دمقرطة العولمة

كامبردج بوك ريفيوز
يندرج هذا الكتاب في إطار "مشروع تاريخ أفكار الأمم المتحدة" وهو عبارة عن حوارات للأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي أدلى بها للفرنسي إيف بارتولو الذي عمل أميناً عاما لكنيوساد 1985- 1993 ثم أميناً منفذا للجنة الاقتصادية لأوروبا (المجموعة الأوروبية- الأمم المتحدة) ويترأس حاليا اللجنة الفرنسية للتضامن الدولي. يتحدث فيه بطرس غالي عن صباه وسنوات تعلمه وتدريسه في الجامعة، ثم ترأسه الدبلوماسية المصرية (1977-1991) فالأمانة العامة للأمم المتحدة (1992-1996) التي توقف عندها طويلاً وأخيراً أحداث 11 سبتمبر/أيلول ودور المنظمة الأممية.


undefined-اسم الكتاب: دمقرطة العولمة
–المؤلف: بطرس بطرس غالي (حوارات مع إيف بارتولو)
-عدد الصفحات: 143
-الطبعة:
الأولى 2002
الناشر: روشي – باريس

في تمهيد لهذا الكتاب يقول بطرس غالي إنه بعد مرور خمس سنوات على مغادرته الأمم المتحدة وما يسمح به ذلك من هامش الحرية في الكلام والمسافة عن الأحداث، اعتبر أنه من المقبول الآن التفكير من جديد في الأمم المتحدة وفي مهامها وتدخلاتها والتأمل في الإصلاحات التي قد تجعل منها هيئة مجددة لمواجهة التغيرات الدولية وأثار العولمة السلبية والإيجابية.

ثلاثة أهداف
ولما اقترح إيف بارتولو تسجيل شهادة بطرس غالي، في إطار مشروع تاريخ أفكار الأمم المتحدة، قبل دون تردد. ويقول إن السنوات الخمس التي مرت أكدت له صحة تصوره للأمور وإرادته آنذاك لإصلاح المنظمة التي تبقى المنتدى الوحيد الذي يمكن أن نساهم فيه حقاً في "دمقرطة العولمة". ويرى أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 جعلت الولايات المتحدة تسعى في بداية الأمر لانتهاج سياسة متعددة الأطراف في إطار الأمم المتحدة، لكن العمل الأحادي الطرف سرعان ما طغى عليها من جديد فقضى على الأمل الناشئ لـ "دمقرطة العولمة".


الديمقراطيات الكبرى تعارض دائماً تطبيق نموذج حكمها الداخلي على العلاقات الدولية

في بداية الفصل المتعلق بالسنوات (1992-1996) التي كان خلالها أميناً عاماً للأمم المتحدة يقول إنه تسلم مهامه بأفكار محددة حول سياسته أشار إليها في خطابه التنصيبي يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 1991. وتتلخص هذه الأفكار في المحاور الرئيسية الثلاثة: السلام والدبلوماسية الوقائية، والتنمية وخفض الهوة بين الشمال والجنوب، والدمقرطة في داخل الدول وفي العلاقة بينها بمعنى ضرورة "دمقرطة العولمة قبل أن تشوه العولمة الديمقراطية". هذه المحاور طورها في "الأجندة من أجل السلام، الأجندة من أجل التنمية والأجندة من أجل الدمقرطة"، إلا أنه تم التخلى عن هذه الأجندة بعد أسبوع من رحيله من الأمم المتحدة. إلى هذه الأفكار الثلاث يضيف موضوعاً محدداً هو إصلاح الأمم المتحدة.

السلام والديمقراطية والتنمية
عن "الأجندة من أجل السلام" يقول غالي إن مجلس الأمن في اجتماعه يوم 31 يناير/كانون الثاني 1991 على مستوى القمة (اجتماع رؤساء الدول والحكومات) طلب منه إعداد تقرير عن الإستراتيجية الجديدة التي يتعين تبنيها. وهذا التقرير هو "الأجندة من أجل السلام" المقدم في يونيو/حزيران 1992. ويقول إنه انطلق من فكرة خاطئة وهي أنه يطلب من الأمين العام أن يكون فاعلاً في السياسة الدولية، وهذا ما يفسر نشاطي، يضيف بطرس غالي. وبعدها يشرع في الدفاع عن نفسه ويقول إنه انتقد بدعوى عدم اهتمامه الكافي بالتنمية، وهذا غير صحيح، على حد قوله، مذكراً بـ "الأجندة من أجل السلام" التي تعتبر التنمية وسيلة لتفادي الحرب. بالمقابل يتقبل موقف الذين انتقدوه بسبب اهتمامه ببلدان في حرب أو خرجت للتو من الصراع.

