المخدرات في لبنان.. حبوب الكبتاغون تتقدم وحشيشة الكيف تتراجع وطفرة التهريب تضر الاقتصاد

عنصر من الأمن اللبناني يفحص شحنة مخدرات تم إحباط تهريبها (الأوروبية)

عفيف دياب- بيروت
أثار إعلان المملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان الماضي فرض حظر على دخول الفواكه والخضراوات اللبنانية أو نقلها عبر أراضيها بسبب زيادة تهريب المخدرات في شحناتها؛ تساؤلات عن قضية زراعة المخدرات في لبنان وصناعتها وتهريبها، التي جاء انتشارها نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية المتغيرة والأزمات المتعاقبة التي تشهدها الدولة.

ويشير حجم عمليات التهريب التي أحبطت من قبل قوى الأمن اللبنانية أو تلك التي تم التفطن إليها من السلطات السعودية في الفترة الأخيرة إلى تطور هذه الظاهرة وتحولها إلى "صناعة" متكاملة أسهمت فيها الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الداخل، خاصة على الحدود السورية بعد اندلاع الأزمة عام 2011.

تاريخيا، لم يكن لبنان بعيدا عن "المخدرات" بأنواعها وأصنافها المتعددة، فهو يعد منذ الاستقلال (1943) -على الأقل- أرضا خصبة لزراعتها وتصنيعها وتصديرها واستيرادها، ومعبرًا إستراتيجيًّا في أدبيات المهربين، خاصة في فترة الحرب الأهلية، وتطورت هذه الصناعة صعودا وهبوطا حسب المتغيرات والأزمات.

وفي سجل تاريخ هذه الزراعة والإتجار بها وتهريبها في لبنان حكايات عن طرق الاحتيال على القوانين الرادعة لها، وعن مدى نفوذ كبار مزارعيها وتجارها ومهربيها، ضمن المنظومات السياسية والأمنية والقضائية اللبنانية طوال العهود السابقة للحرب الأهلية (1975-1990) وأثناءها تحديدا.

وفي فترة الحرب والاضطراب الأمني والسياسي سيطرت مليشيات على مناطق النفوذ، وصار بعض هذه المجموعات مزارعا للمخدرات أو صانعا أو تاجرا أو مصدّرا لها، وأصبحت تلك العصابات صاحبة الكلمة الفصل في ما تدره المخدرات من عوائد وتضخه من أموال في اقتصاد البلاد.

شكلت زراعة الحشيشة موردا اقتصاديا مهما لاهالي البقاع على مدى عشرات السنين
مناطق سهل البقاع شكلت أرضا خصبة لزراعة الحشيشة (القنب الهندي) منذ عقود (الجزيرة)

من الندرة إلى الوفرة

وزراعة المخدرات "اللبنانية" كانت محدودة بين عامي 1943 و1975، وتوسعت كثيرا لاحقا، واكتسبت شهرة واسعة لما يحوي تاريخها من قصص سيئة الصيت، وحتى طرائف مخزنة في ذاكرة تجار ومهربين سابقين تقاعدوا من هذه المهنة الآثمة لتقدمهم في العمر، أو بسبب تراجع نفوذهم لصالح مهربين ومزارعين آخرين. وهذه "المخدرات اللبنانية" توصف بأنها الأجود عالميًّا، خاصة "حشيشة الكيف" أو القنب الهندي، كما يقول أكثر من مزارع سابق لهذه النبتة تواصل معهم معد التقرير.

وتعد مناطق شمال سهل البقاع (شرقي لبنان) أرضًا خصبة وتقليدية لزراعة الحشيشة منذ عشرات السنين. ويقول أحد المهندسين الزراعيين في وزارة الزراعة اللبنانية (فضل عدم الكشف عن اسمه) "إن خصوبة التربة ومناخ منطقة سهل البقاع الشمالي عنصران مهمان لزراعة هذه النبتة، وأسهما في "عالميتها وجودتها مقارنة بما تنتجه هذه الزراعة في دول أخرى كأفغانستان وباكستان والمغرب".

ويضيف للجزيرة نت أن جغرافية المنطقة ووقوعها بين سلسلتين من الجبال العالية تعطي مناخا ملائما لزراعة القنب الهندي؛ فمعدلات هطول الأمطار وفترات سطوع الشمس ونوع التربة والمناخ القاري الجاف والبارد شتاء والحار صيفا؛ كلها عوامل مساعدة أعطت قيمة لهذا الصنف اللبناني، الذي انتعشت زراعته وتصديره خلال سنوات الحرب الأهلية (1975-1990) وصار لبنان مَصدرًا ومَعبرًا لمختلف الأصناف بعد أن كان مستوردًا لها قبل تلك الفترة.

