الحركات الإسلامية والتغيير في ظل المعادلات القائمة

الحركات الإسلامية والتغيير في ظل المعادلات القائمة


كان سؤال التغيير ولا يزال واحداً من أهم الأسئلة المطروحة على أجندة الحركات الإسلامية، لا سيما في ظل تجارب كثيرة هنا وهناك، وفي ظل خلاف محتدم فيما بينها حول أفضل الوسائل لإحداث ذلك التغيير.

وحين نشرع في مناقشة المسألة فإننا نفعل ذلك استناداً إلى جملة من التجارب الواقعية معطوفة على تحليل للواقع القائم عربياً وإقليمياً ودولياً، من دون الدخول في متاهة النظرية وتهويماتها أو انتظار تجارب لم تكتمل فصولها بعد، فضلاً عن حشر المعالجة ضمن الإطار الشرعي والتاريخي استناداً إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية أو الحركة السياسية للصحابة والتابعين والعصور اللاحقة.

"
واقع الرؤية الإسلامية لحركة السياسة إنما ينطلق في جوهره من الرؤية العامة لمصلحة الأمة ودينها، وقلما نعثر في هذا السياق على قوالب جامدة أو نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة يمكن الاستناد إليها في تحديد المواقف
"

نفعل ذلك لأن هذا اللون من النقاش النظري لا يفضي في الغالب إلى نتيجة عملية؛ لأن الاستناد إلى تجارب الماضي أو أدلة الحل والحرمة من الكتاب والسنة والسيرة غالباً ما يوفر لكل طرف ما يريد. ذلك أن دعاة أي موقف من المواقف في التعاطي مع السلطة الحاكمة سيجدون في الأسانيد التاريخية والشرعية ما يؤيد وجهة نظرهم، حتى لو مالوا إلى اعتبار كل منها سلطة شرعية لولي الأمر فيها حق الطاعة حتى "لو جلد ظهرك وسلب مالك"، أو مالوا إلى اعتبارها كافرة يجب الخروج عليها بكل الوسائل.

إن واقع الرؤية الإسلامية لحركة السياسة، إدارة للدولة أو حتى تغييراً لمنطلقاتها إذا كانت قد تغربت أو ظلمت أو والت الأعداء، إنما ينطلق في جوهره من الرؤية العامة لمصلحة الأمة ودينها، وقلما نعثر في هذا السياق على قوالب جامدة أو نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة يمكن الاستناد إليها في تحديد المواقف، اللهم إلاّ من باب الاستئناس. فحيثما تثبت مصلحة الأمة فثم شرع الله وهديه كما يذهب إليه الإمام ابن القيم رحمه الله.

أما الاستناد إلى التجارب التاريخية القديمة فلا يبدو مقنعاً هو الآخر، إذ يفقد كثيراً من منطقيته وزخمه بسبب الفجوة الهائلة في الظروف الموضوعية المتعلقة بحياة الناس في هذا الزمان قياساً على ما كانت عليه في الأزمنة السابقة، مع أن الخلاف حول وسائل التغيير ومشروعيته من الأصل كان واقعاً حتى في القديم.

وذلك بدليل موقف الحسن بن علي رضي الله عنه مقابل موقف شقيقه الحسين، وبدليل موقف الإمام مالك والإمام أبي حنيفة اللذين ساندا خروج محمد النفس الزكية على أبي جعفر المنصور، مقابل موقف أحمد بن حنبل المشدد على عدم جواز الخروج على الحاكم.

لذلك كله يبدو من الأهمية بمكان التركيز على الفجوة الهائلة بين الواقع القديم والواقع الحديث، والتي يمكن الإشارة هنا إلى عدد من معالمها المهمة ومنها:

* نمط الدولة الحديثة بمركزيتها وآليات عملها وقطريتها (أعني عامل التجزئة الذي ينتج دولاً ضعيفة)، فضلاً عن سطوتها الأمنية الناتجة عن ثورة السلاح والتكنولوجيا والاتصالات، مما يعني الصعوبة البالغة لأي عمل سري أو عسكري يمكن أن يتطور وصولاً إلى القدرة على هزيمة الدولة أو قلبها من الداخل كما كان الحال حتى أمد ليس بالبعيد، ربما إلى الخمسينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي.

