مدرسة بمستشفى بمراكش.. علاج من السرطان ونجاح تعليمي
عبد الغني بلوط-مراكش
تعلو وجه المعلمة زكية أُخاية ابتسامة مشرقة، وهي ترى الطفلة هدى تحل مسألة رياضية صعبة في حصة دراسية. قد يبدو المنظر عاديا في فصل تعليمي، لكن زكية أستاذة متطوعة تنتمي لجمعية مدنية، أما الطفلة هدى فهي مريضة بالسرطان وتحاول جاهدة تدارك ما فاتها من دروس.
وتقول زكية -وهي تبادل تلميذتها تحية خاصة باليد والأصابع المتشابكة- للجزيرة نت "التعليم هو خيط رفيع يربط هدى بالحياة مثل باقي الأطفال المرضى، هؤلاء علمونا الأمل والتشبث بالحياة وعدم الاستسلام مهما كانت الظروف".
ويعمل أساتذة متطوعون ينتمون إلى جمعية أسرة التعليم ومحاربة الهدر المدرسي على تقديم الدعم المدرسي لأطفال مرضى بالسرطان بمدينة مراكش، وهدفهم أن يستمد التلاميذ الحافز الضروري لتجاوز شعورهم بالإحباط نتيجة تخلفهم عن الدراسة لفترة معينة.
وتشرح زكية -وهي تقلب دفاتر بعض تلاميذها- "أنا واحدة من بين 32 أستاذة وأستاذا من المتطوعين، الذين يتناوبون من أجل تخفيف معاناة الأطفال ومساعدتهم على مسايرة حياتهم المدرسية".
أما رئيس الجمعية كمال أحود فيقول للجزيرة نت "بدأنا التجربة قبل خمس سنوات في المستشفى، ونواصل عملنا في "دار الحياة" التي تأوي أسرا معوزة وقادمة من مناطق بعيدة مع أطفال لم يجدوا مكانا بالمستشفى".
فرح بالنجاح
ويضيف أحود أن "أكثر ما يسعدنا ويجعلنا نستمر رغم قلة الإمكانيات، هو رؤية فرحة النجاح في عيون الأطفال"، وأنه قبيل نهاية السنة الماضية أصيب تلميذ بالسرطان وهو في القسم النهائي للطور الإعدادي، الذي يتطلب جهدا إضافيا لاجتياز اختبار نهائي موحد، و"عندما وجدناه في المستشفى، شعرنا بثقل المسؤولية، فالعلاج حرم هذا التلميذ النجيب من مقاعد الدراسة، وكاد أن يخسر موسمه الدراسي، لكن بفضل جهود الأساتذة المتطوعين استطاع النجاح، بل التفوق".
ويمتد عمل الجمعية ليشمل محاربة الأمية لدى بعض الأمهات والآباء، الذين وصل عددهم إلى نحو 450 مستفيدا، مع تنظيم ورشات للرسم، وسهرات ترفيهية، واستدعاء فنانين معروفين.
دهشة
في مشهد آخر بجناح بالمستشفى الجامعي بمراكش، كان أطفال ينتظرون دورهم للفحص مع أوليائهم، حيث بدا المنظر مؤثرا جدا حين انسل طفل من حضن أمه، وأطلق صرخة فرحة قوية، وجرى ليعانق الطبيبة التي ظهرت في الممر.
وتقول رئيسة قسم أمراض الدم وأنكولوجيا (علم سرطان) الأطفال جميلة الهودزي "لا يفسر هذا السلوك إلا بتلك العلاقة مع هؤلاء الأطفال والمبنية على الثقة وزرع الأمل".
وتضيف البروفيسورة الهودزي للجزيرة نت إن السرطان يؤثر على الطفل في حياته العادية، فهو محروم من اللعب والاستمتاع بالحياة كالأطفال الآخرين، وأيضا على حياته المدرسية بسبب الغياب من أجل العلاج.
"لا أستطيع الحضور للمستشفى إذا لم أكن قادرة على الابتسامة في وجه الأطفال المرضى"، هذه جملة تعرف بها الهودزي.
وتسجل في المغرب سنويا حسب الإحصاءات الرسمية -كما توضح الهودزي- ما بين 1100 و1200 حالة جديدة للإصابة بداء السرطان لدى الأطفال.
دعم نفسي
وتؤكد الهودزي أن طفل السرطان يحتاج إلى دعم مدرسي كما يحتاج إلى دعم نفسي؛ لذا "فمدرسة المستشفى" تجربة جيدة في جناح أنكولوجيا الأطفال. وتضيف "نسعى إلى تطوير التجربة لتشمل أكبر عدد ممكن من التلاميذ بعد فتح جناح جديد أكبر مساحة".
وإضافة إلى الدعم المدرسي، تقوم جمعية أخرى تدعى "نجوم" بتدبير فضاء الترفيه في المستشفى، وبه كتب وقصص وألعاب، وتحرص على نظافته وتنظيم الوقت فيه.
وتضيف الهودزي "كل سنة نقوم بحفل بشراكة هذه الجمعية، من أجل إدخال البهجة على الأطفال، ونختار مكانا ممتعا خارج المستشفى من أجل ذلك".
توعية
كل انتكاسة دراسية لدى طفل مريض بالسرطان قد تسبب أمراضا نفسية تصل إلى الانعزال والانطواء، وفي حالات كثيرة الاكتئاب؛ لذا يرى البروفيسور أحمد المنصوري رئيس حملة الوقاية من داء السرطان أن الدعم المدرسي مهم جدا للأطفال المصابين.
ويضيف للجزيرة نت أن الدعم النفسي ضروري أيضا من الناحية المعنوية، لكن ذلك لا يغني عن متابعة العلاج وفق رؤية الطبيب المعالج.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة عالية جدا (أكثر من 90%) من الأطفال المرضى يتعافون نهائيا، في حين تصل نسبة نجاح المدعمين دراسيا إلى 100%، وهو أمر مفرح للأطفال المرضى وأوليائهم والأطباء والمدرسين، على حد سواء.