إبراهيم الشوباصي: زراعة المخدرات توسعت في لبنان بعد الحرب الأهلية (الجزيرة نت)

العصر الذهبي

ويقول الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي للجزيرة نت إن أول بذرة من القنب الهندي وصلت إلى لبنان كانت عام 1930، إذ هُرّبت كميات منها من الهند، وزرعت في حقل بمنطقة اليمونة (سهل البقاع الشمالي) على أساس أنها نبتة طبية، وبقيت هذه الزراعة محدودة بعد أن وضع الانتداب الفرنسي يده عليها، وأسس وكالة خاصة بها للاستفادة من هذه النبتة لأغراض طبية، وحصر عمليات الشراء والبيع.

ووفقا للشوباصي، فقد توسعت هذه الزراعة لاحقًا حتى قاربت مساحة زراعتها ما يعادل مساحات زراعة البطاطا والقمح في سهل البقاع اللبناني الشمالي، وبلغت المساحات المزروعة قبل عام 1979 بين 120 و150 ألف دونم (بين 120و150 كيلومترا مربعا)، كانت تدر ما يعادل 3 مليارات دولار سنويا، حسب تقديراته.

ويضيف الشوباصي أنه مع اشتداد وتيرة الحرب الأهلية اللبنانية والفوضى العارمة التي أحدثتها، توسعت زراعة المخدرات، ودخل الأفيون كزراعة جديدة بدءا من عام 1980. وأدى هذا النمو إلى اتهام النظام السوري بحماية هذا النشاط، خاصة أن قواته العسكرية والأمنية كانت منتشرة تحت ما تسمى "قوات الردع العربية" في طول سهل البقاع وعرضه. ووُضعت دمشق على اللائحة السوداء، مما اضطرها إلى القيام بحملات إتلاف للحقول المزروعة بالحشيش والأفيون في المناطق المأهولة، في حين بقيت المناطق النائية بعيدة عن عمليات الإتلاف.

ويؤكد تقرير سابق لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة أن لبنان خلال حربه الأهلية كان المصدر الرئيسي للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وكان ينتج نحو ألف طن سنويا من حشيشة الكيف، وما بين 30 و40 طنًا من الأفيون.

وفي هذا السياق، يشير الشوباصي إلى أن العصر الذهبي للمخدرات في لبنان -زراعة وتصنيعًا وتهريبًا- كان خلال الحرب الأهلية، حيث كانت المليشيات المسلحة التي سيطرت على مرافق ومرافئ الدولة اللبنانية تتولى عمليات التهريب إلى دول عربية وأوروبية مقابل حصولها على الأسلحة والذخائر والأموال لخوض حروبها.

وإثر اتفاق الطائف سنة 1990 وتوقف الحرب الأهلية تراجعت هذه الزراعة وعمليات التهريب بعد إعادة الدولة اللبنانية بسط سيطرتها على مؤسساتها وحل المليشيات وتسليم أسلحتها إلى الجيش اللبناني.

midan - مخدرات

التراجع في إنتاج وتهريب حشيشة الكيف في لبنان قابله ارتفاع إنتاج الحبوب المخدرة (غيتي)

أفول عصر "الكيف"

ولكن، هل تراجع إنتاج لبنان في زراعة وتهريب حشيشة الكيف إلى الخارج أو أن نجم الحبوب المخدرة صار أكثر سطوعًا وربحًا؟

يقول مسؤول أمني بارز للجزيرة نت (فضل عدم الكشف عن اسمه) إنه في السنوات العشر الأخيرة تراجعت نسبيًّا عمليات زراعة وتهريب الحشيشة لعوامل متعددة، أبرزها عمليات إتلاف المزروعات والتضييق الأمني على مصنعيها ومروجيها ومهربيها، وتدني أسعارها مقارنة بأسعار الحبوب المخدرة وكلفة تصنيعها المتدنية.

ويوضح أن زراعة الحشيشة تكون خلال موسم واحد في السنة، لكن الحبوب المخدرة يمكن تصنيعها على مدار الساعة، ولذلك نشطت عمليات تصنيع وتهريب هذه الأقراص، وتراجعت الحشيشة إلى المرتبة الثانية من حيث التهريب إلى الخارج.

