كورونا يضرب بلاد السبوتنيك.. لماذا تئن روسيا تحت وطأة كوفيد؟
بعض الخبراء في الصحة العامة يحذرون من استحالة توقع مسار فيروس كورونا، لذا فظهور طفرة جديدة وارتفاع عدد الإصابات مجددا يبقى أمرا واردا
تواجه روسيا ارتفاعا كبيرا في وفيات فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، فما الأسباب؟ وهل ما يحدث في روسيا يشكل علامة تحذير من أن موجات فيروس كورونا لم تنته بعد؟
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن في أغسطس/آب 2020 أن بلاده طورت "أول" لقاح ضد وباء كوفيد-19 من خلال مركز جاماليا الوطني لبحوث علم الأوبئة والأحياء الدقيقة، التابع لوزارة الصحة الروسية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsألغاز كورونا.. هل تبقى كمية صغيرة من الفيروس بالجسم ولماذا تراجعت الإصابات في اليابان؟
خبير بوايل كورنيل: الحمل الفيروسي لدلتا أعلى 1260 مرة من كورونا الذي ظهر بالصين
هل هناك علاقة بين إصابة الأم الحامل بفيروس كورونا وإصابة مولودها مستقبلا بالتوحد؟
وأطلق على اللقاح اسم "سبوتنيك-في" (Sputnik-V)، ويقول الموقع الإلكتروني الرسمي له: تم تسجيله من قبل وزارة الصحة الروسية يوم 11 أغسطس/آب 2020 ليصبح أول لقاح مسجل ضد فيروس كورونا المستجد في السوق، وشكل هذا الحدث ما يسمى بـ"لحظة القمر الصناعي سبوتنيك" بالنسبة للمجتمع العالمي لباحثي اللقاحات.
وكانت روسيا قد سجلت يوم السبت الماضي أعلى حصيلة وفيات يومية جراء فيروس كورونا منذ بدء الجائحة وبلغت 968 وفاة. وقال الفريق الحكومي المكلف بالتصدي لفيروس كورونا إنه تم تسجيل 29 ألفا و362 إصابة جديدة في الساعات الـ24 الماضية.
وفي تطور لافت، قال المدير العام لوكالة الفضاء الروسية دميتري روجوزين أمس الأحد إن روسيا ستعلق اختبار محركات الصواريخ في منشأة بمدينة فارونيش حتى نهاية الشهر الحالي للحفاظ على إمدادات الأكسجين لمرضى كوفيد-19، وفقا لرويترز.
وكتب روجوزين على "تويتر" (Twitter) "في ضوء الطلب المتزايد على الأكسجين الطبي لعلاج المرضى، قررنا اليوم تعليق تجارب إطلاق محركات الصواريخ في فارونيش حتى نهاية الشهر".
وأضاف "شركتنا وحدها توفر ما يصل إلى 33 طنا من الأوكسجين يوميا".
ما الأسباب المحتملة لارتفاع إصابات ووفيات كورونا في روسيا؟
- يقول الكرملين إن بطء حملة التطعيم على مستوى البلاد هو سبب الزيادة الكبيرة في عدد الوفيات، وفق ما نقلت رويترز. وحسب أرقام موقع "غوغوف" (Gogov) المتخصص، تم حتى الآن تلقيح 30.7% فقط من الروس بشكل كامل، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقالت تاتيانا غوليكوفا نائبة رئيس الوزراء الروسي يوم الجمعة الماضي إن 47.8 مليون روسي، أو ما يقرب من 33%، من قرابة 146 مليونا في روسيا، تلقوا جرعة على الأقل من لقاح فيروس كورونا، وإن 42.4 مليونا، أو حوالي 29%، تلقوا تطعيما كاملا، وفقا لوكالة أسوشيتد برس. - تفشي سلالة دلتا المتحورة من فيروس كورونا، وهي أشد عدوى، وهو أمر لم يقتصر على روسيا بل شمل جميع دول العالم.
- عدم فرض قيود صحية أو إجراءات احتواء، حيث أظهرت السلطات الروسية رغبتها في الحفاظ على الاقتصاد. وتقول أسوشيتد برس إنه في بعض مناطق البلاد، بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرغ، لا تزال الحياة طبيعية إلى حد كبير، حيث تعمل الشركات كالمعتاد.
وتفرض بعض المناطق حضورا محدودا في الأحداث العامة الكبيرة وتقيد الوصول إلى المسارح والمطاعم وغيرها من الأماكن للأشخاص الذين تم تطعيمهم أو تعافوا مؤخرا من كوفيد-19 أو تم اختبارهم سلبيا في الـ72 ساعة الماضية. ولكن يجادل المنتقدون بأنه مع ذلك فإن هذه الإجراءات ليست كافية لوقف الزيادة.
وسجلت فرقة العمل الروسية الخاصة بفيروس كورونا أكثر من 7.7 ملايين إصابة مؤكدة و214 ألفا و485 وفاة. ومع ذلك، فإن التقارير الصادرة عن خدمة الإحصاء الحكومية الروسية "روستات" (Rosstat) التي تحصي الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا بأثر رجعي، تكشف عن أرقام وفيات أعلى بشكل ملحوظ.
