تيمور.. أمة ولدت من جديد

عرض/ علي صبري
يسجل الصحفي الأسترالي بيل نيكول في كتابه "تيمور.. أمة ولدت من جديد" تجربته ومشاهداته وحواراته التي عايشها في تيمور الشرقية ورجالاتها وشؤونها، وما كتبه الإعلام عنها على مدى 25 عاما. وقد بدأت رحلة اهتمامه بهذا البلد عام 1974 عندما نزل بها لمدة أسبوع في طريقه إلى لندن، إلا أنه فقد جواز سفره ونقوده فاضطر للبقاء أسابيع حتى تمكن من السفر. وفي فترة مكوثه في تيمور الشرقية تعرف على هذا البلد وقضيته وحركاته التحررية. والكتاب في معظم أبوابه الخمسة وفصوله الأحد عشر أقرب إلى تسجيل مذكرات منه إلى التأريخ السياسي للإقليم وقضيته.

undefined

– اسم الكتاب: تيمور.. أمة ولدت من جديد
– المؤلف: بيل نيكول
– عدد الصفحات: 340
– الطبعة: الأولى مايو 2002
الناشر: إكوينوكس للنشر

معلومات أساسية
معظم سكان تيمور الشرقية الأصليين من البولونيين، وهم أول من سكن جزيرة تيمور منذ 3000 سنة قبل الميلاد، ويشاركهم في الحياة بهذه الجزيرة عرقيات أخرى مثل بوناك وإيماك والماري وعرقيات أخرى عديدة وصغيرة. ولكل من هذه العرقيات لغته وثقافته الخاصة، وتصل اللغات المحكية في الجزيرة إلى 15 لغة و37 لهجة محلية في الجزء الشرقي من تيمور. وهناك اختلافات ثقافية كبيرة بين سكان الجزأين الغربي والشرقي من تيمور بسبب الانفصال الطويل بينهما بين احتلال برتغالي للشرقي وهولندي للغربي. وكان إلى وقت قريب يحتفظ زعيم القبيلة بنفوذ قوي بين سكان المنطقة، بخلاف ما هو عليه الحال في تيمور الغربية.

الاستعمار البرتغالي
بدأت رحلة تيمور مع الاحتلال الأجنبي في مطلع القرن السادس عشر عندما فرض البرتغاليون سيطرتهم على المحيط الهندي ونشطوا في تجارة الرقيق والذهب والبهارات، حتى كسرت هولندا الاحتكار البرتغالي لثروات المنطقة في القرن السابع عشر. واستمر الصراع بين القوتين في المنطقة خصوصا على خشب الصندل الذي تمتاز به تيمور الشرقية، إلى أن خرجت هولندا من المنافسة في منتصف القرن الثامن عشر وتم الاتفاق على تقسيم جزيرة تيمور بين القوتين، الغربية لهولندا والشرقية للبرتغال. إلا أن السيطرة الهولندية على تيمور انتهت مع الحرب العالمية الثانية، وإعلان الولايات المتحدة الإندونيسية عام 1949.


في أوائل الستينيات لم يكن بين سكان تيمور الشرقية (650 ألفا) سوى 10 آلاف شخص يمكنهم القراءة والكتابة، وكان بها مدرسة ثانوية واحدة بها 200 طالب. وحتى عام 1974 لم يكن في الإقليم سوى 2000 مدرس بينهم 18 حصلوا على دورات تدريبية في التدريس. كما لم يكن في تيمور أي مؤسسة تعليمية جامعية

وبقي الجزء الشرقي من تيمور تحت الهيمنة البرتغالية بسبب بقاء البرتغال محايدة في الحرب العالمية، باستثناء فترة ليست طويلة احتل فيها اليابانيون تيمور الشرقية كجزء من الأرخبيل الإندونيسي الذي أحكموا سيطرتهم عليه، إلى أن استعادت البرتغال الإقليم بعد انتهاء الحرب ومارست الدكتاتورية في حكمه.

