تطوير جل جيني يساعد على التئام جروح جلدية آلمت المرضى لعقود

المصابون بمرض انحلال البشرة الفقاعي الحثلي يعانون من جروح كبيرة تبقى مفتوحة لسنوات، وتتسبب لهم في ألم بالغ طيلة الحياة، خاصة أن العلاجات الحالية تقتصر على الرعاية التسكينية. فهل يجد الطب علاجا فاعلا لآلام هؤلاء المرضى؟

ساعد الجيل على التئام الجروح الجلدية التي آلمت المرضى لعقود (مارك هانلون - جامعة ستانفورد)
الجل ساعد على التئام الجروح الجلدية التي آلمت المرضى لعقود (مارك هانلون، جامعة ستانفورد)

طور باحثون من كلية الطب في جامعة "ستانفورد" (Stanford University) مادة هلامية (جل) تساعد المرضى الذين يعانون أحد الأمراض الجلدية التي تهدد الحياة على التئام جروحهم. وقد نشرت الدراسة في دورية "ذا نيو إنغلاند جورنال أوف ميدسن" (The New England Journal of Medicine) يوم 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويعد هذا أول علاج جيني موضعي، في حين ينتظر العلاج الحصول على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

مرض وراثي نادر

انحلال البشرة الفقاعي الحثلي (Dystrophic Epidermolysis Bullosa) هو مرض نادر يسبب هشاشة الجلد وتقرحه. ويعاني مرضى انحلال البشرة الفقاعي وجود جروح كبيرة مفتوحة على الجلد تستمر لسنوات. ويقتصر علاج انحلال البشرة الفقاعي على الرعاية التسكينية التي تشمل العناية بالبثور والوقاية من ظهور بثور جديدة.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته جامعة ستانفورد، فإن الجل الذي تم تطويره أظهر تحسنا في التئام الجروح لدى 31 من المرضى المصابين بانحلال البشرة الفقاعي، من بينهم 19 شخصا يبلغون من العمر 18 عاما أو أقل.

وقد ساعد الجل -الذي يوضع على الجلد أثناء تغيير الضمادات- على التئام 67% من الجروح التي عولجت به تماما بعد 6 أشهر من الاستخدام الأسبوعي، بينما لم تلتئم سوى 22% من الجروح التي عولجت بدواء وهمي.

ويقول فينشينزو ماسكولي -البالغ من العمر 22 عاما- وهو أحد المرضى المشاركين في التجربة "لقد رأيت تحسنا بعد 4 أشهر في جرح كبير كان في ظهري لمدة 20 عاما. وقد التأم الجرح تماما وكان أقل إيلاما بعد 6 أشهر".

ساعد الجل على التئام 67% من الجروح بعد 6 أشهر (عائلة ميلنر، جامعة ستانفورد)

نتائج واعدة

وتعقيبا على هذه النتائج، يقول قائد الدراسة بيتر مارينكوفيتش إن "هذا كان حدثا غيّر حياة ماسكولي؛ فالآن يمكنه الاستحمام والنوم على ظهره من دون ألم. لقد أحدث هذا العلاج فرقا جوهريا في جودة حياة ماسكولي وغيره من المشاركين في التجربة".

وقد تقدم مارينكوفيتش وزملاؤه إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية بطلب للحصول على الموافقة على الجل المطور -الذي أعطي اسم "بي-في إي سي" (B-VEC)- للسماح باستخدامه علاجا لانحلال البشرة الفقاعي الحثلي، وفي حال الموافقة عليه، سيكون هذا أول علاج جيني موضعي يعتمد للاستخدام في الولايات المتحدة.

وتأتي هذه النتائج الأخيرة تأكيدا على التجربة الأولية المصغرة التي أجراها الفريق على عدد أقل من المرضى (9 مرضى فقط) ونشرت نتائجها في مجلة "نيتشر ميدسن" (Nature Medicine) مارس/آذار من العام الماضي.

وقد كانت تلك هي التجربة الأولى التي تظهر أن العلاج الجيني للأمراض الجلدية قد يكون ذا فاعلية إذا ما تم تطبيقه بشكل موضعي على الجلد. كما أنها كانت أول تجربة للعلاج الجيني لدى الأطفال المصابين بانحلال البشرة الفقاعي.

يربط الكولاجين من النوع السابع الطبقات الوسطى والخارجية من الجلد معا (غيتي)
الكولاجين من النوع السابع يربط الطبقات الوسطى والخارجية من الجلد معا (غيتي)

بروتين مفقود

يعاني الأشخاص المصابون بانحلال البشرة الفقاعي الحثلي المتنحي من طفرة جينية تجعلهم غير قادرين على صنع بروتين يسمى الكولاجين من النوع السابع (Collagen VII)، الذي يربط الطبقات الوسطى والخارجية من الجلد معا.

وبدون هذا البروتين، فإن طبقات الجلد تنزلق عبر بعضها، مما يتسبب في ظهور بثور تتطور إلى جروح مفتوحة شديدة الإيلام. ويكون الأشخاص المصابون بهذه الحالة عرضة للإصابة بالعدوى وسرطان الجلد، وغالبا ما يموتون في بداية مرحلة البلوغ.

ويستخدم الجل "فيروس الهربس البسيط" (Herpes Simplex Virus) المعدل لإيصال نسخة من جين الكولاجين من النوع السابع إلى سطح الجلد، مما يساعد على تكوين البروتين المفقود ويعزز بنية الجلد.

ونظرا لأن فيروس الهربس قد تطور ليهرب من جهاز المناعة البشري، فإنه من الممكن وضع الجل بشكل متكرر من دون حدوث أي استثارة مناعية، وهو الأمر الذي كان يعوق جهود العلاجات الجينية السابقة التي كانت تستخدم بعض الفيروسات المعدلة لتوصيل الجينات التصحيحية إلى الجسم.

يأمل الباحثون في استخدام فيروس الهربس المعدل لتعزيز العلاج الجيني للأمراض الأخرى (غيتي)
الباحثون يأملون في استخدام فيروس الهربس المعدل لتعزيز العلاج الجيني للأمراض الأخرى (غيتي)

علاج آمن

في هذا الصدد، يقول مارينكوفيتش "إننا لم نشهد أي آثار جانبية كبيرة أو تحييد مناعي للدواء، حتى مع تكرار وضع الجل على مدار الــ6 أشهر التي استغرقتها التجربة".

ويأمل الباحثون أن يؤدي هذا النهج إلى استخدام فيروس الهربس المعدل لتعزيز العلاج الجيني للأمراض الأخرى التي تكون فيها الجينات مفقودة أو تالفة.

ويستمر معظم المشاركين اليوم في تلقي العلاج في المنزل بعد انتهاء الفترة التجريبية، كجزء من تمديد التجربة العلاجية. غير أن ماسكولي -الإيطالي الجنسية- لم يعد بإمكانه بعد تلقي العلاج، بعدما سافر إلى إيطاليا.

وقد لاحظ ماسكولي -بعد توقف العلاج لمدة 10 أشهر- أن "الجروح لا تبقى مغلقة دائما، كما تظهر جروح جديدة"، إذ يقول "آمل أن أتمكن أنا وغيري من المرضى الآخرين من استخدام الجل في القريب مرة أخرى. إذ تكون الجروح أقل إيلاما عند التئامها". ويحاول مارينكوفيتش وفريقه إيصال العلاج لماسكولي في إيطاليا من خلال ترخيص الاستخدام الرحيم.

المصدر : مواقع إلكترونية