يصطادونهم عبر المنصات.. نصف العمال الفلسطينيين بأراضي 48 لقمة سائغة لسماسرة التصاريح

إعلان تلو الآخر على صفحات التواصل وخاصة "فيسبوك" تروج لتصاريح العمل داخل إسرائيل، بعضها بقليل من التفاصيل، وأخرى دونها. الدفع مقابل العمل، هذا ما يقوم به آلاف العمال الفلسطينيين للحصول على تصريح للعمل داخل إسرائيل عن طريق سماسرة وسطاء ما بين المشغلين والعمال، مقابل مبالغ كبيرة تستوفى بشكل غير قانوني، إضافة لغياب حماية حقوقهم القانونية، الأمر الذي يؤدي لهدرها، وهو ما تعتبره جهات حقوقية وعمالية غير قانوني بالمرتبة الأولى، ومجحفا بحقوق العمال الفلسطينيين.

معتصم الخطيب (35 عاما) عامل من محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، اضطر لدفع حوالي 715 دولارا مقدما، للحصول على تصريح يخوله العمل داخل إسرائيل بمجال الزراعة، بعد أن أرشده أحد العمال إلى سمسار أصدر له وأشقائه تصاريح عمل. التصريح الذي صدر في غضون 3 أيام، مدته 6 أشهر، يتضمن خانة يكتب فيها اسم الشركة الإسرائيلية التي طلبت إصدار التصريح أو المشغل وعنوانه، غير أن العامل غير ملزم بالعمل لدى المشغل نفسه.

مكتب لأحد سماسرة التصاريح (الجزيرة)

الخطيب، الذي كان عليه أن يدفع نفس المبلغ شهرياً، تحدث عن مبررات لجوئه لسماسرة بيع التصاريح "سابقا كنت أقدم طلبات الحصول على التصاريح عبر الارتباط المدني الفلسطيني، وكانت التصاريح تصدر لي ولأقراني من غير المتزوجين تحت مسمى تصاريح الزيارة، لأن الزواج شرط للحصول على تصاريح العمل.

وأضاف "لكن في ذروة جائحة كورونا وإغلاق إسرائيل للحواجز، وصعوبة الحصول على التصاريح، ضاقت بي الدنيا. وبعد ارتباطي بفتاة وتغيير الحالة الاجتماعية إلى متزوج، ظننت أن الأمر سيكون أسهل، فتواصلت هاتفيا وعبر وسائل التواصل (فيسبوك وواتساب) مع ما يزيد على 20 سمسارا، من أجل استصدار تصريح للعمل بمجال الزراعة، رغم ذلك لم أحصل على التصريح! حتى أنني تعرضت للنصب من قبل 3 سماسرة، أحدهم دفعت له 450 دولارا عربونا لحين إصدار التصريح، والثاني والثالث (حوالي217 دولارا لكل منهما) نظير توصيلي بأشخاص يشاركونهم عملية النصب، وبعد أن قمت بتسليمهم الدفعات يدا بيد، أغلقوا هواتفهم كما تغيرت عناوينهم!".

وتابع "بعد عمليات النصب التي تعرضت لها، وحصولي أخيرا على تصريح مدته 6 أشهر (من السمسار الذي أرشدت إليه) وبداية الشهر الثاني طلب مني السمسار دفع 715 دولارا عن الشهر الثاني، فطلبت منه إمهالي بضعة أيام، وفور توفر المبلغ أبلغته بذلك إلا أنه بدأ يتهرب، ثم تفاجأت بإيقاف تصريحي!".

الإيقاف المفاجئ للتصاريح، والطرق الملتوية التي يبرع بها سماسرة، عمليات اعتبرها العامل يوسف مخامرة (33 سنة)، من مدينة يطا بمحافظة الخليل جنوب الضفة، من أكبر المشاكل التي تواجه العمال رغم أن العامل يدفع للسمسار مقدما شهريا.