* نمط السيطرة الدولية أو السطوة الخارجية، حيث تتضاءل سيادة الدولة (لاسيما في ظل التجزئة) ويتعاظم التدخل الخارجي في شؤونها في ظل خلل فادح في ميزان القوى لصالح القوى الاستعمارية الكبرى، مما يمنحها القدرة على فرض إرادتها على الدولة القطرية.

* غياب الإسلام الطويل كمرجعية لشؤون المجتمع والسياسة في أكثر الدول العربية والإسلامية لحساب قوانين أخرى (وقع ذلك بسطوة التدخل الخارجي الذي أدرك أهمية الإسلام في صياغة القوة والوحدة)، وما ينطوي عليه ذلك من تراجع دور الدين في بناء المجتمع المدني، لصالح نمط الدولة الحديثة.

في سياق التعامل مع هذه الأوضاع الشائكة والمعقدة، يمكن القول إن الإسلاميين قد جربوا معظم المسارات الممكنة في التغيير:

– الوصول إلى السلطة من خلال انقلاب سلمي شعبي أو حتى عسكري (إيران، السودان، أفغانستان).

– الخروج العسكري المسلح على الدولة (سوريا، الجزائر، مصر).

– المشاركة في السلطة بعد المشاركة في البرلمانات أو الاكتفاء بالعمل البرلماني (الأردن، اليمن، تركيا، الكويت، البحرين، الجزائر، المغرب، مصر، وأخيراً العراق وفلسطين).

– المعارضة السلمية الإيجابية مع العمل الشعبي والنقابي وكذلك البرلماني (مصر، الأردن، المغرب، الكويت، تونس، موريتانيا…).

– المعارضة السلمية القوية من خارج المؤسسات السياسية (المغرب في تجربة "العدل والإحسان").

بداية سنستبعد هنا (التجربة الفلسطينية والعراقية نظراً لانتمائها إلى حالة خاصة يرتبط إيقاعها بالعلاقة مع الاحتلال وتحكمه في الأوضاع القائمة، كما سنستبعد تركيا في طبعة العدالة والتنمية التي خرجت من السياق الإسلامي بشهادة أصحابها).

في السياق الأول، أي الانقلابي تنهض تجربة إيران والسودان، ربما إلى جانب تجربة طالبان، من حيث نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة؛ الأولى بانقلاب شعبي في ظل ميزان قوى دولي مرتبك نهاية السبعينيات، وهو انقلاب لم تتوفر أجواؤه في أي بلد عربي أو إسلامي آخر إلى الآن.

ويعني ذلك أن تكرار تلك الأجواء في أي بلد آخر سيجعل إمكانية التغيير بالوسيلة ذاتها أمراً ممكناً بالتأكيد، بصرف النظر عن موقفنا التالي من التجربة.

تركز هذه السطور على جدوى الأنماط التي استخدمت في التغيير، وليس على معادلة الفشل أو النجاح بعد ذلك، رغم أهمية هذا البعد الذي يستحق وقفة أخرى مختلفة، ولكن لا بأس من المرور على هذا البعد في التجارب الثلاث المشار إليها.

وهنا نقول إن الفشل ليس قدراً بحال، ولا يعني في حال وقوعه حكماً كلياً على تجارب الحركات الإسلامية بالفشل، ليس فقط لأن سطوة الخارج ما زالت عاملاً مهماً في إحداث الفشل أو توفير معطياته، بل أيضاً لأن تجربة أو اثنتين أو ثلاثا لا تبدو كافية لتعميم الحكم، بدليل أن نمط الحكم في الدول الغربية قد استقر (لم يستقر تماماً في واقع الحال) بعد قرون من الحروب الأهلية والمساومات التاريخية، ووفرت له قدرة الدولة على تحقيق الرفاه (نتجت في الغالب عن النهب الاستعماري الخارجي) مزيداً من فرص النجاح.

وهذا يعني أن الإسلاميين قد يحاولون مراراً الوصول ومن ثم التوافق على صيغة تنسجم مع روح الإسلام للحكم وإدارة الدولة، الأمر الذي لن يحدث قبل تحقيق الإجماع الوطني على مرجعية الإسلام للدولة والمجتمع.

