مختصر العلاقات السياسية الأميركية CD
في الفترة ما بين 1958 – 1978 كان ينظر للعراق على أنه مرجع إقليمي في الصراع العربي – الإسرائيلي، ومصدر التهديد الرئيسي للدول الملكية في الخليج.
ومنذ تولي الرئيس صدام حسين السلطة في العراق عام 1979 كانت العلاقات العراقية-الأمريكية نموذجا من العلاقات المتقلبة التي انعكست عليها الأوضاع المختلفة للنظامين الدولي والإقليمي.
المرحلة الأولى من العلاقات الأميركية العراقية(1979-1990)
ظلت إيران أحد الأعمدة الركينة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الفترة ما بين 1958 – 1978، إلى أن قامت الثورة في إيران عام 1979، ثم بدء الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980.
وكان العراق بحاجة للولايات المتحدة بسبب ظروف الحرب، فأعلن الرئيس صدام حسين قبوله بخيار الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وتراجعت العلاقات العراقية السوفياتية الأمر الذي تحبذه واشنطن.
ومن جهتها فالولايات المتحدة كانت محايدة في الحرب الناشبة بين العراق وإيران، ثم بدأت بالانحياز إلى العراق في ربيع 1982 خوفاً من احتمال اختراق إيراني للجنوب العراقي وصولاً إلى الكويت والسعودية. فأقامت معه علاقات دبلوماسية كاملة وحثت الدول الصديقة لها على دعمه، وأقامت معه علاقات استخباراتية مباشرة، فكان مكتب السي أي إيه في بغداد يقدم معلومات من المخابرات العسكرية الأمريكية إلى العراقيين، ويزودهم بصور للأقمار الصناعية تكشف تحركات القوات الإيرانية، كما نشرت واشنطن بسرية ضباطاً من القوات الجوية الأمريكية في العراق لمساعدة نظرائهم في الجيش العراقي، إضافة إلى ضباط من وكالة استخبارات الدفاع الأميركية.
ودعمت أميركا العراق اقتصادياً ومنحته تسهيلات وقروض مالية، وسمحت له بالحصول على مواد تكنولوجية ذات استخدام مزدوج، ولم تتردد في التدخل بشكل مباشر في الحرب لصالح العراق، حيث دمرت في عام 1978 رصيفين بتروليين عائمين إيرانيين وأغرقت 3 مدمرات إيرانية وأصابت فرقاطتين أخريين.
وتغاضت أميركا عن استعمال العراق للأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية، وضد الأكراد في شمال العراق، وحالت الإدارة الأميركية دون توجيه اتهام من الكونغرس للنظام العراقي بالإبادة الجماعية.
وفي يوليو 1990 هدد صدام حسين بوقف الواردات من الولايات المتحدة إذا لم يتلق ضمانات قروض بنهاية سبتمبر من العام نفسه، مما أساء إلى العلاقات بين البلدين.
وبعد الغزو العراقي للكويت أصدر الرئيس بوش الأب قرارات تنفيذية بتجميد كل الأصول العراقية. ومن جانبه توقف العراق عن تسديد مدفوعاته على القروض الأمريكية.
العداء الأميركي العراقي (1990 – 2001)
بعد الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 تنبهت الولايات المتحدة للقدرة العسكرية العراقية، واتخذت العلاقات الأمريكية – العراقية مسارا مختلفا، وهو مسار العداء التام.
وتشكل التحالف الدولي لتحرير الكويت في 1990 – 1991 من 29 بلدا، تحملت الولايات المتحدة العبء الأكبر فيه. وبعد 100 ساعة من الغزو البري وتصدع الجيش العراقي قررت الإدارة الأمريكية إنهاء المعركة وقبول التعهدات العراقية بنزع السلاح، وفرض مجلس الأمن الدولي على العراق نظام عقوبات صارم.
وعلى مدى السنوات من 1991 وحتى الآن، وقفت الولايات المتحدة بصلابة في وجه المساعي الراغبة في رفع الحظر المفروض على العراق، لكن بسبب كثرة الضغوط الدولية قبلت باتفاق "النفط مقابل الغذاء" والذي تم العمل به بموجب قرار مجلس الأمن رقم 986 لعام 1995 الذي يسمح للعراق بتصدير كميات محدودة من النفط كل ستة أشهر لا تتجاوز قيمتها ملياري دولار.
ومنذ مايو 1993 تبنت واشنطن سياسة "الاحتواء المزدوج" لكل من العراق وإيران. ولكن هذه السياسة انتهت "بالاحتواء المنفرد" للعراق.
وقد قامت الولايات المتحدة خلال السنوات من 1993 إلى 1998 بثلاث حملات كبرى على العراق:
- الأولى، عشية انتهاء فترة الرئيس بوش الأب وتسلم كلينتون الإدارة في 14 يناير 1993 حيث تم قصف العراق بصواريخ توماهوك وضربات بالطائرات.
