علماء في قطر يبحثون دورا محتملا للجمل في علاج كورونا

علاج الأجسام المضادة لن يكون بمثابة بديل للقاحات الحالية

يعتقد باحثون في وايل كورنيل للطب-قطر أن الجِمال يمكن أن تكون أحد المصادر المحتملة لأجسام مضادّة علاجية، ربما تكون ذات خاصية شفائية للإنسان في مواجهة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".

وقالت وايل كورنيل للطب-قطر (في بيان وصل الجزيرة نت اليوم الثلاثاء) إنه على الرغم من وجود عدد من اللقاحات المتاحة اليوم لكوفيد-19؛ إلا أن البشرية ما تزال بحاجة إلى علاج ناجع للمرض وللجوائح المحتملة في المستقبل، التي يمكن أن تتسبب بها فيروسات غير معروفة بعد من الفيروسات التاجية.

وفي هذا السياق، يعتقد الدكتور لطفي شوشان، أستاذ الطب الوراثي وعلم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في وايل كورنيل للطب-قطر، أن الحل قد يكمن في الجِمال أحادية السنام؛ لأن الأجسام المضادة أحادية السلسلة (أجسام نانوية) في الجِمال يمكن إنتاجها بكمية ضخمة، وربما باستطاعتها أن تصل إلى أهداف فيروسية مخفية أمام الأجسام المضادة التقليدية.

وأجرى الباحثون دراسة نُشرت في دورية "جيه سي آي إنسايت" (JCI Insight)، الصادرة عن "الرابطة الأميركية للاستقصاءات الإكلينيكية" (AACI).

ما هي الأجسام المضادة؟

"الجسم المضاد" (antibody) هو مكون بروتيني في جهاز المناعة يدور في الدم، ويتعرف على المكونات الغريبة مثل البكتيريا والفيروسات، ويقضي عليها، وذلك وفقا لـ"المعهد الوطني لبحوث الجينوم البشري" (National Human Genome Research Institute Home).

وبعد التعرض لمادة غريبة، تسمى "مستضد" (antigen)، يتم إنتاج الأجسام المضادة، والتي تستمر في الدوران بالدم؛ مما يوفر الحماية ضد التعرض المستقبلي لذلك المستضد.

ويتم إنتاج الأجسام المضادة من نوع معين من خلايا الدم البيضاء تسمى "الخلايا البائية" (B cell)، يتكون هيكل الجسم المضاد من سلسلتين خفيفتين وسلسلتين ثقيلتين، وفي طرف الجسم المضاد توجد منطقة شديدة التغير، وتسمح هذه المنطقة شديدة التغير للجسم المضاد بصنع أنواع مختلفة من الأجسام المضادة، التي ستستجيب لجميع المستضدات.

أما المستضد فهو أي شيء غريب عن جسم الإنسان، يمكن أن يكون فيروسا -مثل فيروس كورونا- وقد يكون بكتيريا.

وأوضح الدكتور شوشان أن الفيروسات التاجية قد تفشّت 3 مرات على نطاق واسع؛ المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة "سارس" في عام 2002، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" في عام 2012، وجائحة "كوفيد-19" الراهنة. وهذه الفيروسات جميعها منتمية إلى العائلة الفرعية ذاتها من الفيروسات التاجية، ويُعتقد أنها جميعا نشأت في الخفافيش قبل أن تنتقل إلى مضيف وسيط ومن ثم إلى البشر. وبالنسبة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية كان المضيف الوسيط الفريد هو الجِمال أحادية السنام.

وقال في هذا السياق "من السهل تماما أن تجد الأجسام المضادة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في الجِمال؛ لكن من النادر أن تجد جملا يعاني المرض، لذا يبدو أن جهاز مناعة الجِمال أحادية السنام قادر على التغلب على العدوى بسرعة. وتنطلق فرضيتنا من التشابه بين الفيروسين المسبّبين لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وكوفيد-19، ما يجعلنا نتساءل عن احتمال أن تكون الأجسام المضادة لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية فعالة أيضا ضد فيروس كوفيد-19".