مخامرة الذي اشترى هو الآخر تصريح العمل من سمسار مقابل 776 دولارا شهريا، تعرف عليه عبر شبكات التواصل، تحدث عما ألزمه به السمسار "اشترط عليّ وقبل إصدار التصريح، التوقيع على كمبيالة أو تسليم شيك بالمبلغ المتفق عليه، إضافة للتوقيع على أوراق بعدم المطالبة بالأتعاب من الشركة المصدرة للتصريح أو المشغل، وقد وقعت على تلك الأوراق التي يحتفظ السمسار بها".

فمن هم السماسرة وكيف ارتبطوا بالمشغلين؟ سألت الجزيرة نت مخامرة فأجاب "هم إما عمال داخل الشركة الإسرائيلية، أو مقاول فلسطيني من الأراضي المحتلة عام 1948 لا يحتاج لأكثر من بضعة عمال للعمل لديه، فيبيع ما يفيض على حاجته، على الرغم من أنه لا يقدم أي خدمات أخرى للعامل سوى إرسال صورة هويته وأوراقه للمشغل الإسرائيلي من أجل استصدار التصريح الذي يصدر عبر تطبيق المنسق بعد أن توقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، حيث كانت التصاريح ترحل إلى مكتب العمل الفلسطيني".

مخامرة المتزوج، والذي يعمل في إسرائيل منذ 12 سنة تناول ما يتكبده العامل ماليا جراء دفع مبلغ سمسرة شهري "حين نشتري التصريح بمبلغ 776 دولارا (خاصة إذا كان ذلك في أبريل/نيسان أو أكتوبر/تشرين الأول) فيعني ذلك أننا فعليا لا نستطيع العمل تلك الأشهر سوى 5-6 أيام بحكم أنها فترة أعياد لدى اليهود، أي أننا ندفع من جيوبنا تلك الأشهر، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مصاريف المواصلات والدخول والخروج من إسرائيل".

عمال فلسطينيون ينتظرون فتح البوابة بين مستوطنة مودين إليت وقرية حربيتا (الفرنسية)

أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد، أكد أن "ما بين 75-85 ألف عامل شهريا يعملون داخل الخط الأخضر بدون تصاريح عمل رسمية، ولكن تحت مسميات مختلفة كتصاريح الجدار، البحث عن العمل، الزيارة. إضافة لمن يدخلون بالتهريب، ومثل عددهم ممن يدخلون بتصاريح عمل إسرائيلية قانونية، وهو ما يعني أن عدد من يعملون فعليا داخل الخط الأخضر شهريا يتراوح ما بين 150-160 ألف عامل ما بين قانوني وغير قانوني، ناهيك عما لا يقل عن 40 ألفا يعملون داخل إسرائيل دون تصاريح أو أي أوراق قانونية".

وقد أوضح اتحاد نقابات عمال فلسطين للجزيرة نت أن من يعملون بإسرائيل موزعون على 4 مجموعات: العاملون بتصاريح عمل نظامية قانونية ويقدر عددهم بـ 58 ألف عامل وعاملة في قطاعات مختلفة كالبناء والصناعة والزراعة والخدمات العامة، والعاملون بتصاريح عمل تجارية ويصل عددهم إلى 25 ألف عامل وعاملة تقريباً، العاملون عن طريق التهريب، العاملون بالمستوطنات.

وكان الاتحاد الدولي لنقابات العمال قد نشر في أبريل/نيسان 2021 تقريرا بعنوان "حقوق العمال في الأزمات.. العمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات" كشف عن "نظام سماسرة العمل القمعي، الذي لا يزال العديد من العمال مجبرين على استخدامه" وكيف تزايدت تجارة التصاريح المربحة بالسوق السوداء، حيث "تعمد الشركات الإسرائيلية التي ُمنحت تصاريح لبيعها للعمال أو الوسطاء الفلسطينيين الذين يبيعونها بدورهم بربح للعمال اليائسين لكسب قوتهم، وبالتالي يحصل السماسرة على الأموال من العمال مقابل الحصول على عمل". وكشف التقرير أن سمسرة التصاريح "تنتشر على نطاق واسع وفي كافة القطاعات، رغم أن كلا من القانون الإسرائيلي والفلسطيني يحظران المتاجرة في تصاريح العمل".

