القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي

القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي


 

التحول إلى تنظيم جغرافي
من الدعوة إلى القتال
ما الذي حدث في الثمانينيات؟
مستقبل التنظيم في المنطقة

عندما أعلنت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2007 تغيير اسمها إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، لم يكن الأمر مفاجئا.

فهذه الجماعة أصدرت من قبل مواقف تمدح فيها القاعدة وتبارك أعمالها، بل حرصت في يوليو/ تموز 2005 على توجيه تحية خاصة لأبي مصعب الزرقاوي لما قتل القائم بالأعمال الجزائري علي بلعروسي ومساعده في بغداد.

 لكن تغيير التسمية له دلالة أخرى تثير الانتباه وتستحق وقفة للتأمل والتحليل.

لقد ظن بعض المحللين أن هذا التغيير لن يكون له أي أثر نوعي في العمل المسلح في الجزائر وباقي أقطار شمال أفريقيا، وذلك بفعل حالة الاستقرار النسبي الذي شهدته الجزائر بعد مشروع المصالحة الوطنية، ومن ثم فالأمر بدا لهؤلاء مجرد تغيير اسمي لن يقدم ولن يؤخر, ولن يكون له أي مفعول على الوضع الأمني.

التحول إلى تنظيم جغرافي
لكن بعد العمليات النوعية التي تلت هذا الإعلان باستهداف قصر الحكومة الجزائرية يوم 11 أبريل/ نيسان 2007، تبين فعلا أن القاعدة وضعت لنفسها مرتكزا داخل منطقة المغرب العربي، وهي بذلك تؤكد نجاحها في التحول إلى تنظيم موزع جغرافيا على نحو دقيق محكم يقبض على أهم مداخل العالم العربي ويكمن في أهم مواقعه الإستراتيجية:

ففي الجزيرة العربية ما زال فرعها -رغم الملاحقة الأمنية الناجحة التي أنجزتها السلطات الأمنية السعودية- ذا قوة يمكن أن تقلق الوضع الأمني في أي لحظة، وإن لم تكن من حيث الفعل والنشاط بمقدار فعلها بين سنتي 1996 و2003.

وفي العراق نجد أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ذو قوة ونفوذ كبيرين، حتى أن المخابرات الأميركية أخذت تتحدث اليوم عن أن القاعدة أصبحت قادرة "على توظيف عناصرها الذين تمرسوا على الحرب في العراق لتنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة".

"
القاعدة وضعت لنفسها مرتكزا داخل منطقة المغرب العربي، وهي بذلك تؤكد نجاحها في التحول إلى تنظيم موزع جغرافيا على نحو دقيق محكم يقبض على أهم مداخل العالم العربي
"

وتعليقا على ذلك قالت تاونسند مستشارة الأمن الداخلي للرئيس الأميركي "إن التهديد واضح والإدارة الأميركية تأخذه على محمل الجد"، بمعنى أن العراق لم يعد مجرد مجال لفعل القاعدة، بل مدرسة لتكوين كوادرها لإعادة توزيعهم في الخارج!

أما في شمال أفريقيا فإن تحول وجود القاعدة من خلايا منفصلة تتحرك بمبادرات ذاتية، إلى تنظيم محكم البنية بفضل انضمام "الجماعة السلفية"، يؤشر على حدوث نقلة نوعية في التوسع التنظيمي للقاعدة.

وقد تشكل الحالة الجزائرية -بحكم طبيعتها الجغرافية وظروفها السياسية- وضعا مساعدا على نجاحها في المنطقة، بل وجعلها منطلقا للعمل في محيطها الإقليمي ومنه إلى أوروبا.

وبما أن الوجود التنظيمي الجديد للقاعدة لم يكن لحظة ابتداء بل نتيجة تغيير في تنظيم سابق هو الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فإن تحليل نشأة القاعدة في المغرب العربي يحتاج ابتداء إلى دراسة نشأة العمل الإسلامي المسلح في المنطقة، وصيرورة تطوره ونوعية الأفكار الموجهة له.

من الدعوة إلى القتال
وفي سبيل إنجاز هذا التحليل لابد من التركيز على الحالة الجزائرية، فما هي صيرورة تطور الإسلام السياسي في المغرب العربي (الجزائر خاصة) من الدعوة إلى القتال؟ وما مستقبل العمل المسلح بفعل انتظامه اليوم تحت إطار القاعدة؟

للإجابة على هذه الأسئلة التي نعترف ابتداء أن بعضها لا نملك عنه معلومات دقيقة تمكن من تكوين رؤية واضحة، لابد في البدء من تحليل الحالة الحركية الإسلامية في منطقة المغرب العربي، والنظر في تطور وعيها السياسي حتى ظهور إستراتيجية العمل المسلح.

