رئيس الحزب الاشتراكي العراقي: استقالة صدام هي الحل
الاشتراكيون العراقيون كثيرا ما رفعوا شعارات معاداة الإمبريالية الأميركية والوقوف في وجه جشعها وهيمنتها. فهل اختلف الحال بالنسبة للاشتراكيين العراقيين خاصة بعد أن اتفقت مصالحهم في المرحلة الحالية مع المصالح الأميركية الرامية إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين؟
الدكتور مبدر الويس رئيس الحزب الاشتراكي العراقي يحاول في الحوار التالي رسم ملامح التفاعل السياسي للاشتراكيين العراقيين مع الأزمة العراقية الحالية.
عرف عنكم في الحزب الاشتراكي معارضتكم منذ سنين طويلة لنظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين. فعلى أي أساس تبنون معارضتكم هذه؟
” نعارض نظام صدام للأسباب التالية: – قتله آلاف المعارضين السياسيين من مختلف القوى الوطنية – إبادته لآلاف الأكراد بالأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا – قتله مليون عراقي في حرب إيران غير المبررة – احتلاله لدولة الكويت الشقيقة – تعذيبه البشع لخصومه في السجون – إجباره ثلاثة ملايين عراقي على الهجرة خوفا من قمعه أو بحثا عن لقمة العيش بعد أن أفقر العراق ” |
بالفعل نحن نعارض هذا النظام منذ اليوم الأول للانقلاب الذي قام به عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية مع إبراهيم الداود أمير الحرس الجمهوري الذي جاء بأحمد حسن البكر ومن ثم بصدام حسين، وهو الانقلاب الذي دبرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA بالتعاون مع قوى إقليمية في المنطقة حيث أصدر حزبنا (الحزب الاشتراكي) بيانا هاجم فيه هذا الانقلاب المشبوه ووزعه على أعضاء الحزب في كافة أنحاء العراق بشكل سري، حيث جاء في هذا البيان: إن هذا الانقلاب دبرته الـ CIA وهدفه تدمير العراق وضرب الحركة الوطنية وفي مقدمتها القوى الوحدوية، وهذا ما تم بالفعل حيث قامت سلطات الانقلاب بشن حملة على أعضاء الحزب الاشتراكي -الذي يمارس عمله سريا- واستشهد نتيجة لهذه الحملة أكثر من عشرة أعضاء من كوادر الحزب تحت التعذيب أو تناول السم، كما اتخذت الحملة وبشكل متزامن أشكالا أخرى من القتل والتعذيب والمطاردة للآلاف من القوى الإسلامية ومن الحزب الشيوعي والعناصر الديمقراطية وكذلك الشخصيات الوطنية المستقلة.
كما شملت الحملة الشعب الكردي حيث دمر هذا النظام آلاف القرى الكردية وقصف مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا، كما شمل القتل عشرات الآلاف من الشعب الكردي في حرب الأنفال وتشريد عشرات الآلاف إلى الدول المجاورة خارج الحدود، وكانت الحملة أعنف وأشد عندما قام صدام بشن الحروب غير المبررة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضد الكويت الشقيق لاحقا، حيث أدت هذه الحروب إلى قتل ما يقارب المليون شخص من الجانب العراقي، ناهيك عن مئات المليارات من الدولارات الأميركية كخسائر مادية، كما أعدم نظام صدام المئات من السجناء السياسيين في السنوات الأخيرة في حملة ما يسمى بتطهير السجون، وقد احتجت منظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان على هذه الجرائم، ناهيك عن ممارسات نظام صدام للقتل خارج سلطة القضاء وارتكاب جرائم مشينة ضد المواطنين مثل قطع اليد وقطع اللسان ووشم الجباه وقطع الآذان وهي أساليب وحشية متخلفة تدل على بربرية نظام صدام الحاكم وأسلوبه الدموي في التعامل مع المواطنين.
وقد أدت السلطة المطلقة لصدام حسين إلى تهجير وهروب أكثر من ثلاثة ملايين مواطن عراقي إلى الدول الأجنبية وبعض الدول العربية بحثا عن الحرية أو الحصول على لقمة العيش بسبب الحصار الاقتصادي الذي سببه صدام نفسه حينما غزا الكويت الشقيق.
عفوا للمقاطعة, لا نريد أن نستطرد في هذه النقطة. بالطبع لديكم أسبابكم للمعارضة لكن هل تعتقدون -وأنتم في الحزب الاشتراكي كثيرا ما رفعتم شعارات الوقوف في وجه الهيمنة والإمبريالية الأميركية- أن الوصفة الأميركية هي الحل؟
نحن نعرف أن المحاولات الأميركية لتغيير النظام ليس هدفها أن تمنح أميركا الحرية والديمقراطية للشعب العراقي، وإنما الهدف الإستراتيجي هو امتلاك العراق كما صرح بذلك أبرز المسؤولين الأميركيين أمثال نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رمسفيلد ووزير الخارجية كولن باول ومن ثم تنصيب حاكم عسكري ثم إقامة إدارة دولية في العراق تحميها قواعد عسكرية أميركية في العراق كما هو الحال في أفغانستان، وبذلك تستطيع الولايات المتحدة الأميركية السيطرة على النفط العراقي إنتاجا وتسويقا وتسعيرا، كما أن الحكومة الجديدة التي تنصب بعد ذلك سوف تعترف بإسرائيل وسوف تقف في مواجهة الدول العربية والإسلامية التي ترفض الهيمنة الأميركية في إيران وسوريا وغيرها.
