كيف سطّر الجزائريون ملحمة الجرف الكبرى في 7 أيام؟
في 16 فبراير/شباط 1957، وبينما كانت السلطات الفرنسية تحاصر حي القصبة في قلب الجزائر العاصمة، تمكنت بعد مطاردة طويلة من القبض على مناضل يحمل هوية باسم "عبد الرحمن عيبود"، لكن الجنود سرعان ما أدركوا أنها هوية مزيفة بعدما تأكدوا أنهم نجحوا بالفعل في القبض على أحد أهم مُفجري ثورة التحرير الجزائرية، وأحد ألد أعدائهم: محمد العربي بن مهيدي.
كانت الثورة الجزائرية قد اندلعت قبل ذلك بأقل من 3 سنوات، وكان بن مهيدي أحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا الثورة، لذلك فقد كان القبض عليه بالنسبة للسلطات الفرنسية بمثابة الحصول على كنز. لكن على مدار الأيام اللاحقة، اكتشف الفرنسيون أنهم، وإن كان صندوق الكنز معهم، لا يملكون المفتاح. تعرّض العربي بن مهيدي لتعذيب شديد من أجل انتزاع معلومات حول الخلايا الثورية وأنشطتها، لكنه لم يبح بأي سر.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsأبراهام شتيرن الصهيوني الذي أراد التحالف مع هتلر من أجل إسرائيل
وفي 7 مارس/آذار، أي بعد أقل من 3 أسابيع من اعتقاله، نشرت صحيفة لوموند الفرنسية خبرا بعنوان "انتحار العربي بن مهيدي في زنزانته بعد حالة اكتئاب".
لم يصدق الجزائريون الخبر، ولم يعترف الفرنسيون بالحقيقة إلا بعد 70 عامًا من اندلاع الثورة. ففي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أعلن قصر الإليزيه في بيان، أن رئيس الجمهورية "يعترف اليوم بأن العربي بن مهيدي، البطل الوطني للجزائر وأحد قادة جبهة التحرير الوطني الستة الذين أطلقوا ثورة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، قتله عسكريون فرنسيون كانوا تحت قيادة الجنرال بول أوساريس".
طيلة السنوات الماضية حافظت الرواية الرسمية الفرنسية على القول بأن بن مهيدي انتحر في سجنه، رغم أن أوساريس نفسه اعترف بقتله في مذكراته التي نُشرت عام 2000.
أتى هذا الاعتراف ضمن سياق أوسع لإعادة قراءة تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، حيث يبدو أن الاعتراف الرسمي بمثل هذه الأحداث قد يشير إلى تقدم تدريجي نحو مواجهة الماضي الاستعماري، وإخراج خفايا الزوايا التي حرص الفرنسيون على إخفائها طوال تلك العقود.
من تاريخ النضال الجزائري
الحقيقة أن ثورة التحرير الجزائرية تعد ذروةً في مسار طويل ومعقَّد من المقاومة الشعبية، سواء السياسية أو المسلحة، ضد الاستعمار الفرنسي الذي غزا البلاد عام 1830، فقد بدأت هذه المقاومة بعد فترة قصيرة من بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر مع حركة الأمير عبد القادر الجزائري (1832-1847)، مرورًا بمقاومة أحمد باي (1837-1848)، ثم مقاومة الزعاطشة (1848-1849) وكذا مقاومة لالّة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851-1857)، وصولًا إلى بطولات الشيخ المقراني والشيخ بوعمامة (1871-1883)، وكلٌ منها كشف عن دور مجيد من أدوار النضال الجزائري الثوري ضد المحتل الفرنسي.
