سد النهضة.. تطورات الأزمة وسيناريوهات الحل

يقع السد في منطقة بني شنقول قماز على الحدود الإثيوبية السودانية (غيتي إيمجز)

طوال 10 سنوات، استمرت المفاوضات حول سد النهضة، الذي أقامته إثيوبيا على النيل الأزرق، متقطعة ومصحوبة بجدل وخلافات، حتى تحولت إلى واحدة من أبرز الأزمات حول تقاسم الموارد المائية في العالم. ولم تتوصل الدول الثلاث -إثيوبيا (دولة المنبع) والسودان (دولة العبور) ومصر (دولة المصب)- إلى اتفاق على عملية الملء والتشغيل. وتحضر في الأزمة الخلافات التاريخية والتأويلات المتعلقة باتفاقيات سابقة والحصص التي أقرتها، خصوصا اتفاقيتي 1902 و1959، اللتين تراهما إثيوبيا مجحفتين بحقها.

وتستعد إثيوبيا لبدء المرحلة الثانية لملء السد العملاق مع بدء موسم الأمطار في مطلع يوليو/تموز المقبل، وسط اتهامات مصرية وسودانية بمحاولة فرضها سياسة الأمر الواقع والانتهاء من السد بشروطها، وهو ما سيخلّف آثارا سلبية عميقة على البلدين اقتصاديا واجتماعيا على المستويين المتوسط والطويل، وسيؤدي إلى تراجع حصتيهما التاريخية من مياه النهر.

وتعرض هذه التغطية التفاعلية الشاملة أبعاد أزمة السد بجوانبها السياسية والاقتصادية وتطوراتها، وترصد تأثيرات السد على إثيوبيا والسودان، وعلى مصر خصوصا (باعتبارها الأكثر تأثرا كدولة مصب)، وفق تحليل علمي يتناول سيناريوهات الملء المفترضة، وتهتم كذلك بالتحولات في المواقف وسيناريوهات حل الأزمة.

ويبين التسلسل الزمني التالي الاتفاقيات التي تمت بين دول حوض النيل منذ بداية القرن الماضي.

سد النهضة.. حلم إثيوبي يؤرق مصر والسودان

بدأت إثيوبيا بناء سد النهضة في أبريل/نيسان 2011 على مجرى النيل الأزرق في ولاية بني شنقول قماز بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، وعلى بعد 980 كيلومترا من العاصمة أديس أبابا. وهو سد مزدوج يتكوّن من السد الرئيسي الخرساني الذي يقام بارتفاع 155 مترا، ويخزّن نحو 14 مليار متر مكعب من المياه.

أما سد "السرج" الركامي المبني من ركام الصخور وطبقة خرسانية بسماكة نصف متر وبطول 4800 متر وارتفاع 55 مترا، وهو سد احتياطي (مكمّل) يخزّن نحو 60 مليار متر مكعب من المياه، ويسمح بصرف أي مياه فائضة عن خزان السد الأساسي إلى المجرى الرئيسي للنيل. وأعلنت إثيوبيا يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الانتهاء من بناء هذا الجزء، في حين يُنتظر الانتهاء من السد الأساسي أوائل عام 2023.

ويقدم الإنفوغراف الآتي معلومات أساسية عن سد النهضة وقدرته على إنتاج الكهرباء مقارنة بالسد العالي في مصر.

(الجزيرة)


ماذا تريد إثيوبيا؟

تطالب إثيوبيا بما تسميه الحقوق الجغرافية باعتبار أن نحو 80% من مياه النيل تنبع من أراضيها. وترفض بنود اتفاقيتي 1929 و1959 حول تقاسم مياه النيل، وخصوصا الموافقة المصرية المسبقة على مشاريع الري بدول المنبع. وتصر أديس أبابا على أن تكون فترة ملء بحيرة السد خلال 7 أعوام على أقصى تقدير، وأن يستمر التخزين طوال أشهر السنة، وترى أن 40 مليار متر مكعب من مياه السد التي تطلبها مصر سنويا ستعرقل قدرتها على ملء السد في الوقت المحدد وإنتاج الكهرباء. كما ترفض إثيوبيا وجود خبراء مصريين أثناء عملية ملء السد، أو الإدارة المشتركة له، وكذلك وضع فتحات أخرى في السد.

