عام من الأزمات- كلام في السياسة- 2000/2001

undefined

– اسم الكتاب: عام من الأزمات – كلام في السياسة – 2000/2001
– المؤلف: محمد حسنين هيكل
عدد الصفحات: 498
– الطبعة: الأولى 2001
– الناشر:
الشركة المصرية للنشر العربي والدولي، القاهرة

إبراهيم غرايبة
تخصص مجلة "وجهات نظر" مساحة واسعة في كل شهر للصحفي محمد حسنين هيكل يتابع فيها إصدارات ووثائق وأحداثا وقضايا مما يطرح على مدى العام، وكان كتاب "عام من الأزمات" مجموعة من قضايا عام 2000/ 2001 مثل "المسلمون والأقباط" و"رئاسة الدولة في مصر" وقراءات في وثائق ومذكرات مما يفرج عنه للباحثين في الوثائق البريطانية مثل يوميات اللورد "وودرو وايات"، الذي كتب عن أهم الشخصيات البريطانية من الملكة والأمراء والأميرات ورؤساء الحكومات والشخصيات العامة السياسية والصحفية والأدبية في بريطانيا وأوروبا، وقراءات في كتب ووثائق أخرى مما تصدره دور النشر، ومنها وثائق إسرائيلية بعضها سري وبعضها منشور حول حرب عام 1967 ويوميات مؤسس دولة إسرائيل "دافد بن غوريون" وكتابات لمؤرخين يهود وإسرائيليين مثل "آفي شلايم" الأستاذ بجامعة أوكسفورد و"أفنيركوهين" وكانت حصة هذه الوثائق أكثر من ثلثي الكتاب.

ويمزج هيكل بين قراءته للكتب والوثائق وملاحظاته وتجاربه الشخصية وتعليقاته الأقرب إلى الذكريات والسيرة الذاتية، وهو أسلوب فيه كثير من الثراء الفكري والأدبي والتباهي الذي قد يغفره القارئ لمثل هيكل أو يتحمله منه.

المسلمون والأقباط


كانت الفكرة المتبعة في تعامل الدولة مع الأقباط أنه لا أمل لأقلية دينية أن تشارك في الحياة السياسية على نحو يرضيها والحل في التعويض الاقتصادي عن الغياب السياسي وحاول عبد الناصر مشاركة قادة أقباط في الحياة السياسية ولكن القيادات القبطية كانت قد تقدمت إلى اندماج كامل في الغرب

يعتبر هيكل أن قضية "الوحدة الوطنية" و"النيل " هما أهم مشاغل الدولة في مصر، فهي دولة فيها دينان، وتعتمد كليا على نهر النيل القادم من وراء الحدود. كانت الفكرة المتبعة في تعامل الدولة مع الأقباط أنه لا أمل لأقلية دينية بأن تشارك في الحياة السياسية على نحو يرضيها والحل في التعويض الاقتصادي عن الغياب السياسي. وحاول عبد الناصر مشاركة قادة أقباط في الحياة السياسية مثل كمال رمزي إستينو، ولكن القيادات القبطية في بداية الثورة كانت قد تقدمت حالتها الفكرية والمعيشية إلى اندماج كامل في الغرب وابتعاد كبير عن المصريين والعرب، واستطاع الأنبا شنودة بثقافته العربية الواسعة تجسير العلاقة بين الأقباط والدولة ولكنه اصطدم بالسادات، وقد اعتقل البابا شنودة عام 1981.

وأعادت أحداث الكشح عام 1999 التي قتل فيها 23 مواطنا منهم 22 قبطيا المسألة القبطية بإلحاح، وربما مسألة المسيحيين في الشرق، ويعتقد هيكل أن المشهد العربي سوف يختلف إنسانيا وحضاريا وسوف يصبح على وجه التأكيد أكثر فقرا وأقل ثراء لو أن ما يجري الآن من هجرة مسيحيي الشرق ترك أمره للتجاهل أو التغافل أو المخاوف حتى وإن لم يكن لها أساس.

رئاسة الدولة في مصر
مؤسسة الرئاسة هي أهم المؤسسات السياسية وأقواها في مصر وتمارس دورها القيادي منفردة تقريبا، فهي وحدها مصدر القرار وجهة المتابعة وسلطة المراجعة. وهي تمارس عملها دون مرجعية. وتخضع مصر منذ سنة 1981 لقانون الطوارئ، وهو قانون يعطي للسلطة التنفيذية صلاحيات غير مقيدة، وذلك يراكم في مكان واحد سلطات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.

