذا لا يبشر بخير أبدا لطهران.

ويضم الفريق أيضا مارتن إنديك السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل المقرب من وزيرة الخارجية الجديدة هيلاري كلينتون، والسفير السابق الأخر لدى إسرائيل دانيل كيرتزر، ونائب وزير الخارجية جيم ستينبيرغ، ومساعد أوباما منذ فترة طويلة دان شابيرو، والإستراتيجي في الخارجية بإدارة بوش ورئيس المجلس الفاعل للشؤون الخارجية ريتشارد هاس.

وهذه التشكيلة ليست واعدة، ولا سيما أن روس وإنديك لا يتمتعان ببعد النظر والحيادية، فكلاهما يدعمان إسرائيل بشكل أعمى، ولعبا دورا سلبيا في عهد كلينتون، فمن الصعوبة بمكان التكهن بما إذا كانا قد تعلما دروسا مفيدة من خبرتهما السابقة كمفاوضين. علينا الانتظار قبل إصدار الحكم.

ومن جانب آخر، فإن كيرتزر -الذي يعرف العالم العربي وإسرائيل بشكل جيد- يعد أكثر استنارة وتقدما من روس وإندريك، أما هاس فيعتبر من البراغماتيين الواقعيين على الرغم من تأييده المطلق لإسرائيل.

كنا نأمل من كل من أوباما وهيلاري كلينتون أن يعينا مساعدين أكثر توازنا في رؤيتهم وأفكارهم إزاء المنطقة، والخشية تكمن في أن تستمر الرواية الإسرائيلية المهيمنة منذ زمن طويل على صياغة القرار الأميركي في إعاقة قدرة واشنطن على انتهاج مسار متوازن وفاعل نحو عملية السلام العربية الإسرائيلية.

وطالما أن إسرائيل تمارس الفيتو على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فلن يتحقق أي تقدم على جبهة السلام.

ولإنجاز تقدم ما، يتعين على أوباما أن يتمتع بإدارة سياسية مستقلة من أجل ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل. وإشراك معسكر الموالين للسلام داخل إسرائيل والولايات المتحدة على السواء في عملية صياغة رؤية السلام في الشرق الأوسط.

من المهم للقارئ العربي فهم بعض التطورات المهمة في المجتمعين الأميركي والإسرائيلي وهذه التطورات تتعلق بأن هناك جيلا جديدا من اليهود الذين يؤيدون سلاما شاملا في الشرق الأوسط يعتمد على نازلات مهمة من إسرائيل للفلسطينيين وليس على الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على جيرانهم.

هذا المعسكر الموالي للسلام، صحيح أنه لا يملك الموارد الخطيرة التي يملكها اللوبي الصهيوني التقليدي في الولايات المتحدة الأميركية بدأ بالفعل تحدي ومواجهة هذا اللوبي الصهيوني الذي يتمتع بتأثير جوهري على صياغة السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي.

إن هذا اللوبي اليهودي الموالي للسلام داخل الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى على المدى المنظور إن لم يكن القريب.

من الأهمية بمكان للقيادة الأميركية الجديدة رغم القوى المؤيدة للسلام داخل الولايات المتحدة من أجل مواجهة الضغوط العنيفة التي يبديها اللوبي التقليدي المؤيد لإسرائيل ويبدو أنه لأول مرة في تاريخ السياسة الأميركية بالفعل يحول أوباما إشراك كل القوى ومنها معسكر السلام داخل الشريحة اليهودية في الولايات المتحدة من أجل إيجاد معادلة جديدة في السياسة الأميركية إزاء إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي.

"
التحدي الذي يواجه الرئيس المنتخب هو هل ستكون رؤيته محطة انطلاق للسياسة الخارجية الأميركية؟ أم هل سيعمل مستشاروه الموالون لإسرائيل على تقويض رؤيته؟ للأسف فرصة النجاح لا تتعدى نسبة 50%
"

ورغم أن اختيار أوباما هيلاري كلينتون على رأس قمة الدبلوماسيين خفض سقف التفاؤل في العالم العربي بشأن احتمالات السلام، فإن نظرة كلينتون للسياسة الخارجية مطابقة في معظمها مع نظرة أوباما.

ما من شك أن كلينتون تؤيد إسرائيل بقوة وهي محبوبة من قبل منظمة إيباك اليهودية، وستدافع عن إسرائيل في إدارة أوباما الجديدة.

وفي جلسة تنصيبها، شددت على أنها تؤيد حلا للصراع العربي الإسرائيلي وستكون لاعبا في الفريق، وتنفذ بعناية كل ما يحظى بالإجماع من قبل إدارة أوباما.

إن التحدي الذي يواجه الرئيس المنتخب هو هل ستكون رؤيته محطة انطلاق للسياسة الخارجية الأميركية؟ أم هل سيعمل مستشاروه الموالون لإسرائيل على تقويض رؤيته؟ للأسف فرصة النجاح لا تتعدى نسبة 50%.