بالإضافة إلى هذه الحركات الثورية المسلحة، شهدت الجزائر أيضًا العديد من التحركات الشعبية عبر مختلف مناطقها التي أسهمت في تشكيل الوعي الوطني حتى بداية ثلاثينيات القرن العشرين، حيث ظهرت "حركة نجم شمال أفريقيا" في عام 1926 بقيادة مصالي الحاج، لتتحول بعدها في عام 1937 إلى "حزب الشعب الجزائري"، ثم في عام 1946 إلى "حركة انتصار الحريات الديمقراطية".
وفي داخل إطار هذه الحركة الوطنية التي كانت تزداد اشتعالا يوما بعد آخر، نشأت منظمة عسكرية سرية من مجموعة من المناضلين الذين كانوا يطمحون إلى إشعال ثورة مسلحة شاملة في عموم البلاد، استجابة لظروف داخلية وخارجية كانت تبدو مواتية في ذلك الوقت. وكان من أبرز هذه الظروف المجازر التي ارتكبتها فرنسا في 8 مايو/أيار 1945، والتي أودت بحياة أكثر من 45 ألف جزائري كانوا يطالبون بحقهم في الاستقلال والجلاء الفرنسي، على خلفية انتصار الحلفاء -ومنهم فرنسا- على النازية في الحرب العالمية الثانية، بعدما وعدتهم فرنسا بالحرية والاستقلال.
إضافة إلى ذلك شكَّلت هزيمة الجيش الفرنسي في معركة "ديان بيان فو" في الهند الصينية عام 1952، محفزًا قويًا لإطلاق الثورة الجزائرية، وذلك في وقت كان العالم يشهد فيه توسّعًا غير مسبوق لحركات التحرر الوطني، فقد أدرك الثوار الجزائريون أهمية المقاومة وجدواها، وأن قوى آسيوية استطاعت أن تقهر الجيش الفرنسي.
اشتعال ثورة التحرير الجزائرية
ولهذا السبب وبعدد بلغ حوالي 1200 مقاتل، وبامتلاك قرابة 400 قطعة سلاح، أُطلقت أولى الرصاصات من جبال الأوراس في شرق الجزائر لتشتعل الثورة في غرة نوفمبر/تشرين الثاني 1954 وتتوالى بعدها العمليات المسلحة في مختلف المناطق الجزائرية، مصحوبة بتوزيع منشورات باللغتين العربية والفرنسية لحض الناس والمقاومين على المواجهة والاستعداد. وقد سجّلت الإدارة الاستعمارية في الليلة الأولى من الثورة حوالي 30 حادثًا، كان أخطرها في مناطق الأوراس، والقبائل، والعاصمة، والشمال القسنطيني ووهران غربًا.
وفي رد فعلها الأول على هذه الأحداث، أصدرت الإدارة الفرنسية مرسومًا يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، يقضي بحلّ جميع المنظمات والهيئات السياسية الجزائرية، واعتقال أكثر من 500 مناضل ومسؤول في الحركة الوطنية، وكان هذا بداية سلسلة من الملاحقات التي تزامنت مع عدة عمليات مسلحة ضد مواقع وهيئات وشخصيات فرنسية، تبنّاها "جيش التحرير الوطني"، الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني. كما شهدت هذه الفترة اغتيال أبرز قيادات الجبهة، مثل المناضل ديدوش مراد في 18 يناير/كانون الثاني 1955.
وفي تلك الأسابيع الأولى، عملت جبهة التحرير الوطني على تعزيز التنظيم الداخلي لصفوفها وإنشاء شبكة لوجستية متماسكة قادرة على مواصلة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. وفي هذا السياق، استفادت الجبهة من شبكات الدعم المحلية، حيث وُزّعت المهام على المستوى الإقليمي لتنفيذ عمليات متفرقة وعمليات عسكرية على عدة جبهات، خصوصًا في مناطق القبائل، والأوراس، والغرب الجزائري، كما أدركت القيادة الجزائرية أن حرب الاستقلال تحتاج إلى إستراتيجية غير تقليدية، واستندت إلى تكتيكات حرب العصابات والكرّ والفرّ، مما جعل قوات الاستعمار غير قادرة على مواجهة هذه الهجمات المتنقلة.
