محمد نجيب.. الرئيس المصري "المنسي"

محمد نجيب أول رئيس لمصر الجمهورية - الموسوعة - صورة من ويكبيديا ليس عليها حقوق ملكية

محمد نجيب عسكري وسياسي مصري وأول رئيس لجمهورية مصر، لم يستمر في الحكم سوى فترة قصيرة بعد إعلان الجمهورية، عزله مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال عبد الناصر ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة ثلاثين سنة، وشطب اسمه من كتب التاريخ والكتب المدرسية.

المولد والنشأة
ولد محمد نجيب يوسف يوم 20 فبراير/شباط 1901 في ساقية أبو العلا بالخرطوم عاصمة السودان لأسرة، الأب فيها مصري هو البكباشي (مقدم) يوسف نجيب، والأم سودانية المنشأ مصرية الأصل اسمها زهرة أحمد عثمان، وهي ابنة الضابط المصري الأميرالاي (عميد) محمد بك عثمان الذي قتل في إحدى معارك الجيش المصري ضد الثورة المهدية، وكانت أسرته تعيش في أم درمان.

كان محمد نجيب الأخ الأكبر لتسعة أبناء، وعاش مع والده الذي توفي وهو في الـ13 من عمره تاركا وراءه أسرة مكونة من عشرة أفراد فأحس الابن بالمسؤولية مبكرا.

تزوج نجيب سيدة تدعى زينب أحمد وأنجب منها ابنته سميحة التي توفيت وهي في السنة النهائية من كلية الحقوق عام 1950، وبعد طلاقه لزوجته الأولى تزوج عائشة محمد لبيب عام 1934 وأنجب منها ثلاثة أبناء، هم فاروق وعلي ويوسف.

الدراسة والتكوين
بدأ محمد نجيب 1905 تعليمه في كتاب بمدينة "ود مدني" (الآن في مديرية النيل الأزرق) فحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وعندما انتقل والده إلى وادي حلفا عام 1908 التحق بالمدرسة الابتدائية هناك ثم انتقل مع والده إلى "ود مدني" فحصل فيها على الشهادة الابتدائية.

التحق محمد نجيب بكلية غوردون، ولدى دراسته فيها توفي والده ولم يكن أمامه إلا الاجتهاد في دراسته حتى يتخرج سريعا، وبالفعل تخرج فيها عام 1917 فحصل على الثانوية العامة، ثم سافر إلى مصر حيث التحق بالكلية الحربية في أبريل/نيسان 1917، وتخرج في 23 يناير/كانون الثاني 1918.

حصل نجيب على شهادة بكالوريا عام 1923 والتحق بكلية الحقوق، وفي عام 1927 كان أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ثم دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929، ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931، وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية، ورغم مسؤوليته فقد كان شغوفا بالعلم.

التجربة العسكرية والسياسية
بعد مرور شهر على تخرجه في الكلية الحربية بمصر سافر نجيب إلى السودان يوم 19 فبراير/شباط 1918، والتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل فيها والده ليبدأ حياته ضابطا في الجيش المصري بالكتيبة الـ17 مشاة ثم انتقل إلى سلاح الفرسان في شندي، وبعد إلغاء الكتيبة التي كان يخدم فيها انتقل إلى فرقة العربة الغربية بالقاهرة.

انتقل نجيب بعد ذلك إلى الحرس الملكي في القاهرة يوم 28 أبريل/نيسان 1923، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادي بسبب تأييده للمناضلين السودانيين، ورقي إلى رتبة ملازم أول عام 1924، وفي ديسمبر/كانون الأول 1931 رقي إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) ونقل إلى سلاح الحدود عام 1934 في العريش.

أصبح ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936، وأسس مجلة الجيش المصري عام 1937، ورقي لرتبة صاغ (رائد) في 6 مايو/أيار 1938.

وعقب حادث 4 فبراير/شباط 1942 الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء قدم نجيب استقالته احتجاجا لأنه لم يتمكن من حماية ملكه الذي أقسم له يمين الولاء إلا أن المسؤولين في قصر عابدين شكروه بامتنان ورفضوا قبول استقالته.

اشترك محمد نجيب في القتال ضد القوات الألمانية عام 1943، وفي يونيو/حزيران 1944 رقي إلى رتبة القائمقام (عقيد)، وفي تلك السنة عين حاكما إقليميا لسيناء، وفي عام 1947 كان مسؤولا عن مدافع الماكينة في العريش ورقي إلى رتبة الأميرالاي (عميد) عام 1948.

