التراويح بجامع عقبة.. روحانيات بعبق التاريخ

يستمتع المصلون في المسجد بنفحات روحية لا يشعرون بها في أي جامع آخر،
يستمتع المصلون في المسجد بنفحات روحية لا يشعرون بها في أي جامع آخر (الأناضول)
يشد آلاف المصلين التونسيين، خلال شهر رمضان، الرحال إلى جامع "عقبة بن نافع" بمحافظة القيروان لأداء صلاة التراويح، حيث تخيم عليها أجواء روحانية ملفتة.

المسجد -الذي يعود تأسيسه إلى سنة خمسين للهجرة على يد عقبة بن نافع، أحد قادة الفتح الإسلامي- يقصده مصلون من مناطق بعيدة داخل المدينة وحتّى من المدن المجاورة؛ ليستمتعوا بنفحات روحية لا يشعرون بها في أي جامع آخر، كما يقولون.

تهفو أفئدة أعداد كبيرة من المصلين نحو جامع "عقبة بن نافع" العتيق، فيتسابقون لحجز مكان للصلاة بصحن الجامع، وكثير منهم يحضرون إلى الجامع من صلاة المغرب والإفطار ويمكثون فيه حتى انتهاء صلاة القيام، التي يؤم فيها كبار الأئمة وقراء القرآن الكريم.

وقبيل سَماع صوت "مدفع الإفطار"، الذي ينطلق من أعلى برج سور المدينة العتيقة بالقيروان، يشارك الشبان والأطفال المشرفون على شؤون الجامع في عملية فرش السجاد والحصر على كامل مساحة صحن الجامع المبلطة بمربعات الرخام العتيق، مع ترك ممرات أفقية وعمودية تسمح بمرور المصلين.

يعود تأسيس الجامع إلى سنة خمسين للهجرة على يد عقبة بن نافع(الأناضول)
يعود تأسيس الجامع إلى سنة خمسين للهجرة على يد عقبة بن نافع(الأناضول)

كما يترك ممر آخر فاصل بين المساحة المخصصة للرجال في مقدمة الصحن، وهو القسم الأكبر، ونحو ربع المساحة للنساء عند المئذنة الشاهقة ذات القاعدة العريضة، ويتوزع المصلون داخل الأروقة الجانبية في صفوف متوازية تراعي التناسق مع المصلين وسط الصحن.

يصل الأئمة والقراء تباعاً إلى الجامع، يتشابهون بلبس الجبة التقليدية القيروانية المطرزة في سوق "الجرابة" (مخصصة لحياكة الصوف والحرير وغيرها من المنسوجات) بالمدينة العتيقة.

ويكون ملتقاهم داخل بيت الصلاة في خلوة علنية يناقشون فيها بعض المسائل بالمسجد ويعلو الصوت مناقشاً قضية المقاهي، التي فتحت في محيط الجامع وأصبحت مصدر إزعاج للمصلين، إلى جانب مناقشة مسائل تنظيمية أخرى، بينها ارتفاع الأصوات في الجامع، والتشويش على المصلين، كما يوزع الأئمة والقرّاء أدوار صلاة التراويح بينهم.

وعقب ذلك ينادي صوت المؤذن معلناً حلول موعد صلاة العشاء بصوت جهوري يعظم صداه عبر مكبرات الصوت الثمانية عند الشرفات الأربع لصومعة جامع عقبة، وتقام صلاة العشاء بصفوف متراصة وتتقلص الأماكن أمام المتأخرين.

كما تنسجم الصفوف خلف الإمام مؤدية حركات السجود والركوع والرفع منها والتكبير في خشوع يزيده التناغم خشوعاً وامتلاء روحانياً واستقرارها لشعيرة الصلاة وتلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه.

يشد آلاف المصلين التونسيين خلال شهر رمضان الرحال إلى جامع عقبة بن نافع لأداء صلاة التراويح (الأناضول)
يشد آلاف المصلين التونسيين خلال شهر رمضان الرحال إلى جامع عقبة بن نافع لأداء صلاة التراويح (الأناضول)

ويقول حمدي بوقرة، الذي يواظب على أداء صلاة التراويح في جامع "عقبة بن نافع"، شأن الآلاف من الكهول والشبان، "أجواء رمضان في القيروان احتفالية تعبق منها نفحات إسلامية بكامل المدينة والشوارع، خاصة بجامع عقبة بن نافع".

ويقول الشيخ الطيب الغزي، وهو الإمام الأول لجامع عقبة بن نافع "صلاة القيام تصلى في الجامع عشرين ركعة، يتلى فيها بمعدل جزء من القرآن الكريم في الليلة ليختم ليلة 27 من رمضان".

ويضيف الغزي "أجواء روحانية يقرأ فيها القرآن بأكمله طيلة رمضان في صلاة التراويح ويحضرها عدد كبير من المصلين من أماكن عدّة، من داخل القيروان وخارجها، وتتضاعف أعدد المصلين بداية من ليلة النصف من رمضان، ويرتفع العدد في العشر الأواخر منه".

وبحسب الإمام الأول للجامع فإنه "ينتخب لإمامة المصلين في صلاة التراويح ثلة من حفظة القرآن الكريم، وهم بمنزلة العلماء، (الحبيب العلاني، منذر العلاني، إسماعيل المهداوني)، ويتناوبون ثلاثتهم على المحراب في جو خاشع".

وبمجرد انتهاء الصلاة ينتشر المصلون في الأرض، فتختلف وجهتهم بين العودة إلى المنازل للسهر مع العائلة، وارتياد الفضاءات العمومية مثل المتنزهات العائلية والساحات المفتوحة.

وهناك من يقصد المقاهي لمواصلة السهرة الرمضانية، التي تمتد عادة حتى مطلع الفجر، بحثاً عن نسمات صيفية والاستعداد لمواجهة يوم حار آخر من الصيام.

المصدر : وكالة الأناضول