كانت ردة فعل السلطات الفرنسية عنيفة وقاسية في مواجهة ثورة التحرير، ومع بداية الهجمات، اعتمدت فرنسا سياسة القمع العسكري المكثف، وبدأت في اعتقال آلاف الجزائريين المشتبه في انضمامهم إلى جبهة التحرير، كما شنت حملات اعتقال وتعذيب واسعة بهدف إحباط عزيمة الثوار، إلا أن هذا القمع لم يثنِ الثورة، بل عزز من إصرار الجزائريين، وكشف لفرنسا أن مواجهة ثورة شعبية منظمة ومستندة إلى قضية عادلة لن يكون بالأمر الهيّن.
خلال اجتماع ضم قيادات الثورة الجزائرية في أغسطس/آب 1955، تقرر تنفيد هجمات عسكرية لمدة 3 أيام متتالية تبدأ من يوم 20 أغسطس/آب، وقد وُزّعت خلالها المهام، وتم اختيار 39 هدفًا عسكريا وإستراتيجيا للفرنسيين في مناطق قسنطينة والخروب وسكيكدة والقل وعين عبيد وقالمة والميلية وأسطورة وفلفلة وغيرها من مناطق الشمال القسنطيني، وكان اختيار هذه الأماكن مقصودًا نظرًا لوجود منشآت عسكرية واقتصادية إستراتيجية من مطارات وموانئ ومراكز للشرطة والدرك ومصانع وخطوط سكك حديدية ومحلات تجارية.
وقد اعتمدت الهجمات على أساليب حرب العصابات، فعلى سبيل المثال في سكيكدة وضواحيها، هاجم المجاهدون مركز الشرطة والدرك وثكنات الجيش الفرنسي ومقر الحزب الجمهوري المتنقل والبنك المركزي ومحطة الكهرباء وبعض المحلات التجارية. وأوقع المهاجمون خلال 4 ساعات خسائر كبيرة في القوات الفرنسية ومصالحها، ويمكن أن نرى ذلك في العديد من المدن والمناطق الأخرى التي اتفق الثوار على استهدافها.
وقد حطم هجوم 20 أغسطس/آب 1955 الحصار الإعلامي الفرنسي والغربي الذي فُرض على الثورة وأحوال الجزائر، فانتقلت القضية إلى المحافل الدولية، وأصبحت تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد العالمية، حيث تلقت قيادة الثورة دعوة للمشاركة في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا والذي حضرته 29 دولة، وكان من نتائجه مصادقة هذه الدول على لائحة تطالب بحق الجزائر في الاستقلال، كما تعهّدت هذه الدول بتمويل القضية الجزائرية.
وفي 20 سبتمبر/أيلول 1955، طالبت 15 دولة من كتلة باندونغ بتسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال دورة أعمال الأمم المتحدة، رغم احتجاج فرنسا وادعائها أن القضية الجزائرية قضية داخلية لأن الجزائر جزء من فرنسا بمقتضى مرسوم عام 1834، ولا شك أن تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة 10 للأمم المتحدة بعد مرور 10 أشهر فقط على اندلاع الثورة المسلحة، كان نصرًا كبيرًا من الناحية السياسية والدبلوماسية.
معركة الجرف الكبرى ونتائجها
يبدو أن فرنسا اشتط غضبها من هذه الأحداث، ولهذا السبب وفي فجر 22 سبتمبر/أيلول 1955، شنت القوات الفرنسية هجومًا عنيفًا على وحدات جيش التحرير في جبال منطقة الجرف الواقعة بولاية تبسة شرقي الجزائر. ولأن مناطق الشرق القسنطيني كانت من أنشط معاقل الثورة الجزائرية، أراد الفرنسيون ضربها في معقلها، وهي المعركة التي عُرفت في تاريخ الجزائر الحديث باسم "معركة الجرف الكبير"، لاستمرارها مدة أسبوع كامل، بل إن بعض شهود العيان يقولون إنها استمرت حتى 4 أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام، بحسب ما ذكره محمد العربي مداسي في كتابه "مغربلو الرمال.. الأوراس، النمامشة 1954 – 1958".
