تغطية الإسلام: الإسلام والمسلمون في الإعلام البريطاني

كامبردج بوك ريفيوز
يتناول هذا الكتاب تحليل صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام البريطاني المكتوب, أي الصحافة. ويمتاز بعمق وشمولية مهمة جذرها يأتي من كونه أكاديمي الطابع وبحثيا ميداني المنهج. والمؤلفة اشتغلت بجهد واضح على مدار عدة سنين ورصدت كل ما يصدر عن القضايا الإسلامية والمعالجات ذات الصلة في اثنتين من أهم الصحف البريطانية الرصينة, هما التايمز والغارديان. ثم أضافت في المقدمة فصلا إضافيا تحليلا حول تغطية الصحف البريطانية لموضوعات الإسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.


undefined-اسم الكتاب: تغطية الإسلام: الإسلام والمسلمون في الإعلام البريطاني
–المؤلف: إليزابيث بوول
-عدد الصفحات:204
-الطبعة:
الأولى 2002
الناشر: آي بي تورس، لندن

الكتاب مؤلف من أربعة أجزاء, الجزء الأول بعنوان "تمثيل الإسلام" ويتناول معالجة نظرية للخلفيات والخطابات التي تستند عليها النظرات الإعلامية للمسلمين. والجزء الثاني بعنوان "موضعة الإسلام", وفيه تقوم المؤلفة بإيراد نتائج دراستها وبحثها من زويا إحصائية وكمية. والجزء الثالث بعنوان "الإسلام البريطاني" خصصته المؤلفة لنقاش العناصر المحلية التي تضفي خصوصية على مسلمي بريطانيا وكيف ينقلها الإعلام. أما الجزء الرابع من الكتاب فقد جاء تحت عنوان "تفسير الإسلام" وتناولت فيه إليزابيث بوول التفسيرات والتأويلات المختلفة والمتناقضة أحيانا للقضايا والمفاهيم الإسلامية في الإعلام البريطاني.


يشكل مسلمو شبه القارة الهندية نصيب الأسد من حجم الجالية الإجمالي, ويقدر البعض عدد العرب فيها من ربع مليون إلى 400 ألف. الوضع السياسي والاجتماعي للجالية, من ناحية النفوذ والتأثير ضعيف ولا يتناسب مع حجمها, خاصة إذا ما قورنت بتأثير الجالية اليهودية التي يبلغ عددها ربع مليون نسمة فقط, لكن تأثيرها يطال كل المجالات

مسلمو بريطانيا
ترسم المؤلفة في فصل المقدمة صورة إجمالية عن الجالية المسلمة في بريطانيا, وفيها نعلم أن الأفواج الأولى من المسلمين وصلت إلى الجزيرة قبل 300 سنة تقريبا, وأنها كانت مكونة من يمنيين, وآسيوين, ومسلمين من دول الكاريبي, أي من مسلمي دول المستعمرات البريطانية. وتشير التقديرات إلى أن عدد المسلمين في بريطانيا يتراوح بين مليون ونصف ومليونين ونصف, وهي تقديرات متفاوتة بحدة بسبب عدم وجود خانة "الدين" في الإحصاءات الرسمية التي تجريها الحكومة.

يشكل مسلمو شبه القارة الهندية نصيب الأسد من حجم الجالية الإجمالي, ويقدر البعض عدد العرب فيها من ربع مليون إلى 400 ألف. الوضع السياسي والاجتماعي للجالية, من ناحية النفوذ والتأثير, ضعيف ولا يتناسب مع حجمها, خاصة إذا ما قورنت بتأثير الجالية اليهودية التي يبلغ عددها ربع مليون نسمة فقط, لكن تأثيرها يطال كل المجالات, من السياسة, إلى الحكومة, إلى البرلمان, إلى الإعلام والاقتصاد.

وبشكل عام تنتمي الجالية المسلمة إلى الطبقة الوسطى, وما دونها، لكن هناك شرائح تعمل في الاقتصاد والاستثمار وناجحة على أكثر من صعيد, كما أن هناك العديد من الخبراء والأطباء وذوي المؤهلات العالية. أهم الأزمات التي تواجهها الجالية المسلمة تتعلق بتحقيق المساواة, وحل إشكالية الهوية والانتماء, فضلا عن رفع مستويات معيشة معظم أفرادها.