في بداية السبعينيات ستشهد دول المغرب العربي تغييرا نوعيا في الوعي السياسي، حيث ستظهرت التنظيمات الحركية الإسلامية المتأثرة بالنهج الإخواني :

ففي المغرب ستتشكل حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع، وفي تونس ستتأسس حركة الجماعة الإسلامية عام 1969، وفي الجزائر ظهر تيار الإخوان المسلمين بقيادة محفوظ نحناح.

واختلافا مع خيار نحناح التابع لتنظيم عالمي سيظهر تيار "الجزأرة" الذي سيبرز بدءا من عام 1982 كتيار إسلامي معارض لأي تبعية خارجية وينادي بالخصوصية القُطرية.

ونجد أن من بين الأسماء المؤسسة لهذا التيار عبد القادر حشاني (الذي سينضم لاحقا إلى جبهة الإنقاذ)، ومحمد السعيد. وكان لهذا التيار وجود ملحوظ في الأوساط الجامعية، وكان هؤلاء الجزأريون يعدون الشيخ أحمد سحنون مرجعا لهم، كما يعدون أنفسهم وارثين لميراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولفكر مالك بن نبي، وهم في كل ذلك يؤكدون خصوصية التنظيم وعدم ارتباطه بجهة خارجية.

"
الحالة الإسلامية في المغرب ظلت طوال السبعينيات -رغم كل التحولات- حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو بانقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام, ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح إلى بعد عشر سنوات 
"

وبالإضافة إلى هذين التيارين (الإخوان والجزأرة)، كان ثمة تيار إسلامي مسلح بقيادة مصطفى بويعلي، وقد بدأ هذا التيار نشاطه في السبعينيات عبر سلسلة من العمليات التي استهدفت الحانات وأماكن اللهو في باب الواد.

ثم تطور الأمر إلى مواجهات مسلحة ضد قوات الأمن عام 1979. لكن تنظيم بويعلي سيتم تفكيكه بعد مقتل مؤسسه يوم 3 فبراير/ شباط 1987, ليبقى رغم القضاء عليه مرجعا للتيار الجهادي الجزائري الذي سيظهر في التسعينيات.

إضافة إلى هذه التيارات الثلاثة كان ثمة فقهاء وأئمة يتحلق من حولهم جموع من الشباب الذين سيُكَوّنون المادة الأساسية لتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباسي مدني وعلي بن حاج عام 1989.

ستشهد نهاية السبعينيات حدثا هاما كان له وقعه في المنطقة وهو حدث الثورة الإيرانية التي رغم توجهها الشيعي تم تلقيها في المغرب العربي كنموذج يؤكد إمكانية نجاح الفكرة السياسية الإسلامية كفكرة انقلابية تغييرية.

لكن الحالة في المغرب الإسلامي ظلت رغم كل هذه التحولات حالة أفكار ودعوة تطمح إلى التغيير بشكل سلمي أو انقلاب عسكري ينحصر عنفه في تغيير النظام (مصطفى بويعلي في الجزائر، وعبد الكريم مطيع في المغرب)، ولم يتحول خيار ممارسة العنف المادي إلى خيار إستراتيجي يتأطر في شكل عمل مسلح، لذا ينبغي انتظار نحو عشر سنوات لظهور العمل المسلح بهذا المدلول الشامل.

ما الذي حدث في الثمانينيات؟
إن الحدث البارز هو الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حيث استقطب الواقع الأفغاني هجرات شباب بداع الجهاد لتحرير بلد مسلم، وكان دعم الجهاد الأفغاني سياسة متبناة من قبل الدول الخليجية وخاصة السعودية، ولم يكن الدعم الذي تلقاه ماديا فقط بل وبشريا أيضا.

ومنطقة المغرب العربي لم تكن استثناء، بل كان الجزائريون يشكلون من الناحية العددية ظاهرة واضحة في دعم الجهاد.

في الواقع الأفغاني تكون جيل جديد من شباب المغرب العربي من الجزائر وليبيا والمغرب، وكان المذهب الإسلامي الذي تكونوا عليه هو المذهب السلفي القادم من السعودية بلونه الوهابي. ومع انتهاء الجهاد وخروج الروس ثم انقلاب المجاهدين بعضهم ضد بعض، حدثت هجرة مضادة.

