دوافع التحرك الأميركي لضرب العراق
لماذا الآن؟ لماذا يستخدم المسؤولون الأميركيون مثل هذا الوابل الكثيف من نيران تصريحاتهم، بدءا من الرئيس جورج بوش وانتهاء بمسؤول التخطيط الإستراتيجي في البنتاغون بول ولفويتز لحقن الرأي العام بقناعة مزدوجة مؤداها أن توجيه ضربة عسكرية إلى العراق هو أمر حتمي من جهة، ووشيك من جهة أخرى؟.
بين إستراتيجية الردع والقسر
من الصعب وضع هذا التوجه في سلة الحرب المعنوية ضد العراق، ومن الصعب أيضا تصنيفه كمنتوج جانبي لإستراتيجية الردع الأميركية، لأن الإدارة الأميركية -أولا- لديها رسوم بيانية دقيقة لنتائج ردود فعل العراق على استخدام أسلحة الحرب المعنوية ضده، وهي لا تشجع على هذا الاستخدام. وثانيا لأن منظومة القوة التي تسيطر على القرار الإستراتيجي للولايات المتحدة قد انتقلت بها من إستراتيجية الردع إلى إستراتيجية القسر. والأخيرة يندمج منتوجها الدعائي في استخدامها فعليا لا في التلويح بهذا الاستخدام، ذلك أن فعالية إستراتيجية الردع تتوقف على توافر ثلاثة شروط:
- توافر القوى القادرة على الردع.
- توافر إرادة استخدامها.
- إقناع الخصم بتوفير الأمرين السابقين معا، أي توافر القوة والإرادة.
لكن فاعلية إستراتيجية القسر تتوقف فقط على وجود القوة القادرة على فرض الهزيمة المطلقة على الخصم، وهو أمر لا يتحقق فعليا بغير استخدام هذه القوة فوق مسرح العمليات. ولذلك إذا لم يكن الأمر شكلا من الحرب المعنوية أو امتدادا لفاعلية نظرية الردع، فماذا يكون غير فتح جسور اقتراب أقصر وأوسع باتجاه هدف توجيه ضربة عسكرية إلى العراق.
مغزى الاسم الكودي "بولوستب"
لقد اختار الأميركيون لهذه الضربة اسما كودياً مبتكراً هو "بولوستب" أي خطوة أو ضربة لعبة "البولو"، وهو اسم يعني في هذه الحالة أكثر من دلالة، فهو قد يعني أن الضربة يمكن أن تكون مركزة ومكثفة وقوية نحو مركز الثقل في العراق لتنهار قوائم الدولة دفعة واحدة وبالتداعي، وقد يعني أن هذه الضربة المركزة القوية قابلة للتكرار حتى يتم إسقاط جميع القوائم. كما قد يعني أن هذه الضربة يمكن أن توجه إلى ما يعتبره الأميركيون مركز الثقل المناوئ في الخليج، وعند ذلك ستسقط بقية أركان وقوائم الخليج بالتداعي أيضا.
لكن الذي يعنينا في حيز السؤال "لماذا الآن؟" هو ما يمكن أن يترتب على الربط المنطقي بين الاسم الكودي للضربة العسكرية وفيضان تصريحات المسؤولين الأميركيين عن حتميتها وقرب وقوعها، لأنه يمكن أن يؤدي إلى الخروج باستنتاج واضح مؤداه أن لاعب البولو الأميركي قد تقدم خطوة إلى الأمام في مراحل قذف كرته النارية نحو قوائم العراق. ويبقى السؤال معلقا: لماذا الآن؟.
عوامل استخدام القوة العسكرية
” نحن أمام إدارة تريد أن تدافع عن نفسها ورؤيتها وإستراتيجيتها وأن تغطي ما انكشف منها ومن اهتزاز الثقة داخليا وخارجيا في صحة توجهها. وليس الأمر متعلقا بانتخابات كونغرس أو سعي لتعزيز فرص البقاء لدورة أخرى ولكنه استنقاذ لنظام ودفاع عن وجود وأسلوب حياة ” |
يرتبط استخدام القوة العسكرية -سواء من حيث الحجم والطبيعة أو من حيث التوقيت- بعدة عوامل قد يكون في مقدمتها:
أولا: أهداف وطبيعة الإستراتيجية الشاملة للدولة التي تسعى لاستخدام القوة، وموقع وأولوية هذا الاستخدام على الخريطة الإستراتيجية الشاملة لها.