وفي هذا الإطار يتذكر حواره مع المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي ميشال كامديسس الذي قال له إن مهمتهم ليست التنمية في بلدان في حرب ولا يمكن القيام بتنمية في بلد في حرب. لكن بطرس غالي دعم ويدعم الرأي المخالف، ذلك أن بلداً في حرب هو بلد مريض يستحق عناية خاصة على حد قوله. ويضيف أن مواقفه هذه قد تكون ساهمت في دفع المؤسسات الدولية إلى إنشاء أقسام لتسيير الأوضاع في هذه البلدان. وبالنسبة إليه هناك ثلاث فئات من الدول: دول متطورة، ودول نامية ودول في حالة صراع أو ما بعد الصراع.

لا ديمقراطية دون تنمية
عن الديمقراطية والتنمية يقول إنه بدون الديمقراطية لا يمكن تحقيق إقلاع البلاد اقتصادياً وإن "الديمقراطية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتنمية". ويستشهد بمصر قائلاً إنه "أثناء ديكتاتورية عبد الناصر، كان على رجال الأعمال القيام بإجراءات لمدة شهر كامل للتمكن من الخروج من البلاد. كيف تريد أن تصدر في هذه الظروف؟" ويعتبر أن اقتصاد السوق لا يتطابق والنظام الشمولي. ويقول إنه أعد "الأجندة من أجل السلام" و"الأجندة من أجل التنمية" بطلب من مجلس الأمن للأولى والجمعية العامة على التوالي، أما "الأجندة من أجل الديمقراطية" فكانت مبادرة شخصية مما عرضه لانتقادات عدة.

ويرى أنه بعد الحرب الباردة تكون إجماع على الفكرة الديمقراطية والتزام الديمقراطية دخل تدريجياً مجال حفظ السلام (أنغولا، وكمبوديا، وموزمبيق، والسالفادور، وغواتيمالا، وهاييتي..) إذ كللت تجارب بالنجاح ومنيت أخرى بالفشل.. ويرى أن العمل من أجل الديمقراطية لا يعني حث الدول على تبني أشكال سياسية غربية، ذلك أن "الديمقراطية ليست ملك أحد"، وكحقوق الإنسان فإن الديمقراطية تتصف ببعد كوني.

ويعتبر أنه لا جدوى من السعي لتشجيع الديمقراطية الوطنية، بينما النظام غير ديمقراطي على المستوى الدولي. إذ يتوجب الدمقرطة عالمياً ولا يجب الاكتفاء بالدمقرطة محلياً (داخل الدول) خاصة وأن العولمة تجعل الدول عاجزة أكثر فأكثر على التحكم في القرارات التي تخص مستقبلها ومستقبل كل العالم. وهذا يستدعي دمقرطة نظام الأمم المتحدة بإعادة النظر في العلاقة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن وتوسيع هذا الأخير ليكون أكثر تمثيلاً للمجموعة الدولية. ويؤكد على ضرورة عمل كل الدول سوياً بطريقة ديمقراطية لإيجاد قواعد تسيير العولمة متحدثاً عن التضامن بين هذه الدول كحاجز يحول دون توسع دائرة الإقصاء الناجمة عن العولمة. لكنه يقول إنها قليلة جداً هي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تهتم بمشاكل لا تخصها مباشرة. ويرى أن الدولة- الأمة لم تعد الوحيدة في اتخاذ القرارات بل عليها العمل مع فاعلين غير دولتيين، وهذا في حد ذاته ديمقراطية، على حد تعبيره.

ويلاحظ أن الديمقراطيات الكبرى تعارض دائماً تطبيق نموذج حكمها الداخلي على العلاقات الدولية ولذا لم ترتح لمفهوم "الديمقراطية الشاملة" الذي طرحه في ديسمبر/كانون الأول 1996. وهكذا مرت "الأجندة من أجل الديمقراطية" في صمت كامل، لأنها تتناقض ومواقف بعض القوى. إلا أنها تبقى في رأيه أهم تقرير قدمه للجمعية العامة ومجلس الأمن لأنه يخرج عن النمط المعتاد ويسعى لجعل المنظمة هيئة عالمية فعلية كما حلم بذلك مؤسسوها.


لا جدوى من السعي لتشجيع الديمقراطية الوطنية، بينما النظام غير ديمقراطي على المستوى الدولي

بيروقراطية المنظمة الدولية
ولما يتحدث عن عمل الأمم المتحدة الداخلي، ينتقد بيروقراطيتها الثقيلة التي تبقى فيما يأتي ويذهب الأمناء. ويكشف عن تداخل المصالح بين بعض الموظفين الدوليين ودول أعضاء مما يسمح لها بإفشال بعض الإصلاحات، وكذلك عن ظاهرة جديدة وهي "الموظف غير الدولي" الذي يدافع عن مصالح بلاده حصراً، وهي ظاهرة ناجمة عن الأزمة المالية للمنظمة، إذ إن دولاً تضع تحت تصرف المنظمة موظفين تتحمل بنفسها دفع رواتبهم وعليه فهم تحت تصرف دولهم وليس المنظمة. وهنا يشير إلى القوة الأميركية المالية والإعلامية وإلى عملها على إجهاض كل مبادرة لا ترى فيها مصلحة لها. أما مجموعة 77 فقد أصبحت "طنطنة دولية"، فهي مجموعة ضعيفة ومنقسمة ومن الصعب الحفاظ على التماسك بين أعضائها.