وحاول الرئيس حسني مبارك لملمة أطراف الدولة على مهل وكلف عاطف صدقي بتشكيل وزارة مهمتها الإصلاح المالي الذي استهلكها وأوقعها في حالة ضيق مع الرأي العام، وترافق ذلك أيضا مع موجة من العنف والعنف المضاد. وغيرت حكومة صدقي لتخلفها حكومة كمال الجنزوري التي كلفت بعملية "التنمية الشاملة" بعد الإصلاح المالي، والتي استهلكها مشروع توشكي العملاق لجر مياه النيل إلى مناطق جديدة في مصر، وهو مشروع احتاج إلى تمويل طائل أرهق الدولة ومواردها.

وحدثت عمليات نهب واسعة للنظام المصرفي وتسرب للمال العام، وهروب جماعي لرؤوس الأموال، ترافق ذلك مع أزمة الأسواق الآسيوية التي أدت إلى إغراق السوق المصرية بسلع آسيوية رخيصة أزاحت وكدست السلع المصرية، واشتد الضغط على الجنيه المصري وتأثر موقفه أمام الدولار. وهذه الأزمة المالية هي الخامسة منذ منتصف السبعينيات عندما بدأ "الانفتاح" ثم "الخصخصة" وأزمة شركات توظيف الأموال.

في الدين والسياسة والأدب
يعرض هيكل في هذا الفصل لكتب قرأها، "آيات شيطانية" لسلمان رشدي الذي سبب أزمة بين بريطانيا وإيران لأكثر من عشر سنوات حتى أعلن وزير الخارجية الإيراني عام 1998 كمال خرازي بأن الحكومة الإيرانية لا تنوي اتخاذ إجراءات لتنفيذ فتوى الإمام الخميني التي أصدرها في شأن الكاتب سلمان رشدي، واعتبر وزير الخارجية البريطاني "روبين كوك" تلك الإشارة بداية مشجعة لحوار مباشر مع إيران.

ثم يناقش تداعيات رواية "وليمة لأعشاب البحر" تلك الرواية التي نشرتها وزارة الثقافة وقدمت دعما ماليا لإتاحتها للقراء بسعر يقل عن نصف تكاليف طباعتها وهنا كانت المشكلة أكثر مما هي في طبيعة الرواية وموقفها. ثم تحولت أزمة الرواية إلى أزمة سياسية عصفت بحزب العمل وصحيفته "الشعب".

"خمسة أيام في لندن- مايو/ أيار 1940- جون لوكاس"
يختار هيكل هذا الكتاب ليعرضه لأنه يكتب عن أيام عصيبة في الحرب العالمية الثانية قريبة الشبه إلى درجة التطابق بالأيام الستة عام 1967، ففي هذه الأيام التي يتحدث عنها جون لوكاس مؤلف كتاب "نهاية القرن العشرين" وأستاذ التاريخ في جامعة فيلادلفيا تعلق مصير بريطانيا وأوروبا وربما العالم بخيط رفيع.

هذه الأيام الخمسة هي 24–29 مايو/ أيار1940 عندما اجتاحت الجيوش الألمانية أوروبا وزحفت إلى فرنسا حيث كان الجيش الفرنسي والبريطاني يتخذان مواقع لصد الهجوم الألماني، وكان حوالي نصف مليون جندي بريطاني في فرنسا مع أسلحتهم تحاصرهم الجيوش الألمانية. وكان الضغط الألماني يتصاعد ساعة فساعة، وخاصة حين أعلن ملك بلجيكا الاستسلام لألمانيا يوم 27مايو/ أيار مما أتاح المجال لعشرين فرقة إضافية التحرك والانضمام للجيش الألماني الذي يحاصر فرنسا ومعها الجيش البريطاني، وسقطت فرنسا وقاومت بريطانيا ببسالة نادرة. ويقارن هيكل هذه الأيام البريطانية بأيام 1967 العربية ويصف بتفصيل كبير (وربما مبالغ فيه) عشر ساعات قضاها مع عبد الناصر وحدهما، وهي يوم 9 يونيو/ حزيران وكان قد كتب خطاب تنحي عبد الناصر الشهير عن رئاسة الجمهورية.