 عمال فلسطينيون يستعدون لدخول أراضي 1948 عبر معبر قلقيلية (الفرنسية)

وأشار إلى أنه عام 2018 فإن نحو 45% من أصل 94 ألفا و254 عاملا لديهم تصاريح يحصلون على العمل من خلال السماسرة، مما يدر أرباحا هائلة. وقد بلغ إجمالي هذه الأرباح نحو 119 مليون دولار أميركي في العام بمتوسط 242.94 دولارا لكل تصريح يجري بيعه.

وأضاف التقرير أنه عام 2019، ومن بين حوالي 133 ألف عامل فلسطيني في إسرائيل والمستوطنات غير القانونية، تمكن نحو 94 ألفا منهم من الحصول على تصاريح.

وقد أشار تقرير منظمة العمل الصادر في مايو/أيار 2021 -الذي جاء تحت عنوان "وضع عمال الأراضي العربية المحتلة- أن نسبة العمال الذين يحملون تصريح عمل حصلوا عليه عن طريق سمسار بلغ 44%.

 

السمسرة والسوق السوداء

المحامي المختص بالقضايا العمالية نادر سليمية اعتبر انتشار ظاهرة بيع التصاريح بمثابة "بورصة وسوق سوداء" تنهب جيوب العمال وتنتقص من حقوقهم، مؤكداً أنه تم "رصد الكثير من الدعاوى والقضايا المرفوعة أمام دوائر التنفيذ في المحاكم الفلسطينية من قبل السماسرة على العمال، ممن يوقعون على الكمبيالات كضمان ويتعثرون في الدفع الشهري لهم، مطالبين تحصيل قيمة المبالغ المتراكمة على العامل لشهرين أو ثلاثة، فيتم استصدار أمر حبس لاستحقاق هذه المبالغ، رغم أن السمسار يكون قد قام بوقف تصريح العامل كعقوبة فورية!"

ويؤكد سليمية أنه رغم عدم قانونية الأمر فإن "ما يجري على أرض الواقع هو اضطرار العامل لدفع المبلغ وإجراء تسوية مع السمسار بسبب ارتفاع تكاليف أتعاب المحامين لرفع دعوى منع مطالبة أو إصدار قرار بوقف التنفيذ".

سليمية : كلفة أتعاب المحامين تحد من دعاوى العمال للمطالبة بتسويات(مواقع التواصل)

السماسرة أنواع

أسماء حنون مدير عام تنظيم العمل الخارجي بوزارة العمل الفلسطينية، بينت أن هناك 3 أنواع من السماسرة "الأول هو صاحب العمل الإسرائيلي الذي يحق له أن يستقدم مثلا 50 أو 80 أو 100 عامل أجنبي، في حين تكون حاجته الفعلية من العمال 10 منهم فقط، لذلك يقدم على بيع باقي التصاريح من خلال استقدام العمال على اسمه، بحيث إذا ما توجه إليه عامل من أجل الحصول على تصريح عمل، يبدي استعداده لبيعه التصريح مقابل دفع 620 دولارا مثلا. وبشكل عام فإن السماسرة من أصحاب العمل الأساسيين لا يستطيعون التواصل مع العمال بشكل مباشر، إلا إذا كان قد عمل لديه سابقا، بالتالي فهم بحاجة لوسطاء من أجل الوصول إلى العمال، وهنا يأتي دور النوع الثاني من السماسرة وهم فلسطينيون، والذين يشكلون اليد الوسخة لصاحب العمل أو السمسار الإسرائيلي".