هل نفهم من كلامك هذا أنكم لن تتعاونوا بأي صورة من الصور مع الحملة الاميركية الهادفة إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس صدام؟
نعم إننا كحزب اشتراكي لسنا مستعدين للانخراط في المشروع الأميركي لاحتلال العراق، ونعتبر أي غزو للعراق خارج إطار مجلس الأمن الدولي الذي يمثل الشرعية الدولية نعتبر ذلك عدوانا وخرقا لميثاق الأمم المتحدة.
وهل تملكون بديلا آخر غير الاستعانة بالولايات المتحدة؟
بالفعل نحن نرى أن إسقاط نظام صدام الاستبدادي الدموي يجب أن يكون بإرادة العراقيين من خلال إقامة تحالف وطني عراقي شامل يضم كافة التيارات الأساسية في الشارع العراقي من قوميين وإسلاميين وديمقراطيين وشخصيات وطنية مستقلة من أجل تشكيل مرجعية سياسية تمثل الشعب العراقي ومن ثم العمل على مختلف الصعد الميدانية والإعلامية والسياسية من أجل إسقاط هذا النظام الجائر.
هل يعني ذلك أنكم في الحزب الاشتراكي تستبعدون تماما أي شكل من أشكال التعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق هذا الغرض؟
لا, فما قلته لا يمنع من الاتصال بالقوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة والدول العربية الشقيقة وكل القوى الإقليمية التي يهمها حرية وحقوق الشعب العراقي للحصول على الدعم والمساندة لإسقاط نظام صدام وإقامة نظام ديمقراطي بديل يضمن تداول السلطة والتعددية السياسية ويضمن الحريات والمساواة للمواطنين ويضمن حقوق الشعب الكردي وحق التركمان والآشوريين وسائر الأقليات في الشعب العراقي.
بشكل محدد, هل أنتم على استعداد لحمل السلاح والقيام بعمل عسكري ضد نظام حكم الرئيس العراقي؟
بالنسبة لنا كحزب اشتراكي نستطيع المشاركة في أي عمل عسكري ضد النظام، وكذلك المشاركة السياسية والإعلامية، لكن يجب أن يكون هذا العمل من خلال تشكيل تحالف شامل يشكل مرجعية سياسية للشعب العراقي كما أسلفت سابقا.
” ” |
وهل تعتقد بجدوى هذا العمل العسكري بالشكل الذي تقترحه؟
نعم، العمل الميداني الجدي سوف يفكك أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، ويساعد على التحاق العديد من قطاعات الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وآلاف المواطنين إلى العمل الميداني الذي تقوده المعارضة، وسيؤدي كل ذلك إلى سقوط النظام بأسرع مما يتصوره الآخرون. حيث أن الغالبية الساحقة جدا من شعبنا تريد التخلص من هذا النظام الذي جلب الدمار والكوارث للشعب وللوطن، وفي رأينا أن هذا الأسلوب هو الأسلوب المثالي لإسقاط النظام، وهو أسلوب قابل للنجاح بكل تأكيد، وهذا ما نسعى إلى تحقيقه لأنه الأسلوب الأمثل الذي يحقق إرادة العراقيين في سيادة العراق واستقلاله بعيدا عن التبعية والهيمنة الأميركية المدعومة إسرائيليا.
وما رأيك في السيناريوهات التي تروج لها الإدارة الأميركية فيما يتعلق بإسقاط النظام العراقي؟
أسلوب الغزو والاحتلال الأميركي الذي تهيء له الإدارة الأميركية سوف لن يجلب للعراق سوى الهيمنة والتبعية وجلب نظام عميل يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية ويهدد المصالح العليا للعراق والأمة العربية.
هل تتوقع مقاومة شعبية كبيرة إذا تدخلت الولايات المتحدة الأميركية عسكريا في العراق؟
لا, لا أتوقع ذلك. ففي حال التدخل العسكري الأميركي فإن الشعب العراقي المقموع والمغلوب على أمره سوف لن يقاوم الغزاة لأنه يريد التخلص من هذا النظام الإجرامي ومن ثم لاحقا التفرغ لإخراج القوات الأميركية، حيث أن أمام الشعب العراقي خيارات أفضلهما سيئ، وترى أغلبية أبناء شعبنا حيث نعرف ذلك من خلال آراء القادمين إلى دول الجوار من أن الاحتلال الأميركي هو أقل ظلما من نظام صدام الدموي الجائر، حيث يسهل ذلك للشعب العراقي العمل على إخراج القوات الأميركية الأجنبية.