ثانيا: توازنات الأوضاع الداخلية على المستوى السياسي والاقتصادي والمعنوي لهذه الدولة، بما في ذلك توافر درجة مقبولة من المحكومية لسلطة اتخاذ القرار الإستراتيجي بالحرب.
ثالثا: تفاعلات الأوضاع الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية على المستويين الدولي والإقليمي.
رابعا: طبيعة الأوضاع الداخلية للخصم عسكريا واقتصاديا ومجتمعيا ومعنويا.
خامسا: الأوضاع الميدانية بدءا من إعداد وتجهيز المسرح الإستراتيجي وتوفير القوة الملائمة للضرب والإسناد، والانتهاء من عمليات التعبئة والحشد وتوزيع المهام والقوات وتوقيع خطط العمليات على الإحداثيات المطلوبة واستكمال حالة الفتح الإستراتيجي.
سادسا: توافر أفضل توقيت زمني فوق منحنى حسابات تفاعل العوامل السابقة مجتمعة.
ولا شك أن تحديد أفضل توقيت زمني ممكن فوق منحنى الحسابات المتداخلة للعوامل السابقة عمل يتسم بالتعقيد الشديد، فتوافر درجات ملاءمة عالية للعامل الثاني يحسب سلبا من درجات الملاءمة للعامل الرابع، وهكذا بالنسبة لبقية العوامل. كما أن جانبا من الحسابات المركبة لاختيار أفضل توقيت للقيام بالعمل العسكري يتصل بدوره بحسابات المستقبل القريب المتعلقة بكل عامل، إذ إن تأجيل الضربة لمدى زمني ما يمكن أن يوفر درجات ملاءمة أقل لأحد العوامل ويوفر درجات ملاءمة أكبر لعامل آخر، وهو ما يمكن أن يعزز من قرار استخدام القوة أو العكس.
أبعاد القرار الإستراتيجي بضرب العراق
” الهدف الأخير هو إنشاء إطار جديد في شمال العراق متعدد القوميات والديانات (يضم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتركمان) يحول دون قيام دولة كردية لا تقبل بها تركيا ويمثل حلا لمشكلة توطين الفلسطينيين ويعمد بشكل مبتكر إلى لبننة المنطقة الكردية ” |
تحول -إذن- سؤال: لماذا الآن؟ إلى سؤال آخر حول دور هذه العوامل السابقة في توجه القرار الإستراتيجي لاستخدام القوة ضد العراق. والإجابة على السؤال الأخير تحتاج إلى تفصيل أكثر.
وثيقة البنتاغون
إذا كان الحديث موصولا بالإستراتيجية الأميركية الشاملة فإنها قائمة ومكتملة ولا جديد أضيف إليها، فمقدماتها موجودة بشكل واضح في تلك الورقة التي قدمها بول ولفويتز تحت العنوان نفسه إلى البنتاغون منذ عام 1993، قبل أن يتم تفصيلها وتعميقها في ما أطلق عليه "وثيقة البنتاغون" التي صدرت عام 1997، معيدة تعريف التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة وسبل مواجهتها لكي تبقى قوة عظمى منفردة لمدة قرن كامل من الزمن. وعلى محاور مواجهة هذه التهديدات، هناك ضوابط شديدة لمنع أي قوة إقليمية من أن تتحول إلى قوة كبرى حتى على مستوى إقليمها، إضافة إلى بناء خرائط جديدة للشرق الأوسط الكبير (الذي أصبح مصطلحا يضم إلى جانب وحدات النظام الإقليمي العربي ودول الجوار، دول جنوب ووسط آسيا) إضافة إلى آسيا وأوروبا الشرقية.
بالتالي فإنه لا علاقة بين أحداث 11 سبتمبر/ أيلول وهذا التوجه الإستراتيجي الأميركي الذي اكتمل إنضاجه قبل هذه الأحداث بسنوات، ومنحته هذه الأحداث فرصة التطبيق العملي، سواء كنا نتحدث عن توسيع حدود مصطلح الشرق الأوسط أو ربط مسرح العمليات في الخليج العربي بمسرح العمليات في آسيا الوسطى خاصة حول بحر قزوين، أو كنا نتحدث عن خلخلة النظام الإقليمي العربي وإعادة صياغة بعض جوانبه وكسر فقراته الإستراتيجية، بغية فصل منطقة الخليج العربي عنه وربطها بالمسرح الآسيوي، علامة على انتقال البندول من قناة السويس إلى بحر العرب في مرحلة الفورة النفطية ثم من بحر العرب إلى بحر قزوين في مرحلة بزوغ الإستراتيجية الأميركية الجديدة.
