جامعة الدول العربية.. مدخل إلى المستقبل

عرض/ إبراهيم غرايبة
يناقش الكتاب أزمة الجامعة العربية المستمدة من أزمة النظام العربي، ومحاولات تطوير الجامعة، والمبادرات المستقبلية والاقتراحات لإصلاح عمل الجامعة ووضعها.


undefined-اسم الكتاب: جامعة الدول العربية.. مدخل إلى المستقبل
-المؤلف: مجدي حماد
-الطبعة: الأولى 2004
-عدد الصفحات: 523
الناشر: المجلس الوطني للثقافة-الكويت

كما يحلل مؤسسات النظام العربي بالتركيز على تطور جامعة الدول العربية ومحاولات تطويرها، والبحث عن سبب الأزمة وتفسيرها، والإيجابيات والسلبيات في الجامعة، والتحولات المحيطة بعمل الجامعة في مرحلتها الحاضرة، ودور الأمين العام السادس لها عمرو موسى في المستقبل وفي الجدل بين المتطلبات القائمة والنظام القديم.

وربما يكون للكتاب أهمية خاصة في هذه المرحلة التي تجري فيها مراجعة للنظام العربي ودور الجامعة العربية، والأصداء وردود الفعل التي أعقبت تأجيل (وربما إلغاء) القمة العربية التي كان يفترض عقدها في تونس.

أزمة الجامعة النظام العربي
يحلل المؤلف أزمة الجامعة العربية في ضوء مواريث النشأة التاريخية، ومحددات الحركة السياسية، وتاريخ مسيرة الجامعة في ظل هذه المواريث وتلك المحددات.

لقد شهد الوطن العربي فترتين من فترات النهضة القومية في تاريخه الحديث، وهما النهضة القومية في مواجهة الدولة العثمانية التركية، والنهضة القومية الثانية بهدف الاستقلال والتحرر والتنمية.

ولكن الاستقلال الذي تحقق بفعل النهضة والمقاومة تحول إلى مكاسب نخبوية لم تفد منها الأمة والمجتمعات العربية كثيرا، ونشأت دول قطرية تقودها النخب بمعونة الاستعمار وقائمة على الاستبداد والتخلف.


اختلط في عمل الجامعة نزاع الإرادات والتناقضات وانعكست الخلافات السياسية على العلاقات الاقتصادية، ولم يكن ثمة إرادة سياسية كافية لتحقيق نتائج كبرى للعمل العربي المشترك

ورغم أن توحيد الوطن العربي في كيان قومي سياسي كان وما يزال مطلبا جماهيريا يرنو إليه أبناء الأمة العربية فقد فشلت الدول القطرية في تحقيق هذا المطلب القومي.

وكان لسقوط الوطن العربي في براثن الهيمنة الغربية نتائج طويلة المدى مثل تفتيت طاقة النضال الموحد وتحويله إلى نضال قطري منشغل بهمه القطري عن الهم القومي، وتحولت الأقطار العربية إلى التخصص في إنتاج المواد الأولية وتصديرها إلى أوروبا بدلا من إقامة اقتصاد قومي عربي، فترسخت التبعية الاقتصادية للغرب.

ونشأت مؤسسات وقوى اجتماعية قطرية بدأت وظيفيا بخدمة أهداف السلطة المحتلة، وارتبط نموها على مدى عقود، وعلى رغم الاستقلال السياسي عن الغرب فإن تلك المؤسسات والقوى التي نشأت على يديه كانت قد اكتسبت مواقع راسخة تمكنها من الاستمرار بقوة دفع ذاتية.

كان الموقف الغربي بعد الحرب العالمية الأولى يتلخص برفض الوحدة العربية والتنمية والديمقراطية في الوطن العربي، وكان بناء مؤسسات الحكم والإدارة والنخبة والمصالح قائما على هذه الثلاثية من الرفض.