"
محاولات الخروج المسلح على الدولة كما في الحالة السورية والمصرية والجزائرية، يمكن القول إن فشلها كان عائداً لظروف إقليمية ودولية غير مساندة، إلى جانب قوة الدولة العسكرية والأمنية
"

ليس من السهل القول إن التجربة الإيرانية قد فشلت تماماً، حتى لو قلنا ذلك في حق نظيرتها السودانية، بدليل أن تداولاً حقيقياً على السلطة ما زال يتوفر هناك، ومن الممكن أن يتطور تدريجياً ليشكل نموذجاً منسجماً مع القيم التي تتبناها الدولة.

مع ضرورة القول إن السياسيين الإيرانيين لم يقدموا نماذج معقولة تنسجم مع روح الإسلام في الحكم، فيما تبدو تجربة الرئيس الجديد أحمدي نجاد مثيرة للانتباه، إذا ما استمرت على النمط ذاته.

أما تجربة طالبان فهي جزء من بيئتها، وكان يمكن لها أن تتطور لو منحت الفرصة، ويبدو عبثياً الحكم عليها بمنظار لا يأخذ واقع تلك البلاد في الاعتبار.

وتبقى التجربة السودانية التي كان بوسعها النجاح لولا اتساع دائرة التدخل الخارجي من جهة، ولولا شهوة السلطة التي أكلت الثورة، ونتذكر الصيغة التي اقترحها الدكتور حسن الترابي وكان يمكن أن تشكل محطة للنجاح لو طبقت، وذلك حين مال إلى تحقيق إجماع شعبي سوداني على مرجعية الإسلام ومن ثم إتاحة المجال أمام الجميع للتنافس على السلطة، وهو ما رفضه أصحابه بالطبع خوفاً من ضياع السلطة من بين أيديهم.

نأتي إلى طريقة التغيير في الحالات المشار إليها، وهنا يمكن القول إنها تؤكد أن من الصعب الحسم بشأن صوابها، أي أن يقال إن ذلك جائز وذلك غير جائز، أو إن ذلك المسار هو الوحيد المتاح هذه الأيام.

في الحالة الإيرانية يبدو الموقف أكثر وضوحاً من حيث الدعم الشعبي الحاسم لمسار التغيير، حيث لم يكن بوسع قيادة الحركة الإسلامية ممثلة في الإمام الخميني سوى الاستجابة لتوجهات الشارع، الأمر الذي ينطبق إلى حد ما على طالبان التي جاءت في ظل شوق شعبي للتخلص من عبث المليشيات، مع فارق البعد العرقي للحركة الذي يحرمها من الإجماع الشعبي.

كما يبدو أن تدخل قادة ثورة الإنقاذ السودانية كان ضرورياً هو الآخر بعد أن تداعت الدولة وصارت على وشك السقوط بيد غرنق، لكن البعد الفصائلي والقبلي قد حرم الثورة هناك من الإجماع التالي، وإن لم يحرمها فرصة النجاح في تمرير الانقلاب.

أما بالنسبة لمحاولات الخروج المسلح على الدولة كما في الحالة السورية والمصرية والجزائرية، فيمكن القول إن فشلها كان عائداً لظروف إقليمية ودولية غير مساندة، إلى جانب قوة الدولة العسكرية والأمنية، وفي ظل غياب الإجماع الشعبي على التحرك الذي وقع وإن توفر قدر محدود منه في الحالة السورية، كما غاب الإسناد الخارجي الحقيقي من قوة إقليمية أو دولية مهمة.

وعلى العموم فإن تقدير الموقف في الحالات المذكورة لم يكن صائباً، وهو قول لا يأتي من باب الحكمة بأثر رجعي كما سيرد به بعضهم، بل هو أمر طبيعي بدليل أنه كان متوفراً من قبل كثيرين في ذلك الوقت.

نأتي إلى نمط المشاركة في السلطة بعد المشاركة البرلمانية كمسار للتغيير. وهنا يمكن القول إن هذا المسار قد سجل فشلاً لا بأس به إلى الآن على الأقل، إذ اكتشف الإسلاميون أنهم شاركوا في الحكومة ولم يشاركوا في السلطة والقرار، وأن هدف مشاركتهم لم يكن سوى إحراق أصابعهم بالسلطة وتحجيمهم شعبياً.