ثم يثير إحدى أهم معضلات عمل الأمم المتحدة: عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية. لكن هذا لا أساس له -يقول بطرس غالي- لما يتعلق الأمر بالعمل الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو تشجيع الديمقراطية. إلا أنه يعترف بأن لهذا العمل حدوده لأنه يبقى انتقائياً: عندما نتدخل في بعض الحالات ونتغاضى عن أخرى، "يفقد مبدأ التدخل كل قيمته".

11 سبتمبر والأمم المتحدة
يختم بطرس غالي كتابه بالحديث عن 11 سبتمبر/أيلول 2001 ودور الأمم المتحدة، قائلاً إنه لو تخلت أميركا عن سياستها الأحادية وعن انعزاليتها الجديدة لصالح سياسية متعددة الأطراف حقاً لأمكن القول حينئذ إن المنظمة ستلعب دوراً جديداً عالمياً وتصبح إطاراً مفضلاً للعمل المتعدد الأطراف. في رأيه "11 سبتمبر/أيلول تسجل بداية القرن الواحد والعشرين". أما الأمم المتحدة فتبدأ المرحلة الثالثة من تاريخها. ويقول أن "11 سبتمبر(أيلول) توافق انطلاق مرحلة ثالثة تتميز باللجوء إلى الإرهاب والأسلحة البيولوجية (…) والتي ستحدد للسنوات القادمة عمل الأمم المتحدة".

وعن دورها في مكافحة الإرهاب يقول غالي إنه يتخوف كثيراً من أن لا تتمكن الأمم المتحدة من وضع آلية أمن جماعي فعالة لتنسيق وتدعيم مكافحة الإرهاب، وتكتفي بإضفاء الشرعية بعدياً على الأعمال العسكرية للولايات المتحدة أو لائتلافات تقودها.

وعن بن لادن يقول إن خطابه يعبأ الجماهير المسلمة الفقيرة والمسيطر عليها، وهذا سيستمر لسنوات كما كان الشأن مع شي غيفارا ولو في وضع تاريخي وجغرافي مغاير. وفي رأيه حتى يتمكن الغرب وأميركا من مواجهة رسالة بن لادن يتعين عليهما تحييد الانعزالية الجديدة والأصوليين الأميركيين. ويذكر بالسفيرة جان كيرباتريك، التي كانت مندوبة لأميركا في الأمم المتحدة (وقد كانت تهاجمه) ترفض الحوار مع العالم الإسلامي بحجة أن الأميركيين لا يمكنهم أن يكونوا أصدقاء للجميع.


أصبحت مجموعة 77 "طنطنة دولية"، فهي مجموعة ضعيفة ومنقسمة ومن الصعب الحفاظ على التماسك بين أعضائها

وهنا يشير إلى انحياز أميركا والغرب في الصراع العربي-الإسرائيلي.. ويرى أن الرسالة المناوئة للإرهاب يجب أن تأتي من العالم العربي-الإسلامي نفسه. إذ لا يكفي ملاحقة المتعاطفين مع الإرهابيين بل يتوجب بحث الأسباب العميقة والقضاء على ما يغذي الإرهاب. وفي الأخير يؤكد على ضرورة التسوية النهائية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني منتقداً المحاولات الغربية للفصل بينه وبين أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ويقول إن "المسألة الإسرائيلية- الفلسطينية ستستمر في تعكير وإلهاب وتدمير العلاقات بين العالم العربي- الإسلامي والعالم الغربي".

رغم أهميته يعاني هذا الكتاب- الشهادة من بعض النقائص حيث كنا ننتظر أن يكشف لنا بطرس غالي عن أشياء جديدة نجهلها خاصة وأنه قال في تمهيده إنه يتحدث بحرية بعد مرور خمس سنوات من رحيله عن المنظمة. لكن يبدو أن منصبه الحالي -وقت تأليف الكتاب- (رئاسة الفرنكفونية) حد من حرية تعبيره مما أفقد كتابه جدة كانت حرية به، ولم يطلعنا حقاً على خبايا المنظمة العالمية ولا على صراعه مع واشنطن لا سيما بعد نشره التقرير الأممي عن مجازر قانا التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في لبنان، كما لم يتطرق إلى أسباب عدم انتخابه لعهدة ثانية على رأس الأمانة العامة. ويخلو الكتاب من أي نقد ذاتي خلال تزعمه الأمم المتحدة!.

المصدر : غير معروف