بن لادن بلا قناع

عرض/ إبراهيم غرايبة
يقوم الكتاب أساسا على مقابلتين مع أسامة بن لادن قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ولم يسبق نشرهما، ودراستين أخريين للمؤلف، وهو أحمد زيدان مدير مكتب قناة الجزيرة في إسلام آباد ومراسل صحيفة الحياة اللندنية. ويعرض المؤلف في تعليقه على المقابلتين تعريفا بحركة طالبان وعرضا لأحداث الغزو الأميركي لأفغانستان ومصير القاعدة وطالبان.


undefined-اسم الكتاب: بن لادن بلا قناع
–المؤلف: أحمد زيدان، مدير مكتب قناة الجزيرة في إسلام أباد
-عدد الصفحات: 215
-الطبعة:
الأولى 2003
الناشر: الشركة العالمية للكتاب، بيروت

صراع الدب والنملة
استطاع أسامة بن لادن ربما بغير تخطيط مقصود أن يدير صراعا مع الولايات المتحدة شغل العالم كله، فقد كان بن لادن قبل عام 1996 يقيم في السودان، وربما لو ترك وشأنه لتحول إلى مستثمر، وقد يرد البعض أنه ربما لو بقي لجعل من السودان مثلما حدث في أفغانستان قاعدة للحرب على أميركا.

لقد نجح بن لادن بعد إبعاده من السودان أن يحول حركة دينية تقليدية هي طالبان إلى جماعة جهادية سلفية، وأن يقيم في دولة هشة ضعيفة مثل أفغانستان مجموعات مقاتلة على مستوى تدريبي وتقني متقدم، بل إن بن لادن جعل من دول الأطراف الهشة مثل أفغانستان والصومال دولا محورية مهمة.


أدار بن لادن معركة إعلامية مستفيدا من الفضائيات وبخاصة قناة الجزيرة، وأوصل رسالته للعالم كله، وأظهر الإعلام الغربي شموليا منحازا لا يختلف عنه في العالم الثالث

وكشفت الأحداث أن شبكة القاعدة منظمة متماسكة مختلفة عن جميع الحركات الإسلامية التي استخدمت العنف مثل الجماعات الجزائرية والمصرية والأفغانية في مرحلة مقاومة الشيوعية.

واستطاع بن لادن الاختفاء والإفلات من القتل أو الاعتقال حتى دون حماية من دولة أو نظام سياسي، وأن يواصل عملياته في ظروف غير مسبوقة في كل أعمال المقاومة وحرب العصابات في التاريخ والجغرافيا، فهو لا يملك قاعدة آمنة يأوي إليها، ولا تؤيده أو تتعاون معه دولة في العالم كله.

واستطاع أن يحشد عددا كبيرا من الأنصار من جميع أنحاء العالم، فهاجروا إلى أفغانستان أو عملوا معه في أنحاء شتى من العالم، وحشد أيضا ملايين المؤيدين والمتعاطفين.

وربما كانت السابقة المهمة لابن لادن أنه استطاع أن يحشد عددا كبيرا من الشباب السعوديين والخليجيين في أعمال ومجموعات جهادية، وكان يظن قبل ذلك أن المجتمعات الخليجية هي مجتمعات استهلاكية يصعب أن تنجح فيها أعمال سياسية وجماعات للمقاومة، وأثبت أن الظروف الاقتصادية السيئة ليست هي التي تدفع الشباب إلى الجماعات الإسلامية كما دأبت التحليلات والدراسات الاستشراقية والتابعة لها في العالم الإسلامي.

وأدار بن لادن معركة إعلامية مستفيدا من الفضائيات وبخاصة قناة الجزيرة، وأوصل رسالته إلى العالم كله، وأظهر الإعلام الغربي شموليا منحازا لا يختلف عنه في العالم الثالث، وكانت مثل هذه المقولة عن الإعلام الغربي قبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001 تبدو خرافية يصعب تصديقها.

لقد أدارت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحرب مع القاعدة على أنها حرب مع العرب والمسلمين، وبدأت سلسلة من الإجراءات والحملات المعادية لكل ما هو عربي ومسلم في المعاملة السيئة والتشهير والتمييز والكراهية والاعتقال دون تهمة أو محاكمة ودهم البيوت وتفتيشها دون احترام للحقوق والخصوصيات.


بن لادن كان يتعمد عدم الإشارة إلى إيران بانتقاد أو مديح، ويبدو أن موقفه منها إيجابي، ويقال إنه لعب دورا مهما في تخفيف التوتر بين إيران وطالبان

رحلة في عقل بن لادن
يعرض زيدان في الفصلين الثاني والثالث من الكتاب وقائع لقاءين مع أسامة بن لادن تما في أواخر العام 2000، وكانت حكومة طالبان قد حظرت نشرهما، ويعرض فيهما وجهة نظر بن لادن في كثير من القضايا.