كان قائد هذه الجبهة شيحاني بشير قد اجتمع قُبيل الهجوم الفرنسي بأهل المنطقة يدعوهم للانضمام إلى جبهة التحرير، ويُفنّد الأكاذيب الفرنسية حول الثورة، بل ويشرح لهم خطورة السياسة الفرنسية التي تهدف إلى محو الهوية الجزائرية دينًا وقيمًا، وقد علم شيحاني أن نتائج هذا الاجتماع ستصل إلى الفرنسيين، ويبدو أنه كان يستدرجهم إلى جبال ومغارات الجرف لإشعال مواجهة اختلف المؤرخون، بل وحتى بعض رفاقه، في تقييمها بين مؤيّد لها ومعارض، كما يذكر الباحث تابليت عمر في كتابه "الأوفياء يذكرونك يا عباس.. عباس لغرور".
ومهما يكن، فقد استخدم الفرنسيون القصف المدفعي تمهيدا لتقدمهم على ثلاثة محاور: المناطق الشرقية، والشمالية، والجنوبية التي كان يتمركز فيها المقاومون وخاصة قلعة الجرف، وقد حاولت كتيبة دبابات وقوات مشاة الوصول إلى المدخل الشمالي للمنطقة، لكن الثوار تمكنوا من تدمير الدبابات الأمامية وإلحاق خسائر كبيرة بالمشاة، مما أدى إلى تراجع القوات الاستعمارية، حيث غنم المجاهدون كميات كبيرة من الأسلحة التي تُركت بجوار جثث الجنود الفرنسيين.
ورغم محاولات الطيران الحربي الفرنسي قصف موقع الجرف بكثافة، استطاع الثوار استدراج القوات الفرنسية إلى اشتباك عنيف دام 3 ساعات، كما أجبروهم على التراجع بعد أن نفّذوا هجمات من الخلف على الجبهات الثلاث، مما خلق حالة من الذعر والارتباك لدى القوات الفرنسية. وقد فشلت المدفعية الفرنسية في استعادة السيطرة، وواصلت وحدات المجاهدين الاشتباك مع القوات الفرنسية، مما أسفر عن اشتباك ثانٍ مع نجدات الفرنسيين التي حاولت دعم قواتهم الأساسية.
ومع حلول الليل تمكن الثوار الجزائريون من تطويق القوات الاستعمارية المحاصرة والقضاء عليها بالكامل، واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، بما فيها مدفعان من طراز بازوكا، وجهاز إرسال واستقبال لاسلكي.
في صباح يوم المعركة، بدأت القوات الفرنسية بقصف طويل المدى من مواقعها في الدرمون شرقًا والسطح غربًا، تلاهُ قصف مدفعيّ عنيف كغطاء لتقدّمها نحو قلعة الجرف، وقد استمرت الاشتباكات طوال اليوم رغم الدعم المتواصل للقوات الفرنسية التي فشلت في اختراق الموقع الدفاعي للثوار، وفي المساء وصلت تعزيزات من المجاهدين لدعم إخوانهم المحاصَرين، مما أسفر عن محاصرة القوات الاستعمارية من الجانبين، وأدى إلى تكبيدهم خسائر فادحة وفرار القليل منهم بدون أسلحتهم.
وفي اليوم الثاني جددت القوات الفرنسية قصفها الليلي، وحاولت استعادة مواقعها لكنها اصطدمت بالمقاومة العنيفة للمجاهدين، مما دفع الجنرال بوفر، قائد الفرقة الثانية للمشاة، إلى اعتبار قلعة الجرف عائقا شديد الصلابة في وجه العمليات الفرنسية الواسعة. وكانت القلعة تمثل حصنًا منيعًا في جبال الأوراس، وعرّضت القوات الفرنسية لصعوبات جمة في ظل توسع نطاق المعركة.