وبدعم من وايل كورنيل للطب-قطر، والصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، ووزارة الصحة العامة ووزارة البلدية والبيئة في قطر، استعان الباحثون بأحد المستودعات الأحيائية لأخذ عينات من الجِمال، يعود بعضها إلى ما قبل ظهور جائحة كوفيد-19، وبعضها الآخر إلى ما بعد الجائحة، وجميعها لجِمال لديها أجسام مضادة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

ووجد الدكتور شوشان، خلال دراسة أُنجزت بالتعاون مع زملاء من وايل كورنيل للطب-قطر وسدرة للطب ووزارة الصحة العامة القطرية، أن الأجسام المضادة لفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في الجِمال أحادية السنام قادرة بالفعل على منع فيروس كوفيد-19 من الالتصاق بخلاياها المستهدفة.

وتمثلت المرحلة التالية في اكتشاف المستهدف من الأجسام المضادة لفيروس كوفيد-19 في جسم الجمل، وهو ما تم بالفعل بالاستعانة بتقنيات جزيئية متقدمة؛ مما أتاح للباحثين فهما دقيقا عن ذلك الجزء من البروتينات الفيروسية المسؤول عن تحفيز الأجسام المضادة وتعطيل عمل الفيروس.

ولأن فيروسات المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وكوفيد-19 متشابهة إلى حدّ بعيد، يمكن تسخير ذلك الجزء المشترك ليكون علاجا لها جميعا، جنبا إلى جنب مع السلالات المختلفة المحتملة والفيروسات التاجية المستقبلية المنتمية إلى العائلة الفرعية ذاتها.

أجسام مضادة معدّلة جينيا

وقال الدكتور شوشان "يقوم العلاج المقترح على الإتيان بأجسام مضادة معدّلة جينيا من الجِمال تشكّلت من 3 أو 4 أجسام مضادة صغيرة في جزيء واحد، يتعرف كل واحد منها على أجزاء مختلفة من الفيروس. ومن ثم يُحقن الشخص المصاب بالفيروس بهذه الأجسام المضادة، وتعزز التوليفة التي تتألف من 3 أو 4 أجسام مضادة فرصة نجاح العلاج".

وفي حين أن عمليات زرع الأنسجة الحيوانية في جسم الإنسان أخفقت بشكل عام بسبب رفض جهاز مناعة الإنسان لها، لا يعتقد الباحثون بحدوث مشكلة ما عند استخدام أجسام مضادة من الجِمال.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور شوشان "كل ما نقوم به أننا نستخدم ذلك الجزء من الجسم المضاد المستهدِف للفيروس، وإذا ما نظرنا إلى الأجسام المضادة التي تنتجها الجِمال أحادية السنام، نجد أنها تشبه إلى حد بعيد في هيكليتها تلك التي ينتجها جسم الإنسان؛ لذا لا نتوقع استجابة مناعية سلبية للعلاج، بسبب انتقال الأجسام المضادة من نوع إلى نوع آخر".

وفي الوقت نفسه، شدد الدكتور شوشان على أن علاج الأجسام المضادة لن يكون بمثابة بديل للقاحات الحالية، وقال "نأمل أن تخفف اللقاحات المتاحة من حدة آثار الجائحة، وأن تحقق مناعة القطيع؛ لكن ثمة عقبات علينا التغلب عليها، مثل السلالات الجديدة التي تظهر من حين إلى آخر، وإن كان الخبراء يؤكدون فعالية بعض لقاحات كوفيد-19، كما يبدو، ضد السلالات المتحورة من الفيروس؛ لكن تهدف اللقاحات في المقام الأول إلى الحد من انتشار الفيروس، لا علاج المصابين بالمرض. وفي المحصلة، سيصيب المرض أعدادا من البشر، ويمكن استخدام الأجسام المضادة المأخوذة من الجِمال العربية كوسيلة علاجية".

وأما المهمة التالية لفريق الباحثين فقد تستغرق بضعة أشهر لا أكثر، وتتمثل في إثبات أن الفرضية صحيحة، ومحصلتها مأمونة وفعالة من خلال إجراء تجارب على القوارض. وإذا ما نجحت، سيتم الانتقال إلى المرحلة التالية من التطوير، وستكون مثل هذه المرحلة، على الأغلب، بمشاركة شركة دوائية متعددة الجنسيات.

المصدر : الجزيرة

إعلان