"حي الحسين".. هنا مر التاريخ وترك ذكرى

مسجد الحسين الذي يقال أن رأس الإمام الحسين بن علي مدفون فيه
مسجد الحسين الذي يقال أن رأس الإمام الحسين بن علي مدفون فيه (الجزيرة)

الجزيرة نت – القاهرة

لا تزال منطقة الحسين التاريخية في شمال القاهرة واحدة من أبرز المناطق السياحية التي يقصدها السياح ليروا صورة مصر الإسلامية بما تحويه من معالم خلفتها فترات حكم المماليك والفاطميين والأيوبيين والعثمانيين.

وتتبع المنطقة -التي نشأت مع بناء مسجد الحسين سنة 549 هجرية/1154 م- إداريا حي الجمالية، ويقصدها كثير من المصريين للتنزه والوقوف على فترة مضيئة من تاريخهم، فيما يقصد آخرون زيارة ضريح الحسين سبط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي يعتقد أن رأسه مدفون فيه.

ورغم تأثر حركة السياحة جراء الأحداث السياسية التي تعيشها مصر منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 فإن المنطقة ما زالت تجذب الزوار ولو بشكل أقل مما كان، فزيارة القاهرة لا تكتمل إلا بزيارة الحسين برأي كثيرين.

علاء حمدي شاب مصري يقول إن كل شيء في الحسين له مذاق مختلف، حتى الصلاة. وأضاف حمدي (32 عاما) لمجلة الجزيرة "كلما شعرت بالضيق جئت إلى هنا، فالبنايات والشوارع تأخذك إلى عالم آخر".

ومن بعيد تطل مآذن المسجد التي يجذب ضوؤها الأخضر الأنظار من كل صوب، وفي ساحته الكبيرة يجلس الزوار، بين من يلتقط الصور التذكارية ومن ينتظر دخول المسجد لأداء الصلاة، أو لزيارة الضريح وتقديم النذر ورفع الدعوات إلى الله.

محال الملابس في خان الخليلي (الجزيرة)
محال الملابس في خان الخليلي (الجزيرة)

على يمين المسجد يقف فندق "الحسين"، وهو فندق قديم توجد في طابقه الأول مجموعة من المقاهي والمطاعم والبازارات. العاملون هنا يحدثون السائرين بلغاتهم المختلفة، فقد أجادوا عدة لغات لكثرة تعاملهم مع السياح.

ألبان "المالكي"، وحاتي "الدهَّان" علامتان قديمتان في هذا المكان، بينهما ممر صغير يلج منه الزوار إلى مقهى الفيشاوي أشهر مقاهي مصر، ذلك المقهى الذي خلده أديب "نوبل" نجيب محفوظ بكثرة جلوسه عليه وكتابته عنه.

على بعد أمتار من المقهى تستقبلك رائحة النراجيل، وفي الداخل تنتشر الوجوه واللغات والأعمار المختلفة، كلها قصدت هذا المكان الذي أسس في القرن الـ18، ولا يكاد يفرغ من الرواد إلا في ساعات النهار الأولى، على عكس مقاهٍ أخرى لا تجد من يدخلها.

العاملون بالمقهى يتحفظون جدا في الحديث، ويمنعون التقاط صور للمكان إلا في أضيق الحدود، وحدهم الأجانب يفعلون كل شيء بحرية كاملة.

والمقهى واحد من أبرز معالم "خان الخليلي" الذي أسسه الأمير جركس الخليلي قبل أكثر من ستمئة عام.

أحد زوايا أسواق حي الحسين وفيها شيء من الحركة المعتادة (الجزيرة)
أحد زوايا أسواق حي الحسين وفيها شيء من الحركة المعتادة (الجزيرة)

ويتشكل الخان من حَوارٍ وأزقة متداخلة كالمتاهة، بها محال لبيع الهدايا والملابس الفلكلورية والحلي والبردي والتماثيل المقلدة، أزقة يدلف الزائر منها لماض بعيد، فعراقة المعمار الإسلامي تتجلى في البنايات وأبوابها الكبيرة وأحجارها الضخمة ومشربياتها المزينة بالأرابيسك، وواجهاتها المرصعة بالنحاس.

كل الأسعار في خان الخليلي قابلة للمساومة أو الفصال كما يسميه المصريون، والباعة الذين كانوا قبل سنوات يعرضون ما صاغته يد المصريين من تحف ومسابح وملابس وحلي وتمائم وأوانٍ فضية ونحاسية باتوا لا يبيعون إلا المنتج الصيني، وهم يعتمدون على حلاوة اللسان والترحيب المبالغ فيه بالزبائن لجني أكبر مكاسب ممكنة.