كان الوقت بعد تفجير المدمرة "كول" في اليمن، وكان بن لادن يتوقع ضربة أميركية لأفغانستان، ولكنه كان متفائلا بفرصة استدراج أميركا إلى مجموعة عمليات كما حدث في الصومال، ويبدو أنه لم يفكر باحتمال انهيار طالبان ومجيء نظام حكم بديل في أفغانستان.

كانت عودة بن لادن إلى أفغانستان بعد أن طلبت منه الحكومة السودانية العودة بمبادرة من بعض قادة الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار، مثل فضل الحق وساز نور وهما من قادة جلال آباد وتربطهما ببن لادن علاقات قوية إبان مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. ولم يكن بن لادن يعرف أحدا من طالبان، فقد كان قادة المجاهدين تربطهم ببن لادن معرفة وعلاقات قوية مثل حكمتيار ورباني وسياف ويونس خالص وقادتهم الميدانيين مثل جلال الدين حقاني. وكان كثير من القادة الميدانيين التابعين لحكمتيار وسياف ورباني ممن رتب لعودة بن لادن يخططون للتعاون مع طالبان.

وكانت قناة الاتصال بين طالبان وأسامة بن لادن هو الشيخ يونس خالص أحد القادة السبعة الرئيسيين للمجاهدين الأفغان، وهو أحد المولوية (الشيوخ من أساتذة العلم الشرعي على الطريقة التقليدية) الذين يدين لهم طلبة المدارس الدينية بالولاء والتقدير، وكان انضمام القائد الميداني المشهور جلال الدين حقاني إلى طالبان فرصة كبيرة لتعزيز حضور العرب وقبولهم بين طالبان، فقد كان حقاني تربطه ببن لادن وكثير من الأفغان العرب علاقات قوية وتاريخية.

وبعد حادث تفجير السفارتين الأميركيتين في أفريقيا جاء إلى كابل الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية ثم السفير السعودي في لندن، وطلب من الملا محمد عمر زعيم حركة طالبان تسليمه أسامة بن لادن، فرد عليه الملا عمر بأن القتلى في عمليات التفجير ليسوا سعوديين ولم تقع العمليتان في أرض سعودية، فليس ثمة ما يدعو لتسليم أسامة إلى السعودية.

ولم يكن مشروع القاعدة حين بدأه أسامة عام 1986 سوى مؤسسة لتنظيم عمل جهادي إلى جانب الأفغان، وربما تحول إلى جبهة أو تنظيم بعد عام 1996 مستفيدا من التجربة السودانية، وساهم تنظيم الجهاد بقيادة أيمن الظواهري والجماعة الإسلامية بقيادة رفعت طه بالتحالف مع بن لادن في بلورة شبكة مؤسسية من المنظمات والبرامج.

ويبدو أن القاعدة تعرضت لاختراقات عدة من قبل أجهزة الاستخبارات العربية والدولية، ومما عرف منها وتداولته وسائل الإعلام شاب سوري قدم عن طريق متطوع كردي، وشاب مقيم في الإمارات من البدون جندته المخابرات الأميركية، وقد قبضت عليهما الأجهزة الأمنية لطالبان وحققت معهما واعترفا بعلاقتهما مع أجهزة مخابرات عربية ودولية.

وربما كان أسامة يعول على تحرك واسع للجماهير في باكستان بخاصة وفي العالم الإسلامي يطيح بالحكومات ويتحدى الولايات المتحدة، وربما كان يأمل أن يكرر التجربة الصومالية في أفغانستان. وقد رأى الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة إندبندنت (27/3/2002) أن أسامة بن لادن قد نجح في استدراج بوش والولايات المتحدة إلى فخ نصبه في أفغانستان، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث.

واحتوت القاعدة كثيرا من مقاتلي الأوزبك المعارضين للنظام السياسي في بلدهم، وهم ينتمون إلى حركة النهضة الإسلامية الأوزبكية بقيادة جمعة نمنجاني ومحمد طاهر، وكذلك الطاجيك والتتار والشيشان والتركستانيين، وربما كان هؤلاء بخبراتهم في المنطقة يدبرون للقاعدة السلاح من الصين ودول آسيا الوسطى وروسيا.

وثمة تخمينات أن القاعدة تمكنت من الحصول على أسلحة متطورة مثل صواريخ سكود وربما أسلحة كيماوية، وربما تعمدت الولايات المتحدة نشر معلومات عن أسلحة دمار شامل تمتلكها القاعدة لتبرير هجوم كبير لا أخلاقي على أفغانستان.

ويرى المؤلف أن أسامة بن لادن كان يتعمد عدم الإشارة إلى إيران بانتقاد أو مديح، ويبدو أن موقفه منها إيجابي، ويقال إنه لعب دورا مهما في تخفيف التوتر بين إيران وطالبان، ولكنه لا يظهر تأييدا أو مديحا لإيران نظرا للموقف السلفي السائد في الخليج والمعارض للشيعة وإيران.


