ماذا بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين؟


undefined
بقلم/ إبراهيم أبو الهيجاء

محاولات التدجين
حسم التوجهات الإسرائيلية
الإجراءات الإسرائيلية الفعلية
إجراءات الحركة المضادة
مستقبل يحمل الألم والأمل

باغتيال الشيخ أحمد ياسين يكون شارون قد اتخذ بالفعل قرار إستراتيجيا يتطلب ردا استثنائيا وإستراتيجيا. القضية ليست عملية تفجيرية دراماتيكية -وحسب- تعيد التوازن الردعي بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وإنما المطلوب أبعد من ذلك، وهو مطلوب من العرب والمسلمين قبل الفلسطينيين، ومطلوب ليس فقط من الأنظمة العربية وهي على أبواب قمة جديدة، بل من القوى والفعاليات الاجتماعية والسياسية كي تتداعى لنصرة المقاومة الفلسطينية، ليس بالأشكال التقليدية: مظاهرات امتصاصية وخطابات تعبوية.

المطلوب نقلة نوعية تناسب وترد على الجنون الشاروني لأن تخطي اغتيال الشيخ أحمد ياسين واعتباره حدثا يتطلب الإدانة والصراخ الشعبي، يدل على قصور في فهم مرامي السياسة الإسرائيلية الأميركية الجديدة التي قررت توجيه ضربات قاصمة لمشروع المقاومة الذي يحمي القضية الفلسطينية ويمنع اختراق المنطقة والهيمنة الصهيونية.

وبالتالي فمشروع المقاومة يحمي الجميع وليس فقط الفلسطينيين، ويخطئ من يظن أن القضية شخصية رغم نوعيتها أو يتعلق بحركة رغم تضحياتها، بل هي رمزية وتتعلق بثقل القضية الفلسطينية وما تعنيه لنا جميعا من ألم وأمل.


حاولت أطراف دولية عديدة تدجين حركة حماس وجرها إلى ملعب وغنائم السلطة والجاه في ضوء ثقلها الشعبي ووزنها الاجتماعي وحضورها السياسي والعسكري, إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل أمام خيار المقاومة

محاولات التدجين
لقد حاولت أطراف دولية عديدة تدجين حركة حماس وجرها إلى ملعب وغنائم السلطة والجاه في ضوء ثقلها الشعبي ووزنها الاجتماعي وحضورها السياسي والعسكري. وكان الظن الإسرائيلي الرسمي أن هناك إمكانية لفتح ثغرة حوار مع حركة حماس وجرها للانخراط في اللعبة التفاوضية أو السياسية، ومن ثم إمكانية ترويضها. فقد راهنت إسرائيل مثلا على أن قوة حماس ستفيد في خلق تضاد وصراع داخلي ما بين الحركة القديمة فتح والحركة الصاعدة حماس، بل وحاولت إسرائيل عبر وسطاء مختلفين عرض مغانم السلطة على حماس وفي غزة تحديدا مقابل اعترافها بإسرائيل.

وعندما فشلت تلك الجهود بدأت محاولات التوصل إلى هدنة عسكرية طويلة مقابل امتيازات للحركة في التسهيلات السياسية والعمل الجماهيري، الأمر الذي رفضته أيضا الحركة مشترطة وقفها الطويل بإنجازات تتعلق بالقضية الفلسطينية وليس بالذاتية الحركية. ثم جاء أوسلو وما حمل من أحلام سياسية واقتصادية، وكان التوقع الدولي أن تنخرط حماس في اللعبة الانتخابية والانشغال في الصراع أو الاتفاق مع السلطة على المغانم والوظائف والامتيازات، ولكن الحركة رفضت الانخراط في اللعبة الانتخابية، ورفضت عروضا محددة من السلطة الفلسطينية بمنحها وزارات هامة وميزات لكوادرها الذين كان نصيبهم الاعتقال في سجونها لاحقا، بسبب استمرارهم في العمليات العسكرية وتعبيرهم الواضح عن رفضهم للتسوية.

بعد سقوط أوسلو واشتعال انتفاضة الأقصى وما تبعه من تقويض لشرعية وقوة السلطة الفلسطينية، تعززت رؤية وقوة حركة حماس التي طالما شككت في جدية إسرائيل ونجاح التسوية. ثم جاء نجاحها الثاني عندما التحقت مختلف الفصائل بما فيها حركة فتح إلى أعمال المقاومة الاستشهادية، فتأكد للمجتمع الدولي أن هذه المقاومة هي خيار الشعب الفلسطيني وليس خيار حركة تحاول فرض أجندتها كما اتهمت حماس مرارا.