وفي هذا السياق، يقول إبراهيم الشوباصي إن "صناعة الكبتاغون" التي كانت مزدهرة في سوريا وتهرّب إلى لبنان ومنه إلى دول أخرى لا تحتاج إلى عناء كبير، فتكلفة إنتاجها متدنية وتهريبها سهل نسبيا، كما تعطي مردودًا ماليًّا يعد جيدا، حيث يصل سعر القرص الواحد إلى نحو 5 دولارات في دول عربية، في حين لا تتجاوز تكلفة تصنيعه نصف دولار تقريبا.

ولا يخفي المسؤول الأمني اللبناني -الذي تحدث للجزيرة نت واشترط عدم ذكر اسمه- وجود أنشطة متزايدة للشبكات السورية واللبنانية في تهريب الأقراص المخدرة، مشيرا إلى أن السلطات الأمنية لاحظت ذلك بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011. ويذكر أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تمكنت -على سبيل المثال- من إحباط أكثر من 90 عملية كبيرة لتهريب مخدرات (أفيون وحبوب مخدرة) خلال السنوات الثلاث الماضية.

ويتابع أن ضبط السلطات السعودية مؤخرًا شحنة حبوب مخدرة في شحنات الرمان المستورد من لبنان "لم يكن مصدرها لبنان وإنما سوريا". مشيرا إلى أن لبنان تحول خلال السنتين الماضيتين إلى محطة "عبور" لتهريب الحبوب المخدرة إلى دول عربية، أبرزها السعودية، ومصدرها -حسب قوله- معامل تصنيع داخل الأراضي السورية غزيرة الإنتاج، و"هي ثمرة استثمار غير شرعي مشترك بين سوريين ولبنانيين، وحتى سعوديين".

السلطات السعودية قالت إنها أحبطت تهريب نحو 5 ملايين حبة كبتاغون مخبأة بشحنة رمان مصدرها لبنان (مواقع التواصل)

منابع ومعابر

وارتفعت عمليات ضبط تهريب أقراص الكبتاغون والأنواع الأخرى من المواد المخدرة خلال السنتين الأخيرتين، وفقا للمسؤول الأمني، الذي يضيف أن القنب الأفغاني -مثلا- يهرب بكميات كبيرة إلى البلدان العربية ودول أخرى في الشرق الأوسط، وأن الهيروين الأفغاني يصل تهريبا إلى دول عربية عن طريق تركيا فالعراق، إضافة إلى طرق تهريب تبدأ من أفغانستان فباكستان وجنوب إيران وصولا إلى دول عربية.

ويتابع أن مكافحة المخدرات -زراعة وتصنيعا وترويجا وتهريبا- هي "حرب عالمية"، تخوضها مئات من الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات، بالتنسيق في ما بينها، مشيرا إلى أن لبنان أرسل مئات التقارير الأمنية خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى عشرات الدول، خصوصا العربية، التي نجحت نتيجة ذلك في ضبط أعمال تهريب للممنوعات. ويكشف عن أن ما تشهده سوريا منذ عام 2011 أدى إلى إيجاد مناطق آمنة لتجار المخدرات ومصنّعيها، وبالتالي ارتفاع أعمال التهريب، كمًّا ونوعًا.

أسامة القادري: معامل المخدرات الكبيرة في البقاع تتمتع بحماية سياسية وأمنية من "قوى الأمر الواقع" (الجزيرة نت)

نمو الكبتاغون ونفوذ أصحابه

ويضيف المسؤول الأمني أن "مصنعي ومهربي ومستوردي الحبوب المخدرة يتمتعون بنفوذ قوي داخل أجهزة أمنية في سوريا، ويدفعون الرشاوي في عملية تنظيم تهريب حبوبهم المخدرة إلى الدول المقصودة. مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية السعودية تعرف ذلك جيدا والمعلومات التي وفرناها للأمن السعودي مؤخرًا أسهمت في ضبط أكثر من شحنة حبوب مخدرة مصدرها سوريا ووجهتها كانت السعودية ودولا خليجية أخرى".