جمال شاب يعمل في أحد البازارات، يقول إن المبيعات تراجعت جدا خلال الأعوام الماضية، لافتا في حديثه لمجلة الجزيرة إلى أن رفع الأسعار "طبيعي في ظل تراجع البيع".

يقول الشاب "في الماضي كنا لا نستطيع خدمة كل الزبائن من كثرتهم، أما اليوم فنحن نتخاطفهم من الشوارع، وأغلبهم يتفرجون ويمضون دون أن يشتروا شيئا، بعض الأفواج السياحية تخفف من هذا الركود، لكنها تأتي على فترات ولا بد للترتيب مع المرشد السياحي لكي يحضرها إلى هنا".

ورغم أنها لم تعد كما كانت فإن بعضا من روائح العطور والبخور والتوابل ما زالت تسبح في جو المكان، تستقبل الزوار كلما دخلوا حارة أو عبروا زقاقا.

المقاهي أسفل فندق الحسين التي طالما اجتذبت السياح وشهدت لقاءات المثقفين المصريين (الجزيرة)
المقاهي أسفل فندق الحسين التي طالما اجتذبت السياح وشهدت لقاءات المثقفين المصريين (الجزيرة)

في هذا الخان يوجد الصاغة، وحارة اليهود التي سكنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طفلا، وعلى مقربة منها ولد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

عند نهاية شارع الصاغة من جهة الشرق ينحدر السائر قليلا إلى جهة اليسار ليجد نفسه في أول شارع المعز لدين الله الفاطمي، كل حجر في هذا الشارع يمثل قطعة فنية منفردة، وفي المساء يتحول مسجد المعز لكتلة ذهبية بفعل الإضاءة.

ويعتبر هذا المسجد مقصدا لهواة الرسم والتصوير كونه تحفة معمارية يضفي عليها نظام الإضاءة بهاءً فوق بهائها.

في الصباح يجلس طلاب كلية الفنون الجميلة وغيرهم من الهواة على درجات مدرسة النحاسين، عينهم على المسجد، وأقلامهم على الورق، فكل باب وكل مأذنة وكل حجر لوحة في حد ذاته.

وإلى جهة الشرق من هذا المسجد -في منطقة بيت الشاعر- يقف بيت قديم أمام قسم شرطة الجمالية، بيت يجابه السقوط، أسفله مقهى بلدي لا يكترث له أحد، في الدور الرابع من هذا البيت ولد الأديب نجيب محفوظ قبل أكثر من مئة عام.

وفي أقصى الشمال يوجد مسجد الأقمر، وسبل المياه التي كانت تروي عابري السبيل، وكذلك مسجد الغوري ومسجد السلطان قلاوون وبيت السحيمي، وفي نهايته يقف باب النصر الذي كان الجيش المصري يدخل منه بعد عودته من المعارك.

أحد الأسواق في حارة اليهود التي تشكو الكساد في السنوات الأخيرة (الجزيرة)
أحد الأسواق في حارة اليهود التي تشكو الكساد في السنوات الأخيرة (الجزيرة)

وتزدحم منطقة الحسين بمظاهر التجارة، فإلى جهة اليمين من جامع الحسين يقع درب الأتراك، أشهر أماكن بيع كتب التراث والفقه الإسلامي بالعاصمة القاهرة، وإلى جهة الغرب من المسجد تقع منطقة "الوكالة" وهي أكبر سوق لبيع الأقمشة والستائر في مصر.

اللافت أن كل شبر في المنطقة يمثل مصدر رزق لصاحبه، فالشوارع تستخدم مواقف للسيارات، ولكي تترك سيارتك أمام أحد المنازل عليك دفع من عشرة إلى ثلاثين جنيها (الدولار يساوي ثمانية جنيهات) لصاحب المنزل وفقا لحالة الزحام.

ولعل أبرز ما يجذب الناس لهذا المكان -بعد المسجد- هو احتفاظه برونقه الذي يبحث فيه المصريون عن بلدهم الذي قرؤوا عنه في كتب التاريخ؛ فحتى اليوم لم تعبث يد الحداثة بكثير من بناياته التي تقف منذ مئات السنين شاهدة على أن التاريخ قد مر من هنا.

المصدر : الجزيرة