ومع الوقت كان مسار التحجيم والمطاردة هو الفاعل رغم اللغة الدبلوماسية الموزعة عن التعايش الإيجابي هنا وهناك، والسبب بالطبع هو نزوع السلطة التقليدي إلى تحجيم معارضتها، فضلاً عن مطالب الخارج ذات العلاقة برفض النموذج الذي يقدمه الإسلاميون نظراً لتأثيره على المصالح الغربية والوجود الصهيوني في المنطقة، فضلاً عن قصة "الإرهاب" التي ظهرت بعد هجمات سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة.

ولا شك أن هذا التقدير ينطبق تماماً على تركيا في تجربة أربكان الذي أطيح به من قبل العسكر، وليس أردوغان الذي لم يقل إنه إسلامي، فضلاً عن أن تجربته لم تكتمل فصولها بعد.

"
سيظل دور الإسلام الشعبي ممثلاً في العلماء والدعاة ومؤسسات المجتمع المدني ضرورياً لحفظ التوازن بين الدولة والمجتمع، والتجربة التاريخية هي شاهدنا، لاسيما أن أحداً لن يضمن عدم تغوّل الدولة في المرحلة الجديدة أيضاً
"

وهناك مسار المعارضة الهادئة والإيجابية في ظل المشاركة البرلمانية، وقد عانى هذا المسار أيضاً مما عانى منه المسار السابق. فالذين شاركوا فيه سابقاً (اليمن، الأردن) عزفوا عن المشاركة حين اكتشفوا مطباتها من دون أن يستبعدوا العودة إليها، غير أن لعبة التحجيم المتعددة الوسائل لم تتوقف، وهو ما حصل مع آخرين لم يعترف بهم أصلاً (مصر)، أو ممارسة القمع الشديد (تونس).

المعارضة القوية من خارج الاعتراف الرسمي والمؤسسات "الشرعية" -نموذجها المغرب "العدل والإحسان"- ما زالت تجربة برسم المتابعة، مع أنه من غير المؤكد استمرارها على هذا المسار، خصوصاً في ظل وجود فصيل إسلامي في المربع الآخر (أي ضمن برنامج المشاركة البرلمانية التي قد تتطور إلى حكومية أو البقاء في مربع المعارضة الهادئة حسب التطورات)، لاسيما الانتخابات القادمة، حيث قد يميل الحكم إلى إشراكهم بهدف إحراق أصابعهم بالتجربة الجديدة.

قد يبدو مفيداً هنا إعادة التذكير بأننا نتحدث عن البعد السياسي، إذ أن نجاحات معقولة قد تحققت للحركات الإسلامية على صعيد البرامج الأخرى، لاسيما الدعوية والاجتماعية وما يتعلق بصناعة الصحوة الدينية في الأمة.

أما المسار السياسي فقد ثبت أن ميزان القوى المحلي المختل لصالح الدولة وأدواتها الترغيبية والترهيبية، والآخر الإقليمي والدولي الرافض لبرنامج الحركات الإسلامية ما زال يؤكد فعله أكثر من الإرادة السياسية لتلك الحركات، بل حتى الإرادة الشعبية في كثير من الأحيان، مما يدفع إلى المطالبة بإعادة النظر في مجمل المسألة.

ويمكن القول هنا إن إعادة تقدير المسار السياسي في مجمل فعل الحركة الإسلامية بات موقفاً لا بد منه، إذ ينبغي التركيز على العمل الشعبي القائم على المقاومة السلمية للفساد والمسارات السياسية الرسمية الخاطئة داخلياً وخارجياً، مع الابتعاد عن المشاركة الهامشية في السلطة، وإذا كان العمل البرلماني ميسوراً فليكن جزءًا من ذلك الفعل الشعبي يتحرك ضمن الإطار المتاح داخلياً وخارجياً، ولكن على قاعدة من النزاهة الحقيقية القادرة على تقديم النموذج الرائع للجماهير.