وأردفت حنون "أما النوع الثالث، فهم فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 الذين لهم في الداخل حصة وتواصل مع صاحب العمل الإسرائيلي، إذ إن هناك عددا من السماسرة الذين يستطيعون الوصول لبيانات أصحاب العمل الإسرائيليين، والذين لديهم القابلية ليكونوا سماسرة، ويستطيعون التواصل مع العمال من خلال نقاط مختلفة سواء كان لهم أقرباء في مناطق الضفة، مثل الجلمة أو قلقيلية أو الخليل مثلا".

ملاحقة الوسطاء

رغم كون ظاهرة بيع التصاريح تؤثر بشكل مباشر على حقوق العمال وكرامتهم ولقمة عيشهم، فإنه لا توجد نصوص قانونية لمعالجة الظاهرة، لذا فقد اتخذ مجلس الوزراء الفلسطيني في أكتوبر/تشرين الأول 2019 قرارا يقضي بالعمل على وقف ظاهرة سماسرة تصاريح العمّال بكل الوسائل، فحظر ممارسة الوساطة في خدمات التشغيل، وأعطى الحق للعامل المتضرر بملاحقة الشخص الوسيط قضائيا واسترداد المبالغ التي دفعها دون وجه حق.

إقرار باستلام المستحقات من المشغل الإسرائيلي (الجزيرة)

صحيح أن هناك قرارا بمنع العمل عن طريق السماسرة، ولكن المشكلة ليست في القرار. يقول أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد "نحن نتحدث عن عصابات، خاصة وأن معظم عمليات السمسرة التي تتم بين العامل والسمسار تجري داخل الأراضي المحتلة عام 48، وأن معظم من يعملون بالسمسرة لديهم إمكانية التنقل وأخذ الحصص بالسمسرة لخارج المناطق الفلسطينية" مؤكدا أن "الكثير من حالات النصب والاحتيال، تمثلت في قيام صاحب العمل الإسرائيلي بسحب تصريح العامل والإبلاغ عنه للسلطات الإسرائيلية بكل سهولة إذا لم يرق له، أو في عدم إعطاء العامل أجرته أو تحصيلاته كالتأمين الوطني أو الصحي أو غير ذلك، لأن التصريح غير مشمول في نظام التأمينات، كذلك عدم الاعتراف بالعامل الذي لديه إصابة عمل أو حتى كعامل رغم حصوله على تصريح".

لأجل كل ذلك، يتابع سعد "طالبنا منظمة العمل الدولية أن تفتح مكتبا لها داخل الأراضي الـمحتلة عام 48، بهدف مراقبة كل الانتهاكات التي يقوم بها صاحب العمل الإسرائيلي أو السمسار بحق العامل الفلسطيني، فقد يكون وجود مثل هذا المكتب بمثابة ردع عند صاحب العمل الإسرائيلي".

خطوات خجولة

منير قليبو ممثل منظمة العمل الدولية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، اعتبر أن الدعوة لفتح مكتب للمنظمة بحاجة للتعاطي مع الموضوع بشكل رسمي ومن أعلى المستويات من النقابات والحكومة، عبر تشكيل لجان معنية قانونية وإدارية تتحمل مسؤولية متابعة هذا الملف، وإجراء حوار فلسطيني وطني ولجنة وطنية فلسطينية مشكلة من عمل وأصحاب عمل وحكومة لتداول الموضوع، وصياغة تقرير يوجه للمنظمة يستند فيه إلى الانتهاكات العمالية، انطلاقا من أن القضايا الفلسطينية ليست وحدها الشغل الشاغل لمنظمة العمل الدولية، ومن أن هناك قضايا عالمية تتابعها المنظمة، وأن خطوات السلطة المتعلقة بقرارات ملاحقة السماسرة لا تزال خجولة طالما لا يوجد في قانون العمل قانون واضح ورادع يحاكم ويدين السماسرة فلن نصل إلى أي طريق".