وفي اليوم الثالث، شنت القوات الفرنسية هجومًا جويًا ومدفعيًا مكثفًا، لكنها واجهت مقاومة شرسة من المجاهدين الجزائريين الذين تمكنوا من إسقاط 3 طائرات وتدمير دبابتين و3 عربات مدرعة، مما أجبر القوات الفرنسية على التراجع للمرة الثالثة وترك مواقعها بأسلحتها التي غنمها الثوار بعد سقوط العديد من الجنود الفرنسيين في ساحة المعركة.
وفي صباح اليوم التالي، تقدمت القوات الفرنسية من جديد تحت غطاء قصف المدافع والهاونات على ثلاث جبهات، لكنها اصطدمت أيضًا بوحدات المجاهدين التي تمركزت ليلاً في مواقعها وأعدت فخاخًا مُحكمة، حينئذ تعرضت القوات الفرنسية لهجوم شديد من الجهات الثلاث، أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المنتشرين في ساحة المعركة. وعندما ازدادت خسائر العدو، تدخَّلت المدفعية والطيران بقصف شديد، استهدف مناطق تجمعات المجاهدين، ومع ذلك، تمكن الثوار من إحكام سيطرتهم والاستعداد لليوم الخامس من المعركة.
في ذلك اليوم عاد الفرنسيون للقصف المدفعي والجوي المكثف على منطقة الجرف والجبال المحيطة، حيث غطى القصف مساحات واسعة وصلت إلى 40 كلم2، ومع اقتراب القوات الفرنسية من مواقع الثوار الجزائريين فوجئوا بمقاومة عنيفة حيث تمكنوا من ضرب العدو بقوة في الصدور والرؤوس، وقد تزامن ذلك مع تزايد هطول الأمطار مما سهّل من مهمة خروج المقاومين، وصعوبة تقدم الفرنسيين بسبب الوحل، فسهل على المقاومين اصطيادهم، مما أجبر الجنود على التراجع وترك جثث زملائهم في ساحة المعركة، وفر الناجون منهم هائمين على وجوههم في الجبال المحيطة.
وقد تكللت المعركة بانتصار الثوار الجزائريين وتقهقر القوات الاستعمارية، واستشهد فيها ما بين 120 و170 مجاهدًا بحسب الروايات، بينما قُتل من الجانب الفرنسي 700 عسكري، وجُرح أكثر من 350 آخرين. وأشار مجاهدون شاركوا في هذه المعركة إلى أن الجيش الفرنسي عاد وأمطر منطقة الجرف بقنابل الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات، بحسب ما ذكره الصادق عبد المالك في دراسته عن "الرواية الشفوية ودورها في تدوين معركة الجرف".
لم تتوقف المواجهات التي خاضها المقاومون المنسحبون من جبال المنطقة بعد ما حققوه من خسائر كبيرة في صفوف الفرنسيين، واستمرت في مناطق أخرى محيطة لمدة أسبوعين على الأقل، وقد استطاع القائد شيحاني بشير الخروج بصعوبة شديدة من بعض المغارات والنجاة بنفسه بعد حصار فرنسي كاد يقضي عليه.
غير أن معركة الجرف الكبير كان لها ما بعدها في مسار الثورة الجزائرية التي اكتسبت زخمًا كبيرًا في كافة الأراضي الجزائرية، وكانت دفعة قوية لاستمرار النضال من أجل طرد الاحتلال الفرنسي، وهو ما تم في نهاية المطاف بعد 7 سنوات مضت بحلوها ومرّها، قبل أن ينعم الجزائريون بعودة بلادهم إلى شعبها ودحر المستعمر.