تعقيب فاروق الشرع على تقريري بليكس والبرادعي

فيما يلي نص كلمة وزير الخارجية السوري فاروق الشرع التي ألقاها في مجلس الأمن الجمعة 14/2/2003 تعقيبا على تقريري هانز بليكس رئيس فريق التفتيش والتحقق والرصد على أسلحة العراق ومحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

"قبل ثلاثة أشهر اعتمد مجلسنا بالإجماع القرار 1441، وقد انضمت سوريا إلى هذا الإجماع بعدما تلقت تأكيدات وإيضاحات بأن التصويت لمصلحة هذا القرار يعني السير بشكل جدي نحو حل سلمي لموضوع نزع أسلحة الدمار الشامل وعدم استخدامه كذريعة لشن الحرب على العراق.

وقبل قليل قدم السيدان بليكس والبرادعي تقريرهما وسجلا مقدار التقدم الذي تم إحرازه خلال الفترة الفاصلة بين تقريريهما. وهذا يعني أنه خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين جرى تسجيل هذا التقدم الجوهري في مهمات المفتشين مما يؤكد أن عمليات التفتيش تعطي نتائج مهمة من خلال الحوار والتعاون والثقة المتبادلة بين العراق والمفتشين. وهذا يستوجب من مجلس الأمن مواصلة الدعم لمهمات المفتشين ومنحهم الوقت الكافي لإنجاز عملهم كما حددها لهم القرار 1441.

جئت من منطقة تقف اليوم أمام مفترق خطير للغاية يتأرجح بين الحرب والسلام. جئت من منطقة عانت كثيراً من ويلات حروب عدة وما زالت تعاني من استمرار سياسة عنصرية تقوم على الاحتلال والاستيطان والتدمير للبشر والحجر ضد شعب فلسطيني أعزل. منذ 1973 والعالم ينصحنا بانتهاج سياسة الحلول السلمية للصراع العربي الإسرائيلي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتعاون معها في مجالات مختلفة على رغم أنها ما تزال مستمرة:

أولاً: في احتلالها لأراض سورية وفلسطينية ولبنانية، وفي بناء المستوطنات عليها، وتهديد جيرانها.

ثانياً: في امتلاكها لكل أنواع أسلحة الدمار الشامل، بل وانفرادها في تملك الأسلحة النووية ورفضها أي رقابة أو تفتيش دولي عليها خلافاً لدول الشرق الأوسط التي قبلت الرقابة والتفتيش الدوليين.

ثالثاً: في تحديها لكل قرارات الأمم المتحدة التي تجاوزت الـ500 قرار (منها 31 قراراً صادراً عن مجلس الأمن) وترفض الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة أقرها المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة الأميركية. وحتى عندما صوتت الولايات المتحدة مع معظم هذه القرارات، فإنها بقيت حبراً على ورق، وأخيراً زال الحبر وتغير الورق وتحول شارون بقدرة قادر إلى "رجل سلام". واسمحوا لي الآن أن أتساءل أمامكم: أين عراق اليوم من كل ذلك؟

ألم يعترف العراق بدولة الكويت وبحدودها الدولية التي رسمها مجلس الأمن؟ ألم يفرض على العراق مناطق حظر جوي فوق شمال البلاد وجنوبه من دون وجود سند قانوني لهذا الحظر؟ ألم يفتح العراق كل أبوابه من دون شروط أو تحفظ أمام المفتشين ويتعاون معهم بإيجابية في الوقت الذي رفضت فيه إسرائيل قبول أي شكل من أشكال التفتيش على منشآتها النووية؟

في ضوء هذه المفارقات الغريبة، أليس من حق الكثيرين أن يتساءلوا أيضاً: هل هذه السياسات تعبر فقط عن ازدواجية المعايير، أم أن خطورتها الحقيقية تتجاوز ذلك إلى استهداف متعمد للعراق وفلسطين خصوصاً، وللعرب والمسلمين عموماً مثلما تستهدف أيضاً المصالح الحيوية للعالم بأسره؟

إننا مع الحل السلمي لموضوع العراق، والعقل السليم يؤكد أيضاً أنه لا بديل عن هذا الحل، لأننا ندرك أكثر من غيرنا، بحكم جوارنا لهذا البلد وخبرتنا في ما يجري حولنا، أن هذه هي الحرب الأولى في الشرق الأوسط التي يوجد إجماع عربي على رفضها فضلاً عن غالبية كبرى من شعوب العالم تطالب بإيقافها. وستكون لهذه الحرب نتائج خطيرة على العراق وشعبه ووحدة أراضيه، وستطال آثارها المنطقة برمتها، وستؤدي إلى فوضى عارمة لا يستفيد منها إلا أولئك الذين ينشرون الرعب والدمار في كل مكان. ولا يخفي أولئك الذين يقرعون طبول الحرب أن هدفهم ليس نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق، بل لديهم جدول أعمال خفي يريدون من خلال حربهم على العراق التوجه لتنفيذه في المنطقة كلها. فلو كان الهدف الحقيقي هو نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية فإن تحقيق هذا الهدف ممكن من خلال دعم مهمة المفتشين ومنحهم الوقت الكافي لإنجازها.

إننا نقف مع الحل السلمي لموضوع العراق لأننا نعتقد بأن خيار الحرب سيؤدي إلى انهيار الائتلاف الدولي لمكافحة الإرهاب والذي ظهرت مؤشراته الأولى في الساحة الأفغانية. ولا نرغب بالدخول في التفاصيل لأنكم على اطلاع تام على مجرياتها.

إن مجرد التفكير بأن تكون الحرب أحد خيارات مجلس الأمن هو بحد ذاته دليل ليس فقط على عجز مجلس الأمن عن أداء مهامه، بل هو دليل على فشل النظام الدولي برمته الذي لا بديل له في هذه المرحلة عن احترام ميثاق الأمم المتحدة، واستخدام مؤسساتها لصيانة أمن وسلام وازدهار العالم، وليس من خلال وضع العالم لأشهر طويلة على فوهة بركان.

لقد اطلعنا على الاقتراحات الفرنسية من أجل تعزيز مهام المفتشين. ولأن عمل المفتشين قد حقق إنجازات مهمة لم تستطع القوة العسكرية تحقيقها، فإننا نعلن تأييدنا لهذه الأفكار باعتبارها بديلاً عن الحرب وأساساً لتعزيز مهام المفتشين بغية إنجازها في أسرع وقت ممكن، بما يؤدي إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة برفع الحصار المفروض على العراق تنفيذاً للقرار 687، كذلك تفعيل المادة 14 من القرار المذكور التي تنص على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار النووية والجرثومية والكيماوية من دون استثناء، أي دولة بما في ذلك إسرائيل التي تنفرد بامتلاكها لكل هذه الأسلحة الفتّاكة.

إننا بالفعل أمام لحظة الحقيقة، فالحرب في القرن 21 لم تعد لعبة، بل أصبحت مأساة يدينها التاريخ. فلنعمل جميعاً من أجل السلام، لأننا قادرون على تحقيقه.
_______________
نقلا عن صحيفة الحياة 15/2/2003

المصدر : غير معروف