شكيب أرسلان.. أمير البيان

كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني اشتهر بلقب أمير البيان لغزارة كتاباته، ويعتبر من كبار المفكرين وأبرز دعاة الوحدة العربية والإسلامية. كان يجيد اللغة العربية والتركية والفرنسية والألمانية.

المولد والنشأة
ولد في 25 ديسمبر/كانون الأول 1869 في الشويفات بلبنان، وهو ينتمي إلى أسرة درزية عريقة. وشكيب تعني بالفارسية: الصابر، وأرسلان تعني بالتركية والفارسية: الأسد.

قال الشيخ علي الطنطاوي: "كان درزي الأصل، ولكنه تبرأ من درزيته، وعاد إلى الدين الحق، وظل عمره كله يحامي عنه بقلمه ولسانه، يؤدي فرائضه وسننه، ويتجنب محرماته ومكروهاته".

الدراسة والتكوين
حفظ القرآن على أسعد فيصل، ودرس علوم العربية على عبد الله البستاني، ودرس التركية والفرنسية، وانتسب إلى المدرسة السلطانية ببيروت عام 1887.

أقام بدمشق وحضر دروس الشيخ محمد عبده، والتقى بالشيخ جمال الدين الأفغاني في إسطنبول عام 1892، وأتاحت له إقامته في أوروبا أن يقرأ ما كتب الغرب عن العرب وحضارتهم وثقافتهم، وبسط قضايا العرب والمسلمين على منابر أوروبا بكل صراحة ووضوح.

التقى بالعديد من المفكرين والأدباء خلال سفراته العديدة مثل أحمد شوقي وإسماعيل صبري. وقام برحلاته المشهورة من لوزان بسويسرا إلى نابولي في إيطاليا إلى بور سعيد في مصر واجتاز قناة السويس والبحر الأحمر إلى جدة ثم مكة وسجل في هذه الرحلة كل ما رآه وقابله.

التوجه الفكري
تجلّت أهداف شكيب أرسلان في الاتحاد والتحرّر والسير في موكب النهضة والعلم الحديث. ولم يجد أي تعارض بين العروبة والإسلام، والعقيدة والحكم، وأنكر عزل الدين عن المجتمع، واقتداء الدول الشرقية بالغرب. وذهب إلى أن العصبية الجنسية من عمل المفرّقين الذين يحاولون إثارة العرب على الدولة، والذين يريدون تغليب العصبية الجنسية على العصبية الدينية، وإيقاد نار الفتنة بين الشعبين اللذين هما قوام الدولة الإسلامية.

أشاد بالعرب وتغنّى بمزاياهم "فهم أمة نجيبة قد أتاها الله من معادن الفضل ومدارج النبل ومطالع الذكاء ومنابت الشجاعة ما لم يؤت غيرها من أمم البسيطة". ورأى أن سبب تأخر المسلمين السياسي والفكري والاجتماعي ناتج عن نقص العلم، وفساد الأخلاق، ونقص الفضائل التي حثّ عليها القرآن وطالب بها الدين، ودافع عن قضايا الإسلام بلسانه وقلمه.

التجربة الفكرية والسياسية
كان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربية، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة دعا إلى إنشاء جامعة عربية، ولما أنشئت الجامعة العربية كان سروره بها عظيما، وكان يرى فيها ملاذا للأمة العربية من التشرذم والانقسامات، والسبيل إلى نهضة عربية شاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية.

مجّد أعمال الدولة العثمانية، وافتخر بسلاطينها وامتدح جيشها، ورأى فيها الأمل الوحيد في جمع شتات المسلمين، والحفاظ على قوتهم ووحدتهم، وتصدى لمحاولات التشكيك في أهلية العثمانيين للخلافة الإسلامية، وانحاز إلى جانب الاتحاديين قبل أن يسفروا عن وجوههم المخادعة، وكان يرى أن الخلافة يومئذ على ضعفها وتفككها ملاذ المسلمين الوحيد ضد الطمع الصليبي الاستعماري، ولم يتردّد في أن يعلن الحرب على دعاة الطورانية، ووقف إلى جانب مسلمي البلقان، وأشرف على تنظيم أحوال المهاجرين من مناطق الحرب، ودعا إلى التطوّع إلى جانب القوات العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وحذر من دسائس الإنجليز لضرب الجامعة الإسلامية.

وحينما رأى أرسلان الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها ويتجهون إلى العلمانية ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات، اتخذ موقفا آخر من تركيا وحكامها وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية ويقول إنها هي السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم.

كشف دسائس الاستعمار الفرنسي وأسلوبه في غرس الضغائن بين المسلمين وطوائف الأمة. واستنكر مؤتمر باريس عام 1912 في وقت كانت تتعرض فيه الدولة العثمانية لأحداث خطيرة في البلقان، واستنكر عقده في عاصمة دولة تحتل شمال أفريقيا وتتربّص بالمسلمين، وأنكر على المسلمين الذين يتزلفون للأجانب ويتباهون بسياستهم اللادينية، وفضح فساد أخلاق العلماء الذين جعلوا من الدين مصيدة للدنيا، واعتبر فقد المسلمين الثقة بأنفسهم أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية.