فقد عاد الكثير من هؤلاء الشباب إلى بلدانهم ليجدوا أنفسهم في حالة فراغ وبطالة، إذ لم يتم التنبه لاستيعابهم اجتماعيا واقتصاديا فظلوا على الهامش وقودا قابلا للاستعمال عند أول شرارة تندلع.

وعندما عاد هؤلاء كان ثمة تحول سياسي دولي هام يتم اختماره واستواؤه، وهو انهيار المنظومة الاشتراكية، وحدوث تحول في طريقة إدارة الشأن السياسي يدفع الأنظمة التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي -ومنها النظام الجزائري- نحو التعددية السياسية واقتصاد السوق.

وسيقرر الرئيس الشاذلي بن جديد انتهاج الطريقة الديمقراطية بما تعنيه من تعددية سياسية وانتخابات، وهو ما تم إعلانه في دستور 1989.

في العام ذاته سيتم تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي ستُحدث بفضل نفوذها وتأثيرها بفعل شبكة الخطباء وأئمة المساجد وتعاطف عشرات من التشكيلات التنظيمية الصغيرة معها ثم انتظامها داخلها، تغييرا كبيرا في الواقع السياسي جعلها القوة الأولى.

وكان موعد الانتخابات التشريعية عام 1991 مناسبة لتأكيد حجم النفوذ الشعبي الذي تمتلكه ويمتلكه الشعار السياسي الإسلامي، حتى بدت المعركة مختزلة بين طرفين لا ثالث لهما:

"
عاد شباب كثيرون من أفغانستان إلى بلدانهم ليجدوا أنفسهم في حالة فراغ وبطالة، إذ لم يتم التنبه لاستيعابهم اجتماعيا واقتصاديا، فظلوا على الهامش وقودا قابلا للاستعمال عند أول شرارة تندلع
"

جبهة الإنقاذ من جهة وجبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) من جهة ثانية. وحرصت جبهة الإنقاذ (التي كان اسمها الاختزالي "الفيس" هو اللفظ الشائع على الألسن) على تصوير المعركة الانتخابية وكأنها صراع بين الإسلام والكفر لا صراع بين خطابين أو مشروعين سياسيين.

لذا كان من بين الشعارات التي رفعتها الإنقاذ في حملتها الانتخابية هو "صوّت للفيس.. صوّت ضد إبليس"!!

وبالفعل صوت الشعب للفيس، لكن لم يكن رد إبليس إلا أن أطلق هو الآخر أبالسة من كل لون واتجاه ليغرق البلد في بحر من الدم!

لقد حصدت جبهة الإنقاذ نحو 3.2 ملايين صوت في الدورة الأولى لانتخابات 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991, فحصلت على 188 مقعدا من أصل 430، وكان من المؤكد للجميع أن الدورة الثانية ستعطيها أغلبية الثلثين في البرلمان (المجلس الشعبي الوطني). فكان الانقلاب المعروف، حيث أجبر الرئيس بن جديد يوم 4 يناير/ كانون الثاني 1992 على حل البرلمان، ثم أجبر يوم 11 يناير/ كانون الثاني على الاستقالة.

تولى الجيش القيادة السياسية للمجتمع فانطلقت حملة اعتقالات واسعة انتهت بتعزيز موقف كان سائدا داخل التيارات المكونة لجبهة الإنقاذ، موقف يشكك في جدوى الديمقراطية ومشروعيتها وينادي بأن المسلك الصحيح هو استعمال القوة لتغيير الحكم أي سلوك طريق الجهاد المسلح.

وبعد انقلاب العسكر على نتائج الديمقراطية بدأت الملاحقات للإسلاميين، وكرد فعل ستتشكل تنظيمات مسلحة مثل "جيش محمد"، و"حركة الجهاد الإسلامي في الجزائر" و"منظمة الضباط المسلمين" و"الباقون على العهد".. لكن سرعان ما انتظم العمل المسلح متوزعا على مجموعتين اثنتين هما:

1- "الجيش الإسلامي للإنقاذ" كقوة تابعة للجبهة بقيادة مدني مزراق وعبد القادر شبوطي ومحمد سعيد مخلوفي.

2- "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي ستعلن عن نفسها عام 1992 بقيادة أبو عبد الرحمن أمين.