ولكن، هل تُصنّع حبوب الكبتاغون فقط في سوريا ويُستخدم لبنان كبوابة عبور نحو دول أخرى؟ يقول الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي إن في لبنان نحو 30 مصنعا لحبوب الكبتاغون المخدرة، كما توجد في سوريا أقبية للتصنيع، ولكن مع استعار أوار الحرب هناك سجل هروب المصنعين وآلات التصنيع البدائية إلى المناطق الحدودية اللبنانية النائية، حيث بدؤوا بالشراكة مع لبنانيين بناء مصانع للحبوب تقدر بحوالي 30 معملا.

وحسب الشوباصي، فقد قامت القوى الأمنية اللبنانية بمداهمة وغلق أكثر من مصنع لهذه الحبوب في مناطق نائية وحتى في أطراف بيروت، مشيرا إلى أن تصنيع الكبتاغون في لبنان تطور وشهد نموا بدءا من عام 2018 تحديدا، وذلك بعد استيراد أجهزة وتقنيات متطورة للتصنيع أُحضرت خصيصا من الصين.

من جهته، يقول المراسل الصحفي في سهل البقاع اللبناني أسامة القادري إن معامل تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة انتشرت سريعا في منطقة البقاع، وهي معامل صغيرة الحجم والإنتاج مقارنة بتلك التي توصف بأنها من أكبر مصانع الكبتاغون في الشرق الأوسط، وتتخذ من مناطق حدودية لبنانية-سورية متداخلة موقعا لعملها.

ويكشف القادري عن أن هذه المعامل الكبيرة تتمتع بحماية سياسية وأمنية ممن سماها "قوى الأمر الواقع" في لبنان، ومن كبار أجهزة أمنية تابعة للنظام السوري، ويعرب القادري عن اعتقاده بأن هناك أكثر من 30 مصنعا صغيرا بمنطقة البقاع، وأكثر من 70 معملا متوسطا ووفير الإنتاج في مناطق سورية متاخمة للحدود مع لبنان أو متداخلة جغرافيا بين البلدين، وبالتالي فإن القوى الأمنية ستبقى عاجزة عن ضبط هذه المعامل لوعورة تلك المناطق والالتباس الحدودي بين البلدين.

ويرى الناشط السياسي في مدينة بعلبك (شرق) حكمت شريف أن عمليات تصنيع الكبتاغون في لبنان سجلت نشاطا كبيرًا في السنوات العشر الأخيرة، مضيفا في حديث للجزيرة نت أن هذه الحبوب "ليست بدعة محلية أو خبرة لبنانية ماهرة في التصنيع والترويج، بل من يقوم بها من السوريين لما يتمتعون به من خبرات تصنيعية معروفة للعاملين في هذه الآفة".

تبعات سياسية

هذا النمو في تصنيع الكبتاغون في لبنان والاستفادة من الخبرات السورية في أعمال "الطبخ والتصنيع والتهريب"، وضع لبنان في مصاف الدول العربية "المتقدمة" في صناعة المخدرات، وعلى اللائحة السوداء.

ولم يخل هذا التطور الكمي والنوعي من أبعاده السياسية، ووضع قوى حزبية في مقدمة المتهمين بحماية هذه الصناعة، وفي طليعتهم حزب الله، وصولا إلى حد اتهامه بإقامة مصانع خاصة به لتأمين التمويل لمشاريعه السياسية، وهو ما ينفيه الحزب دائما، معتبرا ذلك دعايات مغرضة ذات أبعاد سياسية.

فإدارة مكافحة المخدرات الأميركية ومكاتب أوروبية وعربية مماثلة اتهمت في أكثر من تقرير حزب الله اللبناني بالوقوف وراء صناعة وتهريب المخدرات لتمويل أنشطته وأعماله. وتقول بعض التقارير الغربية والعربية إن مصنعي ومهربي الحبوب المخدرة يتمتعون بنفوذ قوي لدى شخصيات سياسية مقربة من حزب الله أو من شخصيات نافذة في السلطة اللبنانية، ولدى مجموعات سورية مسلحة (موالية ومعارضة للنظام) توفر الحماية الأمنية لهذه الشبكات مقابل تمويلها.

ويقول مسؤول أمني لبناني كبير -تواصلت معه الجزيرة نت، ورفض الكشف عن اسمه- إن معامل تصنيع الحبوب المخدرة في لبنان صغيرة الحجم والإنتاج مقارنة بتلك الموجودة في سوريا أو على مقربة من الحدود مع لبنان. مشيرا إلى أن السلطات الأمنية اللبنانية "فككت خلال السنتين الماضيتين نحو 17 معملا صغيرًا في سهل البقاع، وأن عدد الموقوفين تجاوز 200 شخص".