وانعكست ظروف إنشاء الجامعة على ميثاقها وعلى الواقع المتغير الذي تحركت الجامعة في إطاره، وخضعت حركة الجامعة لعدد من المحددات القانونية والسياسية الذاتية والموضوعية، من أهمها ثنائية القومية والقطرية، والخلط بين الجامعة والأمانة العامة، ودور الأمين العام بين النص والواقع، والمفارقة بين دوافع الوحدة وإنجاز المؤسسات، ومأزق الإدارة السياسية.

لقد اختلط في عمل الجامعة نزاع الإرادات والتناقضات والاختلافات، وفلسفة الحد الأدنى، وانعكست الخلافات السياسية على العلاقات الاقتصادية، ولم يكن ثمة إرادة سياسية كافية لتحقيق نتائج كبرى للعمل العربي المشترك.

الإيجابيات والسلبيات


من سلبيات العمل العربي المشترك سيادة الاقتناع لدى الرأي العام العربي بأن التناقض بين الأقوال والأفعال يمثل حالة طبيعية، وبالتالي شيوع عدم الاكتراث بالعمل العربي المشترك، وغلبة تيار الواقعية المفرطة

حققت الجامعة على المستوى الفكري مجموعة من الإنجازات، مثل تحويل العمل العربي المشترك إلى قيمة وإجماع عربي، ولم تكن الفكرة القومية موضع تشكيك لدى الجماهير والأنظمة العربية في جدواها أو مضمونها.

وقد استمرت الجامعة العربية في عملها ومؤسسيتها منذ قيامها عام 1945 حتى اليوم باعتبارها تمثل كيانا ورمزا للعمل العربي المشترك، ويتزايد تأييد الجمهور والرأي العام العربي للوحدة العربية، وأصدرت الجامعة عددا كبيرا من وثائق العمل المشترك التي جرى إقرارها، مثل وثيقة عمان الاقتصادية، وإستراتيجية العمل الاجتماعي العربي، وبروتوكول ضوابط العمل العربي المشترك.

وعلى المستوى التنظيمي فقد أنشئت مؤسسات دائمة ومتخصصة، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للاتصالات الفضائية، وصندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادي، وصندوق النقد العربي، واتحاد البريد العربي، ومنظمة المدن العربية.

وعلى المستوى الحركي فقد أمكن المساعدة على تحقيق الاستقلال للأقطار العربية التي لم تكن مستقلة وقت إنشاء الجامعة العربية، وطرحت فكرة الضمان الجماعي العربي، وجسدت في اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي، وزيادة درجة الاعتماد المتبادل بين الأقطار العربية بعضها وبعض، مثل حركة تدفق العمالة العربية بين الأقطار العربية.

ومن سلبيات العمل العربي المشترك ظاهرة الصراع بين أنصار الحد الأدنى والحد الأقصى، وسيادة الاقتناع لدى الرأي العام العربي بأن التناقض بين الأقوال والأفعال يمثل حالة طبيعية، وبالتالي شيوع عدم الاكتراث بالعمل العربي المشترك، وغلبة تيار الواقعية المفرطة.

وكذلك الأمر في ما يتعلق بمحاولة دول المقر السيطرة على الأمانة العامة للجامعة وتوجيهها لخدمة توجهاتها ومصالحها، وعدم تبلور مفهوم الموظف القومي، وتدخل مندوبي الدول الأعضاء في عمل الأمانة العامة للجامعة ومؤسسات العمل العربي المشترك، والاتجاه لإنشاء محاور أو تكتلات منظمة منافسة أو بديلة للجامعة، ولم تنفذ 80% من قرارات الجامعة التي اتخذت بالإجماع، وفشلت الجامعة في مواجهة مأزق كامب ديفد.


