انتخابات زيمبابوي.. أدوار ولاعبون ومواقف

تصميم فني انتخابات زيمبابوي.. أدوار ولاعبون ومواقف الكاتب: محمد عاشور


محمد عاشور

سياق الانتخابات وملامح التجديد والثبات
نتائج الانتخابات وردود الأفعال
مستقبل المشهد السياسي في زيمبابوي

كما هو الحال في المسرح الفني بدا المشهد السياسي العام في زيمبابوي خلال يونيو/حزيران 2008، بمثابة ليلة جديدة لمسرحية سبق عرضها في مارس/آذار عام 2002م، بذات الشخوص والأدوار مع تغيير في السيناريو, لإضفاء قدر من التجديد والإثارة على العرض.

فمازال بطلا العرض هما الرئيس روبرت موغابي، ومورغان تسفانغيراي زعيم المعارضة، ولكل منهما تحالفاته وارتباطاته الداخلية والإقليمية والدولية التي يختلف ثقل كل منهما في إطارها، وتختلف كذلك النظرة إليهما ممثلين للخير أو الشر.

في ذات الوقت، فإن تلك التحالفات والارتباطات تمثل السياق التفاعلي للأحداث، عبر علاقات التأثير والتأثر بين مواقف أطراف الصراع المختلفة داخله. ويسعي هذا المقال إلى رصد أبعاد الأزمة في زيمبابوي ومواقف الأطراف واللاعبين بشأنها ومحاولة تفسيرها.

سياق الانتخابات وملامح التجديد والثبات
شهدت جولة الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة 27 يونيو/حزيران 2008م بعض ملامح التجديد لمشهد الانتخابات في زيمبابوي؛ أولها أنها المرة الأولى منذ الاستقلال عام 1980 التي تجري فيها جولة انتخابات رئاسية ثانية بين الرئيس روبرت موغابي ومنافس له في السلطة.

حيث لم يفلح أي من المتنافسين في حسم جولة الانتخابات الأولى التي أجريت في شهر مارس/آذار والتي أثارت جدلا كبيرا داخليا وخارجيا، خاصة مع تلكؤ الحكومة في إعلان نتائج الانتخابات لأسابيع ثم الإقرار بفوز زعيم المعارضة تسفانغيراي بـ47,9% من أصوات الناخبين مقابل 43,2% لمرشح الحزب الحاكم الرئيس روبرت موغابي، وإجراء جولة ثانية من الانتخابات بين المرشحين.

والملمح الثاني هو مجيء الانتخابات الرئاسية في أعقاب فوز المعارضة بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية لأول مرة أيضا (على الرغم من الدعاوى القضائية المتبادلة بين الحزب الحاكم (زانو)، وحزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي ببطلان فوز أنصار الحزب المنافس في عدد من الدوائر الانتخابية تصل إلى نصف عدد مقاعد البرلمان).

"
من ملامح التجديد في انتخابات زيمبابوي  انسحاب مرشح المعارضة قبل أيام من إجرائها احتجاجاً على ما وصفه بالعنف المنظم وحملات الترويع والإرهاب, ومن ملامح الثبات استمرار هيمنة الحزب الحاكم على المؤسسات السياسية والإدارية في البلاد 
"

الملمح الثالث من ملامح التجديد تمثل في انسحاب مرشح المعارضة من الانتخابات قبل أيام من إجرائها احتجاجاً علي ما وصفه بالعنف المنظم وحملات الترويع والإرهاب ضد أنصاره، ولعدم ثقته في نزاهة الانتخابات مؤكدا أن تنظيم جولة ثانية من الانتخابات "عملية لا فائدة منها"، وطالب بمزيد من المساعدات الخارجية والضغوط الدولية على نظام موغابي لحل الأزمة.

والملمح الرابع تمثل في مطالبة العديد من القوي والمؤسسات الداخلية والإقليمية والدولية، الرسمية وغير الرسمية، بتأجيل الانتخابات في ظل اتهام نظام الرئيس موغابي باضطهاد أنصار المعارضة وترويعهم للفوز في الانتخابات، وهي الدعاوى التي رفضتها حكومة روبرت موغابي مؤكدة مبالغة قوى المعارضة في تصوير أعمال العنف الجارية في البلاد، ومتهمة إياها بالعمالة للقوى الغربية وعلى رأسها بريطانيا.