اتفاقية باريس عام 1994 نظمت استخدام العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل (الفرنسية)

ينص البند 37 من اتفاقية باريس الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الموقعة عام 1994 على أنه "سيكون وضع وتشغيل عمال من أحد الجانبين في منطقة الجانب الآخر من خلال جهاز الاستخدام في الجانب الآخر وطبقا لتشريعاته، وللجانب الفلسطيني الحق في تنظيم توظيف العمال الفلسطينيين في إسرائيل من خلال جهاز الاستخدام الفلسطيني، وسوف يتعاون جهاز الاستخدام الإسرائيلي وينسق بهذا الصدد".

يُشار إلى أن ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل كانوا قد وقعوا عام 1994 البروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية غزة- أريحا، المعروف بـ "اتفاقية باريس" والتي تحولت لجزء من اتفاقية أوسلو-2 (اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة) الذي وقع عام 1995. ويؤسس هذا البروتوكول الاتفاق التعاقدي الذي سيحكم العلاقة الاقتصادية بين الجانبين، ويشمل الضفة والقطاع.

وقد شدد سمير حريزات، أمين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في مدينة يطا بمحافظة الخليل، على أن ظاهرة السمسرة مخالفة للقانون والاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، ومنها المادة رقم 37 من اتفاقية باريس، التي حددت مرجعية دخول وخروج العمال من وإلى إسرائيل بمكاتب الاستخدام الإسرائيلية والفلسطينية وليس سماسرة بيع التصاريح أو غيرهم. ومخالفة اتفاقية العمل الدولية رقم 101 التي لا تجيز حصول طالب العمل على فرصة عمل مقابل المال، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 44 بشأن البطالة لعام 1934.

أسامة السعدي : العمال الفلسطينيون يعانون الظلم منذ سنوات (من صفحته على فيسبوك)

وذلك ما أكد عليه النائب العربي في الكنيست أسامة السعدي (العربية للتغيير- القائمة المشتركة) مضيفاً أن العامل الفلسطيني ومنذ سنوات يعاني من الظلم، فقضية سماسرة التصاريح "تتعلق بما يقارب 20 ألف عامل فلسطيني، يمثلون 30% من العدد الكلي للعمال الفلسطينيين الذين يعملون في البلاد بموجب تصريح، والذين يدفعون شهريا للسماسرة ما لا يقل عن 20% من دخلهم، وكون هذه الظاهرة مقلقة، فقد بادرنا، وعلى ضوء تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي الذي تناول حجم استغلال العامل الفلسطيني للحصول على تصريح للعمل على يد سماسرة من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إلى عقد عدة جلسات للجنة مراقبة الدولة التابعة للكنيست، كان آخرها في ديسمبر/كانون الأول 2020، للبحث في هذه القضية".

وكان تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي الصادر عام 2020 قد تناول حجم استغلال العامل الفلسطيني للحصول على تصريح للعمل على يد سماسرة من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، كما أكد غياب الرقابة على تصاريح العمل بدائرة العمل التابعة والتي تديرها الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي هيئة حكم أنشأتها إسرائيل عام 1981، وتعتبر الجسم الذي خلف الحكم العسكري الإسرائيلي الذي أدار الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

سماسرة شبكات التواصل

خلال متابعة معد التحقيق، تم رصد عدد من المجموعات على منصة التواصل "فيسبوك" تروج لبيع التصاريح، كان من بينها أحد السماسرة وله في عدة مجموعات ذات الإعلان، جاء فيه أنه يعرض بيع التصاريح، وفق نظام الحصة، بمبلغ 745 دولارا، ومن أن الدفع بعد الاصدار. هاتفته الجزيرة نت، غير أنه رفض إجراء المقابلة حول الموضوع، مكتفيا بالقول إنه يُشغل العمال عبر التصاريح، ولا يأخذ المال مقابل ذلك.