تمثيل الإسلام
ترى بوول أن الخطاب الاستشراقي ما زال حاضرا بقوة في اللغة الإعلامية البريطانية عندما تتعرض للإسلام والمسلمين وقضاياهم. ومعنى ذلك أن مجموعة واسعة من المواقف المسبقة تجاه المسلمين وثقافتهم هي التي تؤسس للعقلية الجماعية للجمهور البريطاني حين يكون الإسلام أو أتباعه هم موضع الحديث أو البحث. ويكرس الخطاب الاستشراقي أفهاما عمومية عن سكان العالم الإسلامي, سواء من ناحية حياتهم الاجتماعية (القمع الأبوي والسلطوي!), أو طبيعة العلاقات بين الرجل والمرأة (تحكم الرجل بالمرأة وتعدد الزوجات!), أو طبيعة الحكم السياسي (الاستبداد الشرقي!), أو عدم تواؤم الإسلام والمسلمين مع المفاهيم السياسية والثقافية الحديثة (كالديمقراطية وحقوق الإنسان!).

لكن تشير المؤلفة إلى أن ثمة تغيرا بدأ يطرأ على التغطية الإعلامية للإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة نتيجة جهود رسمية من جهة, وغير رسمية من جهة هدفها تعديل فهم البريطانيين للإسلام والمسلمين, لكن جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لتقطع الطريق على أي تقدم ولو طفيفا على هذه الجبهة.

لكن الشيء الآخر المهم الذي تركز عليه بوول هو تطور النظرة إلى "الآخر الإسلامي" في الإعلام البريطاني وفقا لمجريات الأحداث, وخاصة السياسية. فالمخيلة الجماعية تتأثر بكبريات التحولات أو الأحداث وينعكس ذلك التأثير على تكريس أو زعزعة الصور المسبقة. وفي حالة الإسلام والمسلمين, وفضلا عن الإرث التاريخي السالب لناحية العلاقة الصراعية القديمة بين الإسلام والمسيحية والدول الممثلة لكل من الديانتين, فإن العقود الأخيرة حملت انعطافات دعمت الصور العدائية المتبادلة.


ثمة تغير بدأ يطرأ على التغطية الإعلامية للإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة نتيجة جهود رسمية من جهة, وغير رسمية من جهة هدفها تعديل فهم البريطانيين للإسلام والمسلمين, لكن جاءت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول لتقطع الطريق على أي تقدم ولو طفيفا على هذه الجبهة

وتشير بوول على سبيل المثال إلى أحداث مثل أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي والحظر الذي فرضه العرب على الغرب, وكيف صار العربي والمسلم يصور على أنه مجرد برميل نفط, أو متهالك على الثروة والنساء. ثم جاءت أزمة رهائن السفارة الأميركية في طهران عشية قيام الدولة الإسلامية في إيران, وتبعتها عمليات عنف وإرهاب منسوبة إلى جماعات إسلامية, ثم قضية سلمان رشدي, وسوى ذلك مما كان للمسلمين البريطانيين علاقة مباشرة به, أو تأثر كبير من تداعياته. لهذا فإن تطور الخطاب الإعلامي وتمثيل المسلمين فيه ارتبط على الدوام بالإطار التاريخي المحدد وكان انعكاسا للسياسة بشكل عام.

لكن ما يلاحظ هنا هو غياب أي تحليل موسع عن علاقة وتأثر مسلمي بريطانيا بالقضايا الإسلامية العالمية وانعكاس ذلك على اندماجهم وانخراطهم في المجتمع البريطاني, ومن ثم علاقته بصورتهم في الإعلام. فقضية كشمير مثلا تعتبر قضية مركزية بالنسبة لمسلمي شبه القارة الهندية, وهي تحرك عواطفهم وتجعلهم يتطلعون إلى خارج الحدود البريطانية في همومهم وانشغالاتهم, وهو الأمر الذي يلتقطه الإعلام البريطاني وتستخدمه بعض الأقلام لتطعن في ولاء وانتماء هذه الجالية إلى بريطانيا. وينطبق الأمر نفسه على قضية فلسطين وانشغال الجالية العربية بها وبما يرتبط بها, وهو انشغال يمتد أيضا إلى الجالية المسلمة بشكل عام.

الإسلاموفوبيا
يتعرض الكتاب في أكثر من موضع لمسألة الإسلاموفوبيا (أي الخوف من الإسلام) والإعلام, وكيف يتم تضخيمها والنفخ فيها. فالمشكلة هنا تكمن في أن الإعلام يبحث عن الإثارة ويتابعها, ويبحث في أدق تفاصيل القصص المتعلقة بها. ويؤدي هذا عادة وفي خضم التنافس على الحصول على الخبر المثير إلى انحدار في المعايير المهنية ومستوى التحري والتدقيق مما يضخم من الأخبار الهامشية, ويعطي أهمية فائقة لأفراد وجهات غير ممثلة للتيار الأعرض من المسلمين. لكن النتيجة هي أن أصوات أولئك الأفراد, نظرا لتطرفها وأحيانا غرائبيتها, تنتشر انتشارا كاسحا, وتكاد توحي بأنها التي تمثل الصوت الأكثر سماعا في أوساط المسلمين. لهذا فإن الإعلام والأصوات المتطرفة في أوساط الجالية المسلمة يتقاسمان المسؤولية في إثارة الخوف من الإسلام وتشويه صورته العامة.

