هل سيمتلك الإنسان القدرة على إعادة نمو أطرافه مثل السمندل؟
طارق قابيل
يزعم باحثون أن الإنسان سيمتلك يوما ما القدرة على إعادة نمو الأطراف بعد أن اكتشف العلماء في جامعة هارفارد مفتاح الحمض النووي الذي يتحكم في الجينات لتجديد الجسم بالكامل.
ونسبت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى الأستاذ المساعد في علم الأحياء التطوري والبيولوجي بجامعة هارفارد مانسي سريفاستافا قوله إنه يمكن أن تحقق بعض الحيوانات نجاحات استثنائية في الإصلاح، مثل السمندل الذي يمكنه تنمية ساقيه الخلفيتين، أو حيوانات أبو بريص التي يمكنها إلقاء ذيلها هربا من الحيوانات المفترسة ومن ثم تكوين ذيول جديدة في غضون شهرين فقط.
فعندما يتعلق الأمر بتجدد الجسم، تكون بعض الحيوانات قادرة على القيام بعمل رائع، وهناك حيوانات أخرى تأخذ هذه العملية إلى مدى أبعد من ذلك كثيرا. فيمكن للديدان المستورقة وقناديل البحر وشقائق النعمان البحرية تجديد أجسامها بالكامل بعد قطعها إلى نصفين.
ومن شأن فهم التفاصيل الجينية لهذه العملية أن يساهم ربما في توظيفها مستقبلا لتجديد أطراف الإنسان المبتورة وأعضاء الجسم التالفة.
في هذا الإطار كشف الباحثون بقيادة سريفاستافا وقسم اللافقاريات في متحف علم الحيوان المقارن، النقاب عن عدد من مفاتيح الحمض النووي التي يبدو أنها تتحكم في الجينات من أجل تجديد الجسم بالكامل، وذلك من خلال ورقة بحثية نشرت يوم الجمعة 15 مارس/آذار الجاري في مجلة "ساينس".
دودة النمر
واستخدم الباحثون دودة النمر ثلاثية الأحزمة لاختبار هذه العملية، ووجدوا أن قسما من الحمض النووي غير مشفر يتحكم في تنشيط "جين التحكم الرئيسي"، الذي يسمى جين استجابة النمو المبكر (إي جي آر).
وأوضح سريفاستافا أن النتائج أظهرت أن جين "إي جي آر" يعمل مثل مفتاح الطاقة للتجدّد، وبمجرد تشغيله يمكن أن تحدث عمليات أخرى، لكن من دونه لن يحدث شيء. وقال "لقد تمكنا من تقليل نشاط هذا الجين ووجدنا أنه إذا لم يكن لديك جين "إي جي آر" فلن يحدث شيء ولا يمكن للحيوانات أن تجدّد أعضاءها".
ماذا عن الإنسان؟
بمقارنة جينومات الكائنات الأخرى، اتضح أن جين "إي جي آر" موجود في كائنات أخرى كثيرة بما فيها الإنسان، وأنه يشبه الجينات التي درست بالفعل في البشر والحيوانات الأخرى. غير أن ما يحدث في الخلايا البشرية عند تشغيل الجين قد يكون مختلفًا تماما عما يحدث في دودة النمر ثلاثية الأحزمة.
فالبشر أيضا يحملون جين "إي جي آر"، وينتجونه عندما يتم الضغط على الخلايا وتصبح بحاجة إلى إصلاح، ومع ذلك لا يبدو أنها تؤدي إلى تجديد واسع النطاق.
وقال العلماء إنهم يأملون في المضي قُدمًا لدراسة ما إذا كانت المفاتيح الوراثية التي يتم تنشيطها أثناء التجدّد هي نفسها المستخدمة في النمو، وأنهم سيواصلون العمل من أجل فهم أفضل للطبيعة الديناميكية للجينوم.
يعمل الفريق أيضًا على فهم دقيق للطرق التي يعمل بها جين "إي جي آر" لتنشيط عملية التجدّد، سواء بالنسبة لديدان النمر ثلاثية الأحزمة، وغيرها من الأنواع.
وتسلط الدراسة الضوء على أن الفهم الكامل للجينوم يجب أن يشمل الجينوم كله، لأن حوالي 2% فقط من الجينوم ترمز للبروتينات.
ومن المعروف أن العديد من تغييرات الحمض النووي التي تسبب الأمراض تحدث في مناطق غير مُرَمِزة (مشفرة) للبروتينات، لكن لم يتم تقدير دورها في عملية تجديد كامل الجسم حتى الآن.
وقال سريفاستافا "إنه سؤال طبيعي جدا أن ننظر إلى العالم الطبيعي ونفكر، إذا كان أبو بريص يستطيع أن يجدد أطرافه، لماذا لا أستطيع أنا".
وأضافت أن هناك العديد من الأنواع التي يمكن أن تتجدد، وأن أنواعا أخرى لا تستطيع ذلك، لكن اتضح أنه إذا قارنت جينومات جميع الحيوانات، فإن معظم الجينات الموجودة لدينا هي أيضا موجودة في دودة النمر، لذلك نعتقد أنه ربما لن تأتي بعض هذه الإجابات من وجود أو عدم وجود جينات معينة في الكائن الحي، ولكن من كيفية توصيلها أو ربطها ببعضها بعضا، ولا يمكن أن تأتي هذه الإجابة إلا من الجزء غير المُرَمِز من الجينوم.
فكرة الخلود
في عام 2016 صرح عالم ياباني بأنه بعد ثلاثة أشهر من وفاة قنديل البحر المستأنس لديه في المنزل خرجت سليلة شبيهة بشقائق النعمان الشرياني من الجسم المتدهور، ثم عادت إلى الوراء في العمر، عادت أصغر سنا.
وفي التسعينيات اكتشف العلماء في إيطاليا أن قناديل البحر التيوريتوريس دوهرني تتحول جيئة وذهابا من طفل رضيع إلى شخص بالغ، مما أدى إلى إطلاق لقب قنديل البحر الخالد عليها.
وأضاف سريفاستافا أن السؤال الملح الآن هو: إذا كان يمكن للبشر تشغيل "إي جي آر" في الوقت الذي يختارونه، فلماذا لا يمكنهم التجدد؟ وإنه لسؤال طبيعي للغاية أن ينظر الناس إلى العالم الطبيعي والتفكير في أبو بريص الذي يمكن أن يجدد أعضاءه، فلماذا لا يستطيع البشر؟