وفي عام 1963 منحت البرتغال تيمور الشرقية حكما محليا محدودا كواحد من "الأقاليم الخارجية" وهو الاسم الذي أطلق على المستعمرات البرتغالية في ذلك الحين، وبدأ الاحتلال البرتغالي عملية تنمية للإقليم الذي كان يعاني من حالة تخلف في كل المناحي.

ففي أوائل الستينيات لم يكن بين سكان تيمور الشرقية (650 ألفا) سوى 10 آلاف شخص يمكنهم القراءة والكتابة، وكان بها مدرسة ثانوية واحدة بها 200 طالب، وحتى عام 1974 لم يكن في الإقليم سوى 2000 مدرّس بينهم 18 حصلوا على دورات تدريبية في التدريس. كما لم تكن فيه أي مؤسسة تعليمية جامعية، فكان على خريجي المدارس تلقي تعليمهم العالي في البرتغال بمنحة حكومية. ومع ذلك وحتى عام 1974 لم يتعد الحاصلون على شهادات جامعية أصابع اليدين، وقليل منهم من عاد إلى تيمور بعد تخرجه.

وعلى الصعيد الصحي بني أول مستشفى في الإقليم عام 1974 وكان به طبيب جراح واحد وطبيب أسنان واحد، يساعدهما حوالي عشرة أطباء برتغاليين غير متخصصين قدموا إلى الإقليم للخدمة في الجيش البرتغالي.

وعلى الصعيد الاقتصادي كان وضع الإقليم بائسا، ففي عام 1974 بلغت قيمة الاستيراد 15.8 مليون دولار في حين لم يتجاوز التصدير 6.3 ملايين دولار، وكان قطاع السياحة حكرا على الصينيين والبرتغاليين، ولنتخيل كيف كان عليه حال الإقليم قبل سنوات أو عقود من ذلك التاريخ.

الحركات السياسية في تيمور
عرفت تيمور الشرقية ثلاث حركات تحرر أو أحزاب سياسية فاعلة تأسست جميعها بعد ثورة الورود في البرتغال يوم 25 أبريل/ نيسان 1974، بعد شعور هذه الحركات بضعف سيطرة الاحتلال على مستعمراته في الخارج، وتوجهه لإنهاء احتلاله لها، خصوصا مثل تيمور الشرقية التي تبعد 16 ألف كيلومتر عن البرتغال. وهذه الحركات هي:

  1. أبو دي تي (الجمعية الديمقراطية الشعبية التيمورية) تأسست في 27 مايو/ أيار 1974، وعرفت هذه الحركة بتأييدها للانضمام إلى إندونيسيا عقب انتهاء الاحتلال البرتغالي، بسبب الضعف الاقتصادي والسياسي للإقليم ولتماثل العرق والثقافة بين سكان تيمور الشرقية والغربية، ولوقوع تيمور الشرقية ضمن الإطار الجغرافي لإندونيسيا.
  2. يو دي تي (الاتحاد التيموري الديمقراطي) تشكلت في 11 مايو/ أيار 1974، وكانت كثيرا ما تغير موقفها السياسي تبعا لتغير قادتها، فقد أيدت البقاء تحت الاحتلال البرتغالي على أن تتمتع بحكم ذاتي، ثم طالبت بالاستقلال بعد 15-30 عاما، ثم خفضت المدة إلى 10 سنوات ثم إلى خمسة، وأخيرا إلى ثلاث سنوات ثم عادت وأيدت الانضمام إلى إندونيسيا.
  3. فريتلين (الجبهة الثورية لتيمور الشرقية) وهي امتداد لحركة "آي أس دي تي" (الجمعية الديمقراطية الاجتماعية التيمورية) التي تأسست في 20 مايو/ أيار 1974، وقادت فريتلين حركة المطالبة بالاستقلال عن أي قوة أجنبية، وهي أكثر الحركات استقطابا للاهتمام فقد جمعت اليمين مع أقصى اليسار تحت لافتة واحدة هي النضال من أجل الاستقلال.

