كبوتشي.. مطران قاوم واعتقل ونفي لأجل فلسطين

الموسوعة - المطران هيلاريون كبوتشي Hilarion Capucci.

المطران هيلاريون كبوتشي، مطران كنيسة الروم الكاثوليك بالقدس المحتلة،عرف بمواقفه الوطنية ونضاله من أجل القضية الفلسطينية، حيث كان ينقل السلاح إلى المقاومة، ما عرضه للاعتقال والسجن ثم النفي، وظل يؤكد أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة. توفي عام 2017.

المولد والنشأة

ولد المطران هيلاريون كبوتشي يوم 2 مارس/آذار 1922 في مدينة حلب السورية.

الوظائف والمسؤوليات
تولى كبوتشي منصب مطران كنيسة الروم الكاثوليك في القدس المحتلة عام 1965.

التجربة النضالية
ناضل المطران كبوتشي من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، وعرف بنشاطه في خلايا حركة التحرير الوطني (فتح)، ودعم المقاومة بشكل جلي، وكان مسؤولا عن نقل الأسلحة إلى المقاومة الفلسطينية في سيارته الخاصة، ما جعله تحت أنظار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي اعتقلته يوم 18 أغسطس/آب 1974.

فقد نفذ المطران الراحل عمليات عدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعلى إثر وصول معلومات عن نشاطه المقاوم، أوقفه الاحتلال داخل سيارته يوم 8 آب/أغسطس 1974، وبعد تفتيش بمركز الشرطة في معتقل المسكوبية بالقدس تم اكتشاف كميات من الأسلحة بينها أربعة رشاشات كلاشينكوف ومسدسان وطرود تحتوي على متفجرات بلاستيكية وصواعق كهربائية وقنابل يدوية وأعيرة نارية.

وبعد أن وجهت إليه تهم عدة مثل التعاون مع جهات معادية، حكمت السلطات الإسرائيلية على كبوتشي بعد اعتقاله بالسجن 12 عاما قضى منها أربع  سنوات، ثم أفرج عنه بوساطة الفاتيكان ودول أوروبية بعد أن دخل في إضراب عن الطعام.

وقبلت إسرائيل بإطلاق سراحه بشرط أن يخرج من فلسطين دون عودة، وأبعد كبوتشي في نوفمبر/تشرين الثاني 1978 عن فلسطين إلى روما التي أمضى فيها بقية حياته.

وظل المطران يحلم بالعودة إلى فلسطين المحتلة، وقال عندما حل ضيفا على برنامج "لقاء اليوم" الذي بث على قناة الجزيرة يوم 8 سبتمبر/أيلول 2000: لم أزل حتى هذه الساعة أنتظر عودتي إلى وطني، إلى قدسي، إلى شعبي، أنتظر نهاية غربتي".

وأظهر في اللقاء ذاته مدى تعلقه بالقدس بقوله "القدس هي قلب فلسطين النابض، القدس هي بمثابة الروح للجسد، بمثابة الروح لأرض فلسطين، دون القدس لا حياة ولا قيمة لفلسطين".

ورغم ما تعرض له من اعتقال وسجن ونفي، واصل كبوتشي نضاله دعما للقضية الفلسطينية، واستثمر علاقاته مع الفاتيكان لفضح الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.

وشارك كبوتشي في حملات رفع الحصار عن قطاع غزة. وفي عام 2009 كان من بين الذين شاركوا في حملة على متن سفينة إغاثة في أسطول الحرية الذي حمل المساعدات لأهالي القطاع، لكن السلطات الإسرائيلية صادرت كل ما فيها ولم تسمح لها بالوصول إلى غزة.

كما شارك في حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني على متن سفينة مافي مرمرة التركية في مايو/أيار 2010 لكسر الحصار، والتي اعترضتها قوات الاحتلال وهاجمت من فيها وقتلت بعضا من ركابها وفجرت أزمة دبلوماسية مع تركيا.

هيلاريون كابوتشي كان لا ينفك يعبر عن حزنه لرحيل المسيحيين من القدس المحتلة، وعلق على ذلك بقوله في حديث للجزيرة قبل سنوات "أقولها والألم يحز فؤادي المسيحيون يرحلون، والمسيحية اليوم في فلسطين هي في خطر" موضحا أن سبب هذا الرحيل الحياة الصعبة تحت الاحتلال للجميع مسيحيين ومسلمين.

نضال المطران الراحل كبوتشي كان ذا طعم خاص لا تروق له المؤتمرات التي لا تؤتي نتائج عملية تفيد قضية فلسطين، وكان يوضح ذلك بقوله "أنا أدعى كثيرا للمشاركة في ندوات، لا أذهب، لأنها مضيعة للوقت ومضيعة للمال، يتحمل الواحد منا مشاق السفر، ويذهب يسمع خطابات حلوة، عواطف جميلة، جمل رنانة، إنما عمليا شو النتيجة من هذا الاجتماع، من هذه الندوة؟ كلام يسيء إلينا".

كما كان حريصا على التأكيد أن إسرائيل "عليها أن تختار بين أمرين لا ثالث لهما في هذه الظروف، إما السلام وإما الحرب (…) يعني إما أن تنصاع للواقع، للقوانين الشرعية الدولية وتقبل بالسلام، إما أن تستمر في الاحتلال، أما أن تنعم بالاثنين معا سلام واحتلال فهذا غير وارد على الإطلاق، أما نحن فقرارنا متخذ، محسوم، نحن نريد أن نعيش، والعيش ليس أكلا وخبزا، الكرامة هي الحياة، وعنوان الكرامة هو الوطن، فنحن مصممون إما أن نعيش أحراراً، أسياداً كراماً في وطننا الفلسطيني وعاصمته القدس، وإما أن نموت دفاعا عن حقنا هذا".

وظل يشدد على أن "ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة"، ويزيد موضحا "القوة ليست دائماً قوة السلاح، وحدة الصف والتضامن هو السلاح الفتاك، هو حجر الزاوية"، كما كان يوضح أن العرب يختلفون فيما بينهم في مجالات كثيرة "إنما هناك موضوع يجمع شملنا كلنا، القدس كلنا يتغنى بالقدس، عمليا ما الذي نعمله للقدس، المحبة إذا بقيت مجرد عاطفة ولم تتجسد بالعمل كذب ونفاق وتدجيل". 

الجوائز والأوسمة
منح المطران وسام نجمة القدس تقديرا لتاريخه النضالي وتقديرا لدفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني. وكرمته كل من السودان ومصر وليبيا والعراق وسوريا والكويت بطابع بريد يحمل صورته.

الوفاة
توفي كبوتشي يوم 1 يناير/كانون الثاني 2017 في العاصمة الإيطالية روما عن عمر يناهز 94 عاما.

وقد نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس كبوتشي ووصفه بـ"المناضل الكبير"، كما نعته حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، ووصف عضو المكتب السياسي للحركة عزت الرشق المطران كبوتشي بالمناضل الكبير، وقال إن فلسطين تفقد اليوم "مناضلا كبيرا" وقف مع الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة ودفع ثمن مواقفه الشجاعة.

ونعت سفارة دولة فلسطين لدى الفاتيكان المطران كبوتشي، كما نعته الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، وقالت إن لدى كبوتشي مسيرة نضالية حافلة بالعمل الوطني حيث كرّس حياته منذ نشأته وحتى وفاته لفلسطين والقدس.

المصدر : الجزيرة + وكالات