فأثناء زيارته إسرائيل وفلسطين العام الماضي، أُشير إلى أن أوباما استفسر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقادة الإسرائيليين عن آفاق مبادرة السلام العربية 2006. وقال لعباس وفقا لصحيفة صنداي تايمز البريطانية "الإسرائيليون سيكونون مجانين إن لم يقبلوا بالمبادرة العربية، لأنها تمنحهم السلام مع العالم الإسلامي بدءا من إندونيسيا إلى المغرب".

كيرتزر -أحد كبار مستشاري أوباما الذين رافقوه في زيارته إلى الشرق الأوسط- وآخرون من المساعدين أكدوا للرئيس المنتخب أهمية التحرك الفوري لحسم الصراع العربي الإسرائيلي. ولكن ذلك يتوقف على مدى تقيد أوباما بنصائحهم.

وهناك مجموعة أخرى من الوزن الثقيل في السياسة الخارجية حثت الرئيس المنتخب على إعطاء المبادرة العربية أولوية قصوى مباشرة بعد فوزه في الانتخابات.

وشملت المجموعة الرئيس المشارك السابق في لجنة دراسة العراق لي هاملتون، والمستشار الأمني السابق من الجمهوريين برينت سكوكروفت، وكذلك برزيزنسكي.

وقد قال سكوكروفت إن "البداية المبكرة لعملية السلام الفلسطينية هي السبيل لتغيير المزاج النفسي في المنطقة، أكثر المناطق اضطرابا في العالم.

كما أن أوروبا حثت الرئيس المنتخب على العمل بسرعة قصوى لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحذرت من أن عقارب الساعة قد اقتربت بسرعة كبيرة من نقطة لم يعد فيها حل الدولتين ممكنا.

وقد وضع الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 عضوا وثيقة تطرح وجهة نظرهم أمام باراك أوباما، وتدعو إلى الاهتمام المبكر بالصراع العربي الإسرائيلي مع رغبة أوروبية بلعب دور في تحقيق الاستقرار.

رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أعرب عن أمله أن تمارس إدارة أوباما الضغوط بقوية وبشكل فوري من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.

وقال بلير –المبعوث الدولي للشرق الأوسط– في اجتماع لمجلس الشؤون الخارجية بنيويورك مطلع ديسمبر/كانون الأول إن الوقت بات مناسبا للدفع نحو التقدم.

"
ربما يدخل أوباما التاريخ كرجل جلب السلام للأراضي المقدسة. فهل لديه الشجاعة الأخلاقية التي تؤهله لتغيير الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط؟ أم هل فريقه الشرق أوسطي سيحبط مساعيه؟
"

الكثير سيبقى رهنا بما يقوم به أوباما، كما قال بلير "السؤال المطروح الآن هو: هل أن ما ينشده الناس سيؤخذ على محمل الضرورة والتصميم اللازمين؟ كلي ثقة أن يكون كذلك".

في واقع الأمر، يتعين على أوباما أن يدفع بشكل فوري نحو تسوية عربية إسرائيلية من شأنها أن تجري تحولا وتغييرا على النظام الإقليمي وعلى علاقات أميركا مع هذا الجزء من العالم.

إن الأزمة الفلسطينية بالنسبة للكثيرين من العرب والمسلمين هي قضية هوية وليست سياسية فقط. إنها أزمة نفسية نازفة ساهمت في عسكرة المنطقة العربية. فقد كانت فلسطين وما تزال شعارا للكثيرين بدءا بعبد الناصر حتى أسامة بن لادن في الأسبوع الماضي.

ينظر إلى إسرائيل باعتبارها جسما غربيا في قلب العالم الإسلامي، واحتلالها للأراضي الإسلامية دائما ما يذكر بالهيمنة الأوروبية، والأميركية الآن، واستعبادهم للعرب والمسلمين.

وتعتبر أميركا على وجه الخصوص مسؤولة عن سماحها لإسرائيل بقمع وإذلال الفلسطينيين، لذلك فإن تعميق المشاعر المعادية للأميركيين ينبع من تصاعد أعمال القتال بين العرب وإسرائيل.

يدرك أوباما أن النتائج المحتملة لدفع عملية قطار التسوية السلمية تستحق المخاطر التي قد تنجم عن ذلك. فإيجاد الحل للصراع العربي الإسرائيلي بوساطة أميركية وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة من شأنه أن يمهد الطريق أمام المقاربة السياسية الأميركية مع إيران، وأمام قرارها في إيجاد معادلة إقليمية لإرساء الاستقرار في أفغانستان، وكذا التعاطي مع التطرف السياسي المتصاعد في باكستان.

وأهم من ذلك، فإن التسوية السلمية ستضع حدا لمعاناة الفلسطينيين المزمنة وتجلب الأمن الدائم لإسرائيل.

ربما يدخل أوباما التاريخ كرجل جلب السلام للأراضي المقدسة. فهل لديه الشجاعة الأخلاقية التي تؤهله لتغيير الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط؟ أم هل فريقه الشرق أوسطي سيحبط مساعيه؟ الزمن فقط هو الكفيل بالإجابة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.