صورة تبين أبعاد الخزان المائي الذي تشكل خلف سد النهضة (الجزيرة)

ورفضت إثيوبيا المبادرة المصرية السودانية التي تقضي بتشكيل رباعية دولية لقيادة مفاوضات حول سد النهضة، وأكدت أنها لن تتعامل إلا مع الوساطة الأفريقية المتمثلة في الاتحاد الأفريقي. وترفض أيضا الالتزام بأي اتفاق يقيّد حقّها في إتمام عملية الملء.

ورغم شكوك بعض الخبراء حول جدواه خصوصا بهذا الحجم، تعوّل إثيوبيا على سد النهضة لسد حاجياتها المتنامية من الطاقة وتحقيق نهضة تنموية شاملة. وتخطط لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا، وبيع نحو ألفي ميغاوات من فائض الكهرباء لدول الجوار.

وتؤكد السلطات الإثيوبية أن السد سيسهم في تطوير المشاريع الزراعية الكبرى وأنشطة صيد الأسماك، وتنمية الاقتصاد المحلي، والترويج لشبكة تجارية جديدة قرب المنطقة، وتوفير فرص العمل، وزيادة توفير الغذاء للسكان المحليين وتنويعه. ويبرز الإنفوغراف الآتي مدى اعتماد إثيوبيا على الطاقة الكهرومائية حاليا دون بقية مصادر الطاقة، وذلك مقارنة بالمعدل العام في القارة الأفريقية.

وقد بدأت إثيوبيا فعليا ملء خزان السد، حيث أنجزت المرحلة الأولى في يوليو/تموز 2020، وضخت ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب من المياه، رغم التوصل إلى تفاهم مع مصر والسودان لمواصلة التفاوض على قواعد الملء والتشغيل، وقد أرجع مسؤولون إثيوبيون ذلك أساسا إلى هطول الأمطار.


السودان ملتقى النيلين

مقرن النيلين
التقاء النيلين في العاصمة السودانية الخرطوم (مواقع التواصل الاجتماعي)

في العاصمة السودانية الخرطوم، يلتقي النيل الأبيض -القادم من بحيرة فيكتوريا الواقعة على حدود 3 دول هي أوغندا وتنزانيا وكينيا- بالنيل الأزرق القادم من بحيرة تانا في إثيوبيا، وقد ترك النيل بصمته على عاصمة السودان، حيث نشأت على ضفافه مكوناتها الثلاث: الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان؛ فعرفت بالعاصمة المثلثة. ومن الخرطوم يواصل النيل طريقه شمالا مسافة 2500 كيلومتر، لينتهي به المطاف في البحر الأبيض المتوسط.

ماذا يريد السودان؟

يطلب السودان من إثيوبيا الالتزام بالاتفاقيات الخاصة بالمياه الدولية المشتركة، ومن ذلك الإخطار المسبق بتشييد أي سد على الأنهار المشتركة، مما يضمن الحقوق المائية للدول المعنية. وتطالب الخرطوم بوساطة رباعية (الأمم المتحدة  ولاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة) قبل إتمام عملية الملء الثاني، وأن توقع أديس أبابا اتفاقية ملزمة من الناحية القانونية وليس مجرد مبادئ توجيهية عامة عن كمية الماء المحتجزة والجدول الزمني للملء وتوضح بشكل دقيق كيفية حل النزاعات في المستقبل.

خزان سد الروصيرص في ولاية النيل الأزرق (الجزيرة)

ويرى خبراء سودانيون أن قيام سد النهضة سيحقق لبلدهم عدة فوائد، أهمها تنظيم انسياب نهر النيل الأزرق طوال العام، وبالتالي تعدد الدورات الزراعية ومنع الفيضانات المدمرة، فضلا عن حجز السد كميات ضخمة من الطمي وجذوع الأشجار التي كانت تتسبب في إغلاق توربينات خزانيْن رئيسيين شرقي البلاد.