كشفت روستات يوم الجمعة الماضي عن أحدث بيانات الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا التي أظهرت أكثر من 254 ألف وفاة للأشخاص المصابين بكوفيد-19 في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام مقارنة بأكثر من 163 ألف وفاة لمرضى مصابين بفيروس كورونا لعام 2020 بأكمله، وفقا لأسوشيتد برس.
على عكس فرقة العمل الخاصة بفيروس كورونا التي تحصي فقط وفيات المرضى حيث كان كورونا هو السبب الرئيسي، فإن روستات تحسب أيضا أولئك الذين أصيبوا بكوفيد-19 لكنهم ماتوا لأسباب أخرى، وأولئك الذين تم الاشتباه في إصابتهم بفيروس كورونا ولكن لم يتم تأكيدها.
وقالت الوكالة إن العدد الإجمالي للوفيات في روسيا من يناير/كانون الثاني حتى أغسطس/آب الماضيين تجاوز 1.5 مليون بزيادة 18.5% على أساس سنوي.
وتقلص عدد سكان روسيا بأكثر من 351 ألفا في الأشهر السبعة الأولى من العام، وبلغ حوالي 145.8 مليون اعتبارا من أزل أغسطس/آب السابق، وفقا لروستات.
هل انتهت موجات فيروس كورونا؟
ما حدث في روسيا يطرح السؤال الذي ينطبق على كل دول العالم. وهناك انقسام بين الخبراء حول ما إذا كانت موجة متحور دلتا ستكون هي آخر الموجات الكبرى لفيروس كورونا.
ويقول الكاتب داستن كولمان، في تقرير نشرته صحيفة "ذا هيل" (The hill) الأميركية يناقش هذا الموضوع بشكل خاص في أميركا، إن نسبة التطعيم بين السكان، وانخفاض حالات العدوى في أغلب الولايات الأميركية، عززا آمال الناس بأن الوباء في طريقه للانحسار مع نهاية الموجة الحالية.
ولكن هنالك خبراء آخرون في الصحة العامة يحذرون من استحالة توقع مسار هذا الفيروس، وبالتالي فإن ظهور طفرة جديدة وارتفاع عدد الإصابات مجددا يبقى أمرا واردا، مع اقتراب فصل الشتاء الذي أدى العام الماضي إلى ارتفاع صاروخي في حالات العدوى والوفيات والإيواء بالمستشفيات.
لهذه الأسباب، يرى نيكولاس رايخ أستاذ الإحصاء البيولوجي في جامعة "ماساتشوستس أمهرست" (University of Massachusetts Amherst) أن "الإعلان عن عدم وجود طفرات أو موجات أخرى من فيروس كورونا بعد متحور دلتا هو خطوة متهورة ومتسرعة. وفي الواقع من الوارد أن تكون الأزمة قد انتهت، ولكن إذا كان هنالك شيء واحد تعلمناه من العامين الماضيين فهو أن هذا الفيروس يتصرف بشكل غامض وعشوائي".
وينبه نيكولاس رايخ وعلماء آخرون إلى أن غموض عوامل تطور السلالات المتحورة، وعدم معرفة فترة فاعلية اللقاحات المنتشرة حاليا وفترة المناعة بعد الشفاء، كلها أسئلة بلا إجابة يمكن أن تؤدي إلى تفشي الوباء مجددا في المستقبل.
كذلك تشير الدكتورة لينا واين طبيبة الطوارئ وأستاذة الصحة العامة في جامعة "جورج واشنطن" (George Washington University)، إلى أنه "على الرغم من انخفاض أعداد الإصابات بفيروس كورونا، فإن بعض المناطق على غرار ألاسكا وفيرجينيا لا تزال في قلب موجة المتحور دلتا".
وتضيف الدكتورة واين "قلقة جدا من حالة التراخي لدى الناس الذين يعتقدون أن هذه الأزمة قد مرت. لقد شاهدنا هذا يحصل من قبل، حيث تنخفض أعداد المصابين فيتخلى الناس عن الحذر ووسائل الوقاية، فيتأزم الوضع الصحي مجددا".
ويقول الكاتب إن اقتراب موسم الشتاء يزيد من صعوبة توقع مستقبل الفيروس، إذ إنه يمكن أن ينتشر بشكل أسرع في الطقس البارد وفي المساحات المغلقة.
في المقابل يتمسك آخرون بالتفاؤل على غرار مفوض الإدارة الأميركية للغذاء والدواء سكوت غوتليب، الذي توقع عدم العودة إلى مستويات العدوى التي حدثت في الصيف، إذ قال "باستثناء إمكانية حدوث شيء مخالف تماما للتوقعات، فإنني أعتقد أن هذه هي آخر موجة كبرى للوباء (في أميركا)".
وكذلك يعبر أستاذ علم الأوبئة ديفيد داودي عن ثقته في أن الولايات المتحدة لن تتعرض إلى أزمة جديدة بسبب فيروس كورونا مثل تلك التي واجهتها خلال الصيف بسبب متحور دلتا.
وهو يرى أن "نسبة الحاصلين على اللقاح، وكذلك نسبة من أصيبوا سابقا بالعدوى وحصلوا على مناعة طبيعية، تعني أن مستويات المناعة الجماعية أعلى من أي وقت مضى".
ويضيف أنه "يمكن أن يؤدي ظهور متحور جديد إلى تهديد هذه المناعة، إذا كان من النوع الذي لا تقدر اللقاحات الموجودة حاليا على مجابهته. إلا أن هذا مستبعد على المدى القصير".