وثائق إسرائيلية وحرب 1967
ويواصل هيكل معالجة موضوع هزيمة يونيو/ حزيران حتى آخر الكتاب تقريبا فيعرض لمجموعة من الوثائق الإسرائيلية، ومنها محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الإسرائيلي في الفترة من 1951 إلى 1966 ويوميات دافد بن غوريون المحفوظة بجامعة "بئر السبع" وكتاب للمؤرخ الإسرائيلي آفي شلايم الأستاذ الآن بجامعة أوكسفورد بعنوان "الحائط الحديدي" وموضوعه مجرى الصراع العربي الإسرائيلي طوال نصف قرن (1948–1998)، وكتاب أفتير كوهين الصادر عن جامعة كولومبيا بعنوان "إسرائيل والقنبلة" والكتاب موضوع تحقيق سياسي وجنائي في إسرائيل يسأل كيف تسربت كل هذه الأسرار إلى كوهين؟ وكيف سمح لنفسه بخيانة الأمن الإسرائيلي حين نشرها، وتقرير الجنرال "إيلي زائير" رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية أيام حرب عام 1973، والتقرير قدم إلى الكنيست الإسرائيلي وهو في حوالي أربعمائة صفحة.

بدأ بن غوريون يفكر جديا في سياسة للتعامل مع مصر بعد مشاركتها في حرب عام 1948 في فلسطين، وقبل ذلك كان يستخف بها. وفي جلسة لمجلس الوزراء الإسرائيلي عام 1949 لمناقشة سياسة عامة قال بن غوريون "الآن يلزمنا أن نضع سياسة طويلة المدى للتعامل مع العرب، فكلنا يعرف أنهم مصممون على عدائنا، ولذلك فإن السلام معهم بعيد، ولكن ذلك ليس بالضرورة كارثة لنا، بل قد يكون نافعا ومفيدا".


كان امتلاك قنبلة نووية هاجسا إسرائيليا حتى قبل قيام الدولة وفي اجتماع للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية عام 1948 قال بن غوريون "عندما تقوم الدولة اليهودية في وسط هذا البحر من الحقد العربي عليها فإن ضمانها الوحيد هو الحصول على السلاح الذي حسمت به الولايات المتحدة حربها مع اليابان"

ولا يبدي بن غوريون قلقا من الدول العربية المحيطة سوى مصر، فهي دولة كبيرة وحقيقية، ويقترح في عرضه لإستراتيجية إسرائيل العامة أن تظل مصر وراء حدودها منشغلة بنفسها، ومنعها من عقد تحالفات مع بقية العرب. لم تكن القدس في أولويات بن غوريون بل إنه كان يخاف منها على علمانية إسرائيل وأن تقلب حركة الموازين لصالح الدين والتدين ولكن اهتمامه بالقدس بدأ يتزايد بفعل ضغط اليهود في الولايات المتحدة.

وكان امتلاك قنبلة نووية هاجسا إسرائيليا حتى قبل قيام الدولة، وفي اجتماع للجنة التنفيذية للوكالة اليهودية عام 1948 قال بن غوريون "عندما تقوم الدولة اليهودية في وسط هذا البحر من الحقد العربي عليها فإن ضمانها الوحيد هو الحصول على سلاح علمي متطور من مستوى ذلك السلاح الذي حسمت به الولايات المتحدة حربها مع اليابان، وكانت الرؤية الإسرائيلية بعد البحث والتقصي أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعد إسرائيل في امتلاك سلاح نووي هي فرنسا، لأن الولايات المتحدة وبريطانيا لن تقبلا بسبب مصالحهما الواسعة في العالم العربي، ولأن الاتحاد السوفياتي يتحول إلى معاداة إسرائيل وبخاصة بعدما تأكد أن أطباء يهودا حاولوا دس السم لستالين بتحريض من المخابرات الأميركية.

وكانت تقديرات المستشار السياسي لبن غوريون شمعون بيريز أن فرنسا تشعر بمرارة من طريقة تعامل حلفائها الإنجليز والأميركان وأن العرب يخوضون حروب تحرير مع فرنسا في سوريا ولبنان والمغرب العربي. وبدأ أول اتصال استطلاعي قام به بيريز في اجتماع مع السفير الفرنسي في تل أبيب عرض فيه استعداد إسرائيل لصداقة فرنسا وشكا من المحاولات الأميركية والبريطانية لتطوير وإصلاح علاقاتها مع العرب، ونصح السفير الفرنسي "بيير جلبيرت" بيريز بالسفر إلى فرنسا والاتصال بوكلاء الوزارات الدائمين في فرنسا وتجنب الساسة الذين يعيشون حالة هزلية جعلت السلطة الفعلية في يد البيروقراطية.