وفي المقابل يرى خبراء آخرون أن الخفض الكبير في كميات الطمي سيؤدي لإفقار التربة الخصبة، وبالتالي عجز السودان عن تحقيق إستراتيجيته القديمة بأن يحقق الأمن الغذائي لنفسه ويصبح سلة غذاء العالم، وكذلك يرون أن حصة البلاد من المياه ستتأثر في حال اقتسام الأضرار الناتجة عن السد مع مصر.

ويعتقد الخبير السوداني في القانون الدولي الدكتور أحمد المفتي أن سد النهضة يهدد السودانيين بالغرق والعطش، في ظل عدم وجود اتفاق يضمن أمان السد والأمن المائي والتعويض عن الأضرار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وبحسبه فإن الملء الأول للسد الذي تم بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2020 انعكس على التصريفات المائية لسد الروصيرص.

وتراجعت هذه التصريفات إلى 124 مليون متر مكعب مقارنة بـ448 مليون متر مكعب سابقا، كما تراجعت أيضا تصريفات سد سنار إلى 73 مليون متر مكعب مقارنة بـ373 مليون متر مكعب سابقا، وانخفض أيضا منسوب مياه النيل بالخرطوم. كما أثر الملء الأول للسد على محطات مياه الشرب النيلية في العاصمة الخرطوم كالصالحة وسوبا.

صورة تذكارية لضباط من الجيشين المصري والسوداني قبيل انطلاق تدريبات حماة النيل (مواقع التواصل الاجتماعي)

تحولات الموقف السوداني

ظل الموقف السوداني من سد النهضة حتى منتصف عام 2020 "محايدا" بين كل من مصر وإثيوبيا، وركزت المواقف السياسية والإعلامية في معظمها على الانعكاسات الإيجابية للسد على الاقتصاد السوداني، ودوره في تنظيم تدفق نهر النيل طوال العام ومنع الفيضانات، وبالتالي تعدد الدورات الزراعية، وتوفير كهرباء رخيصة والمحافظة على السدود المولدة للكهرباء. كما أن بعض الأصوات ترى أن اتفاقية 1959 هي اتفاقية ظالمة للسودان ودول حوض النيل، وأن الخرطوم قدمت تنازلات خلالها، وهو تقريبا الموقف الإثيوبي نفسه من الاتفاقية.

لكن الأشهر الأخيرة شهدت تحولا في موقف الخرطوم، حيث اقترب أكثر من الموقف المصري في اتجاه الدفع لتوقيع اتفاق ملزم مع إثيوبيا قبل ملء السد. وبرزت أصوات تشكك في هيكل بناء السد نفسه ومخاطره على السودان، وتؤكد أن تراجع منسوب مياه النيل المتدفقة للسودان قد يؤثر عليها أكثر من مصر، باعتبار أن الأخيرة لديها احتياطي ضخم حول سد أسوان.

وفي هذا الصدد، يمكن ملاحظة موقف وزير الموارد المائية السوداني ياسر عباس، الذي تحدث في فبراير/شباط 2020 عن إيجابيات السد على مستوى ضمان طاقة كهربائية أرخص وموسم زراعي ثابت وتنظيم انسياب النيل، ليعود في بداية عام 2021 ليتحدث عن تهديد السد للأمن القومي للسودان وللبيئة وعيش الناس، بالإضافة إلى ذلك حديث رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في أبريل/نيسان 2020 عن ضرورة توقيع اتفاق ملزم ومكتوب يخص الملء.

وصرحت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي أوائل يونيو/حزيران2021 بأن الملء الثاني للسد من دون اتفاق قانوني يمثل خطرا حقيقيا على السودان. وأشارت أيضا إلى أن "التعنت" الإثيوبي قد يجر المنطقة إلى "مزالق لا تحمد عقباها".