ثم جاء صعود اليمين الصهيوني الشعبي ليعزز الخيار العسكري الأمني في مواجهة الفلسطينيين، ولكن نجاحات المقاومة وصمودها عزز خيار المقاومة كخيار واقعي وممكن ووحيد للشعب الفلسطيني، وهذا أيضا يسجل كإنجاز لحركة حماس وتماهيا مع مشروعها الذي طالما طرحته.

حسم التوجهات الإسرائيلية
كل هذه النتائج أقلقت أنظار المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، وحذرت منه العديد من المستويات الأميركية الرسمية، بل وحذرت منه بعض النخب العربية العلمانية، واستخدمته بعض الدول العربية لتخويف إسرائيل مما ينتظرها إن أنهت وجود السلطة الفلسطينية.

ولذا كان من الواضح أن إسرائيل في السنة الثانية من انتفاضة الأقصى قد اتخذت نهجا استئصاليا للحركة لا يفرق بين جناحها العسكري والسياسي، أي أن التوجه الإسرائيلي انتقل من الضربات الجزئية إلى الضربات الشمولية. وساعد في تقدم هذا السيناريو وتفعيله جملة ظروف أهمها:

1- الحرب الأميركية الوقائية ضد ما يسمى الإرهاب الإسلامي، ومحاولة إسرائيل خلق تشابه بينها وبين ما تتعرض له من مقاومة فلسطينية. ولعل تشبيه موفاز أحمد ياسين -بعد اغتياله- بأنه بن لادن فلسطيني، تأكيد لهذه الرؤية التي -بالمناسبة- تشترك فيها مع الولايات المتحدة التي تصنف حماس كحركة إرهابية.

2- أدى فشل إسرائيل في سحق المقاومة الفلسطينية واضطرارها لاختراع بدائل مثل جدار الفصل والخروج جزئيا من غزة، إلى ضربات استباقية تحاول التقليل من نجاحات المقاومة الفلسطينية، وخوفها من استلهام التجربة اللبنانية، وحلول حماس محل حزب الله في الوعي الفلسطيني والعربي.

3- إخلاء غزة جزئيا أو كليا، وتنفيذ إصلاحات أميركية في المنطقة وعلى صعيد المعادلة الفلسطينية تحديدا، يتطلب أساسا تقويض حركة قوية مثل حماس كمقدمة لضرب البقية في الساحتين الفلسطينية والعربية.

4- احتلال العراق وما يعنيه من تداعيات هزيمة في الوعي العربي ونصر للقوة الأميركية، يتطلب من طرفهم استغلال الفرصة لإعادة صوغ المنطقة والانقضاض عاجلا على المشوشين على هذا النصر ومن بينها حركة فاعلة مثل حماس.

5- اغتيال الرموز محاولة إسرائيلية لتغييب عناصر الحوار والعقلانية في الساحة الفلسطينية بقصد فتح الأبواب على مصراعيها للفتنة والفوضى الشاملة -وكمحاولة إجهاضية للانتفاضة الفلسطينية- تحت وهم إمكانية صناعة زعامة فلسطينية تصادق على الخطط الأحادية الإسرائيلية.

6- حاجة شارون الداخلية لإرضاء اليمين الصهيوني الغاضب على خطط الإخلاء من غزة، ويهدد حكمه المتآكل بسبب الفضائح المالية والأخلاقية.


حاولت إسرائيل ضرب حماس في الخارج من خلال التضييق السياسي على وجودها ومطالبة دول عربية بإخراج كوادرها من أراضيها, واستخدمت سياسة الاغتيالات ضد قادتها وتضييق الخناق على مواردها المالية

الإجراءات الإسرائيلية الفعلية
لقد تمثلت الإجراءات الإسرائيلية لضرب حماس في الخارج من خلال التضييق السياسي على وجودها وتحركها وممارسة ضغوط على دول عربية لإخراج حماس من أراضيها وممارسة تقييد لنشاطها. أما في الداخل فقد مارست إسرائيل ما أمكن من اغتيالات ضد قيادات الحركة السياسيين، واستغلت نجاحات المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربات موجعة لإسرائيل كمبرر لممارسة ذلك.

وعلى الصعيد المالي والاجتماعي سعت إسرائيل وبمساعدة أميركية مباشرة إلى تضييق الخناق على موارد الحركة الآتية من المتعاطفين من الشعوب المسلمة، ثم جرى إغلاق العديد من المراكز الاجتماعية من خلال ملاحقة أرصدتها في البنوك، بل والضغط على الدول العربية نفسها لمراقبة أو إغلاق أعمال بعض الجمعيات الإسلامية المتعاطفة مع الحركة.