الجامعة تمثل النظام العربي شكلا وموضوعا، ودورها ينبغي ألا ينحصر في تنسيق العلاقات العربية، وإنما دفع هذه العلاقات إلى أعلى مراحل العمل المشترك، التي تؤدي إلى وحدة عربية

مستقبل الجامعة
تتعرض الجامعة لكثير من الانتقاد من حيث أداؤها وآلياتها، ودرجة الالتزام بما تصدره من قرارات، وتشير الظواهر العربية الشائعة في المنطقة العربية إلى سلبيات إضافية، مثل التمزق والاختلافات المتصاعدة وانعدام المصداقية وعدم القدرة على الاتفاق.

ولكن هذه المعطيات تزيد من أهمية ووجوب تطوير عمل الجامعة لتواجه هذه المشكلات وغيرها وتقوم بواجبها باعتبارها مظلة توحد العرب "بيت العرب"، فهذه السلبيات تعالج بالعمل العربي المشترك، حتى على المستوى القطري فإن العمل العربي المشترك هو السبيل الأفضل لتحقيق الأمن والرخاء والتنمية.

ولكن ضرورة المحافظة على الجامعة ترتبط بتطويرها، من ناحية الآليات والأدوات والأداء، ومن ناحية بناء منظومة حقيقية وشاملة لمؤسسات العمل العربي المشترك كافة، وهو توجه قائم على الإجابة عن الهدف من الجامعة، هل تعبر عن نظام عربي قوي وفعال؟ وتمهد الطريق للوحدة العربية على النحو الذي يتطلع إليه الرأي العام العربي؟ أم أن الجامعة مؤسسة لتنسيق العمل المشترك والتعاون بين الدول العربية ضمن الظروف القائمة فحسب؟

الجامعة تمثل النظام العربي شكلا وموضوعا، ودورها ينبغي ألا ينحصر في تنسيق العلاقات العربية، وإنما دفع هذه العلاقات إلى أعلى مراحل العمل المشترك، التي تؤدي إلى وحدة عربية، فوطن عربي من دون الجامعة يعني تلقائيا عالما عربيا بكل ما تعنيه كلمة "عالم".

ولا يعني ذلك بطبيعة الحال المبالغة في وزن الجامعة ودورها، ولكنه يعني أن الجامعة برمزيتها تدل على إمكانية الوحدة والعمل المشترك وقدرتهم على الالتقاء والحوار.

يتبين من استعراض الفقه العربي بشأن تطوير الجامعة العربية سواء حول منهج التطوير أم بيان آليات ووسائل تحقيقه أن ثمة اتفاقا على مجموعة من المبادئ العامة، كما تشير هذه المبادئ إلى دلالات مهمة في ما يتصل بإمكانية تطوير الجامعة واحتمالات تحقيق هذا التطوير.

فالاتجاهات الفكرية العربية تجمع على الروابط المشتركة بين الأقطار العربية وضرورة تحويلها إلى تنظيم قومي عربي على درجة عالية من الكفاءة والفعالية رغم الصعوبات المتفق عليها أمام تحقيق مثل هذه الفكرة.

وتجمع الاتجاهات الفكرية على ضرورة وأهمية "الإرادة السياسية" لتحديد طبيعة النظام العربي، وأهمية الجامعة العربية في تحقيق الوحدة والتعاون بين الأقطار العربية، وأنه لا بديل للجامعة لتحقيق الأهداف العربية المشتركة.

وتبدو الدول العربية أضعف من أن تجازف وتقرر دخول عرين السياسة الدولية منفردة، كما أنها مهددة في هويتها وتماسكها الاجتماعي وفي كيانها، وهي لأجل ذلك ستظل بحاجة إلى الجامعة العربية للحفاظ على هويتها وكيانها، ولتحمي نفسها من الذوبان أو الانفجار من الداخل.

ويطرح المؤلف سؤالا في سياق التفكير في "مستقبل الجامعة" هل الوحدة العربية ممكنة وكيف تحقق؟

ويراها ممكنة لأنها ضرورية، وهي ضرورية لأنها ممكنة، فالضرورة تخلق أسباب تحققها، وهي أيضا ليست حتمية تاريخية، أو حكما أصدره التاريخ على العرب، ولكنها لا تتحقق إلا إذا أراد العرب تحقيقها، فدون إرادة ووعي للوحدة لن تتحقق.