- الثانية، في سبتمبر 1996 حين أصدر الرئيس كلينتون أمرا بتوجيه ضربة للعراق بالصواريخ والقنابل على أعتاب الانتخابات وإدارته الثانية.
- الثالثة، في فبراير 1998 حين شنت عملية "ثعلب الصحراء" في منتصف ديسمبر 1998 والتي استمرت 70 ساعة وكانت تهدف أيضا إلى التغطية على الوضع المتأزم للرئيس كلينتون في فضيحة مونيكا لوينسكي.
ومنذ عملية "ثعلب الصحراء" دخلت الولايات المتحدة في سياسة استنزاف غير معلنة للقدرات العراقية من خلال الضربات الروتينية للقدرات العراقية.
وأصدرت إدارة الرئيس كلينتون في عام 1998 قانون "تحرير العراق"الذي يمنح الرئيس حرية التصرف في إنفاق مبلغ 97 مليون دولار في شكل مواد عسكرية وخدمات لمنظمات عراقية معارضة. وقد وقع الرئيس على المذكرة بالقانون في 31 أكتوبر 1998 في اليوم نفسه الذي أنهى فيه العراق كل تعاونه مع لجنة يونسكوم.
وبموجب هذا القانون انكبت الإدارة الأميركية على مساعدة المعارضة العراقية وإعدادها لإسقاط النظام العراقي، وبذلت جهوداً لتوحيد فصائلها، وبحلول أواخر 1994 كانت وكالة المخابرات المركزية قد أسست قاعدة في شمالي مدينة صلاح الدين (شمال العراق) وبدأت تباشر عملها.
إدارة بوش (الإبن) وأحداث 11 سبتمبر
انتهجت إدارة الرئيس جورج بوش الابن منذ قدومها نهجاً مختلفاً من المسألة العراقية، وبعد 11 سبتمبر خلطت بين الحرب على الإرهاب والحرب على العراق، واقترحت على مجلس الأمن نظاماً جديداً للعقوبات على العراق سمي "العقوبات الذكية" تصدت له روسيا بشدة وحالت دون صدوره.
ونقبت إدارة بوش في كل خيط يمكن أن يوجد صلة بين العراق وأحداث 11 سبتمبر أو بين العراق وبن لادن، ولم تقدم دليلاً أكيداً على الصلة بينهما، إلا أنها استطاعت أن تجعل من هدف إسقاط النظام العراقي أمرا عاديا.
وضغطت على نحو غير مسبوق لإصدار أكثر القرارات قسوة في تاريخ المنظمة الدولية وهو القرار 1441، الذي جعل الدولة العراقية مستباحة لفرق التفتيش بشكل كامل وفي حال عدم تعاونها فإنها ستتعرض "لعواقب وخيمة".
ومنح الكونغرس الأمريكي الرئيس بوش صلاحيات شن الحرب، وحشدت واشنطن جيوشها في منطقة الخليج العربي مما ينذر باشتعال الحرب في أي لحظة.
القرار 1441 والإطاحة بصدام
بإصدار القرار 1441 أعطت الولايات المتحدة شرعية ما لحشدها العسكري في المنطقة، وصعدت عمليات التحريض على النظام العراقي وفعلت دعمها لجماعات المعارضة في المناطق الكردية والشيعية لانتهاز أي فرصة للتمرد أو لاغتيال الرئيس العراقي.
وبهذا سارت العلاقة الأميركية مع العراق في مسارين:
مسار بقاء الرئيس صدام حسين
مسار يفترض بقاء الرئيس صدام حسين، وطبقا لهذا المسار فإن الحشود العسكرية عامل ضغط في إطار سيناريو طويل الأمد للتغيير السلمي من داخل النظام، وعامل ضغط على العراق من أجل الاستجابه إلى طلبات لجان التفتيش والوصول إلى الوضع رقم صفر فيما يتعلق بقدراته من الأسلحة البيولوجية والكيماوية والصاروخية.
مسار تغيير النظام.
والتي زرعت بذوره الفقرة التي تتحدث عن "عواقب وخيمة" ستنزل بالنظام العراقي إذا لم يتعاون مع فرق التفتيش، وطبقاً لهذا المسار فإن العلاقات العراقية الأميركية تتوقف على عملية التغيير ذاتها والأسلوب الذي تتم به والنتائج التي ستلي سقوط النظام.
وفي ظل فرضية الاستقرار ووحدة الدولة فإن النظام الجديد سيكون صديقا للولايات المتحدة وسيكون هناك وجود أمريكي اقتصادي ونفطي وسياسي وأمني مركز، وستعتبر أمريكا نفسها مسؤولة عن عراق ما بعد صدام حسين.
أما في حال لم تسر الأمور كما تريد واشنطن فإن المسألة برمتها عرضة لاحتمالات شتى.!