المسلمون وتعديل الصورة
يتعرض الكتاب ولو بصورة خفيفة لما يجب أن يكون عليه دور المسلمين في بريطانيا, والدول الغربية عموما, لتعديل الصورة السالبة عنهم وعن الإسلام. وتنقل المؤلفة صورا وتعليقات محبطة ومخيفة عن التغطيات الإعلامية لرموز وأفراد مسلمين ينتمون إلى شرائح متطرفة ومتعصبة ويعيشون في بريطانيا, مثل "أبو حمزة المصري", و"عمر بكري", وأمثالهما, وكيف يعمل هؤلاء على تكريس الوعي السالب بصورة المسلمين في الغرب وبريطانيا, في ما تمارس الأغلبية الكاسحة من المسلمين, الذين يتصفون إما بالاعتدال أو حتى بعدم التدين, الصمت ولا تفعل شيئا من أجل تفكيك الصور التي يتم تعميمها عن المسلمين.

وتشير المؤلفة إلى أن عددا من القضايا التي انشغلت بها الجالية المسلمة في بريطانيا وقدمت نفسها بها إلى الرأي العام البريطاني كانت قضايا شوهت الصورة. وأهمها كانت قضية سلمان رشدي وروايته آيات شيطانية التي أخرجت الجالية المسلمة إلى الشارع في الثمانينيات تطالب بقتل رشدي بسبب رواية, الأمر الذي لا يمكن استيعابه في مجتمع غربي غير متدين أصلا. تذكر بوول أيضا قضية النائب العمالي المسلم عن أسكتلندا محمد سروار الذي اتهم برشوة منافس له للانسحاب، وذلك كي يضمن الفوز في انتخابات 1997. وتقول إن الإعلام البريطاني تعامل مع تلك القضية بتضخيم بسبب ديانة وهوية النائب, وفي العموم فقد انعكست تلك القضية بالسوء على المسلمين, إذ عوض أن يكون فوز نائب مسلم مدعاة للابتهاج فقد شعرت الغالبية بعكس ذلك.


بشكل إجمالي يخلص قارئ هذا الكتاب إلى أن التغطية الإعلامية البريطانية لقضايا الإسلام والمسلمين هي تغطية سالبة, وتعزز من الصور النمطية السائدة وقليلا ما تتحداها, وذلك لسهولة الاستناد إلى ما هو متوفر أصلا عند الجمهور العام

الخلاصة
بشكل إجمالي يخلص قارئ هذا الكتاب إلى أن التغطية الإعلامية البريطانية لقضايا الإسلام والمسلمين هي تغطية سالبة, وتعزز من الصور النمطية السائدة وقليلا ما تتحداها, وذلك لسهولة الإستناد إلى ما هو متوفر أصلا عند الجمهور العام. يضاف إلى ذلك أن الاحداث السياسية المتلاحقة في العالم الإسلامي, والتي تتبادل التأثير مع العالم الغربي تترك آثارا بالغة السلبية في أوساط المجتمع البريطاني. ورغم أن أصواتا عديدة تمثل المسلمين في بريطانيا, أو متعاطفة معهم ومع قضاياهم, صارت تبرز أكثر وأكثر في السنوات الأخيرة, إلا أن التيار العام لا زال متشككا من المسلمين ولا يرتاح لهم.

والمشكلة الحقيقية التي ينقلها لنا هذا الكتاب تكمن في أن السلبيات والصور النمطية المحبطة التي يناقشها موجود في الإعلام المكتوب وفي صحيفتين راقيتين ورصينتين, واحدة محافظة, "التايمز", والثانية ليبرالية "الغارديان", قراؤهما من النخبة المثقفة والمسيسة في البلد. وعلينا أن نتوقع سوء الخلاصات والنتائج لو أن هذا البحث أجري على الصحف الشعبية, مثل "الصن" و"الديلي ميرور" و"نيوز أوف ذا ورلد" وغيرها, التي توزع عشرات أضعاف ما توزعه الصحف الرصينة. بل ربما كان الأسوأ من ذلك ما قد يتم الوصول إليه لو أن بحثا أجري على أثر التغطية التلفزيونية لقضايا الإسلام والمسلمين على الرأي العام, بسبب اتساع تلك التغطية ووصولها إلى عشرات الملايين من الناس.

المصدر : غير معروف