اجتماع البرهان (يمين) والسيسي وسط تقارب سوداني مصري من الموقف تجاه أزمة سد النهضة (رويترز)

وإضافة إلى ما رأته الخرطوم "تعنتا" إثيوبيا لا يتعلق فقط بمسألة ملء السد وتشغيله، بل بالسيطرة على المياه أيضا؛ يعود هذا التحول بالأساس لأسباب سياسية ولخلافات كانت قائمة بين مصر والسودان في عهد الرئيس عمر البشير وفي بدايات الثورة حين حكم المجلس الانتقالي، حيث اعتبر الموقف من السد والاقتراب من إثيوبيا في الأزمة أحد أوراق الضغط على القاهرة.

وسعت إثيوبيا بدورها إلى التقرب من السلطات الجديدة في السودان، ولعبت دور الوسيط بين "قوى إعلان الحرية والتغيير" المعارضة والمجلس العسكري الانتقالي، ومن هنا جاءت زيارة رئيس وزرائها آبي أحمد للخرطوم في السابع من يونيو/حزيران 2019 كوسيط للاتحاد الأفريقي، ثم يوم 25 أغسطس/آب 2020 في زيارة رسمية، تلت زيارة مماثلة لوفد مصري للعاصمة السودانية.

وفرضت الصراعات بين المدنيين والجيش نفسها داخل المجلس الانتقالي، حيث اتجهت القيادات العسكرية في المجلس لتطوير العلاقات مع القاهرة، فأصبح الموقف من السد متقاربا، ورفضت الخرطوم مثلا مقترحا إثيوبيا بتوقيع اتفاق ثنائي للملء الأول للسد وتمسكت بالاتفاق الثلاثي (افتح الرابط لقراءة بنود اتفاق المبادئ حول سد النهضة).

ولعب التوتر المتنامي بين السودان وإثيوبيا حول منطقة "الفشقة" الحدودية دوره في تغير الموقف السوداني من السد، كأحد أوراق الضغط على أديس أبابا، واحتضنت الخرطوم مناورات مشتركة مع الجيش المصري تحت اسم "نسور النيل" ثم "حماة النيل"، وهو ما اعتبرته إثيوبيا رسالة ثنائية تتعلق بسد النهضة قبل أزمة الحدود.

التوتر الإثيوبي السوداني حول منطقة الفشقة أسهم في تغيير موقف الخرطوم من قضية سد النهضة (الجزيرة)

مصر.. هل تبقى هبة النيل؟

مع بدء تشغيل سد النهضة، تتخوّف مصر من تهديد حصتها المائية البالغة 55.5 مليار متر مكعب من المياه، وتسعى للحفاظ على مستوى مقبول من تدفق مياه النيل خلال سنوات ملء خزان السد وبعدها. وتخشى القاهرة أيضا بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وتداخل مياه البحر في دلتا النيل وارتفاع نسبة الملوحة في أراضيها، وزيادة التلوث وتهديد المزارع والثروة السمكية. فضلا عن تأثر قطاعي الطاقة والصحة سلبا بهذه الأزمة المائية.

كما أن تحلية المياه تحتاج كميات كبيرة من الطاقة، ويتسبب العجز المائي في تلوث المياه ومعها تفشي عدة أمراض مثل الكبد الوبائي الذي ما زال يعاني منه ملايين المصريين. ولتجاوز هذه المشكلات، تريد مصر ملء سد النهضة في فترة تتراوح بين 10 و21 سنة، مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف.

وترفض مصر تقليص حصتها من المياه عن 40 مليار متر مكعب سنويا، وتصر على أن يقتصر تخزين المياه خلف السد على موسم الأمطار فقط، وأن يتوقف التخزين في أوقات الجفاف. كما تطلب القاهرة زيادة عدد فتحات تمرير المياه داخل السد من فتحتين إلى 4 فتحات، لضمان استمرار تدفق المياه خلال فترات المناسيب الضعيفة للنيل.

وخلال جولات التفاوض في الأشهر الأخيرة، أصرت مصر على أن توقع إثيوبيا "اتفاقا متوازنا وملزما وعادلا" بشأن ملء وتشغيل السد، وأن تتم المفاوضات وفق جدول زمني محدد برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي. كما طلبت تدخل مجلس الأمن للضغط على أديس أبابا.