أما داود أبو اعبيد، وهو سمسار من محافظة جنين شمال الضفة، والذي تنتشر إعلاناته في العديد من مجموعات "فيسبوك" ويشير عبرها إلى أن شركة (اسمها محفوظ لدينا) تؤمن تصاريح العمل بسعر 714 دولارا تدفع بعد استلام التصريح. فقد أوضح أن تصاريح البناء التي يتم استصدرها تشمل المبيت، بمعنى أن العامل يستطيع العمل لمدة 20 يوما بالشهر بشكل متتال، ويتم استخراج قسائم راتب شهرية له، وبذلك فإن العامل يستطيع توفير مدخرات من الإدارة المدنية بحوالي 3726 دولارا سنويا، وهو ما يعني أن العامل فعليا يدفع شهريا ثمن التصريح 341 أو 372 دولارا بالشهر.

وحول ما إذا كان من يلجؤون للوسطاء من أجل الحصول على تصاريح العمل ممن قد لا تنطبق عليهم الشروط أو المعايير للتقدم بالحصول على تصاريح العمل لدى الإدارة المدنية سواء بالنسبة للعمر أو الحالة الاجتماعية أو الممنوعين أمنيا، رد أبو اعبيد باقتضاب "بالعكس، كل من يتقدمون بطلبات الحصول على التصاريح من خلالنا جميعهم تنطبق عليهم الشروط القانونية، لأن التصاريح قانونية".

محمد سليمان، سمسار آخر من محافظة جنين شمال الضفة، أمكننا التواصل معه، تحدث عن سبب لجوء العمال للسماسرة "السائد في بلدنا أن الكثير من العمال إما أنهم لا يعرفون كيف ولمن يتوجهون، أو أنهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بتقديم أوراقهم بشكل رسمي عبر الجهات المختصة، فيستسهلون الأمر حين يكون هناك وسيط (سمسار) يعرفونه أو يسمعون عنه، ينهي لهم الأمر في يوم أو يومين، كما أن تقديم التصاريح عبر الإدارة المدنية الإسرائيلية (تصاريح البحث عن عمل) تكون مدتها 5 أيام، وهي مدة غير كافية للبحث عن مشغل والاتفاق معه، لذلك يتم اللجوء إلى سماسرة".

كما أوضح سليمان أنه يتلقى إثر إعلاناته المنتشرة العديد من الاتصالات والرسائل النصية من العمال الباحثين عن العمل، وأنه يتفق معهم على أن يتم الدفع عن شهر مقدما بعد استصدار التصريح الذي يتم خلال يومين، مضيفا "حتى أنني أتعاطف مع بعض العمال، بحيث أقبل الحصول على دفعات من المبلغ المتفق عليه، على أن يتم دفع بقية المبلغ خلال نفس الشهر، علما بأن مدة التصريح تكون 6 أشهر، وأن إيقاف التصريح وارد إذا لم يلتزم العامل بدفع المبلغ بداية كل شهر".

وعن دوره في الوساطة بين المشغل الإسرائيلي والعمال، قال سمسار التصاريح "أحد أصحاب شركات المقاولات الإسرائيلية من أهالي الأراضي المحتلة عام 1948، تبلغ حصته قرابة 300 تصريح، لا يستخدم منها فعليا سوى قرابة 160 تصريحا لعمال يعملون لديه، شاهد لي عدة إعلانات ترويجية لبيع التصاريح عبر فيسبوك، فهاتفني وطلب مني أن أبيع ما يفيض عن حاجته من التصاريح، مقابل نسبة مالية، وهو ما تم".