وأما ملامح الثبات، فتمثلت في استمرار موغابي مرشحا لحزب "زانو" للرئاسة على الرغم من إعلانه منتصف عام 2004م أنه سيعتزل ولن يرشح نفسه للرئاسة، وكذا استمرار تسفانغيراي مرشحا للمعارضة، في تكريس واضح لظاهرة النجم الأوحد على الجانبين (الحكومة والمعارضة).

وكذلك استمرار انقسام قواعد التأييد ما بين سكان الريف المؤيدين لسياسات موغابي بشأن إعادة توزيع الأراضي وتقليص امتيازات البيض الاقتصادية، وسكان الحضر الذين يرون أن تلك السياسات هي التي أودت باقتصاد زيمبابوي وفاقمت مشكلاته، وبالتالي يؤيدون حزب الحركة من أجل التغيير الديمقراطي الذي تشير الكثير من الدلائل إلى تلقيه دعما إعلاميا وماديا كبيرا من القوى المناوئة لنظام روبرت موغابي داخليا وخارجيا.

والملمح الثالث من ملامح الثبات تمثل في استمرار هيمنة كوادر وأعضاء الحزب الحاكم على المؤسسات السياسية والإدارية في البلاد علاوة على هيمنتهم على الجيش والمؤسسة العسكرية في البلاد.

ومثل استمرار حالة التردد في مواقف وسياسات القوى الإقليمية تجاه أزمة زيمبابوي الملمح الرابع من ملامح الثبات في المشهد السياسي للانتخابات في زيمبابوي، حيث وجدت قوى إقليمية -في مقدمتها جمهورية جنوب أفريقيا- نفسها مستجيبة للضغوط الغربية لاتخاذ موقف مناهض لسياسات موغابي، لأسباب سيرد بيانها لاحقاً.

نتائج الانتخابات وردود الأفعال

"
مناشدات المعارضة في زيمبابوي بمقاطعة وعزل الرئيس موغابي لم تلق استجابة جدية، حيث لم يجد معظم قادة القارة غضاضة في استقبال موغابي في القمة الأفريقية التي شهدت لقاءات عديدة معه في رد عملي على دعوات المعارضة والقوى الدولية إلى عزله
"

رغم انسحاب" تسفانغيراي" من جولة الانتخابات الثانية ورغم الضغوط والمناشدات الدولية لإرجاء موعد الانتخابات، أعلنت اللجنة الانتخابية استمرار الانتخابات في موعدها وبقاء اسم "تسفانغيراي" مطبوعا علي البطاقات الانتخابية باعتبار أن انسحابه جاء متأخرا.

في ظل هذه الأجواء أجريت الانتخابات التي أسفرت عن فوز الرئيس موغابي (84 سنة) بـ85,5% من أصوات الناخبين، وفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات تم تنصيبه لها يوم الأحد الموافق 29 يونيو/حزيران، ليغادر في اليوم التالي إلى مصر؛ لحضور اجتماعات قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، وسط إدانات إقليمية ودولية للعملية الانتخابية وما شهدته من ممارسات وضغوط وتلاعب استهدف إضفاء شرعية شكلية على النظام السياسي في البلاد، ومناشدات من قوى المعارضة الزيمبابوية لقادة القارة بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس موغابي، ومطالبات دولية (الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي، بريطانيا…) وإقليمية (كينيا) بفرض عقوبات أشد صرامة على نظام موغابي لإجباره على التنحي عن السلطة.

