التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي
عرض/ إبراهيم غرايبة
هذا الكتاب هو أول طبعة عربية للكتاب السنوي لمعهد أستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (SIPRI). وقد تأسس هذا المعهد عام 1964 في ذكرى مرور 150 سنة من السلام المستمر على البلاد السويدية، وبدأ إصدار هذا الكتاب سنويا عام 1969 ليكون مرجعا شاملا لأحداث العام المعني بالدراسة في التقرير، من الصراعات المسلحة وأبعادها المختلفة وجهود السلام المبذولة، ويمثل خريطة شاملة ومعقدة لأوضاع العالم السياسية والإستراتيجية والأمنية ومعالجة بالدراسة والتحليل.
|
يقدم الكتاب مجموعة كبيرة من التقارير والدراسات، وتضم قائمة المؤلفين حوالي 40 مؤلفا، مثل جينمي أديسا كبير المنسقين ورئيس مؤتمر الأمن والاستقرار في أفريقيا، وأليسون بايلز مديرة سيبري وسفيرة بريطانية سابقة، وشارون ويهارتا الباحثة الإندونيسية في سيبري وجامعة واشنطن.
الأمن الدولي
تعرض بايلز المشهد الأمني والسياسي عام 2002 الذي سيطر عليه قضايا الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، لكن أجندة السياسة كانت تستغرقها أعمال الولايات المتحدة الأميركية وخططها. وقد عكست ردود الفعل المنقسمة على هذه الحال تنوع التحليلات للتهديدات الجديدة، وتنوع الآراء بشأن ردود سياسية ملائمة، وتقترح صياغة إستراتيجية شاملة تقيم توازنا بين جميع أبعاد الأمن، وتبعد استخدام الموارد عن الأخطار والتهديدات المحتملة.
وفي دراسة زدسلو تعرض الجهود الغربية لتوحيد عمل الأطلسي وتوسعته، ووجهة النظر الروسية التي تختلف في التعامل مع ما يسمى "الدول المارقة".
وهناك في دراسة ويهارتا أربعة نزاعات رئيسية كبرى استولت على المشهد عام 2002 وهي الشيشان وكولومبيا والكونغو وفلسطين (لم يصل التقرير بعد إلى احتلال العراق)، وتطورت أساليب النزاعات والحروب في سريلانكا والصومال والسودان، وقد انعكست الحرب الأميركية على "الإرهاب" على هذه النزاعات.
لكن إريكسون وسوللينبرغ يعرضان 21 نزاعا مسلحا رئيسيا وقعت في 19 بلدا في أنحاء العالم، ومازال النزاع الهندي الباكستاني هو النزاع الوحيد المتبقي من النزاعات بين دولتين أو أكثر، وكانت الأغلبية الساحقة من النزاعات تقع في أفريقيا وآسيا.
وفي أفغانستان التي أفرد لها فصل خاص شنت الولايات المتحدة عمليات عسكرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وأسقطت نظام الحكم القائم، ونشرت قوة أمنية بمساعدة دولية، لكن مازال معظم البلد تحت سيطرة قادة محليين، ومازال النزاع الإثني قويا وخطرا، وأثبتت العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان أن الإرهاب لا يمكن الانتصار عليه بالوسائل العسكرية.
أوروبا والدور العالمي الجديد
” أثبتت العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان أن الإرهاب لا يمكن الانتصار عليه بالوسائل العسكرية ” |
ظهرت مؤشرات وحالات عدة على استقلال السياسات والمواقف الأوروبية عن الولايات المتحدة، وقد بدأ الاتحاد الأوروبي يحقق تقدما باتجاه مركزية مجموعة من السياسات الأوروبية الاقتصادية والتشريعية والدفاعية، لكن تقدم الإنجازات المؤسسية والتقنية في المجال الدفاعي وتحسين قدرات الاتحاد الأوروبي مازالت متواضعة، وكان الإنجاز السياسي الكبير الوحيد هو الاتفاق على مسألة وصول الاتحاد الأوروبي إلى موجودات الناتو، وقد أثمرت جهود الاتحاد الأوروبي في المجال المدني عن إطلاق مهمة شرطتها في البوسنة والهرسك، وحثت الاتفاقية الأوروبية أعضاء الاتحاد الأوروبي على الشروع في مناقشة والتوصل إلى أفكار بشأن مسائل الأمن والدفاع التي تذهب إلى أبعد من هدف عنوان هلسنكي الأصلي.