إنه مسار الانحياز إلى الضمير الجمعي للشارع الشعبي ومجموع الأمة، وتقديم النموذج العام المبادر والمضحي بعيداً عن مكاسب السلطة وشهوتها، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني كما كان حال المجتمع الإسلامي في القرون الأولى.

وهو النموذج ذاته الذي قدمه كثير من علماء الأمة خلال قرون طويلة، مما جعلهم رموزاً مؤثرة في ضميرها حتى الآن.

وربما كان بوسع بعض طوائف الإسلاميين أن تختط لنفسها مساراً موازياً يقترب من السلطة ويساهم فيها، غير أن ذلك يجب ألا يعطل الفعل الآخر الأكثر قدرة على تقديم النموذج الفاعل في صياغة المجتمع الأهلي الشعبي الذي ينبغي أن يتعزز في مواجهة سلطة الدولة كما هي الرؤية الإسلامية الأنضج لعلاقة المجتمع بالدولة.

من الواضح أن مجمل التجربة خلال العقود الماضية ما زال يشير إلى أن هذا المسار سيكون الأنسب في ضوء الظروف القائمة للوصول إلى الطموح بالإبقاء على الإسلام قوياً في أوساط الناس بانتظار أجواء مناسبة لإعادته كمرجعية للدولة والمجتمع بصرف النظر عن شخوص الذين يفعلون ذلك.

وحتى عندما يحدث ذلك فإن دور الإسلام الشعبي ممثلاً في العلماء والدعاة ومؤسسات المجتمع المدني يبقى ضرورياً لحفظ التوازن بين الدولة والمجتمع، والتجربة التاريخية هي شاهدنا، لا سيما أن أحداً لن يضمن عدم تغوّل الدولة في المرحلة الجديدة أيضاً.

ربما بدا أن الأجواء الدولية والإقليمية والعربية المحلية قد بدأت تتحرك صوب التغيير الجذري للمعادلات القائمة، لا سيما بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية والانتصار الكبير (نسبياً بالطبع) للإخوان المسلمين في مصر، وما يتوقع بشأن انتصار مماثل للحركة الإسلامية المغربية في الانتخابات القادمة، وفي ذلك بعض الصحة بالتأكيد، ليس فقط بسبب معالم الحراك الجماهيري القوي، بل أيضاً بسبب تواصل الفشل الأميركي في أكثر من محطة.

"
إذا كان الغرب قد أخذ قروناً من المدافعة السياسية حتى استقر على النظام القائم, فإن زمناً لا بأس به سيمضي قبل أن يستقر الإسلاميون على شكل للدولة ونهج للحكم يقترب من المثال الإسلامي المنشود
"

وإذا ما أفضى ذلك إلى نوع من أنواع التعددية القطبية فإن اقتراب الإسلاميين من السلطة سيكون مرجحاً، وتبقى معضلة التعامل مع اللعبة على نحو يعيد النظر في مجمل آليات الدولة الحديثة، وفي أساليب الرقابة على الحكم.

ما ينتظر من الإسلاميين في هذه الحالة هو ما قلناه حول استعادة المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع ومن ثم صياغة قانون يراقب السلطة ويمنع تغولها ويسمح بالتنافس على خدمة الجماهير.

ولما كان الغرب قد أخذ قروناً من المدافعة السياسية حتى استقر على النظام القائم الذي لن يكون كافياً لو تراجعت قدرة الدولة على منح الرفاه الاقتصادي للجميع، فإن زمناً لا بأس به سيمضي قبل أن يستقر الإسلاميون على شكل للدولة ونهج للحكم يقترب من المثال الإسلامي المنشود.

خلاصة القول هي أن أساليب التغيير بالنسبة للحركات الإسلامية في سياق استعادتها للمرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع لا تبدو محسومة، وهي تعتمد على تقدير موقف بالغ الدقة للظرف المحلي والإقليمي والدولي، فما يصلح هنا قد لا يصلح هناك، ويبقى أن الظرف الدولي قد يكون هو العامل المشترك من حيث إمكانية الوصول إلى نموذج التعددية القطبية الذي يسمح لكل أمة بالتعبير عن نفسها وهويتها بعيداً عن غطرسة القوى الكبرى ومنهجها في السيطرة والنهب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.