وعن الخدمات التي يقدمها السمسار للعامل نظير ما يدفعه ثمنا للتصريح شهريا، أشار سليمان "أولا أنا أوفر عليه عملية البحث عن مشغل وبوقت قياسي، كذلك أزوده بقسيمة راتب شهرية، وأرشده حول ما عليه فعله أو أين يتوجه إذا ما تعرض لمكروه، لا سمح الله، أو لإصابة عمل، فأنا لا أبيع التصريح وألقي العامل في الشارع، خاصة وأن المشغل الذي قد يكون لديه (على اسمه) 300-500 عامل، غير متفرغ للتعامل مع كل قضاياهم ومشاكلهم، وهو بحاجة لمن يساعده في ذلك، وبالتالي أنا من يقع على عاتقي القيام بهذا الدور".

كما نبه سليمان إلى أن مشغلي العمل الإسرائيليين، والسماسرة "عادة ما يصدرون تصاريح لا تزيد مدتها على 9-10 شهور، بحيث يعمدون إلى تغيير اسم المشغل الإسرائيلي في التصريح (نقل التصريح إلى اسم شركة ثانية) دون أن ينتبه العامل للأمر، كي لا تتم مطالبته بأتعاب العمل السنوية المستحقة من المشغل، إذ إن العامل يستطيع أن يوكل محاميا من أجل تحصيل أتعابه من المشغل كلما انقضى 11 شهرا على اسم نفس المشغل ووفقا للقوانين الإسرائيلية".

 

وذلك ما دفعنا للاستفسار منه حول الأوراق التي يقال إن السماسرة يقومون بإلزام العمال على توقيعها، فقال سليمان إنه مادامت التصاريح والعمل قانونيا فلا حاجة لتوقيع مثل هذه الأوراق، لذلك حين تواصل معي المشغل الإسرائيلي بداية العام الجاري، وطلب مني إلزام العمال بالتوقيع على مثل هذه الأوراق رفضت طلبه، وأخبرته أن هذه حقوق للعامل سواء عمل لديه أو عمل على اسمه لدى آخرين، وأنه لا يجوز أن يتم توقيع العامل على أوراق يتم التنازل فيها عن جميع حقوقه، فقبل بذلك، وبالتالي ليس كل السماسرة يقومون بمثل هذا الأمر".

رغم ذلك فقد سرد السمسار أمثلة قد تتسبب بضياع وهضم حقوق العمال "بعد بيع التصاريح للعمال، يعمد بعض السماسرة إلى إيقاف تلك التصاريح، أو أنهم يستلمون ثمن التصاريح ولا يستصدرونها. مع ذلك فإن السمسار أيضا قد يكون ضحية إلى جانب العامل، فأنا أعرف أحد السماسرة، الذي باع للعمال مؤخرا ما يزيد على 20 تصريحا شمال الضفة، بمبلغ يتراوح ما بين (714-776 دولارا) لكل تصريح، أقدم بعدها المشغل الإسرائيلي على إيقاف كل التصاريح، ولم يتمكن السمسار من الوصول إلى هاتف المشغل الذي أصبح مغلقا! أما العامل فهو لا يعرف سوى السمسار ولا علاقة له بالمشغل، وهنا أصبح السمسار نفسه ضحية".

كما عبر سليمان -في ختام حديثه- عن رأيه حول قرار السلطة الفلسطينية محاربة ظاهرة السماسرة "صحيح أن السلطة تحارب هذه الظاهرة نتيجة الاستغلال الكبير الذي يتعرض له العامل، لكن ما البديل الذي وفرته للعمال؟ كما لا يمكن نجاح محاربة هذه الظاهرة دون توفير أي شيء أو البديل، أين سيذهب العامل؟ لابد إذن من أنه سيلجأ للسماسرة".

جهود حكومية

عادت حنون مدير عام تنظيم العمل الخارجي بوزارة العمل، فأكدت أنه في إطار خطة متكاملة للوزارة من أجل محاولة الحد من نشاط السماسرة، فقد جرى عام 2019 تعديل قانون العمل الفلسطيني، بحيث أصبح بإمكان العمال التبليغ لدى المفتشين العاملين في مكاتب الوزارة عن أي عملية نصب أو استغلال لحاجته من خلال التواصل مع السماسرة "علما بأن للمفتشين (الضابطة العدلية) صلاحية تحويل المشتكى عليهم للنيابة العامة والقضاء على اعتبار أن السمسرة عملية تشغيل غير مشروعة، وأن الخدمة المشروعة تقدم  للعمال من خلال مكتب تشغيل خاص تحت رقابة الحكومة".