اشترك محمد نجيب في حرب فلسطين عام 1948 من خلال معارك القبة ودير البلح وأصيب سبع مرات في تلك الحرب، بينها ثلاث إصابات خطيرة، ومنح "نجمة فؤاد العسكرية الأولى" تقديرا لشجاعته بالإضافة إلى رتبة "البكوية"، وعقب الحرب عين مديرا لمدرسة الضباط.

رقي نجيب إلى رتبة لواء في 9 ديسمبر/كانون الأول 1950، ورشح وزيرا للحربية في وزارة نجيب الهلالي لكن القصر الملكي عارض ذلك بسبب شخصيته المحبوبة لدى ضباط الجيش.

انتخب محمد نجيب رئيسا لمجلس إدارة نادي الضباط في 1 يناير/كانون الثاني 1952 بأغلبية الأصوات ولكن الملك فاروق أمر بحل المجلس. 

اختار الضباط الأحرار اللواء محمد نجيب ليكون قائدا لثورة يوليو/تموز 1952 لما كان يتمتع به من شخصية صارمة في التعامل العسكري وطيبة وسماحة في التعامل المدني.

وكان اختياره سر نجاح تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش فكانوا حينما يعرضون على باقي ضباط الجيش الانضمام إلى الحركة ويسألونهم عن قائد التنظيم يقولون لهم إنه اللواء محمد نجيب فيسارع المدعوون بالانضمام.

شكل نجيب أول وزارة بعد استقالة علي ماهر باشا وتوليه رئاسة الجمهورية عام 1953، وأعلن مبادئ الثورة الستة وحدد الملكية الزراعية، لكنه كان على خلاف مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، ونتيجة لذلك قدم استقالته
في فبراير/شباط 1954، ثم عاد مرة ثانية بعد أزمة مارس/آذار من نفس العام.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال عبد الناصر على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بحي المرج بالقاهرة بعيدا عن الحياة السياسية، ومنع أي زيارات له طوال عهد حكم عبد الناصر، وفي 1971 قرر الرئيس أنور السادات إنهاء إقامته الجبرية، لكنه ظل ممنوعا من الظهور الإعلامي حتى وفاته.

على الرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب فإنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طوال ثلاثين عاما حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي.

وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو "أول رئيس لمصر"، واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور بعد وفاته وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، ومنها محطة مترو وسط القاهرة، وفي عام 2013 منحت عائلته "قلادة النيل العظمى".

وفي نفس السياق، أطلقت مكتبة الإسكندرية في يوليو/تموز 2013 في الذكرى الـ61 لثورة 1952 أول موقع إلكتروني رسمي باسم "نجيب" ضم صورا وخطبا نادرة له وعرضا لتاريخه.

وفي 22 يوليو/تموز 2017 أسس الجيش المصري قاعدة عسكرية في مدينة الحمام شمالي البلاد باسم "محمد نجيب". وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطاب افتتاح القاعدة إنها تحمل اسم "الرئيس الراحل محمد نجيب تكريما لإسهامه الوطني وبرهانا على وفاء مصر". 

وأعدت هيئة الشؤون المعنوية بالجيش المصري فيلما تسجيليا مدته نحو أربع دقائق عن حياة محمد نجيب عرضته خلال افتتاح القاعدة العسكرية وبثه التلفزيون الحكومي، كما ضمت القاعدة العسكرية أيضا متحفا يحمل مقتنيات وصورا وتفاصيل من حياة محمد نجيب، وافتتحه الرئيس المصري أيضا.

المؤلفات
صدر لمحمد نجيب كتاب وحيد يوثق لمرحلة مهمة من تاريخ مصر الحديث عنوانه "كنت رئيسا لمصر".

الوفاة
توفي محمد نجيب يوم 28 أغسطس/آب 1984 بعد أن عاصر أهم الأحداث في تاريخ مصر الحديث من جلاء القوات البريطانية عن مصر 1954، وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي 1956، إلى الوحدة مع سوريا 1958، ومشاركة القوات المصرية في حرب اليمن 1962، مرورا بالنكسة و"وفاة" أو "انتحار" عبد الحكيم عامر 1967، ووفاة عبد الناصر 1970، وحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1978، واغتيال السادات 1981.

وأوصى نجيب بأن يدفن في السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن في مصر بعد تشييعه بجنازة عسكرية مهيبة، وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقون حينها على قيد الحياة، وطويت بذلك صفحة رجل قاد ما يراه كثيرون أهم نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث.

المصدر : الجزيرة + وكالات