كورونا قد يجعلك تشم أكلك المفضل كرائحة الصرف الصحي واللحم المتعفن.. تأثير كوفيد على الذوق والشم
كيف يؤثر كوفيد-19 على حاستي الشم والذوق؟ وماذا يحدث في الرئتين لدى مرضى كوفيد طويل الأمد؟ وكيف يعمل الذين يعانونه على العودة لحياتهم الطبيعية؟ الإجابات في هذا التقرير الشامل.
كيف يؤثر كوفيد-19 على حاستي الشم والذوق؟
نبدأ مع قصة هيلواز دوتيل، التي بعد 4 أشهر من إصابتها بمرض كوفيد-19، لم تستطع أكل أي شيء على الإطلاق. قالت "أردت فقط أن أتقيأ، كنت أتقيأ في كل شيء من حولي.. لم أستطع حتى تحمل رائحتي. كنت أستحم 5 مرات في اليوم" وذلك وفقا لتقرير للكاتب جيمس تابر في غارديان البريطانية The Guardian.
وكانت القهوة ومعجون الأسنان والشامبو واللحوم المشوية هي الأسوأ. وبحلول الوقت الذي ذهبت فيه إلى المستشفى، كان وزنها 46 كيلوغراما فقط.
اقرأ أيضا
list of 1 itemيعتبر فقدان الوزن الشديد والفشل الكلوي من آثار تشوهات حاسة الشم والتذوق التي تجعل الناس غير قادرين على تناول أو شرب الأشياء التي يحبونها، مثل القهوة أو اللحم، لأن رائحتها تصبح مثل اللحم المتعفن أو مياه الصرف الصحي.
تم تحديد فقدان حاسة التذوق أو الشم على أنه أحد أعراض كوفيد في وقت مبكر جدًا من الجائحة، وهناك أدلة متزايدة على أن عددا كبيرا من الأشخاص يواصلون تطوير تشوهات طويلة المدى لحواسهم.
نشر علماء في معهد كارولينسكا بالسويد دراسة وجدت ما يقرب من نصف المصابين الذين درسوا في الموجة الأولى يعانون من تشوه بالشم، وهي حالة تعرف باسم باروسميا parosmia. وكان الثلث أقل قدرة على اكتشاف الروائح.
يقدر مكتب الإحصاءات الوطنية أن أكثر من نصف مليون شخص في المملكة المتحدة يعانون من أعراض كوفيد لأكثر من عام.
قال سايمون جين، استشاري أمراض الأنف بمستشفى رويال ناشيونال للأذن والأنف والحنجرة ومستشفى إيستمان لطب الأسنان في لندن "كان هناك انفجار في هذه الأنواع من المتلازمات والأعراض.. إنه أكثر انتشارا من ذي قبل".
وقال إن العديد من المصابين بالباروسميا وعسر الذوق dysgeusia (حاسة التذوق المشوهة) بدؤوا في الشعور بذلك بعد أسابيع أو أشهر من التعافي من كوفيد. وقد أصيب البعض بفقدان تام في حاسة الشم وبدؤوا في استعادتها.
لا يوجد علاج معروف، وعلى الرغم من أن بعض المتخصصين في علاج الباروسميا يقولون إن التدريب على الشم يمكن أن يكون مفيدًا، إلا أنه لم يتم إثباته سريريا.
تظل دوتيل متفائلةً، وقد بدأت تستمتع بالطعام مرة أخرى، بعد 15 شهرًا، وقالت "لقد كانت عملية طويلة حقًا، لكني اليوم أكلت الدجاج.. لم أتمكن من القيام بذلك قبل 6 أشهر. وكان ممتعا. لذلك هناك أمل".
عيادات متخصصة
أدركت ستيفاني هيدريك أنها بحاجة إلى المساعدة وأن الرعاية الصحية التي قدمها طبيبها المعالج لن تكون كافية، إذ لا تزال، بعد أشهر من إصابتها بكوفيد، تعاني من ضيق في التنفس وعدم وضوح بالرؤية وتشتت في الذهن.
تعتبر هذه المعلمة الأميركية المتقاعدة المتحدرة من فرجينيا والبالغة من العمر 62 عامًا، أن "الطبيب لا يستطيع وحده الإحاطة بكل شيء".
بعد شهور من المتابعة في عيادة متخصصة بواشنطن، تمكنت هيدريك أخيرا من اللعب مع أحفادها الخمسة هذا الصيف.
وبرزت عيادات جديدة مخصصة لعلاج الذين يعانون من كوفيد الطويل الأمد، وهو متلازمة ما بعد الإصابة التي يمكن أن تؤثر على جميع وظائف الجسم تقريبًا، مما يتسبب في بعض الأحيان في ظهور أعراض معيقة. تقول هيدريك "أعطتني العيادة الأمل في أن الحياة ستستمر".
وفي هذه العيادات في أنحاء الولايات المتحدة، تتم معالجة آلاف المصابين بفيروس كورونا (حتى وإن كانت أعراضهم خفيفة) والذين لا يزالون يعانون من تداعيات المرض بعد تعافيهم، وفقا لتقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويعلم الأطباء منذ سنوات أن بعض المرضى يصابون بمتلازمات ما بعد الفيروس، لكن السبب الدقيق لا يزال مجهولاً.
تقول هانا أكسلرود التي تدير عيادة التعافي من كوفيد-19 في وحدة الرعاية بجامعة جورج واشنطن "هناك شيء ما. من الواضح أنه ليس نسجًا من خيال الناس".