صراع داخلي
ومن المحطات الهامة التي يسجلها الكتاب في التاريخ السياسي لهذه الحركات هو التحالف الذي جمع فريتلين مع يو دي تي يوم 21 يناير/ كانون الثاني 1975، وكان من أهم بنود التحالف تشكيل حكومة انتقالية تجمع الحركتين مع الحكومة البرتغالية لثماني سنوات كحد أقصى تحصل بعدها تيمور على الاستقلال. لكن الخلافات دبت بين الحركتين فانفصلتا في وقت لاحق.

ويركز الكاتب على حركة فريتلين في تتبع الأحداث السياسية في تيمور الشرقية، ويتناول في فصول تالية البعد الفكري للحركة وحقيقة تأثير العناصر الشيوعية النشطة فيها على مسار الحركة وتوجهاتها العامة، فيؤكد أن هذه العناصر لم تصل إلى مراكز قيادية مؤثرة في الحركة ولكنها لعبت دورا هاما وازداد تأثيرها عقب ثورة الورود التي انتعشت بعدها الأحزاب الشيوعية البرتغالية، وانعكس ذلك على حركة فريتلين التي اصطبغت بالصبغة الشيوعية الحمراء وإن لم تكن في حقيقتها كذلك، كما يعتقد الكاتب.

وأفرد المؤلف فصلا كاملا للحديث عن المؤسس والزعيم الأبرز في فريتلين، جوز راموس هورتا الذي يشغل حاليا منصب وزير الخارجية في حكومة تيمور الشرقية.

انسحاب واحتلال
يذكر الكاتب بتفاصيل دقيقة النقاشات والإجراءات التي اتخذتها البرتغال لإنهاء احتلالها لتيمور الشرقية الذي دام 450 عاما وتسليمها لإدارة جديدة، إلا أن اختلاف الحركات التيمورية -تحالف فريتلين ويو دي تي وأبو دي تي- حال دون تسليم السيادة على تيمور لحكومة وطنية من الحركات الثلاث، وزاد من سوء الأوضاع التنازع داخل حركة فريتلين بين تياريها الرئيسيين، وإنهاء التحالف بينها وبين يو دي تي ووقوع حرب أهلية بينهما، مما عزز شعبية أبو دي تي التي دعت للانضمام إلى إندونيسيا، وهو ما أفاد جاكرتا في التحرك -بعد تردد وترقب طويلين- للدخول بقواتها إلى تيمور الشرقية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 1975.


شكلت جاكرتا أول حكومة في تيمور الشرقية في 18 ديسمبر 1975، وعينت زعيم حركة أبو دي تي محافظا للإقليم، وزعيم حركة يو دي تي نائبا له بعد أن أيدت الحركة الاجتياح الإندونيسي لتيمور، وانسحبت مليشيات فريتلين إلى الجبال لتبدأ حرب عصابات ضد القوات الإندونيسية والمليشيات التيمورية الموالية لها

ويتناول بيل نيكول في الفصول التي تتحدث عن عملية الاجتياح هذه، بالتفصيل التحركات الدبلوماسية الإقليمية خاصة من قبل أستراليا، وتناول وسائل الإعلام لمرحلة ما قبل الاجتياح وما بعده. ويحاول في الشهادات التي سجلها أن ينفي -ولو بطريقة غير مباشرة- ما تؤكده مصادر أسترالية وأميركية من أن كانبيرا وواشنطن كانتا من أكبر المحرضين -وليس الموافقين فقط- لسوهارتو على اجتياح تيمور الشرقية بسبب التخوف من توجهات فريتلين الاشتراكية، والخوف من تحول تيمور الشرقية إلى كوبا ثانية في خاصرة إندونيسيا الحليف القوي لأميركا في ذلك الحين.