وحمل بيريز تقريره عام 1954 لبن غوريون الذي اعتزل الرئاسة واعتكف في إحدى المستوطنات ولم يذهب إلى رئيس الوزراء الذي خلفه "موشي شاريت" ويبدو أن بن غوريون ظل الرئيس الحقيقي من وراء ستار وكان يتعاون معه "موشي دايان" و"شمعون بيريز" و"ييجال آلون" وكان رأي هؤلاء الثلاثة أنه يجب تحقيق صلح مع مصر قبل خروج الإنجليز من قواعد قناة السويس، ثم تشير الوثائق إلى اقتراحات باستفزاز مصر وجرها إلى الحرب وعزل قطاع غزة عن مصر لإفقادها الاعتبار وسط العرب وبعد عودة بن غوريون إلى الحكم (1955) بيوم واحد شنت إسرائيل غارات جوية على غزة استهدفت معسكرا للجيش المصري أدت إلى استشهاد 37 جنديا وضابطا مصريا، وكانت الغارة الإسرائيلية إحراجا شديدا للنظام الثوري في مصر.

وكانت تلك بداية صفقات السلاح مع الاتحاد السوفياتي، وفي يوم 27 سبتمبر/ أيلول 1955 أعلن عبد الناصر عن أول صفقة سلاح مع الاتحاد السوفياتي بواسطة تشيكوسلوفاكيا، ثم حدث العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما تبعه من تداعيات.

وتتعرض الوثائق لبرنامج التسليح المصري، فقد عرفت مصر بأمر مفاعل إسرائيل النووي الذي حصلت عليه من فرنسا، وبدأت مصر تركز على إنتاج السلاح الكيماوي والجرثومي لسد الفجوة التي يصنعها السلاح النووي الإسرائيلي، وبدأت إسرائيل تشن حملة قتل ضد العلماء الألمان العاملين في مصر، وقد أدى ذلك إلى أزمة بين مدير المخابرات الإسرائيلية "موساد" آيسر هاريل ومدير الاستخبارات العسكرية "أمان" الجنرال مائير أميت. وتشير الوثائق الإسرائيلية عام 1963 إلى أن بن غوريون بدأ يشعر بالتعب والقرف ويفكر بالاعتزال ولكنه حاول أن يختم حياته السياسية بالسلام مع مصر، واستقال بن غوريون من منصبه وانتقلت المسؤولية منه إلى ليفي أشكول الذي قامت في عهده حرب 1967.

قراءات في الوثائق الإسرائيلية
يرى هيكل من قراءته للوثائق الإسرائيلية أن سياسة الدولة اليهودية تمشي على خطوط ثابتة محددة لا تتأثر بتغيير الحكومات، وهذه الخطوط الثابتة ليست من اختصاص الأحزاب السياسية المتصارعة على الساحة السياسية ولكنها موكولة إلى قوى أخرى يتجلى نفوذها واضحا في كل موقف، وهي مؤسسة الأمن، وليست الحكومات المتعاقبة.


العرب أضعفوا أنفسهم أكثر مما أضعفتهم قوة إسرائيل عام 1967 والتصدع بدأ في عقول الناس قبل أن تتصدع جبهات القتال وكان ساسة إسرائيل وجنرالاتها أول من ذهل بما جرى على الناحية العربية

ويجد أيضا أن العرب أضعفوا أنفسهم أكثر مما أضعفتهم قوة إسرائيل عام 1967 وأن التصدع بدأ في عقول الناس قبل أن تتصدع جبهات القتال، وكان ساسة إسرائيل وجنرالاتها أول من ذهل بما جرى على الناحية العربية ولم يكن بينهم من توقعه على الأقل بهذه السرعة وبهذه السهولة، وظلوا لأيام بعد انتهاء الحرب غير قادرين على استيعاب حجم ما تحقق لهم وعندما أفاقوا من "صدمة النصر" فقد هالهم أن انتصارهم أضخم من أن يكون حقيقيا. وقد وجدت مؤسسة الأمن الإسرائيلية في تعاملها مع الجيوش العربية أنها لا تربطها بمهامها نظرية أمن قومي ترسخت على المستوى الوطني بالتاريخ والجغرافيا وإنما رباط هذه الجيوش ألصق بحقائق الأمور مع سلطة الدولة.

وأعطت الخلافات العربية- العربية لإسرائيل طرقا وأساليب في إدارة الصراع مع العرب وصل مفعولها إلى المساس بالمحرم أو المقدس العربي أو شيء شديد القرب من ذلك. وصانع القرار العربي، من منظور الوثائق الإسرائيلية، يقترب من قرار الحرب المسلحة مترددا وأحيانا مضطرا لأنه ليس واثقا من قدرته العسكرية أو احتياطيه الإستراتيجي أو المدد الدولي المضمون والمؤكد في حين أن صانع القرار الإسرائيلي يملك التعامل بثقة وجرأة مع ظروف مؤدية إلى قرار حرب مطمئنا إلى أن الأسباب كلها متوافرة ومستعدة في مواقعها.

المصدر : غير معروف