وتعتمد مصر بشكل كبير على مياه نهر النيل في الزراعة، لكنها بالمقابل تعتمد على الوقود الأحفوري بنسبة كبيرة مقارنة بالطاقة الكهرومائية رغم وجود السد العالي، كما يبرز الرسم البياني التالي.

الدلتا.. سلة الغذاء المهددة

برومو تغطية خنق النيل

تكونت الدلتا في شمال مصر مع مرور الزمن على شكل مثلث، نتيجة لتراكم الطمي الذي يجلبه نهر النيل وتفرعه إلى فرعين قبل أن يصل إلى البحر المتوسط؛ فرع دمياط شرقا وينتهي بمدينة دمياط، وفرع رشيد غربا وينتهي بمدينة رشيد. ويبلغ طول الدلتا 161 كيلومترا من الجنوب إلى الشمال، وتمتد على ساحل المتوسط بطول 241 كيلومترا من الإسكندرية غربا إلى بورسعيد شرقا، وتعد من بين الأكبر في العالم، ويسكنها أكثر من 40 مليون نسمة.

وتشتهر الدلتا بخصوبة تربتها الصالحة للزراعة على مدار الفصول نتيجة وفرة المياه واعتدال الطقس المشمس طول العام. وتعاني سواحل الدلتا من تسارع دخول مياه البحر فيها وتأثيرها على خصوبة الأراضي منذ بناء السد العالي عام 1969 بسبب حجز نسبة كبيرة من الرواسب الطبيعية الخصبة وراءه وعدم وصولها للمصب لمعادلة قوة تآكل الشواطئ.

ومع بناء سد النهضة الإثيوبي وتناقص تدفق المياه نحو مصر تبعا لسنوات ملء الخزان، ستصبح الدلتا أكبر منطقة مهددة ضمن حوض النيل بسبب التغيرات الجذرية الذي يمكن أن يحدثها هبوط معدلات التدفق في فرعيها.

سد النهضة الإثيوبي – المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي
إثيوبيا أعلنت أنها ضخت 4.9 مليارات متر مكعب من المياه في خزان السد (مواقع التواصل الاجتماعي)

سنوات الملء وسيناريوهات الأزمة

يبين الدكتور عصام حجي -عالم الفضاء المختص في دراسة المياه على الأرض وفي المجموعة الشمسية- المخاطرَ المحدقة بالدلتا والأراضي الزراعية على ضفاف نهر النيل تبعا للسيناريوهات المتعلقة بمدة ملء خزان سد النهضة الإثيوبي، والتي تتراوح بين 3 سنوات و21 سنة.

ورغم أن إثيوبيا أنجزت فعليا المرحلة الأولى من الملء وضخت نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه بخزان السد في يوليو/تموز 2020 وتعتزم إنجاز المرحلة الثانية بضخ نحو 13.5 مليار متر مكعب، في ظل الرفض المصري السوداني والمفاوضات المتعثرة؛ فإن كل السيناريوهات تبقى ممكنة. ويستند هذا العرض إلى الأبحاث العلمية المنشورة خلال السنوات العشر الأخيرة في مراجع ودراسات علمية محكمة.

وقد يؤدي سيناريو الملء القصير لسد النهضة (3 سنوات) إلى عجز مائي متوسط يقارب 31 مليار متر مكعب سنويا -وهو ما يقدر بنحو 40% من الموازنة المائية الحالية لمصر- وبالتالي تقليص المساحة الزراعية الحالية بنسبة 72%. وسيترتب عن ذلك هبوط إجمالي الناتج المحلي الزراعي من 91 مليار دولار إلى نحو 40 مليار دولار خلال فترة الملء. كما سينتج عن ذلك انخفاض في الناتج المحلي للفرد بنسبة 8% وزيادة في معدلات البطالة بنحو 11% عن المعدلات الحالية.

 السيناريوهات

ما البدائل المصرية؟


نتيجة الاعتماد الكامل لمصر على مياه نهر النيل، فإنها الدولة الوحيدة من دول المصب التي تتأثر بالانعكاسات الخطيرة بسبب تغير تدفق المياه في النهر بعد بدء مرحلة ملء خزان سد النهضة.