أسر المئات من العرب ونقلهم إلى غوانتانامو أو قتلهم في مزار شريف على يد قوات رشيد دوستم كان سببه خطأ في التدبير والقرار من أحد القادة الميدانيين من الأفغان العرب

طالبان وانهيارها السريع
بدأت حركة طالبان بتجمعهم في قندهار على يد الملا محمد عمر أحد أساتذة المدارس الدينية المنتشرة في أفغانستان وباكستان والهند، وذلك في العام 1994، وبدعم وتأييد من قادة وطلاب المدارس الدينية في باكستان بقيادة مولوي سميع الحق ومولوي فضل الرحمن اللذين يقودان تجمعا علميا وجماهيريا مؤثرا في باكستان، وقد تخرج من مدارسهما عدد كبير من الأفغان. وزحف الطلبة إلى البلدات والمدن في ظروف كانت تعصف بأفغانستان الحرب الأهلية بين حكمتيار رئيس الحزب الإسلامي ورئيس الوزراء وبين رباني رئيس الدولة ورئيس الجمعية الإسلامية.

واستطاعت الحركة أن تدخل كابل عام 1996 وتنهي الحكومة الأفغانية القائمة فيها لتحل مكانها حكومة جديدة شكلت من قادة طالبان، وحظيت الحركة بتأييد شعبي كبير وبخاصة بين البشتون، وهم القومية الرئيسية في أفغانستان بين قوميات عدة أخرى مثل الطاجيك والأوزبك والفرس، وفرضت الأمن والاستقرار اللذين كانا غائبين طوال العقود الماضية، وبخاصة بعد مجيء المجاهدين للحكم عام 1992.

يعيد المؤلف أسباب انهيار الحركة إلى عدة احتمالات، هي عدم قدرتها على تكوين تنظيم سياسي وهيكلي قوي، فهي حركة وليدة وناشئة، ولم تفهم الحركة أبعاد التحرك الأميركي ضدها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، وتجاهلت نداءات حكمتيار لبناء تحالف جديد في وجه أميركا، وكانت تتصرف كما لو أنها واثقة من النصر وأنها لا تريد لأحد أن يشاركها هذا المجد المؤكد.

وكانت طالبان تعتمد اعتمادا كبيرا على باكستان وتعول على تأييدها لها، ويبدو أن تسليم المدن بهذه السرعة والبساطة كان نصيحة باكستانية، وربما تكون صفقة قد عقدت بين الأجهزة الأمنية الباكستانية وبين بعض قادة طالبان مثل ملا عبد الكبير والقائد عبد الحق الذي أعدمته طالبان فيما بعد، وأمكن شراء كثير من قادة طالبان بالمال واختراقها واستدراجها.

ويبدو أن كلا من القاعدة وطالبان كان يعمل وحده دون علم أو تنسيق أو تكامل بين الطرفين.

ولم تنجح طالبان قبل الحرب وأثنائها في الاتصال بالعالم الإسلامي وكسب تأييده وشرح فكرتها وموقفها للعالم، ونجح الإعلام المضاد في تصويرها على أنها حركة تسلطية منغلقة على نفسها وجامدة في الفقه والتطبيق والتقاليد، وقد شجعت في بعض مواقفها على نشر هذه الفكرة التي استغلت على نحو موسع مثل تفجير المعابد البوذية في باميان.

ويبدو أن أسامة بن لادن كان يتوقع سقوط طالبان ولم يكن يعتمد عليها اعتمادا حاسما، بل إنه رتب أموره بانتظار هذه اللحظة، فقد استطاع ومعه مئات من أتباعه الاختفاء والتحرك بسرية دون علم طالبان ولا بتنسيق معها، حتى إن أسر المئات من العرب ونقلهم إلى غوانتانامو أو قتلهم في مزار شريف على يد قوات رشيد دوستم كان سببه خطأ في التدبير والقرار من أحد القادة الميدانيين من الأفغان العرب، وكان يمكن تلافي هذه النتيجة لو أنه تعاون مع القبائل الأفغانية التي عرضت المساعدة ولم يدخل إلى باكستان، فقد نجا جميع الذين لجؤوا إلى القبائل الأفغانية ولم يسلم للولايات المتحدة منهم أحد.

ومازالت القاعدة وطالبان تخوضان حربا مع الولايات المتحدة وتتخذ من الإنترنت مواقع لها للاتصال بالعالم الخارجي وربما للتواصل فيما بينها، وتصدر طالبان منشورات منتظمة توزع في أفغانستان، وتتصل بالصحف والصحفيين في باكستان وتنقل إليهم الأخبار والمعلومات.

المصدر : الجزيرة