في دائرة الخليج العربي وتخومه الآسيوية كان التصور الأميركي في ظل الإدارة السابقة يدور في إطار دراسة مشتركة للكلية العسكرية الأميركية ومركز أبحاث الكونغرس عنوانها "البحث عن سلام راسخ في الخليج". وكانت الديباجة الأساسية للدراسة تدور حول فتح حوار إقليمي لتخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران والعراق، وتقليص الخلافات بينها -أي الولايات المتحدة وحلفائها- حول العقوبات في سبيل "التعاون في قضايا أمنية إقليمية".
غير أن هذا الحوار كان يستهدف من واقع الدراسة "تشكيل مجموعة عمل للحد من التسلح في الخليج" تتولى مهمة تشكيل جهاز أميركي تكون وظيفته "التفتيش الدائم عن أسلحة الدمار الشامل في كل دول الخليج"، وهو ما كان يعنى إخضاع المنطقة كلها لمبدأ التفتيش على الأسلحة.
كان المقصود من تعبير "التعاون في قضايا أمنية إقليمية" بالنسبة للعراق هو إنهاء العقوبات والقبول بالعراق كدولة طبيعية في المنطقة، مقابل قبول العراق توطين الفلسطينيين في لبنان داخل المنطقة الكردية في الشمال.
وقد سبق أن طرحت أميركا هذا المشروع قبل حرب الخليج ثم عادت بعد الحرب واستخدمت عدة قنوات متلمسة إعادة طرح الموضوع على العراق، ولكن بغداد أكدت إصرارها على الرفض، وبالتالي لم يكن ثمة أشكال أخرى متاحة بين أميركا والعراق للتعاون في "قضايا أمنية إقليمية تتيح إنهاء العقوبات".
وحين انتهى العراق إلى رفض توطين الكتلة الفلسطينية بدأ السعي الأميركي لإحكام الحصار حول العراق من جهة، ومن جهة أخرى توسيع الإطار الجديد في المنطقة الكردية ليتسع لكتلة أكبر من الفلسطينيين وكتلة موازية من التركمان للاستيطان في المنطقة وتخفيف العبء عن تركيا، ليبقى الهدف الأخير هو إنشاء إطار جديد في شمال العراق متعدد القوميات والديانات يحول دون قيام دولة كردية لا تقبل بها تركيا ويمثل حلا لمشكلة توطين الفلسطينيين، ويعمد بشكل مبتكر إلى "لبننة" المنطقة الكردية ومنحها فرصة لأن تنتفخ بما يساوي مليون لاجئ.
” دخلت الولايات المتحدة والرأسمالية العالمية عموما في طور أزمة هيكلية حادة تنتقل أعراضها ومضاعفاتها باطراد من الأطراف إلى القلب، وليس ثمة مخرج أمام هذه الإدارة غير منهج توسيع استخدام القوة كاستثمار اقتصادي ” |
وإذا كان الحديث موصولا بالأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة وبجانب من الأوضاع الدولية خاصة على صعيد أزمة اقتصادية تعصف بقلب الرأسمالية العالمية وبحضرها وريفها معا فقد كان تصور الإدارة الأميركية السابقة هو الدخول في مرحلة جديدة لإعادة بناء الإقليم يمكن تسميتها "مقلوب حرب الخليج"، تحت تصور كان يرى أن هذه الأزمة الاقتصادية العالمية تتطلب إيصال المنطقة إلى أشكال من التسويات الناقصة تتحمل إسرائيل جانبا من أعباء تكلفتها السياسية وهو ما رفضته بالقوة.
وقد كان مطلوبا من عناصر هذه التهدئة السماح بضخ دم جديد في دورة رأس المال العالمي سواء برفع أسعار البترول التي ستضاعف فاتورة الواردات العربية من السلع والأغذية والسلاح، أو بنتائج التهدئة والتسويات الناقصة في فلسطين ومع إيران والعراق وليبيا رفعا للحصار لتتكفل أعمال الإعمار وإعادة بناء البنى الأساسية، إضافة إلى قوائم المشتريات الجاهزة من السلاح والسلع، بفتح أسواق المنطقة على اتساعها وبالتالي تنقية شرايين رأس المال الدولي وطرد الركود منها.