يختلف انتشار كوفيد الطويل الأمد بشكل كبير، وفقًا لدراسات، من 10% من المتعافين من كوفيد إلى 35% أو حتى 50%.
بعد إصابتها، عانت هيدريك -التي تقول إنها كانت "نشيطة" عادة- بشكل مفاجئ من عدم انتظام في ضربات القلب وألم في المفاصل وضيق بالتنفس. وأوضحت "كأن شخصًا ما أخذ كل طاقتك وقوتك ومحفزاتك".
حاسة الشم
يستعيد البعض حاسة الشم عن طريق استنشاق الزيوت الأساسية عدة مرات في اليوم.
لتحسين قدرتها على التحمل، تم نصح هيدريك بأداء تمارين قصيرة وسهلة. وعندما تختلط عليها الامور بالمتجر، تستعيد ما تعلمته من معالج النطق: التمهل ومراجعة قائمتها، سلعة تلو الأخرى.
وقد أقرت أنها لم تعد إلى طبيعتها بشكل كامل لكن "أيامي الجيدة تمتد لفترات أطول".
سبب مجهول
تقول ألبا أزولا، المديرة المشاركة لفريق متخصص في جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ميريلاند، إن لديها "عدة نظريات" حول ما يمكن أن يسبب مرض كوفيد طويل الأمد، من آثار الفيروس المتبقية في الجسم إلى خلل بجهاز المناعة.
وأضافت "أعتقد أن هناك أكثر من آلية في العمل، وينبغي على العلم أن يساعدنا على الفهم".
وتُعرِّف مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها كوفيد الطويل الأمد بأنه سلسلة من الأعراض "الجديدة أو المستمرة" بعد 4 أسابيع أو أكثر من زوال الإصابة الحادة. ومع ذلك، هناك خلافات بشأن الحالات التي يمكن أن تعزى إلى المرض.
ويرى العديد من المرضى أن مجرد إدراك الطبيب لآلامهم قد يجلب لهم الراحة.
أصيبت ماريجك سوتر (39 عاماً)، وهي ممرضة في بالتيمور، بكوفيد-19 في مارس/آذار 2020، وبالتأكيد، كما تعتقد، بسبب عملها، واضطرت إلى تقديم استقالتها عندما أدركت أنها بحاجة إلى أخذ قسط من الراحة. وتحتفظ بذكريات مبهمة عن الأشهر الأربعة الأولى التي أمضتها بين التعب والأرق، وبدأت استشارة الأطباء في جونز هوبكنز في يونيو/حزيران 2021.
وأشارت الممرضة إلى أن أكثر ما ساعدها على الشفاء هو ممارسة التأمل واليوغا. وقد عادت الآن إلى العمل بدوام جزئي والتدريس عن بعد. لكنها لا تزال بحاجة إلى قيلولة لمدة 3 ساعات معظم الأيام. وأكدت أن "الأداء الفكري مرهق مثل العمل البدني".
دراسة جديدة
كشفت نتائج دراسة جديدة إلى احتمال تسبب كوفيد-19 في تلف مجهري لا تكشفه الاختبارات العادية، حيث تم تحديد تشوهات في رئات عدد من المرضى الذين عانوا من آثار طويلة الأمد، وهو ما قد يفسر سبب معاناة بعض الأشخاص من ضيق التنفس بعد فترة طويلة من الإصابة بالفيروس.
في تقرير لصحيفة غارديان، تنقل الكاتبة هانا ديفلين عن الدكتورة إميلي فريزر، المستشارة بمستشفيات جامعة أكسفورد والمؤلفة المشاركة للدراسة، أن النتائج التي توصل إليها الباحثون هي أول دليل يكشف أن سلامة الرئتين يمكن أن تتأثر على المدى الطويل بعد الإصابة بفيروس كورونا.
وقالت فريزر "إنها أول دراسة تظهر تشوهات رئوية لدى المصابين بكوفيد طويل الأمد ويعانون من ضيق التنفس، حيث تشير بالفعل إلى أن الفيروس يسبب نوعًا من التغيرات غير الطبيعية المستمرة داخل البنية الدقيقة للرئتين أو الأوعية الدموية الرئوية".
وأضافت أنه لابد من إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج، بما في ذلك كيفية ارتباط التشوهات بضيق التنفس.
من جانبها، ترى المحاضرة بكلية كينغز لندن، كلير ستيفز، والتي لم تشارك في الدراسة، أن النتائج ستكون ذات أهمية كبيرة لأي شخص يعاني من ضيق التنفس على المدى الطويل بعد الإصابة بكوفيد.
وقالت ستيفز "إنهم يفترضون أن كفاءة الرئة في القيام بوظائفها، أي تبادل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين، قد تكون عرضة للخطر، رغم أن بنية الرئة تبدو طبيعية. مع ذلك، يجب أن ننتظر إلى حين اكتمال الدراسة لمعرفة: مدى دقة هذه النتائج المبكرة، ومدى قدرتها على تفسير ما يحدث للمرضى، وما التداعيات على العلاجات القادمة".
وتعدّ هذه الدراسة من أحدث الدراسات التي سلطت الضوء على الاختلافات الفسيولوجية التي لوحظت لدى الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد. وشملت الدراسة 400 متطوع، ونشرت على منصة "بيو أركايف" (biorxiv).