شكلت جاكرتا أول حكومة في تيمور الشرقية يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول 1975، وعينت زعيم حركة أبو دي تي محافظا للإقليم، وزعيم حركة يو دي تي نائبا له بعد أن أيدت الحركة الاجتياح الإندونيسي لتيمور، وانسحبت مليشيات فريتلين إلى الجبال لتبدأ حرب عصابات ضد القوات الإندونيسية والمليشيات التيمورية الموالية لها.

مناصرة دولية
يعيد الكاتب الفضل إلى هورتا الذي عاش في المنفى بعد الاجتياح الإندونيسي، في النجاح في حشد التأييد الدولي لقضيته وإجبار الولايات المتحدة وأستراليا على ممارسة ضغوط حقيقية على سوهارتو. ولكنه مع ذلك يشير سريعا إلى عوامل أساسية حركت هذه الدول لإنهاء الاحتلال الإندونيسي وفي مقدمتها انهيار الاتحاد السوفياتي والخطر الأحمر، وانتفاء أي خطر قد تشكله تيمور الشرقية على مصالح هذه الدول الإستراتيجية، ثم انهيار الاقتصاد الإندونيسي عام 1997 وما أعقبه من سقوط نظام سوهارتو وتوجهات خليفته بحر الدين حبيبي الإصلاحية الذي منح شعب تيمور الشرقية حق الاستفتاء على تقرير المصير في 4 سبتمبر/ أيلول 1999، وصوت الشعب بنسبة 78.5% لصالح الاستقلال، الأمر الذي استفز الجيش الإندونيسي والمليشيات الموالية له فارتكبوا مجازر وحرقوا مناطق واسعة من العاصمة ديلي. وتشكلت بعد هذه الأحداث قوة دولية من 22 دولة بما مجموعه 11 ألف جندي، لحماية وإدارة شؤون تيمور الشرقية إلى أن نالت استقلالها الفعلي في 20 مايو/ أيار 2002.

تتمتع فريتلين اليوم بسيطرة مطلقة على الحياة السياسية في تيمور الشرقية بعد فوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 30 أغسطس/ آب 2001، بـ 55 مقعدا من أصل 88، مما مكنها من صياغة دستور جديد للبلاد دون مساعدة أحزاب ثانية. وتعيش تيمور الشرقية اليوم مرحلتها التاريخية الرابعة حسب وصف الكاتب، بعد مراحلها الثلاث وهي: القبائلية التقليدية، ثم الاستعمار البرتغالي، ثم الاحتلال الإندونيسي، واليوم مرحلة التعددية الديمقراطية. ورغم قلة عدد الشعب التيموري (800 ألف حاليا) فإن مهمة الحكومة الجديدة تبقى صعبة لأنها تسعى لإنشاء دولة من لاشيء.

ومع ما يقدمه الكتاب في مجمله من تغطية إعلامية واسعة لتيمور الشرقية، فإنه لم يتناول بالتفصيل الكافي موضوعات مهمة لفهم شؤون هذا البلد من مختلف أبعادها، ومنها دور القبائل وزعمائها في مسيرة تيمور الشرقية، والأبعاد الثقافية والحضارية له. كما أن الأحداث الهامة التي تعرض لها مثل اجتياح إندونيسيا لتيمور والموقف الدولي منه، وإدارة جاكرتا للإقليم على مدى 23 عاما، والانسحاب الإندونيسي وتسليم الإقليم للأمم المتحدة إلى إعلانه دولة مستقلة.. هذه الأحداث المهمة تناولها الكتاب على عجل في حين أسهب في توثيق أحداث ثانوية، وربما يعود ذلك إلى أن الكتاب يعتمد أساسا على مشاهدات وتوثيقات مؤلفه للأحداث وحسب المصادر التي توفرت لديه.

المصدر : غير معروف