ويضيف المسؤول الأمني أن المواجهة بين القوى الأمنية وشبكات تصنيع وترويج وتهريب المخدرات على أنواعها جارية على مدار الساعة. مؤكدا أن "التحقيقات الأمنية والقضائية لدينا لم تثبت وجود أدلة على وقوف حزب الله أو غيره من الأحزاب خلف شبكات المخدرات"، ولكنه لا يخفي في المقابل وجود مناصرين أو مؤيدين للحزب، أو أحزاب أخرى، يستغلون مناصرتهم لتنفيذ مشاريعهم بصناعة وترويج الحبوب المخدرة، واستغلال علاقاتهم الشخصية مع مسؤول ما لتنفيذ أنشطتهم غير المشروعة وحمايتها من دون علمه.

تشتهر منطقة بعلبك الهرمل بزراعة نبتة الحشيشة فيما تشكو هذه المنطقة من الاهمال الرسمي المزمن
منطقة بعلبك الهرمل تشتهر بزراعة نبتة الحشيشة (الجزيرة)

ويؤكد المسؤول الأمني أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تقف عند هذه الاعتبارات، مشيرا إلى أن الجهاز الذي يتبعه يتلقى -حسب قوله- عشرات الاتصالات من شخصيات سياسية وحزبية واجتماعية نافذة لغض النظر عن هذا المتهم أو ذاك الموقوف بتهم تعاطي أو تصنيع أو ترويج وتصدير ممنوعات، و"لكن القرار السياسي والأمني واضح وصارم جدا بمنع مثل هذه التدخلات، خاصة بعد أن منعت السعودية تصدير المنتجات الزراعية إليها وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني اللبناني".

وتفيد بيانات رسمية سعودية بأن حجم الصادرات اللبنانية إلى السعودية بلغت 273.1 مليون ريال (72.8 مليون دولار) في الربع الأخير من عام 2020، في حين تقدر قيمة صادرات الفواكه والخضار بنحو 24 مليون دولار، وفق وزارة الزراعة اللبنانية.

ويكشف هذا المسؤول عن أن بلاده وفرت مؤخرا معلومات لجهات أوروبية وعربية أسهمت في ضبط مخدرات مهربة إلى اليونان فسلوفاكيا، وكانت هذه العملية ثمرة تعاون لبناني-سعودي-يوناني، كما نفذ الأمن اللبناني في أقل من 10 أشهر عمليات أمنية استباقية حققت نجاحات في كشف عمليات ضخمة لتهريب المخدرات، وسيعلن عن بعضها لاحقا، كما يقول.

وفي خلاصة حديثه للجزيرة نت، يؤكد المسؤول الأمني "نحن نقوم بواجبنا ضد هذه الآفة، ولا يعنينا الاتهامات المحلية أو الدولية غير المستندة إلى أدلة دامغة. نحن كسلطات أمنية وقضائية في لبنان لم نقصر في مواجهة عمليات تصنيع وتهريب المخدرات بكافة أصنافها".

فادي أبو دية: الاتهامات الموجهة لحزب الله هدفها الضغط عليه ومواجهة ما يعدونه مشروعه السياسي (الجزيرة نت)

"حقن" سياسي

ولكن، لماذا تتجه أصابع الاتهام إلى حزب الله بالوقوف وراء عمليات تصنيع وتهريب المخدرات؟ يقول الكاتب الصحفي -المقرب من الحزب- فادي أبو دية إنها "عمليات حقن سياسي للضغط على الحزب والتأثير على الرأي العام وتأليبه على الحزب ومشروعه المقاوم وتشويه صورته".

ويضيف للجزيرة نت أن الاتهامات الموجهة للحزب بوقوفه خلف صناعة المخدرات وتهريبها إلى دول عربية هي "مجرد اتهامات سياسية، فحزب الله لا يحتاج إلى الإتجار بالمخدرات لتمويل أعماله ومهامه، ولا اللجوء إلى أي أعمال مشبوهة أو غير مشروعة".