يفهم من كلامك أن القوات الأميركية التي تنوي غزو العراق لن تجد أي مقاومة وكأنها ستذهب إلى نزهة؟
صدقني لن يدافع عن هذا النظام سوى المستفيدين أصحاب الامتيازات من بقائه، أما الملايين المحرومة والمضطهدة فإنها سوف تقف متفرجة ولن تدافع عن نظام مارس القمع والقهر ضدها. وقد تحدث انتفاضة شعبية عارمة وهذا هو المتوقع كما حدث من قبل في أعقاب حرب الخليج الثانية، حيث حررت القوات الشعبية المنتفضة 14 محافظة من مجموع محافظات العراق الثمانية عشرة، وكان ذلك يمثل استفتاء شعبيا في رفض نظام صدام حسين.
وماذا عن الجيش العراقي, هل ستنسحب عليه تقديراتك وتوقعاتك السابقة؟
والجيش العراقي أيضا لن يدافع عن هذا النظام، وسوف يحدث تمرد كبير في القوات المسلحة، لأن نظام صدام أذل هذا الجيش في حروب متواصلة واستخدمه ضد شعبه وضد جيرانه في حروب مدمرة ولم يستخدمه ضد أعداء العرب والمسلمين.
هل تتوقع استغلال عناصر من الجيش أو من المواطنين العاديين فرصة الهرج الذي يمكن أن تحدثه العمليات العسكرية ضد نظام حكم الرئيس صدام للقيام بعمليات انتقامية؟
نعم هذا ما أتوقعه، في تقديري سوف تحدث عمليات انتقام وثأر من قبل الجماهير الشعبية ضد عدد كبير من المسؤولين وبعض مسؤولي الأمن والحزب الحاكم الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب العراقي وهذا متوقع حدوثه بشكل كبير ولكن لن يصل ذلك إلى حد قيام حرب أهلية لأن الحرب تقع عندما يكون هناك انقسام داخل الشعب بين مؤيد للنظام الحاكم وبين معارض له، أما الحالة العراقية الآن فكل المعنيين في العمل السياسي العراقي يعرفون أن شعبنا بكافة فئاته ومذاهبه وقومياته يقف في حانب والسلطة الدموية التي يقودها صدام تقف في جانب آخر. أي بعبارة أخرى الشعب المغلوب على أمره سيقف في مواجهة السلطة وسينتهز الفرصة للانقضاض عليها.
في تصورك كيف سيكون شكل العراق في ظل نظام الحكم البديل إذا صدقت توقعاتك وأطيح بنظام حكم الرئيس صدام حسين؟
في تصوري أن الأمور ستسير في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام على النحو التالي: حكومة تابعة للولايات المتحدة فاقدة الإرادة والاستقلال ولا تمثل الشعب العراقي، وكل هدفها خدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية. وعندئذ سوف تبدأ القوى الوطنية الرافضة لهذه الحالة في المقاومة والنضال، وسوف تكون الليلة أشبه بالبارحة حينما كانت هذه القوى تقاوم نظام صدام الدموي ومن قبله حكومة نوري السعيد في العهد الملكي. وسيبدأ من جديد الاضطهاد والاعتقال والسجن لمعارضي هذا النظام الجديد.
إذا أنت غير مقتنع بالأفكار التي تروج حول احتمال قيام نظام ديمقراطي بديل لنظام حكم الرئيس صدام؟
إقامة نظام ديمقراطي في العراق كما تدعي الإدارة الأميركية سوف يكون غير وارد لأن الديمقراطية تتطلب الإدارة الحرة للشعب والقرار السياسي المستقل وهذان الشرطان لا يمكن أن توفرهما أبدا في ظل نظام تهيمن عليه الإدارة الأميركية في العراق، وبالتالي لن يستطيع هذا النظام أن يدير شؤون البلاد. وأود أن أؤكد أن الولايات المتحدة بعد احتلالها العسكري للعراق -كما يؤكد المسؤولون الأميركيون أنفسهم- سوف يقيمون إدارة عسكرية برئاسة حاكم عسكري أميركي، كما سوف تقام قواعد عسكرية في العراق حتى بعد رحيل القوات الأميركية الغازية، وسيبقى النظام الجديد لسنوات تحت الحماية العسكرية الأميركية كما هو الحال في أفغانستان.
وفي حال إقامة حكومة مدنية فإنها سوف تعقد اتفاقات أمنية لحماية نظامها الجديد كما عملت الولايات المتحدة مع الكويت ودول أخرى، وبالتالي فلن يسود السلام والاستقرار ربوع العراق.
طالبت في إحدى الفضائيات العربية أن يستقيل الرئيس العراقي ليجنب شعبه المصير الذي ينتظره. فعلى أي أساس بنيت هذا الرأي؟
نعم فقد دعوت عبر محطة ANN الفضائية في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي الرئيس العراقي صدام حسين إلى الاستقالة ليترك الشعب يقرر وبحرية عبر صناديق الاقتراع سلطته الجديدة في ظل نظام ديمقراطي، وأن يذهب صدام للإقامة في أي بلد يختاره كمصر على سبيل المثال، وذلك لكي يتخلص الشعب العراقي من هذا النظام وأيضا لكي لا يتعرض العراق لغزو أميركي بسبب نظام صدام الجائر.
_____________
* قسم البحوث والدراسات، الجزيرة نت