كم تبلغ تكلفة أساسيات المعيشة في لبنان؟

سعر الدولار الواحد في السوق السوداء يوازي ثمانية أضعاف سعره الرسمي (Getty)

يواجه لبنان حاليا أسوأ أزمة اقتصادية منذ 30 عاما، فقد خسر عشرات الآلاف وظائفهم في أنحاء البلد، ويمضي أغلبية السكان يومهم في محاولة لتأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية وسط استمرار جائحة كورونا.

وأدت الأزمة إلى انهيار سعر الليرة إلى مستويات قياسية مقابل الدولار في بلد يستورد 80% من احتياجاته الغذائية ومواده الاستهلاكية، وأصاب انهيار سعر الليرة قدرة اللبنانيين الشرائية في مقتل، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى 5 أمثالها عام 2019، وبات أغلبية السكان مع استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار عاجزين عن شراء المواد الغذائية الأساسية.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 يواصل آلاف اللبنانيين احتجاجاتهم للمطالبة بالقضاء على الفساد، وفي ذلك الحين كانت الـ10 آلاف ليرة تساوي 6.63 دولارات، ويمكن أن تشترى بها زجاجة حليب، وأرز، وبعض أصناف الخضروات، أما الآن فالمحظوظ هو الذي يعثر على زجاجة (ربع لتر) من الحليب بـ10 آلاف ليرة التي باتت تساوي أقل من دولار واحد في السوق السوداء.

أسعار الغذاء، الملبس، والدواء

للتعرف على مستويات ارتفاع أسعار الأغذية الملابس والأدوية خلال العامين الماضيين تابعنا عروض الأسعار التي يقدمها متجرا كارفور وسبينس، وهما اثنان من أكبر سلاسل المتاجر في لبنان.

ولوحظ أن المعدل الوسطي لأسعار الأغذية تضاعف 5 مرات مقارنة بأسعار العام 2019، فسعر لتر الحليب كان يباع في مارس/آذار 2019 بـ3 آلاف ليرة، وفي مارس/آذار 2021 أصبح 10 آلاف ليرة، وقفز سعر عبوة زيت الطعام فئة 1.5 لتر 16 مرة من ألفي ليرة إلى 31 ألفا.

وارتفع سعر سترة "تي شيرت" العادية من 6500 إلى 55 ألفا و500 ليرة أي بمعدل 9 أضعاف، وكان الخبز من بين الأساسيات التي ارتفعت أسعارها لأول مرة منذ 10 أعوام رغم سعر الطحين الذي تدعمه الحكومة.

وتفيد بيانات وزارة الصحة بارتفاع أسعار بعض الأدوية، فقد زاد سعر "باراسيتامول" (Paracetamol) -وهو نوع من مسكنات الألم- 4 أضعاف سعره السابق.

وتأثرت بعض أنواع الأدوية المدعومة من الحكومة بارتفاع جزئي، بينها الإنسولين والبنسلين.

ويواجه لبنان حاليا خطر نقص الأدوية بعد تلويح البنك المركزي بإلغاء الدعم، وهو ما أطلق بدوره حالة من الخوف دفعت الكثيرين إلى الشراء والتخزين.

ويوضح الإنفوغراف التالي حجم الارتفاع الذي أصاب أسعار الأغذية والملابس والأدوية قياسا بأسعارها عام 2019.

السوق السوداء مقابل سعر الصرف الرسمي

ترتبط العملة اللبنانية رسميا بالدولار بتسعيرة توازي 1507 ليرات للدولار الواحد، لكن النقص الحاد في الدولارات في لبنان أفسح المجال لهيمنة تسعيرة السوق الموازية على أسعار الصرف.

وبلغ سعر صرف الليرة في مارس/آذار 2021 مستوى 12 ألفا و500 للدولار الواحد، أي ما يوازي 8 أضعاف السعر الرسمي.

ولوقف التدهور أغلقت الحكومة المواقع المتخصصة بالصرافة، وأقفلت كذلك محلات الصرافة التي تبيع وفق سعر السوق السوداء، كما حددت الكثير من البنوك اللبنانية كمية الدولارات التي يمكن للزبائن سحبها، وهو ما ضاعف حالة الغضب.

من الازدهار إلى الانهيار

بفضل ازدهاره الاقتصادي والاجتماعي في حقبتي الستينيات والسبعينيات عرف لبنان بلقب "سويسرا الشرق"، وجذب هذا البلد الاستثمارات والسياح بفضل حياة بيروت الصاخبة وصورته كدولة متوسطية، وكان سعر الدولار الواحد في الحقبتين المذكورتين يساوي 3 ليرات لبنانية.

وفي عام 1975 رزح لبنان تحت وطأة حرب أهلية طاحنة، وأدت الحرب التي استمرت 15 عاما إلى مقتل نحو 200 ألف شخص، ودفعت أكثر من مليون إلى النزوح أو الهجرة، وفي نهايتها كان سعر الليرة قد انهار ليصبح الدولار الواحد يساوي ألف ليرة.

بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب حصلت التشكيلات السياسية الرئيسية على حصتها من السلطة السياسية وانطلقت مرحلة إعادة الإعمار.

وشهد اقتصاد لبنان نموا بفضل المساعدات الأجنبية وعوائد السياحة وتحويلات المغتربين والتي بلغت 55 مليار دولار عام 2018.

لكن البلاد كانت طوال الوقت تراكم جبلا من الديون وصل إلى 90 مليار دولار بحلول العام 2020، أي ما يوازي 170% من الناتج المحلي الإجمالي، مما أدخل لبنان ضمن قائمة الدول الأكثر مديونية في العالم.

الفقر وانعدام المساواة

أدت الأزمة إلى خسارة عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم، وإلى تصنيف أكثر من 50% من السكان ضمن شريحة الفقراء حسب إحصاءات وزارة المالية.

وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية الشهر الماضي أن ما بين 70 و75% من السكان باتوا بحاجة إلى المساعدة، بعد أن فاقمت جائحة كورونا الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.

وتوقع صندوق النقد الدولي كذلك أن ينكمش الاقتصاد بمعدل 12%، في واحدة من أسوأ حالات الركود على مستوى العالم.

وأفاد تقرير اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة للعام 2020 بأن لبنان هو واحد من أكثر الدول سوءا في توزيع الثروة، حيث يمتلك 10% من السكان البالغين 70% من الثروة.

وأشار التقرير إلى أن نسبة الفقر في لبنان ارتفعت من 28% عام 2019 إلى 55% عام 2020، وهو ما يعني أن نحو 3 ملايين شخص يكافحون لتأمين متطلباتهم الغذائية اليومية.

______

فريق العمل:

بيانات وتحرير: محمد حسين

إنفوغراف: محمد الحداد

المصدر : الجزيرة