وكانت هناك محاولة لتوحيد التنظيمات المسلحة، لكنها فشلت في الاجتماع الأول الذي عقد في يوليو/ تموز 1991، غير أنها "ستنجح" في اجتماعها المنعقد في أبريل/ نيسان 1992 في التوحد تحت إطار مكتب تنفيذي وطني اشترك في عضويته عبد القادر شبوطي (الذي منح خلال هذا الاجتماع رتبة لواء) ومنصور ملياني وعبد القادر بلويس وغيرهم.

لكن على مستوى العمليات الميدانية استمر التباين وعدم التنسيق، وظهر خلاف واضح في وجهات النظر خاصة بين شبوطي وملياني، الأمر الذي انتهى إلى عقد اجتماع جديد لتنسيق العمل يوم 31 يوليو/ تموز 1992.

"
الجماعة السلفية للدعوة والقتال أعلنت انضمامها إلى تنظيم القاعدة, وهو إعلان يكشف تبعية مطلقة لأجندة تنظيم القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن الذي أصبح بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 يحظى بإعجاب كبير داخل الوجدان الجهادي في مختلف البلدان الإسلامية
"

لكن تطورات الأحداث من بعد جعلت الهوة تزداد بين الجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة المسلحة.

لقد كان مؤسس هذه الجماعة هو منصور ملياني الذي قام بتوحيد جيوب وتنظيمات صغيرة، كان من بين أهم أعضائها الأفغان العرب العائدون حديثا من أفغانستان. وكان ملياني متأثرا بمصطفى بويعلي، حيث كان في السابق من أعضاء تنظيمه وأحد أهم مقربيه.

وبعد اعتقال ملياني في يوليو/ تموز 1992 وإعدامه خلفه على قيادة الحركة محمد علال، ثم بعد مقتل هذا الأخير سيظهر التنظيم بقيادة جديدة تمثلت في عبد الحق العيايدة الذي سيصدر مجموعة بيانات من بينها أحكام بالإعدام على قادة التيار الإسلامي المخالفين له.

وبعد اعتقال العيايدة في المغرب تم تسليمه إلى الجزائر حيث سيحكم عليه بالإعدام، فانتهت القيادة من بعده إلى سيد أحمد مراد الملقب بجعفر الأفغاني.

وفي عهد الأفغاني انتقلت الجماعة إلى تنفيذ عمليات قتل في صفوف المثقفين والإعلاميين والأجانب، وبعد مقتله عام 1994 توالى على قيادة الجماعة مجموعة من الأعضاء كان من بينهم جمال زيتوني الذي سيقوم بإصدار مجموعة فتاوى غريبة تبيح قتل النساء والأطفال ورجال الإعلام والثقافة، بل تعدى ذلك إلى قتل العلماء والشيوخ المخالفين له في المواقف كالشيخ محمد السعيد محمد بوسليماني وعبد الرزاق رجام وعبد الوهاب العمارة وغيرهم.

كما قامت الجماعة في فترة قيادة زيتوني بقتل 117 إماما وأحرقت نحو 30 مسجدا. وانتقاما للشيخ محمد سعيد أقدمت "جماعة جبل الأربعاء" على قتل زيتوني، فظهر على رأس الجماعة الإسلامية المسلحة قائد دموي جديد هو عنتر الزوابري.

في داخل هذه الجماعة الموغلة في الدم ستولد فكرة تنظيم جديد منشق هو "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي تحولت اليوم إلى تنظيم القاعدة. أما عن أسباب هذا الانشقاق فتعود إلى منتصف التسعينيات، حيث سيبدأ الخلاف بين عبد القادر حطاب وأخيه حسن مع قيادة تنظيم الجماعة المسلحة، لينتهي إلى إعلان الانشقاق وتأسيس الجماعة السلفية بقيادة حسن حطاب.

في هذه اللحظة كان عبد المالك درودكال الملقب بمصعب عبد الودود -الأمير الحالي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- يحتل موقعا مقربا من حطاب، بل يُذكر أنه هو الذي حرر البيان الذي أعلن فيه الانشقاق.

ويبدو أن هذه الجماعة المنشقة عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" لم تختلف عن سابقتها في سلوك مسلك العنف في التغيير، إنما كل الخلاف هو رفضها لذلك العنف الدموي العشوائي.