اتهمه المفوض الفرنسي السامي هنري دو جوفنيل بأنه من أعوان جمال باشا السفاح، وكان شكيب أرسلان قد تولى قيادة فرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت لبنان، تحت إمرة جمال باشا باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقته، وهو ما جعل الاتهام ليس إلا محاولة تشويه لصورة الأمير الذي كان على رأس كتيبة لمقاومة المستعمر الفرنسي.

كما أُخِذ عليه القبول بإنشاء لبنان الكبير، مدفوعا ببعض المصالح العائلية.

بثّ إذاعة من برلين خلال الحرب العالمية الثانية، وأعلن تأييده لموسوليني عام 1930 وقضى معظم فترة ما بين الحربين في جنيف، بعد إبعاده.

اشترك في الدفاع عن طرابلس الغرب إبّان الغزو الإيطالي، وانتخب نائبا عن حوران في مجلس المبعوثان العثماني عام 1909 وسعى إلى الصلح بين السعوديين وآل حميد الدين.

وُصف بأنه رجل المسائل السياسية بالدرجة الأولى: المسألة الشرقية، والمسألة الإسلامية، والمسألة العربية. وقال فيه المفكر السوري محمد كرد علي: "كان في الموضوعات السياسية الفرد العلم، وفي الاطلاع على آداب العرب وتاريخهم الحجّة الثبت، يستشهد بالوقائع ويمليها كأنها مما مرّ به الساعة، أو كأنه لا يعرف من علوم البشر غيرها".

المؤلفات
أصدر شكيب أرسلان عشرات من الكتب بين تأليف وشرح وتحقيق، منها كتابه المشهور "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟"، وكتب عن رحلة حجه "الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف"، و"تاريخ الترك" تعليقا على تاريخ ابن خلدون، و"الحلل السندسية في الآثار الأندلسية" في ثلاثة أجزاء، وله تعليق على حاضر العالم الإسلامي للوثروب ستودوارد في أربعة أجزاء، حيث بلغت الشروح والحواشي أربعة أضعاف الكتاب الأصلي، حتى أصبح الأصل يعرف بها لشهرتها.

ومن كتبه أيضا: "شوقي أو صداقة أربعين سنة"، وأصدر ديوانه "ديوان الأمير شكيب أرسلان"، و"تاريخ غزوات العرب".

اشتغل بالصحافة وأصدر في برلين عام 1921 جريدة "لواء الإسلام" وكانت تهدف إلى إحياء الدعوة إلى الجامعة الإسلامية بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية، وأصدر في جنيف مجلة "الأمة العربية" بين عامي 1930 و1938 بالفرنسية، بالاشتراك مع إحسان الجابري، وبلغ عدد مجلداتها خمسين مجلدا.

ضاعت أكثر مقالاته في أنهار الصحف، وسجلات السياسة، وكانت كتاباته مرسلة، تصدر عن طبع لا تكلف فيه، وكان يهيم بالاستطراد والسجع، وقد بدا ذلك في عناوين كتبه ومقالاته، وكان ينحو منحى البلغاء.

صحّح أرسلان الكثير مما أوردته دائرة المعارف الإسلامية، وكتب المستشرقين، من أقوال فيها تحامل على العرب والمسلمين.

الوفاة
توفي شكيب أرسلان في التاسع من ديسمبر/كانون الأول عام 1946. ويوم وفاته وقف الشيخ مصطفى السباعي على قبره مرتجلا قصيدته المشهورة:

سلام عليك أبا غالـــب    أمير الجهاد أمير القلـم
هتكت برأيك حجب الظلام    وثرت إباءً إذا الخطب عم
فخضت الغمار وصنت الذمار وكنت الإمام وكنت العلم

وخاطب السباعي المشيعين قائلا: أيها المسرعون بفقيد العروبة والإسلام! تمهّلوا قليلا، رويدكم لا تعجلوا! إنكم لا تحملون على أعناقكم رجلا، إنما تحملون جيلا من المفاخر، أعيا التاريخ إحصاؤها وتسجيلها، وإنكم لا تدفنون إنسانا كسائر الناس، إنما تدفنون أمة، وتغيبون في أطباق الثرى آمال شعوب، ورجاء أجيال، كانت ترى في الأمير إمامها وعلمها، وباعث نهضتها.

وكتب في سيرته الشيخ أحمد الشرباصي: "شكيب أرسلان داعية العروبة والإسلام"، وسامي الدهان: "الأمير شكيب أرسلان: حياته وآثاره"، وجمع محمد علي الطاهر وفاء لذكراه ما قيل فيه من المراثي، وما كتب عنه في المجلات والجرائد، وتناول بالدراسة حياته في "ذكرى الأمير شكيب أرسلان"، وإبراهيم عوضين: "شكيب أرسلان أديبا إسلاميا"، ومحمد الصادق بن الحاج بسيس: "شكيب أرسلان وصلاته بالمغرب العربي".

المصدر : الجزيرة