المسجد الذي لم يكتمل بالسنغال

مئذنة المسجد تركت على هذا الحال تخليدا لقصة بنائه
مئذنة المسجد تركت على هذا الحال تخليدا لقصة بنائه (الجزيرة)

الجزيرة نت – دكار

أطلقوا عليه "المسجد الذي لم يكتمل" (Mosqué Innachevée) وتركوا إحدى مآذنه ناقصة تخليدا لقصته التي كانت إحدى أولى مواجهات "الحركة الإصلاحية" مع نظام الرئيس الأول للسنغال سينغور بعد أن حاول منع بناء المسجد.

المسجد يقع في حي "باتريى" قرب المطار حيث تقع معسكرات الجنود الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية، وحيث يسكن اليوم أطر ومسؤولو وكالة أمن الملاحة الجوية في فرنسا وأفريقيا، وقد بدأت فكرة إنشائه على يد مجموعة من السنغاليين العاملين في مجال الطيران وأمن الملاحة الجوية.

ويقول مهندس الطيران وإمام المسجد أمباي أنيانغ (عضو في البرلمان ورئيس حزب حركة الإصلاح للتنمية الاجتماعية) إن مجموعة من الكوادر السنغاليين سكنت هذا الحي بحكم وظائفها، فكانت تؤدي الفرائض جماعة وتنظم بعض الدروس والمحاضرات في هذا المكان، فاستقطب ذلك زملاء لهم في قطاعات حكومية أخرى، فقرروا بناء المسجد وشرعوا فيه.

ويضيف أمباي في حديث للجزيرة نت أنه "بعد أن بدأ البناء مرّ الرئيس سينغور بالمنطقة وهو عائد من إحدى رحلاته إلى فرنسا فلاحظ وجود الأساسات فاستفسر عن الأمر وأُخبر أنه مسجد فأصدر أوامره بهدمه ومنع بنائه، فتحركنا باتجاه الزعامات الروحية ومشايخ الطرق الصوفية ووجدنا منهم المساعدة والتأييد، مما اضطر سينغور للرضوخ بعد سنتين من الجهود المتواصلة".

المسلمون في السنغال يقبلون على المساجد للصلاة وتعلم أمور دينهم (الجزيرة)
المسلمون في السنغال يقبلون على المساجد للصلاة وتعلم أمور دينهم (الجزيرة)

المساجد في السنغال لها رمزيتها، وتاريخها جزء من تاريخ الدين الإسلامي في هذا البلد، الذي دخله الإسلام في مرحلة مبكرة (القرن الثاني الهجري حسب بعض الدراسات)، لكنه لم يبرز كقوة مؤثرة إلا في القرن العاشر عندما قامت "مملكة التكرور" التي استفادت من وجود المرابطين حينئذ.

ومنذ ذلك التاريخ عرف الإسلام مدا وجزرا في السنغال إلى أن فرض سيطرته شبه الكاملة بإقامة عدد من الإمارات والدول الإسلامية، من أهمها دولة الأئمة في بلاد "بُنْدُ" شرقي السنغال، ثم دولة الأئمة (1776-1891) في بلاد "فوتَا تورُ" شمالي السنغال، وفقا دراسة أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة دكار محمد سعيد باه.

ورغم ظهور المساجد في السنغال منذ ما قبل الاستعمار، فإن "المسجد الذي لم يكتمل" شكل فتحا في مجال انتشار المساجد في العاصمة السنغالية دكار، لتصبح اليوم جزءا من المشهد العام في كل أحيائها، خاصة الأحياء الراقية التي تقول رابطة الأئمة والدعاة إن سينغور كان حريصا على أن تظل خالية من أي مظهر ديني.

ويؤكد العارفون بالشأن المحلي أن انتشار المساجد عرف تطورا مذهلا في العقود الثلاثة الأخيرة بالتزامن مع ما يسميه الإمام أمباي أنيانغ "الصحوة الإسلامية التي عرفتها البلاد، ثم اتساع هامش الحريات العامة في السنغال منذ عام 2000".

ويعتبر رئيس رابطة الأئمة والدعاة في السنغال أحمد دام أنجاي أن "المساجد عرفت انتشارا كبيرا في السنغال، فما من قرية أو حي في مدينة من هذا البلد إلا وتتعدد المساجد فيه، مما يجعل إعطاء أرقام عن أعدادها شبه مستحيل، كما أنها أصبحت نقطة إشعاع معرفي، حيث تنظم فيها المحاضرات والدروس التي تتناول قضايا تهم المسلم في أمور دينه وشؤون حياته".

رئيس رابطة الأئمة والدعاة أحمد دام أنجاي يؤكد أن المساجد تشيد بجهود الأهالي (الجزيرة)
رئيس رابطة الأئمة والدعاة أحمد دام أنجاي يؤكد أن المساجد تشيد بجهود الأهالي (الجزيرة)

ويقول أنجاي في حديث للجزيرة نت إن "هذه المساجد شيدت وجهزت إما بتعاون بين سكان الأحياء، وإما من خلال الطرق الصوفية التي تبني مساجدها بمجهود مشايخها ومريديهم، وإما عبر المنظمات الخيرية غير الحكومية، أما الحكومات السنغالية فلا أعرف أنها عملت على بناء مسجد في هذا البلد، إلا المسجد الجامع بدكار الذي بنته المملكة المغربية في إطار التعاون بين البلدين".

ويضيف أن "مساعدات الدولة للأئمة تتمثل أساسا في تقديم تذاكر للحج، ومبالغ مالية في مناسبتي عيدي الفطر والأضحى".

لكن صيدو غي المدير المساعد لديوان الرئيس السنغالي يؤكد أن "الدولة تقدم الكثير من الدعم للمساجد وشيوخ الطرق الصوفية، سواء تمثل ذلك في التسهيلات الإدارية أو في المساعدات المادية والمعنوية، أو دعم المواسم التي تنظمها هذه الطرق".

ويقول غي في حديث للجزيرة نت "إننا دولة علمانية، لكن ذلك لا يعني موقفا سلبيا من المسلمين أو العمل الإسلامي، فالشعب السنغالي يبلغ عدد المسلمين فيه أكثر من 90%، والإسلام مكون أساسي للشخصية في هذا البلد".

المصدر : الجزيرة