وتشير أغلب التقديرات المبدئية إلى أن سد النهضة سيتسبب في عجز لا يمكن لمصر تعويضه باستخدام الوسائل المتاحة، وسيظل هناك عجز متوسطه 10 مليارات متر مكعب في السنة (أي ما يعادل سدس حصة مصر المائية) في ظل السيناريوهات الأكثر احتمالا لعملية ملء سد النهضة، وهو سيناريو السنوات السبع. وإذا أضفنا هذا العجز المحتمل (10 مليارات م 3) إلى العجز الحالي وهو 18 مليار متر مكعب في السنة، فإن العجز المائي سيصل إلى ما يقرب من نصف الموازنة المائية لمصر.

ويبين الإنفوغراف التالي البدائل الممكنة لمصر من أجل سد النقص في مياه النيل، ومدى القدرة على تحقيق ذلك من خلال حساب حجم العجز المائي المرتقب.

مفاوضات متعثرة.. كيف ستحل الأزمة؟

لم تثمر جولة مفاوضات كينشاسا (عاصمة الكونغو الديمقراطية) أي تقدم لحل الأزمة، حيث رفضت إثيوبيا تشكيل لجنة رباعية لإقرار جدول مباحثات لحل القضايا الخلافية قبل بدء الملء الثاني للسد. ويتزامن ذلك مع تحركات مصرية عسكرية ودبلوماسية مع دول مجاورة لإثيوبيا (السودان وكينيا وجيبوتي وبوروندي وأوغندا).


ووسط حديث غير رسمي في مصر عن إمكانية الخيار العسكري بضرب السد، جاءت تحذيرات غربية متزامنة من أي عمل عسكري، حيث دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى حل سياسي توافقي بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، عبر مفاوضات يرعاها الاتحاد الأفريقي.

وإذا ما نفذت إثيوبيا الملء الثاني خلال الأيام أو الأسابيع القادمة، سيصبح أوان الحل السياسي أكثر صعوبة، كما أن الخيار العسكري من قبل مصر يكون قد فات أوانه، باعتبار أن خزان السد سيكون قد جمّع نحو 18 مليار متر مكعب، وسيؤدي تدميره إلى كارثة كبرى وفق الخبراء.

وأعلنت إثيوبيا أوائل يونيو/حزيران الماضي أنها لن تتمكن من تعلية الممر الأوسط لسد النهضة إلى ارتفاع 595 مترا، وأنه سيتم رفعه إلى 573 مترا فقط، وهو ما يعني أنها لن تضخ 13 مليار متر مكعب إضافية إلى خزان السد، وبالتالي سيكون الملء الثاني جزئيا.

واعتبر خبراء أن ذلك يمثل تراجعا إثيوبيا عن الملء الكامل جراء الضغوط المصرية والسودانية، في حين يرى آخرون أنها مجرد خطوة من أديس أبابا لاستيعاب هذه الضغوط وتنفيذ ما تراه لاحقا، وربما قد يكون ذلك ناجما في الأصل عن صعوبات فنية حالت دون تنفيذ التعلية وفق المقرر سابقا.

ومع جمود المفاوضات الثلاثية حول السد، أبلغت مصر مجلس الأمن الدولي باعتراضها على نية إثيوبيا المضي في الملء الثاني دون اتفاق، سعيا منها لتكثيف الضغوط على أديس أبابا خلال هذه الفترة وتدويل الأزمة.

ورغم المساعي المصرية السودانية لتكثيف الضغوط السياسية على أديس أبابا، وكان آخرها اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي رفض في بيان أي عمل أو إجراء يمس بحقوق مصر والسودان المائية، فإن إثيوبيا أصرت على أن الملء الثاني غير قابل للنقاش وسيتم في موعده، في حين أكدت مصر أن كل الخيارات تبقى مطروحة بشأن الأزمة.

ماذا يقول المحللون؟

فريق العمل

محررون: زهير حمداني، محمد العلي

مراسلون: خليل مبروك، حسن فضل

تصاميم وإنفوغراف: الوسائط

المصدر : الجزيرة