وحول قانونية التصاريح التي يحصل عليها العمال من خلال السماسرة وفقا للقانون الإسرائيلي، أوضحت حنون "التصريح عبر السمسار أو غيره واحد، ويصدر من نفس الجهة، غير أن الفرق بينهما أن هناك أصحاب عمل يستقدمون العمال من أجل العمل لديهم، في حين التصريح عبر السمسار يتم بيعه ويبقى على اسم صاحب العمل ويعمل لدى غيره، بالتالي لا يوجد عامل قانوني وغير قانوني، ناهيك عن أنه مادام هناك عامل فما يحكمه علاقة العمل، وما التصريح إلا وثيقة عبور، بغض النظر عن الطريقة التي دخل فيها لمنطقة عمله، بالتالي فإن كل عمالنا الفلسطينيين عند صاحب العمل الإسرائيلي سواء بالأراضي المحتلة عام 48 أو المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة عام 67 هو عامل قانوني، مع الإشارة إلى أنه وبحسب ما تم إقراره عام 1991، فإن العامل الفلسطيني الذي يعمل في الداخل الإسرائيلي أجنبي وينطبق عليه قانون عمل الأجانب بالحقوق والواجبات أمام القانون الإسرائيلي، ومع تساوي العمال الأجانب مع العمال الإسرائيليين".

أما عن الإجراءات المتخذة من قبل السلطة، فقالت حنون "بالنسبة للسماسرة الذين بطرفنا، فقد طالبنا  بكتاب رسمي وجه للمحافظين العام الماضي، أرسل لهم عبر دائرة شؤون المحافظات في مكتب الرئيس الفلسطيني، بملاحقة 118 سمسارا، تلقينا شكاوى من عمال حولهم، فقام كل محافظ بمعالجة الأسماء لمن هم في محافظته كل حسب حالته، فمنهم من تم حبسه على ذمة المحافظ، أو تمت متابعته من الأجهزة الأمنية على اعتبار أن منهم من له بالأصل نشاطات أخرى مشبوهة، وكمثال على ذلك فإن أحد السماسرة من شمال الضفة وله نشاط موسع، لا يعمل بتصاريح العمل فقط، وإنما بتصاريح التجارة وتصاريح "الزيرو" (أي المفتوحة 24 ساعة) وهو ما يؤكد تلقيه مساعدة من طرف إسرائيلي، مع ذلك لا يمكننا أن نعمم بأن جميعهم لديهم ارتباطات، فقد تجد بينهم من طالبه المشغل الإسرائيلي بإحضار العمال مقابل الاستفادة ماليا للطرفين فقط".

وختمت حديثها بالإقرار أن ظاهرة السماسرة بحاجة لفترة طويلة للقضاء عليها، كما أسفت أنه وحتى الآن لا يزال هناك خلل في هذا الأمر، ولا توجد عقوبة رادعة تلجم السماسرة مضيفة "دورنا ينتهي بعد تحويل الملف للقضاء، إذ تعتمد العقوبة على القاضي إذا ما رأى أن فيها احتيالا مثلا، لأن السماسرة يتفننون بإنكار وجود عملية سمسرة".

هذا، ويمثل نظام التصاريح الاستغلالي، ودور سماسرة العمل فيه، عبئا آخر على كاهل العمال الفلسطينيين العاملين الذين دفعتهم الظروف المعيشية دفعا للعمل في إسرائيل، وأجبروا على الدفع مقابل تصاريح العمل.

إشراف

——-

وليد البطراوي

المصدر : الجزيرة