ويبدو أن بداخلها كان ثمة اتجاه يؤذن بإمكانية الاقتراب من مشروع المصالحة، حيث تؤكد التقارير أنه في سبتمبر/ أيلول 2003 تم عقد اجتماع دعا إليه حطاب للتشاور في شأن مشروع الوئام والمصالحة الذي تقدم به بوتفليقة، لكن الاجتماع انتهى إلى الاختلاف.

حتى أن حسن حطاب قدم استقالته من التنظيم، فبويع نبيل الصحراوي أميرا وأسندت إلى مصعب عبد الودود قيادة ما يسمى فرع التصنيع، وذلك بسبب كفاءته العلمية الجامعية في تخصص الكيمياء والهندسة الإلكترونية.

وبعد مقتل الصحراوي أُعلن انتقال منصب الأمير إلى مصعب عبد الودود الذي سيعلن يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2007 انضمام "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" إلى تنظيم القاعدة قائلا: "قررنا بعد مشورة واستخارة أن نبايع الشيخ أبا عبد الله أسامة بن لادن، ونعطيه صفقة أيدينا وثمرة قلوبنا، ونواصل جهادنا بالجزائر جنودا تحت إمرته، يضرب بنا من يشاء ويرمي بنا حيث يشاء، فلن يجد منا إلا السمع والطاعة ولن يرى إلا ما يسره".

إعلان يكشف تبعية مطلقة لأجندة تنظيم القاعدة ومؤسسها أسامة بن لادن الذي أصبح بعد تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 يحظى بإعجاب كبير داخل الوجدان الجهادي في مختلف البلدان الإسلامية من الرباط إلى جاكرتا.

هذه بإيجاز أهم لحظات صيرورة العمل السياسي الإسلامي في المغرب العربي (الجزائر خاصة) الذي قاد إلى ميلاد تنظيم القاعدة. وهنا يطرح السؤال: ما هي محددات مستقبل التنظيم في المنطقة؟

مستقبل التنظيم في المنطقة

"
إذا كان تنظيم أنصار الإسلام القابع في شمال موريتانيا لم يلتحق لحد الآن اسميًّا بقاعدة المغرب الإسلامي, فإنه يشتغل بذات المبادئ والأهداف. وهذا وذاك مؤشران يؤكدان أن المنطقة مقبلة على تحديات وإشكالات حقيقية 
"

الأمر الجديد الذي أضافه هذا الإعلان هو انتقال بنية تنظيمية جاهزة هي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" المتمركزة في جبال الجزائر إلى العمل وفق أجندة القاعدة، وهنا تكمن الخطورة، فالقاعدة بهذا التحول لم تعد مجرد فكرة إلكترونية يتلقاها الشباب عبر الإنترنت ثم يمتثلوا لها بتكوين خلايا مستقلة منفصلة تبادر إلى تفجير نفسها هنا وهناك.

بل إن جبال الجزائر قد تصبح مدرسة لتكوين إرهابيين من دول المنطقة ثم إعادة توزيعهم فيها. وهذا بالفعل ما حصل حيث ظهر في شريط للقاعدة الجزائرية شباب مغاربة يتوعدون فيها النظام المغربي بأعمال إرهابية.

إضافة إلى هذا ينبغي أن لا ننسى أن للقاعدة وجودا آخر في الجنوب، وتحديا في منطقة أدرار شمال موريتانيا, الأمر الذي يؤكد أن حلول القاعدة في منطقة المغرب العربي كان مدروسا ومقصودا.

ويمكن أن نستحضر هنا ما قاله رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي روبرت مولر خلال زيارته الأخيرة للرباط، حيث فاجأ المسؤولين الأمنيين المغاربة عندما ذكر أن الاستخبارات الأميركية حددت في منطقة أدرار شمال موريتانيا جماعة من أصل عراقي تسمى "أنصار الإسلام".

ومعلوم أن التسمية مستلهمة من التنظيم السابق الذي كان أبو مصعب الزرقاوي يقوده، حيث كان تنظيمه هو أيضا يسمى أنصار الإسلام قبل مبايعته للقاعدة وتحويل اسم تنظيمه إلى "القاعدة في بلاد الرافدين".

وإذا كان تنظيم أنصار الإسلام القابع في شمال موريتانيا لم يلتحق لحد الآن اسميّاّ بقاعدة المغرب الإسلامي، فإنه يشتغل بذات المبادئ والأهداف.

وهذا وذاك مؤشران يؤكدان أن المنطقة مقبلة -من الناحية الأمنية- على تحديات وإشكالات حقيقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.