ويبين إصلاح قطاع الأمن بتطبيقه على المنطقة الأوروأطلسية توترات معينة بين الإصلاح والتحديث وأهداف دمقرطة دول جديدة في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى، وقد شدد الناتو على السيطرة المدنية الديمقراطية على الجيش، لكن ليس واضحا ما إذا كان هذا سيستمر في مواكبة المطالبات بقدرات دفاعية مزيدة.
ويجري في الوقت نفسه السعي لتحسين فعالية الترتيبات الأمنية الداخلية لأوروبا من خلال توسيع الاتحاد الأوروبي على حساب الشفافية والمساءلة والسيطرة الديمقراطية لمؤسسات الأمن الداخلي في البلدان المرشحة.
القطاع العسكري وصناعة السلاح
تأتي البيئة الأمنية المتغيرة بتحديات للذين يوفرون مؤشرات كمية على القطاع العسكري، مثل الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة، وقد كان للتفكير الأمني والسياسات الأمنية الجديدة التي تنطوي على توسيع مفهوم الأمن وتعميقه ليشتمل على وسائل غير عسكرية وموفري أمن غير الدولة تأثير على موافقة بيانات الإنفاق العسكري ومؤشرات أخرى لمقتضى التحليل الأمني، كما أن الحدود المشوشة بين وظائف الجيش ووظائف قطاعات الأمن الداخلي تثير أسئلة حول معنى بيانات منفصلة للإنفاق العسكري، وكذلك إذا استمر تجاهل تدويل حيازة الأسلحة فلن يكون من الممكن وصف سوق الأسلحة، أو التغييرات في مثل هذه الأسواق وصفا يمكن الاعتماد عليه.
وقد ارتفع الإنفاق العسكري العالمي المتزايد منذ سنة 1998 بنسبة 6% بالأسعار الحقيقية في العام 2002 إلى 794 مليار دولار بالأسعار الجارية، أي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
” كانت الولايات المتحدة الأميركية المورد الأكبر للأسلحة التقليدية في فترة السنوات الخمس من 1998 وحتى 2002 مع أن روسيا كانت المورد الأكبر في سنة 2002 ” |
هذا التسارع في معدل الزيادة يعود إلى زيادة هائلة من طرف الولايات المتحدة الأميركية ردا على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، لكن الحرب على الإرهاب لم تستثر زيادات مماثلة في معظم البلدان الأخرى، خاصة في أوروبا الغربية، حيث بقي الإنفاق منخفضا، وقد استمر منفقون رئيسيون آخرون في زيادة الإنفاق العسكري، بمن فيهم الصين وروسيا للمضي في تحديث القوة، والهند بسبب عوامل أمنية إقليمية.
واستمرت خلال العام 2002 إعادة تنظيم صناعة الأسلحة الأميركية والأوروبية الغربية التي بدأت عقب نهاية الحرب الباردة، وكانت في ما سبق مدفوعة بالانخفاض السريع في الطلب المحلي والخارجي على المعدات العسكرية.