وهي الدعوات التي لم تعدم معارضة قوى دولية فاعلة (الصين) التي أدت مساندتها في مجلس الأمن لموقف الجماهيرية الليبية وجمهورية جنوب أفريقيا وبعض دول أميركا اللاتينية الرافض لطلب بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية عدم الاعتراف بشرعية الانتخابات في زيمبابوي وتوقيع مزيد من العقوبات على النظام الحاكم فيها، إلى التخفيف من حدة مشروع القرار والاكتفاء بإدانة الممارسات التي شابت العملية الانتخابية وعدم استجابة حكومة زيمبابوي للمناشدات الدولية بتأجيل الانتخابات لضمان حريتها ونزاهتها.

وعلي الصعيد الإقليمي أيضا لم تلق مناشدات المعارضة في زيمبابوي بمقاطعة وعزل الرئيس موغابي استجابة جدية، حيث لم يجد معظم قادة القارة غضاضة في استقبال الرئيس موغابي في القمة الأفريقية، التي شهدت لقاءات عديدة بينه وتلك القيادات في رد عملي على دعوات المعارضة والقوى الدولية بعزله وحصاره وعدم الاعتراف بشرعيته.

مستقبل المشهد السياسي في زيمبابوي
يتطلب استشراف المشهد السياسي القادم في زيمبابوي الوقوف علي خلفيات مواقف وأدوار القوي الفاعلة علي الساحة الداخلية والإقليمية والدولية.

فعلي الصعيد الداخلي، ورغم حقيقة تراجع شعبية الرئيس موغابي فإنه مازال قادرا على التلاعب بالتناقضات الداخلية والتوازنات الإثنية (شونا 74% من السكان، ندبيلي 15%)، والاقتصادية والاجتماعية (قضية الأرض وامتلاك البيض لأجود أراضي البلاد رغم قلة عددهم 1% من السكان).

"
رغم تراجع شعبية موغابي فإنه مازال قادرا على التلاعب بالتناقضات الداخلية والتوازنات الإثنية, وهذا يضمن له القدرة علي حشد وتعبئة الجماهير خلف تلك القضايا والتلاعب بمخاوف الجماعات وآمالها وطموحاتها تساعده على ذلك هيمنة أنصاره على البلاد
"

وهذا يضمن له القدرة على حشد وتعبئة الجماهير خلف تلك القضايا والتلاعب بمخاوف الجماعات وآمالها وطموحاتها، تساعده على ذلك هيمنة أنصاره على معظم المناصب الأمنية والعسكرية والإدارية في البلاد.

وعلى الصعيد الإقليمي، ورغم الانتقادات العلنية من جانب بعض القوى والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الأفريقية لممارسات النظام السياسي في زيمبابوي، ورغم الضغوط على حكومات القارة لاتخاذ مواقف أشد صلابة في مواجهة نظام "موغابي"، فإن الواقع يشير إلى أن مثل هذا الموقف غير ممكن من جانب كثير من الدول الأفريقية؛ في ظل واقع ضعف إمكانات الدول الأفريقية وما تملكه من أدوات ضغط في مواجهة بعضها البعض على الأصعدة المختلفة.

كما أن مثل هذا الموقف غير مرغوب من جانب معظم هذه الدول وذلك لاعتبارات عديدة يأتي في مقدمتها تعارض ذلك الموقف مع تعهدات الدول الأفريقية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض (إلا في نطاق شديد الضيق والخصوصية تضمنه ميثاق الاتحاد الأفريقي)، وإيمان كثير من النظم الأفريقية بأن التدخل اليوم في الشأن الزيمبابوي للدفاع عن حرية ونزاهة الانتخابات يضفي شرعية على التدخل غدا في شؤون تلك النظم التي يعاني كثير منها ذات المشكلات.

يضاف إلى ذلك اعتقاد تلك النظم -بحق- أن لافتة حقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات، المرفوعة في مواجهة النظام السياسي في زيمبابوي، هي ستار للدفاع عن مصالح القوى الغربية -وفي مقدمتها بريطانيا- في زيمبابوي، كذلك الاعتقاد بأن بريطانيا تتحمل جانبا من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في زيمبابوي؛ بتنصلها من التزاماتها بتحمل التعويضات اللازمة لتنفيذ برنامج إعادة توزيع الأراضي في زيمبابوي.