ويقول أبو دية إن الحزب يحرم دينيا وسياسيا واجتماعيا زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الإتجار بها، وهناك أدلة كثيرة على هذا القرار الصارم. وحسب قوله، فقد قام الحزب بطرد أكثر من شخص لمجرد الشبهة في أنهم يقومون بزراعة الحشيش أو تصنيع الكبتاغون، كما "قام بتسليم ملفات لعدد كبير من الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات الإتجار بالمخدرات. مؤكدا أن السلطات القضائية والأمنية في لبنان تعلم ذلك جيدا".

من جهته، يقول الباحث في الشؤون الزراعية والتنمية في منطقة بعلبك-الهرمل (شمال شرق) رامح حمية إن زراعة وصناعة المخدرات في لبنان ليست حكرا على منطقة واحدة في البلاد، أو بيئة اجتماعية معينة؛ فهذه الزراعة والصناعة والإتجار بها تمتد -كما يقول- على مساحة الجغرافيا اللبنانية، كما أن قراءة سريعة لتقارير قوى الأمن عن توقيفاتها ومصادراتها وضبطها لأعمال التهريب، تعطي صورة واضحة على أن العاملين في هذا المجال غير القانوني هم من كل الأطياف الاجتماعية اللبنانية.

epa03315334 Agricultural tractors belonging to the anti-drug forces in the Directorate General of Lebanese Internal Security Forces detroy plains cannabis plants in the region of eastern Lebanon's Bekaa valley, 23 July 2012. EPA/LUCIE PARSEGHIAN

آليات تابعة لقوات مكافحة المخدرات في الأمن اللبناني تزيل نباتات الحشيشة بمنطقة سهل البقاع شرقي لبنان (الأوروبية)

حقول الكيف

ـ وفق أدبيات مزارعي المخدرات في لبنان يبدأ موسم زرع بذور "القنبز" أو القنب الهندي من منتصف مارس/آذار، ويتم الحصاد في النصف الثاني من سبتمبر/أيلول.

ـ تقدر المساحات المزروعة بالقنب الهندي أو حشيشة الكيف في لبنان حاليا بحوالي 35 ألف دونم (نحو 35 كيلومترا مربعا) في مناطق مختلفة من شمال سهل البقاع (شرقي لبنان).

ـ لا تتجاوز كلفة زراعة الدونم الواحد في الوقت الحاضر 60 دولارا.

ـ يقدر إنتاج الدونم الواحد (المروي) بما بين 2 و3 قناطير من الحشيشة (القنطار نحو 144 كيلوغراما)، في حين يقدر إنتاج الدونم الواحد غير المروي بحوالي القنطار، وهذا يعد من أجود أنواع حشيشة الكيف، ويصنف بأنه من الأجود عالميا.

ـ يعطي القنطار الواحد ما بين 3 و4 مما تعرف باسم "الهقة" (وحدة وزن تقدر بـ1250 غرامًا)

ـ سعر ما تسمى "هقة" الحشيش (1250غراما) حوالي 40 دولارا أو حسب سعر الصرف.

شرطة مكافحة المخدرات السعودية تضبط ملايين الاقراض المخدرة قادمة من لبنان المصدر: وكالة الانباء السعودية
صورة نشرتها شرطة مكافحة المخدرات السعودية لأقراص مخدرة ضبطتها قادمة من لبنان (وكالة الأنباء السعودية)

محطات بارزة

ـ أبريل/نيسان 2020: البرلمان اللبناني يقر في جلسة تشريعية قانون زراعة القنب الهندي (الحشيش) لأغراض طبية، ويسمح هذا القانون بتشريع هذه الزراعة المحصورة تاريخيا وجغرافيا في شمال سهل البقاع (شرقي البلاد).

ـ مارس/آذار 2020: قوى الأمن الداخلي تعلن إحباط أكبر عملية تهريب مخدرات في تاريخ البلاد، بعد ضبط 25 طنا من حشيشة الكيف محملة في 8 شاحنات كانت في طريقها إلى مرفأ بيروت، ومنه إلى دول أفريقية.

ـ أبريل/نيسان 2021: السلطات السعودية تعلن ضبط أكثر من 5 ملايين حبة كبتاغون في ميناء جدة محشوة في شحنة فاكهة الرمان قادمة من لبنان.

ـ أبريل/نيسان 2021: السعودية تعلن حظر استيراد الفواكه والخضر من لبنان.

ـ أبريل/نيسان 2021: قوى الأمن اللبناني تعلن ضبط 11 كيلوغراما من الكوكايين في مطار بيروت مصدرها البرازيل.