لكن إنتاج صناعة الأسلحة أوقف تراجعه منذ منتصف التسعينيات، ففي الولايات المتحدة الأميركية نما التركيز المستمر من مخاوف انعدام التنافس، وفي أوروبا يزيد الاتحاد الأوروبي من تدخله في سياسة الصناعة الدفاعية، لكن الحكومات لا تزال تختلف في سياساتها بشأن المشتريات والمنافسة والملكية الأجنبية والخصخصة، وفي روسيا حل اتجاه متصاعد وإن بتواضع منذ العام 1998 محل التخفيضات الدراماتيكية في الإنفاق الحكومي على مشتريات الأسلحة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، إلا أن صناعة الأسلحة الروسية تواصل اعتمادها الكبير على الصادرات، وهكذا فإن انعدام التمويل ومعارضة الشركات والسياسيين الإقليميين يقفان حجر عثرة أمام إعادة تنظيم الصناعة.
بقيت تحويلات الأسلحة التقليدية في فترة 1998-2002 عند مستوى ما بعد الحرب الباردة المنخفض والمستقر نسبيا. فأكبر الموردين الخمسة كانوا وراء نحو 80% من جميع تحويلات الأسلحة التقليدية الرئيسية، وكانت الولايات المتحدة الأميركية المورد الأكبر في فترة السنوات الخمس، مع أن روسيا كانت المورد الأكبر في العام 2002. وكان انتقال الصين إلى المرتبة الرابعة قفزة ذات دلالة قياسا بالسنوات السابقة، وكان من أكبر المتلقين البلدان المتورطة في الحرب على الإرهاب.
وتوحي الحالات المدروسة في الكتاب السنوي والتقارير المتضمنة فيه بأن مكافحة الإرهاب لم تسفر عن مستويات عالية من عمليات تسليم أسلحة في العام 2002، وأهمية نشاط مكافحة الإرهاب بالنسبة للتوجه المستقبلي لتحويلات الأسلحة الرئيسية تبدو غير واضحة، ومع ذلك فإن التحويلات المتدنية المستوى والتحويلات لأغراض خاصة يمكن أن تصبح مهمة بالنسبة لبلدان صغيرة وأن تقدم مساهمة كبيرة في القدرة العسكرية لمتلقين معينين.
إن الاعتماد المباشر لمشتري الأسلحة والمعدات العسكرية والناتج عن التنافس بين الدول الموردة هو القاعدة لا الاستثناء في سوق الأسلحة الدولية، وقد برز التمويل كعامل مهم في الفوز بطلبيات معدات فازت بها لوكهيد مارتن في ديسمبر/ كانون الأول 2002 بدعم من إجازة قرض من الحكومة الأميركية مقداره 8.3 مليارات دولار، وقد بذل جهد محدود فقط على الصعيد الدولي لبسط قواعد تمويل اعتمادات التصدير إلى القطاع العسكري.
وكانت حيازة السلاح النووي شغلا شاغلا للولايات المتحدة وحلفائها، والهم الأكثر شيوعا في الوقت الحاضر هو كيف تكافح حيازة دول غير نووية أو أي منظمة غير حكومية لأسلحة نووية، وحيازة حكومات ومنظمات لأسلحة بيولوجية وكيميائية، وفي حين تؤدي عمليات ووثائق مختلفة دورا ضروريا ومفيدا في تعزيز مراقبة الأسلحة ونزعها وحظر انتشارها وتعزيز أهداف مراقبة الصادرات فإن أيا منها ليس في حد ذاته ردا ملائما على التهديدات الناشئة عن التطور الراهن للقدرات العسكرية.
وقد بدأت الحكومات تفكر في كيف يجمع بين سلسلة من الوثائق المتاحة لتحقيق أهدافها الرئيسة من مراقبة الأسلحة، ويوجه اهتماما خاصا إلى الشراكة العالمية للحد من انتشار أسلحة ومواد الدمار الشامل، وهي الشراكة التي أطلقتها مجموعة الدول الثماني في يونيو/ حزيران 2002.
