صدام .. نذر المواجهة مع أميركا
دخل العراق في عهد صدام حسين حربين أثرتا على عملية التنمية في بلاده والمنطقة، وتلوح في الأفق نذر مواجهة عسكرية جديدة مع أميركا تستهدف شخصه ونظامه الحاكم، قد تتطور لحرب واسعة.
ويمكن أن نقف على كيفية تعامل الرئيس العراقي صدام حسين مع الأزمة الحالية من خلال تتبع تصريحاته المعلنة والإجراءات التي اتخذها للتعاطي مع هذه الأزمة، ونركزها في النقاط التالية:
- مواجهة التهديدات الأميركية.
- حملة التحركات الدبلوماسية.
- قرار وقف ضخ النفط العراقي.
- العراق والأمم المتحدة.
- تحذير الدول العربية.
- تجديد الولاية.
مواجهة التهديدات الأميركية
في أكتوبر/ تشرين الأول 2001 واجه الرئيس العراقي عداء أميركيا جديدا في أعقاب اتهامه بحيازة أسلحة الدمار الشامل، وعدم تطبيقه قرارات مجلس الأمن الخاصة بهذا الشأن، وإزاء التهديدات الأميركية بإدراج بلاده ضمن حملة مكافحة ما تسميه بالإرهاب التي تقودها واشنطن بعد تعرضها لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، أعلن صدام عدة تصريحات غلبت عليها نبرة القوة والتحدي، وكرر في أكثر من مناسبة أن بلاده لا تخيفها التهديدات الأميركية، وأن الإدارة الأميركية التي تواصل التلويح باستخدام القوة العسكرية ستمنى بالهزيمة إذا ما قامت بالعدوان على شعب العراق، مؤكدا أن بلاده قد لا تستطيع منع العدوان الأميركي لكنها ستقاومه حال وقوعه.
حملة التحركات الدبلوماسية
وفي محاولة لقطع الطريق على الولايات المتحدة التي سعت لحشد تحالف دولي يدعم تحركاتها ضد العراق، وجه صدام كلا من وزير خارجيته ناجي صبري ونائب رئيس مجلس الوزراء طارق عزيز ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت إبراهيم، في جولات مكوكية شملت العديد من العواصم العربية والأوروبية لحشد جبهة مناهضة لضربة أميركية محتملة.
كما أرسل عددا من المؤشرات الإيجابية على طريق المصالحة العربية، فأعلن في يناير/ كانون الثاني 2002 استعداده لمناقشة جميع الموضوعات العالقة الخاصة بالملف العراقي الكويتي بما فيها ملف المفقودين والأسرى الكويتيين والسعوديين. ووافق في مايو/ أيار 2002 على إعادة الأرشيف الوطني الكويتي الذي استولت عليه قواته أثناء غزوها الكويت عام 1990.
وكان من نتائج ذلك، أن حصل العراق في سبتمبر/ أيلول 2002 على تأييد كامل من الجامعة العربية بمعارضة أي عمل عسكري ضد العراق، والعمل على إلزام الدول العربية بعدم تقديم أي مساعدات لوجستية أو عسكرية للولايات المتحدة في حال قيامها بالعدوان. كما دعا وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في اجتماعهم بجدة الولايات المتحدة إلى التراجع عن خططها لضرب العراق، مطالبين في الوقت نفسه بغداد بتنفيذ القرارات الدولية.
قرار وقف ضخ النفط العراقي
أمام الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2002، قرر صدام حسين في الثامن من نفس الشهر إيقاف تصدير النفط العراقي كليا مدة شهر كامل، حتى تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية دون قيد أو شرط، ودعا الدول العربية وأعضاء منظمة أوبك أن تحذو حذوه، الأمر الذي أغضب أميركا، حليفة إسرائيل الأولى، ودفعها إلى مزيد من التحركات للضغط على العراق تجاه عودة المفتشين الدوليين إلى أراضيه.
العراق والأمم المتحدة
وفيما يتعلق بالعراق والأمم المتحدة أعلن الرئيس العراقي في فبراير/ شباط 2002 استعداد بلاده استئناف المفاوضات مع المنظمة الدولية، وبدأت سلسلة من المباحثات المشتركة بين الجانبين بدأت في مارس/ آ1ار 2002 بنيويورك، ركزت على ترتيب إجراءات عودة المفتشين الدوليين إلى بغداد، وأمام الضغوط الدولية التي تعرض لها العراق إضافة إلى الضغوط الأميركية البريطانية على المنظمة الدولية، أعلنت بغداد في سبتمبر/ أيلول 2002 موافقتها غير المشروطة على عودة المفتشين الدوليين إلى أراضيها، في محاولة لإحراج الإدارة الأميركية التي أصرت على عودة المفتشين كحل وحيد أمام العراق لتفادي توجيه ضربة عسكرية إليه تطيح بنظامه الحاكم وأسلحة الدمار الشامل التي ادعت حصوله عليها أثناء فترة غياب المفتشين الدوليين منذ ديسمبر/ كانون الأول 1998.
تحذير الدول العربية
زادت وتيرة التصعيد في الخطاب الأميركي ضد العراق، في أعقاب رفض الأخير استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يخالف اتفاقاته السابقة مع أمين عام المنظمة الدولية كوفي أنان بشأن ترتيب عمل المفتشين الدوليين، وإزاء التهديدات الأميركية، أعلن الرئيس العراقي في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2002 أن تلك التهديدات لا تستهدف العراق وحده، بل جميع الأقطار العربية وفي مقدمتها السعودية، ودعا واشنطن إلى تغيير سياستها الخارجية تجاه العراق خصوصا والعالم عموما مؤكدا أنها لن تنجح في النتيجة النهائية مهما كانت قوتها عندما تضع نفسها في مواجهة العالم كله.
تجديد ولاية صدام
في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول نظم العراق حملة استفتاء على تجديد ولاية الرئيس العراقي صدام حسين فترة سبع سنوات أخرى، شهدت نتيجة قياسية بلغت 100% في نسبة التصويت لصالحه، في إشارة إلى أن العراقيين أرادوا أن يثبتوا ولاءهم لوطنهم ورئيسهم ضد التهديدات الأميركية بضرب العراق. وبهذه المناسبة أصدر الرئيس العراقي في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 مرسوما رئاسيا بالعفو العام والشامل عن جميع المعتقلين العراقيين بمن فيهم السياسيون. وهي المرة الأولى التي يصدر فيها الرئيس العراقي عفوا عن كل المعتقلين السياسيين طيلة سنوات حكمه الـ 23.
وختاما، فإن الرئيس العراقي صدام حسين، الذي يواجه عداء أميركيا محكما وحملة أميركية شرسة تستهدف شخصه ونظامه الحاكم، والذي تعاطى بنجاح وفق آراء عدد من المراقبين، مع الأزمة الحالية التي يواجهها، ونجح في تحقيق التفاف الشعب حوله، كما ظهر في نتائج استفتاء تجديد ولايته، بعد أن تحدتهم أميركا بأنباء ترددت عن تعيينها حاكما عسكريا أميركيا بعد الإطاحة به، مازال يواجه تحديات أميركية صعبة لا يمكن التنبوء بنتائجها في الوقت الحالي.
_______________
قسم البحوث والدراسات -الجزيرة نت
المصادر:
أرشيف موقع الجزيرة نت