ـ مايو/أيار 2021: قوى الأمن الداخلي في لبنان تعلن ضبط ما يفوق 3500 ظرف وعلب بلاستيكية داخلها مخدرات بطريقة احترافية ومعدة للترويج المحلي.

ـ مايو/أيار 2021: قوى الأمن اللبناني تضبط حوالي 4 أطنان من حشيشة الكيف في مرفأ مدينة صيدا (جنوب) كانت معدة للتصدير بحرا إلى مصر.

يونيو/حزيران 2021: السلطات السعودية تعلن ضبط أكثر من 14.4 مليون حبة كبتاغون مخبأة داخل ألواح حديدية قالت إنها قادمة من لبنان.

ـ يونيو/حزيران 2021: السلطات اللبنانية تعلن ضبط كمية من حبوب الكبتاغون في مطار بيروت كانت معدة للتهريب إلى السعودية مخبأة داخل مضخات مياه كهربائية.

ـ يونيو/حزيران 2021: السلطات الأمنية اللبنانية تلقي القبض على 3 لبنانيين ممن لهم صلة بعملية تهريب الكبتاغون بشحنة فاكهة الرمان إلى السعودية.

ـ يونيو/حزيران 2021: دهم مستودع لتخزين المخدرات (باز كوكايين، كوكايين، حشيشة، سيلفيا، كناكيمو، كاريزول، ترمادول) ووصفته السلطات الأمنية بأنه المخزن الأساسي لمروجي المخدرات في منطقتي بيروت وجبل لبنان.

زياد الرحباني في المسرحية قبل 38 عاما.
زياد الرحباني تعرض في أعماله الفنية مع السيدة فيروز أو منفردا لفشل السلطات في معالجة قضية زراعة المخدرات (الجزيرة)

"الكيف" في الفن والغناء

بوصفها ظاهرة اجتماعية ملفتة، دخلت زراعة المخدرات والإتجار بها في لبنان الأعمال الغنائية والمسرحية خلال سبعينيات القرن الماضي. وشجع رواج هذه الزراعة وإخفاق السلطات في منعها والحد منها كبار المزارعين والتجار على ابتداع أساليب وآليات التهريب إلى خارج لبنان.

ففي عام 1972 نجح أحد كبار المزارعين السابقين في سهل البقاع في استخدام مدرج مطار قديم بالمنطقة يعود لحقبة الانتداب الفرنسي وأناره ليلاً لتأمين هبوط آمن لطائرة حُمّلت بنحو 400 كيلوغرام من حشيشة الكيف وأقعلت نحو مطار أثينا فضبطتها السلطات اليونانية هناك بعد إبلاغ من الجانب اللبناني إثر كشف هبوط وإقلاع الطائرة.

وشكلت هذه العملية النوعية فضيحة للسلطات اللبنانية يومذاك، وفُتحت تحقيقات أمنية وقضائية متشعبة، وأوقف منظم العملية وأودع السجن، لكنه استطاع الفرار منه بعد دفع رشاوي للحراس. وتحولت هذه الحادثة إلى مشهد غنائي للأخوين رحباني والسيدة فيروز، في مسرحية "المحطة"، التي عرضت على خشبة المسرح في بيروت عام 1973، وحملت الأغنية عنوان "بهالبلد كل شي بيصير"، ويقول أحد مقاطعها:

"عنا سهلة (سهل) بخلف الدار

بالليل صارت مطار

صاروا ييجوا الطيارات

وحدة تغط (تهبط) ووحدة تطير

بهالبلد كل شيء بيصير…"

ولم يقتصر التهكم على إخفاق السلطات في ضبط ومنع زراعة المخدرات والإتجار بها على هذه الأغنية، بل عبّر الفنان المسرحي والمؤلف الموسيقي زياد الرحباني في أعماله المسرحية والإذاعية عن سخريته اللاذعة من فشل السلطات في إيجاد بدائل عن زراعة المخدرات في سهل البقاع.

كما نظمت لحشيشة "الكيف" اللبنانية أغنيات عدة تحمل في مضامينها دعمًا أو ذمًّا أو قدحًا ساخرا، كأغنية "دورها دور" لعائلة بندلي الموسيقية. ولاقت هذه الأغنية رواجا شعبيا كبيرا إلى حد أنها وصفت بـ"نشيد الحشاشيين"، وهي لا تزال تبث منذ مطلع الثمانينيات في الإذاعات اللبنانية.

المصدر : الجزيرة