في ظل إدارة "منظومة القوة" في الولايات المتحدة كان التصعيد "رأسيا وأفقيا" بديلا للتهدئة لحل الأزمة الاقتصادية ذاتها، ولكن الحاصل أن الركود تضاعف وأن الاقتصاد الأميركي قبل الاقتصاد الدولي أصبح يقف على قدميه الأماميتين، فالهبوط في الاقتصاد الأميركي وصل إلى نسبة 21% والحكومة الفدرالية تتجه موازنتها إلى عجز مالي تجاوز 106 مليارات دولار، وانكشاف تدليس الشركات الأميركية قد وضع كبرياتها فوق منحدر إفلاس وخراب وفضائح (الخسائر المقدرة لخمس شركات كبرى فقط بلغت 460 مليار دولار). أما الإدارة الأميركية فتبدو في قلب الصورة وهي تحمل سلة تفاح أميركي فاسد. ثم يبقى انعكاس الأزمة ومضاعفتها على الاقتصاد العالمي وعلى الاستثمارات في الولايات المتحدة بعد أن تمزقت روابط الثقة، وعلى الطلب الداخلي الأميركي الذي يكاد يمثل قاطرة الاقتصاد العالمي.
وبالتالي فإن الأزمة الاقتصادية الدولية قد حشرت الاقتصاد العالمي كما حشرت الاقتصاد الأميركي في زاوية توتر وانكسار، وهذا هو المتغير الأكثر وضوحا في العوامل السابقة لأنه برهن على أن أميركا ونمط هذه الرأسمالية العالمية قد دخلا في طور أزمة هيكلية حادة، وأن الأزمة تنتقل أعراضها ومضاعفاتها باطراد من الأطراف إلى القلب، ومع ذلك يبدو أنه ليس ثمة مخرج أمام هذه الإدارة غير منهج توسيع استخدام القوة كاستثمار اقتصادي.
في الحيز الداخلي الأميركي نحن أمام إدارة تريد أن تدافع عن نفسها وعن رؤيتها وإستراتيجيتها وأن تغطي ما انكشف منها ومن اقتصادها ومن اهتزاز الثقة داخليا وخارجيا في صحة توجهها. وليس الأمر في هذا الإطار أمر انتخابات في الكونغرس أو سعي لتعزيز فرص البقاء أمام الإدارة لدورة أخرى، ولكنه استنقاذ لنظام ودفاع عن وجود وعن أسلوب حياة.
نتيجة الاختبار الأميركي لدول المنطقة
إذا كان الأمر موصولا بأوضاع البلاد فإن الولايات المتحدة قد وضعت جميع دول المنطقة في أنبوبتي اختبار كبيرتين: إحداهما على مقاس جبل النار في أفغانستان والأخرى على مقاس بحر الدم في فلسطين. وفي الحالتين لم يصدر عن البلاد ووحداتها ما يمكن أن يمثل تحديا للإرادة الأميركية أو يمثل إضرارا بمصالحها.
وإذا كانت الأضرار حول هذه الإدارة معزولة بسلطات وأنظمة مجهدة وبمشاعر رهبة واستكانة وبجماهير معزولة ومطوقة، فإن فتح أبواب الجحيم في العراق لا يعني بحسابات التجربة والواقع أن يصدر عن المنطقة ووحداتها السياسية ما يناقض ما صدر عنها عندما حشرت في أنبوبتي الاختبار السابقتين. لكن مرور مزيد من الوقت ليس في صالح بقاء هذا العامل على حاله لأن المنطقة كلها في منظور الرؤية الأميركية مسكونة بالزلازل وبالمفاجآت كما أن انفجاراتها تستعصي على أدوات القياس وعلى قرون الاستشعار من بعد.
قواعد الارتكاز العسكري
إذا كان الأمر موصولا بتهيئة المسرح الإستراتيجي للضربة العسكرية فإن قواعد الارتكاز الأساسية فوق هذا المسرح قد تمت تهيئتها بالفعل:
- استعيض عن الهجوم البري عبر المحور السعودي بمحور عربي آخر.
- والأمر نفسه بالنسبة لمركز إدارة العمليات الجوية.
- وتمركزت على الأرض عبر محورين ما يقترب من ثلاث فرق أميركية مدرعة.
- وقد تم بناء قواعد الهجوم والارتكاز في الشمال العراقي (مركزي قيادة محضين في زاخو وفي أربيل، إضافة إلى خمسة مطارات جاهزة للاستخدام).