وإلى جانب تلك الأسباب والمبررات العامة لموقف القوى الإقليمية من الأزمة في زيمبابوي، فإن دولا مثل جمهورية جنوب أفريقيا لديها أسباب خاصة لموقف رئيسها "ثابو إمبيكي" من الأزمة وإصراره على اتباع ما بات يعرف بمنهج الدبلوماسية الهادئة في معالجة الأزمة، رغم الضغوط الدولية بل والداخلية عليه لدفعه لاتخاذ موقف أكثر تشددا في مواجهة نظام موغابي.

حيث يرى المراقبون أن موقف إمبيكي يحمل في طياته رسالة لبيض جنوب أفريقيا بأن مصيرهم في خطر حال استمرار التفاوت الصارخ في توزيع الأراضي في جمهورية جنوب أفريقيا.

وعلى الصعيد الدولي، يمكن التمييز بوضوح بين موقف القوى الغربية بزعامة بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية الداعي لتوقيع مزيد من العقوبات على النظام ورموزه وتقديمهم إلى محاكمات دولية، وموقف قوى دولية أخرى كالصين وروسيا لا تعبأ كثيرا بتلك الدعوات ومبرراتها، بل وتعارضها إذا ما مست مصالحها الاقتصادية ومكانتها الدولية.

في ضوء تلك المعطيات يمكن القول إن المشهد السياسي في زيمبابوي سوف يتخذ أحد المسارات التالية:

المسار الأول تمكن تسميته بالمسار الأفريقي العام: وتتمثل مضامينه في بقاء الأوضاع على ما هي عليه ما بين شد وجذب بين القوى السالفة البيان على الأصعدة المختلفة إلى أن تتم انتخابات جديدة، أو يتحقق المسار الثاني.

"
المشهد السياسي في زيمبابوي مفتوح للعديد من النهايات التي سيحددها اللاعبون الباقون على المسرح السياسي والممولون والمشجعون لهم من الداخل والخارج وإذا كان فصل انتخابات الإعادة قد انتهى بحلوه ومره فإن ستارة النهاية لم تسدل بعد
"

المسار الثاني وتمكن تسميته بالمسار الجزائري: ويمكن أن يتم عبر خروج "روبرت موغابي" من الساحة السياسية وتولي شخص آخر من داخل الحزب الحاكم مقاليد السلطة (على نحو ما حدث مع الشاذلي بن جديد)، مما سيحدث درجة من الانفراج السياسي لما سيصاحب ذلك من دعوات بمنح النظام الجديد الفرصة والنظر فيما سيقدم عليه من سياسات.

وهذا الخروج قد يكون لأسباب طبيعية (وفاة موغابي)، أو اختيارية (تنحيه عن السلطة لضمان ولاء من بعده)، أو إجبارية بانقلاب قصر من داخل النخبة والتضحية بـ"موغابي" لضمان استمرار النظام.

المسار الثالث أو المسار الكيني: ويتمثل في شكل من أشكال تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسيين في البلاد (على نحو ما شهدته الخبرة الكينية)، بحيث يحتفظ موغابي برئاسة البلاد ويتولى تسفانغيراي رئاسة الحكومة.

وعلى الرغم من جاذبيته وسهولته الظاهرية، فإن تحققه واقعيا وصموده أمر صعب المنال ما لم يسنده دعم مادي خارجي كبير يؤمن الترضيات اللازمة والتأييد الجماهيري اللازم لمثل هذا التقاسم، فبدون مثل هذا الدعم وفي ظل التباينات الكبيرة بين "موغابي" و"تسفانغيراي" سيظل ذلك الخيار أو المسار هشاً سريع الانهيار. ومدخلا سريعا للمسار الثاني.

خلاصة القول، إن المشهد السياسي في زيمبابوي مفتوح للعديد من النهايات التي سيحددها اللاعبون الباقون على المسرح السياسي والممولون والمشجعون لهم من الداخل والخارج وإذا كان فصل انتخابات الإعادة قد انتهى بحلوه ومره فإن ستارة النهاية لم تسدل بعد.
ــــــــــــ
كاتب مصري 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.