إجراءات الحركة المضادة
استشعرت حركة حماس كل هذه الأخطار، وسعت إلى مواجهتها من خلال التالي:
1- التجاوب مع دعوات حوار القاهرة رغم الأصوات الداخلية الكثيرة التي حذرت من هذا الحوار واستحقاقاته. وطرحت الحركة هدنة مشروطة صمدت نحو شهرين، ولاحقا سقطت بفعل التصعيد الإسرائيلي المقابل، مما أجبر حماس على العودة إلى مواقفها الأصلية وبعملية نوعية ردت على اختراقات الهدنة.

2- تأكيد شرعية مقاومتها من رسائلها المختلفة المؤكدة للمجتمع الدولي "بأن هدف الحركة ونضالها هو الاحتلال في فلسطين وليس خارجه، وأن وقف العمليات الاستشهادية هو رهن بالتجاوب مع شروط الحركة ووقف استهداف المدنيين الفلسطينيين".

3- تعزيز شرعية نضالها من خلال حرصها على الانخراط في لجان القوى الوطنية والإسلامية، وتعزيز ذلك بالعمليات المشتركة مع مختلف القوى الفلسطينية.

4- أخذ التحوطات والبدائل الأمنية والخطوط القيادية الخلفية بعين الاعتبار، والقيام بحملة توعية وتعبئة للتحذير والتنبيه من مخططات الاحتلال وعملائه.

5- التأكيد مرارا على خطاب الوحدة وخطورة الفتنة، ولاسيما إعلانها وعلى لسان الشيخ أحمد ياسين ذاته وقبل أيام من اغتياله "عن استعداد حركته لإدارة مشتركة مع بقية القوى الفلسطينية والسلطة ضمن ميثاق شرف مع مختلف الفصائل إذا ما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة".

مستقبل يحمل الألم والأمل
كما هو جلي فإن الاحتلال ولأسباب سياسية داخلية وخارجية مصمم على ضرب حركة حماس وسحقها إن أمكن سحقها، ولكن تحقيق هذا الاحتمال مستحيل لأسباب موضوعية وذاتية، نظرا لأن وجود الحركة في الداخل الفلسطيني هو من وجود الشعب الفلسطيني، فهي حركة ليست طارئة أو حديثة، وإنما لها تاريخ طويل وقاعدة فكرية صلبة تستند عليها وشعبية كبيرة في صفوف الفلسطينيين، ناهيك عن تمتعها بمصداقية عالية جدا لدى مختلف فئات الشعب الفلسطيني والعربي.

وقد تعرضت الحركة من قبل إلى أزمات أقسى إبان قمة شرم الشيخ التي تجمع فيها أكثر من 40 دولة بمن فيهم دول عربية احتجاجا على عمليات حماس التفجيرية التي أتت بعد اغتيال المهندس يحيى عياش. ورغم حجم الاعتقالات والملاحقات التي جرت ضد الحركة فإن بنية الحركة التنظيمية بقيت متماسكة.


تمسك حماس بمواقفها وفشل مخططات الترتيب الأميركي والسحق الإسرائيلي مع فشل التسوية السلمية, أدى إلى تصاعد قوة الحركة وعودة الأمور إلى دائرة الاحتلال والمقاومة

والمرحلة الحالية رغم أنها أفقدت حماس المئات من كوادرها وقياداتها في هذه الانتفاضة، فإن تأثير ذلك على أداء الحركة العسكري والسياسي والاجتماعي سيبقى آنيا نظرا لأن بنية الحركة المرنة كانت قادرة على الاستيعاب والتكيف، بل وأدت الاغتيالات إلى استقطاب حركيين جدد. كما أن الخبرة العسكرية لم تعد ضيقة وبدائية، بل إنها الآن متطورة ومنتشرة لا تتوقف حتى باغتيال عسكريين نوعيين، لأن نهج توريث الخبرات مستمر ومتطور لدى جميع الحركات الفلسطينية. أما مشاكل التمويل فلن تكون ذات أثر كبير في ضوء اعتماد الحركة بالأساس على مواردها الذاتية.

عموما الأفق يحمل الألم والقهر للحركة الفلسطينية حماس وهو بالفعل كموج يتبع إعصارا يتقوى مع الزمن، وفي ضوء أن الحركة تعتبر ذلك ثمنا طبيعيا لمواقفها الأساسية التي تشكل أساس شرعيتها فإن تمسكها بتلك المواقف وفشل مخططات الترتيب الأميركي والسحق الإسرائيلي المتوقع، مع فشل التسوية في ظل تعقد إشكالية حل القضية الفلسطينية.. كل ذلك سيؤدي مرة أخرى إلى تصاعد قوة الحركة ومنطقها وعودة الأمور إلى دائرة الاحتلال والمقاومة حيث هناك ملعب حماس وقوتها وشعبيتها ومصداقيتها، وهذا ما ستختبره قابل الأيام التي تحمل الكثير من الأمل.
ــــــــــــ
كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.