- وتم قطع أغلب الطريق إلى تدريب "البشمرجة الأكراد" وتسليحهم في شمال العراق، وتم استعجال ذلك بتوزيعهم على قواعد تدريب في قبرص وفي إسرائيل ذاتها.
على صعيد العتاد الحربي
- العمل لم يتوقف لحظة واحدة في مصنع شركة "بوينغ" من أجل سد النقص في القنابل الذكية بعد عمليات الضرب المساحي في أفغانستان.
- تم تحقيق الكفاية في الذخيرة الهجومية المعروفة باسم "جي دي إي أم".
- لم تجرب الولايات المتحدة الصاروخ "توماهوك" في مسرح عمليات فعلي قبل عملية عاصفة الصحراء لأن هذا الصاروخ كان قد صمم أصلا ليؤدي دورا في منظومة الردع الإستراتيجي ضد الاتحاد السوفياتي السابق، وقد فتحت تجربته في حرب الخليج الفرصة لتحويله إلى سلاح أساسي للرد الفوري والممتد.
- تتعجل الولايات المتحدة الآن تجربة سلاحين جديدين في مسرح عمليات فعلي، أولهما: الطائرة القاذفة بدون طيار، وثانيهما: الصواريخ البالستية العابرة للقارات المحملة برؤوس حربية تقليدية. وهناك في البنتاغون من يرى أن نجاح تجربتها في مسرح عمليات فعلي سيضع الإستراتيجية العسكرية الأميركية على أعتاب مرحلة جديدة.
تأمين النفط
” لدى الولايات المتحدة الأميركية مضاعفات أزمة اقتصادية ومجتمعية آخذة في التصاعد وهي ذات انعكاسات دولية خطيرة، وهو العامل الأكثر حضورا وتأثيرا في تعجل استخدام القوة ضد العراق، وفي تعميق ظاهرة تحويل القوة العسكرية إلى استثمار اقتصادي ” |
إذا كان الأمر موصولا بالأزمة الاقتصادية وبالبترول فإن الحديث يتم الآن عن ضربة قوية يتلوها احتلال عسكري أميركي مباشر لمناطق واسعة في العراق كما حدث في أفغانستان، فهناك تجهيزات لاحتلال طويل، ومن بين آبار النفط في العراق هناك ثلاث آبار في الجنوب يضاهي إنتاجها البترول الكويتي كله.
وفي هذا الإطار أيضا فإن الولايات المتحدة قد أكملت سيطرتها على 30% من آبار منطقة بحر قزوين، وفي القطاع الكزخي وحده بلغت العقود الأميركية 30 مليار دولار، وفي أذربيجان وصلت استثمارات "بريتش بتروليم" إلى 12 مليار دولار. كما تم تجهيز البدائل لارتكاز أميركا على بترول السعودية، وجانب من هذا البديل هو اتفاق أميركا مع روسيا على رفع سقف إنتاجها من خمسة ملايين برميل إلى 8.5 ملايين برميل، وقد بدأت روسيا منذ أسابيع قليلة تشغيل خط أنابيب بترول يربط بينها وبين أميركا مباشرة عبر ممر بهرنج دون المرور بقناة السويس، إلى جانب أنبوب مباشر آخر لتغطية احتياجات أوروبا.
لدى الولايات المتحدة الأميركية إذن، مضاعفات أزمة اقتصادية ومجتمعية آخذة في التصاعد وهي ذات انعكاسات دولية خطيرة، وهو العامل الأكثر حضورا وتأثيرا في تعجل استخدام القوة ضد العراق، وفي تعميق ظاهرة تحويل القوة العسكرية إلى استثمار اقتصادي. وفي الأوضاع الدولية ما يهيئ مناخا مناسبا لذلك.
ثم إن أنابيب الاختبار قد وضعت البلاد وتخومها فوق مواقد مشتعلة منذ فترة وقد أعطت نتائجها، وتهيئة المسرح الإستراتيجي للعمليات قد تم أو كاد، وفي جعبة البنتاغون خرائط سابقة التجهيز وأسلحة جديدة لإحداث تدمير أوسع من مسافات أبعد، مع تقليل الخسائر إلى حدود غير مسبوقة. كيف إذن لا يتم تسخين المناخ الدولي بأن الضربة ضد العراق حتمية ووشيكة؟!.
_______________
* خبير مصري في الشؤون الإستراتيجية.