وربما يكون تولي عمرو موسى لأمانة الجامعة العربية ارتبط كثيرا بدور الأمين العام للجامعة والأمانة العامة ومستقبل الجامعة وتصاعد الدعوات لتحديث الجامعة وتطوير هياكلها.

ولكن الأمين العام للجامعة مهما كان دوره السياسي والقومي وإمكاناته الشخصية فإنه يواجه نظاما قديما لا يوحي بالثقة، ويبدو عصيا على التغيير والتطوير.

وقد كشفت التجربة التاريخية للجامعة أن الأمين العام يقوم بدور مهم في تحديد مسار العمل العربي المشترك، وفي تسوية النزاعات العربية، وهو دور اكتسبه بالممارسة وليس بنص الميثاق، ورغم أن دور الأمين العام في الميثاق لا يختلف عن دوره في المنظمات الدولية والإقليمية، ولكن الطبيعة الخاصة للعمل العربي، وبسبب أسلوب تعيين الأمين العام لجامعة الدول العربية وعلاقاته بحكومات الدول الأعضاء ودولة المقر فإنه يكتسب دورا خاصا.

ولا يمكن التفكير في مستقبل الجامعة دون التفكير في الدول الأعضاء نفسها ودورها في الجامعة، فالجامعة مهما تطورت في آلياتها وأنظمتها الداخلية ودور الأمانة العامة فإنها لن تحقق شيئا إلا إذا قامت الدول الأعضاء بواجباتها، فتدخل تعديلات مهمة على نظمها الداخلية وأساليب عملها وسلوكياتها المرتبطة بنواحي العمل العربي المشترك.


لا يمكن التفكير في مستقبل الجامعة دون التفكير في الدول الأعضاء نفسها ودورها في الجامعة

ويمكن للجامعة أن تحقق قدرا كبيرا من التقدم والتحول من المتاح إلى الممكن إذا طورت في ميثاقها وأساليب عملها، مثل التحول من الإجماع إلى الأغلبية وإنشاء قواعد ووسائل جديدة لتسوية النزاعات.

وقد أمكن في هذا المجال تحقيق أمرين مهمين، وهما إنشاء آلية لتسوية النزاعات وإدارتها والوقاية منها، وإدخال مؤسسة القمة في النظام الهيكلي والمؤسسي للجامعة بما يجعل اجتماعاتها دورية، وتكليف الأمين العام بإصلاح حال الأمانة العامة.

ويجب أن تتجه مهمات الجامعة والأمين العام إلى مجالات وأولويات وتحديات جديدة، مثل العمل الفكري والتواصل مع قادة الرأي والعلم والبحث في الوطن العربي، لبناء قاعدة معرفية وفلسفية للعمل، والإفادة من الجامعات والمفكرين والعلماء في مواجهة القضايا المعقدة والمتداخلة، والوصول إلى الرأي العام العربي والتفاعل معه، وبناء مؤسسات إعلامية حديثة للتواصل وبناء أهداف ثقافية وسياسية عربية.

كما يجب أن تتجه إلى التنسيق بين الجهود العربية غير الرسمية ودعمها وتطويرها، والقدرة على التحرك والمبادرة لمواجهة القضايا الثنائية وغيرها من القضايا التي تتصل بالأمن الوطني والقومي، وتقديم الخبرات والاستشارات للدول والمنظمات والمؤسسات العربية والدولية، وتطوير المداخل السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية للعمل المشترك وربط الأقطار العربية بعضها ببعض.

وكذلك إلى تطوير المجتمع المدني العربي ليقوم بدور شعبي ومجتمعي مواز للعمل الرسمي في التعاون والتنسيق والوحدة العربية، ونزع السرية عن قرارات الجامعة، واعتماد العلانية والنشر لتحقيق تواصل ورقابة بين الحكومات والمنظمات العربية والرأي العام ووسائل الإعلام.

المصدر : غير معروف