حفظ السلام ومواجهة انتشار الأسلحة
” تواجه اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد تحديات رئيسية أهمها ضعف التعاون والتمويل اللازمين لتفعيل الاتفاقية وضم بلدان مهمة إلى الاتفاقية مثل الصين والهند وباكستان وروسيا والولايات المتحدة ” |
يظهر التقرير 48 عملية دولية لحفظ السلام في مختلف أنحاء العالم، وقد أنهي عام 2002 ست من هذه المهمات الطويلة، وبدأ العمل في أربع مهمات جديدة، وقد أتاحت حالة الاستقرار الناشئة في البلقان وتيمور الشرقية تخفيضا كبيرا للعمليات الدولية في حفظ السلام، وبدافع من تطورات سياسات الاتحاد الأوروبي أسند إلى هيئة الأمم المتحدة مهمات إضافية في أفغانستان وأنغولا.
وظهرت المحكمة الجنائية الدولية إلى حيز الوجود في يوليو/ تموز 2002، بعد أن صدقت عليها 60 دولة استطاعت بذلك التقدم بسرعة بتفصيلات تفعيل المحكمة، وميزانيتها وإجراءات تسمية القضاة، ومع ذلك فقد ظل تأسيس المحكمة مثار خلاف، إذ عارضت دول عدة إنشاءها، والولايات المتحدة من أقوى خصومها، وفي العام 2002 جعلت المحكمة بيدقا سياسيا لين مؤيديها ومعارضيها، واتخذت الولايات المتحدة خطوات مختلفة لتخفيف فعالية المحكمة وحماية مواطنيها من سلطات المحكمة.
وتعرض نظام حظر الانتشار النووي لضغط متنام، فكوريا الشمالية أعادت تشغيل المرافق النووية المجمدة بموجب الإطار المتفق عليه عام 1994، وأعلنت انسحابها من معاهدة انتشار الأسلحة النووية للعام 1996، وأثار اعتراف إيران بوجود منشآت نووية غير معلنة حتى الآن شكوكا حول طموحاتها فيما يتعلق بالسلاح النووي.
وفي مايو/ أيار 2002 وقعت روسيا والولايات المتحدة الأميركية معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، وتمنح هذه المعاهدة الطرفين مرونة كبيرة لتقليص قواتهما النووية فيما بين 1700 و2200 رأس حربي مع حلول العام 2012، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2002 أعلنت الولايات المتحدة خطة نشر نظام مضاد للصواريخ البالستية للدفاع عن ترابها الوطني.
ويواجه نظام مراقبة الأسلحة التقليدية في أوروبا تحديين سياسيين: الخلاف المستحكم على سريان مفعول اتفاقية 1999 بشأن تعديل معاهدة الحد من القوات المسلحة التقليدية، وتوسيع حلف الناتو بإدخال دول البلطيق إليه، والمشاركين في استخدام إجراءات بناء الثقة والأمن المجسدة بوثيقة الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وميثاق السلوك الدولي، وعلى المستوى الإقليمي كانت المحاولة الأولى لاستخدام الأنشطة البحرية تطورا بالغ الأهمية.
وتواجه اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد تحديات رئيسية، أهمها ضعف التعاون والتمويل اللازمين لتفعيل الاتفاقية، وضم بلدان مهمة إلى الاتفاقية، مثل الصين والهند وباكستان وروسيا والولايات المتحدة، وقد حدث تفدم مهم في حظر الأسلحة "غير الإنسانية" وجرى إعداد بروتوكول جديد بخصوص مخلفات الحروب من المتفجرات والتخفيف من أضرار الألغام.
وأدخلت تغييرات على أنظمة مراقبة التصدير المتعددة الأطراف لتنظيم تجارة وتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية أسهمت أوروبا بدور كبير في توقيعها وتطبيقها، وجرت جهود لحشد تأييد دولي لمسودة ميثاق السلوك الدولي لمكافحة انتشار الصورايخ البالستية، وقد طرحت المسودة في لاهاي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، ووقعت الميثاق أكثر من 90 دولة، ولكنه نجاح يبقى جزئيا لأن أغلبية الدول المشاركة في تصنيع الصواريخ البالستية بعيدة المدى قررت عدم الانضمام إلى المبادرة.