نقاشات ساخنة في مؤتمر المعارضة العراقية بلندن
وسط الخلافات والنقاشات المطولة جرت أعمال مؤتمر المعارضة العراقية في لندن في أجواء ساخنة مفعمة بمشاعر متناقضة، ففرحة المجتمعين بأن نهاية نظام الحكم الحالي في العراق باتت قريبة أكثر من أي وقت آخر مضى -في وجهة نظرهم- امتزجت بقلقهم من عدم الحصول على حصة مناسبة من كعكعة ما بعد صدام. وقرر المجتمعون تمديد الوقت المخصص للمؤتمر ليوم آخر لحسم نقاط الخلاف التي طرأت على السطح.
وقد تمثلت أهم هذه النقاط في الاعتراض على نسب تمثيل الطوائف والجماعات المختلفة في لجنة المتابعة السياسية التي ينظر إليها البعض على أنها بمثابة حكومة للمنفى.
وكادت هذه المسألة تقضي على آمال المشاركين بأن يخرج المؤتمر بشيء عملي ملموس أكثر من مجرد التباري في إلقاء كلمات التنديد بالنظام وتاريخه السياسي.
وقد عكس حرص العديد من الدول الكبرى على حضور جلسات المؤتمر مدى أهميته بالنسبة لهم، خاصة في ما يتعلق بمعرفة الملامح العامة لشكل المرحلة الانتقالية إذا نجحت بالفعل المساعي الأميركية الراهنة للإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين.
فبالإضافة إلى حضور مندوبين عن روسيا والصين وتركيا وإيران والاتحاد الأوروبي كان المندوب الأهم والفاعل هو الدكتور الأفغاني زلماي خليل زاد المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي جورج بوش، الذي اكتسب خبرته وشهرته من دوره في الإطاحة بنظام طالبان والترتيبات التي صاحبت اختيار حامد كرزاي في مؤتمر بون بألمانيا.
” التمثيل في لجنة المتابعة وشكل الحكم القادم أبرز نقاط الخلاف في مؤتمر المعارضة في لندن وقد كان للحضور الأميركي دور مهم في حسم الخلافات بعد الأخذ "بنصيحة" مبعوث الرئيس بوش بعدم تضييع الفرصة ” |
وقد تدخل زلماي لحسم الخلاف حول قضية التمثيل في لجنة المتابعة، فذكر للمشتركين في المؤتمر "نصيحة" الولايات المتحدة لمندوبي الفصائل المعارضة بأن يسرعوا في حسم خلافاتهم وألا يدعوا هذه الفرصة تمر دون التوصل إلى صيغة مشتركة.
وبالفعل كان لاقتراحه الخاص بزيادة عدد أعضاء لجنة المتابعة السياسية من خمسين عضوا كما مقررا إلى 61 ثم إلى 65 دور السحر في القضاء على الاختلافات التي ثارت حول هذا الموضوع.
وقد اعتمد مندوبو فصائل المعارضة في تحديد نسب كل فصيل سياسي على نسبتهم العددية في بنية المجتمع العراقي، وبذلك مثل الشيعة والسنة والأكراد والتركمان والآشوريون وغيرهم، إضافة إلى تمثيل ملحوظ للمستقلين الذين حاولوا الظهور في المؤتمر بمظهر الليبراليين أو الديمقراطيين المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي حزب أو جماعة معارضة بعينها وأهمهم العسكريون السابقون وكبار رجال الأمن المنشقين عن النظام.
ورغم أن المنظمين للمؤتمر حرصوا على ألا يظهروا الاستقطابات الدينية والمذهبية والعرقية فإن هذا التنوع فرض نفسه على أعمال المؤتمر، وخاصة في ما يتعلق بتمثيل الشيعة والسنة. فقد قال التيار الشيعي المشارك في المؤتمر إن الخلل الذي سارت عليه الحياة السياسية العراقية منذ الاستقلال حتى الآن والمتمثل في ضعف التمثيل الشيعي في هيكلية نظام الحكم سوف يتغير في المرحلة المقبلة، الأمر الذي سبب مخاوف مضادة لدى الطرف السني المشارك وزيادة شعوره بإمكانية تهميشه في السنوات القادمة.
ولم تكن مسألة التمثيل في لجنة المتابعة هي نقطة الخلاف الوحيدة التي ظهرت في مؤتمر المعارضة، فقد برزت على السطح قضية شكل نظام الحكم القادم في العراق وهل هو ملكي أم جمهوري، خاصة بعد أن أصر راعي الحركة الدستورية الملكية والمتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني العراقي الشريف علي بن الحسين على إضافة عبارة في البيان السياسي الختامي تنص على "استفتاء الشعب العراقي على نوع نظام الحكم سواء كان جمهوريا أم ملكيا"، ولم تحسم هذه النقطة حتى ساعة متأخرة من ليلة أمس.
وبعيدا عن الجدل الكثير والخلافات المتوقعة وسط هذا الطيف السياسي المختلف المشارب والذي شارك في المؤتمر فإن أبرز النتائج العملية التي يمكن القول إن المشاركين قد حققوها حتى الآن تتمثل في تحديد الخطوط العريضة والملامح العامة للنظام السياسي المقبل في العراق، خاصة بعد أن أكدوا أن النظام القادم سيحرص على التمسك بمفاهيم الديمقراطية والتعددية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان…
يضاف إلى ذلك توصل المشاركين إلى قيادة سياسية موحدة، قد يشار بأنها لا تمثل كل التكوينات السياسية العراقية.
بقي في كل ما قيل عن المؤتمر وما دار فيه نقطة جوهرية من الضروري التوقف عندها وتأملها، وهي مدى اليقين في تحقق الفرضية الأساسية التي انطلقت منها فعاليات هذا المؤتمر، وهي نجاح المساعي الأميركية الراهنة الهادفة إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين، وحتى هذه اللحظة -حتى وإن بدا أنه أصبح مسألة وقت لا أكثر- فإنه لا يزال في عالم المجهول الذي لا يستطيع أحد أن يسبر غوره بدقة ويتحدث عن أيامه ولياليه بوضوح.
_____________
* قسم البحوث والدراسات، الجزيرة نت.