غياب ثقافة التبرع بالأعضاء يعمق آلام المرضى بالجزائر
ياسين بودهان-الجزائر
بين غياب ثقافة التبرع بالأعضاء بين الجزائريين وعدم قدرة الكثير من المرضى على دفع التكاليف الباهظة لعمليات الزراعة في الخارج يصارع الآلاف من المرضى من أجل وضع حد لمعاناتهم اليومية مع الألم.
نور الدين بوشايك نموذج لمريض يعاني في صمت، طريح الفراش بسبب إصابته بالفشل الكلوي منذ ست سنوات، وحسب والده فإنه يضطر للانتقال ثلاث مرات أسبوعيا لإجراء عملية غسل الكلى بمستشفى سكيكدة، وأقعده المرض وأجبره على إيقاف الدراسة.
ويبلغ عمر نور الدين 19 عاما، وهو ينحدر من قرية الصالح بولشعور في ولاية سكيكدة شرقي الجزائر العاصمة، وبات مرضه مصدر قلق ومعاناة أيضا لعائلته التي تتكون من ثمانية أفراد يعيشون أوضاعا اجتماعية صعبة.
وتعاني العائلة في سبيل الحصول على أدوية وأغذية تساعد ابنها نور الدين على تجاوز محنته، وملاذها الوحيد إحدى الجمعيات النشطة في بلدته، والتي تساعد في بعض الأحيان على توفير جزء من الدواء، وفقا لوالده الذي تحدث للجزيرة نت.
في الجزائر يوجد ستة آلاف مريض بحاجة إلى زرع كلى |
مناشدة
ورغم نشر قصة ابنه عبر عدة صحف للحصول على مساعدة لإجراء عملية زراعة كلية له فإن نداءاته "لم تجد قلوبا رحيمة"، وناشد والد نور الدين كل الخيرين من أجل العطف على ابنه، وإنقاذه من موت محق، ومن جحيم يومي.
نور الدين حالة من آلاف الحالات التي يلجأ أصحابها لصفحات التواصل الاجتماعي، وللجرائد، ومختلف البرامج الاجتماعية التي تبثها القنوات الخاصة، بحثا عن دعم والتفاتة المحسنين لمساعدتهم على إجراء عمليات زراعة الأعضاء خارج البلاد في ظل استحالة إجرائها بالجزائر، في ظل غياب تكفل الدولة وغياب ثقافة التبرع بالأعضاء في المجتمع الجزائري لعدة اعتبارات، أهمها دينية تتعلق بخوف الجزائريين من حرمة التبرع بالأعضاء لشخص آخر بعد الوفاة.
ويأتي في صدارة المحتاجين لعمليات الزراعة مرضى القصور الكلوي، وتسجل الهيئة الجزائرية للكلى وفاة 1500 مريض سنويا في عيادات العلاج، وتقدر اتحادية القصور الكلوي عدد عمليات زراعة الكلى بالجزائر بنحو خمسمائة عملية منذ عام 1986، ويوجد نحو ستة آلاف مريض بحاجة إلى زرع كلى.
ويسجل رئيس عمادة الأطباء الجزائريين محمد بكات بركاني عدة عوائق تواجه انتشار ثقافة زرع الأعضاء، وتجاوز تلك العوائق لا يكون برأيه إلا عبر فتح نقاش يشارك فيه الأطباء، وعلماء دين، ومنظمات المجتمع المدني مع وسائل الإعلام، للتوصل إلى رؤية متفق عليها تشجع الجزائريين على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
ثقافة التبرع
ويعتقد رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وتطوير الصحة مصطفى خياطي أن غياب ثقافة التبرع بالأعضاء سببه غياب تنظيم محكم يساعد على إجراء مثل هذه العمليات، مما جعل عملية التبرع تنحصر بين أفراد العائلة الواحدة.
وبخصوص تخوف الجزائريين من حرمة التبرع بالأعضاء أكد خياطي -في حوار مع الجزيرة نت- أن هذا الأمر لم يتم تجاوزه بسبب نقص التوعية، لأن مؤسسات دينية رسمية حسمت هذا الموضوع وأصدرت عدة فتاوى على غرار فتوى المجلس الإسلامي الأعلى التي أجاز فيها التبرع بالأعضاء.
ورصد خياطي غياب فرق متخصصة بزراعة الأعضاء تكون متواجدة في المستشفيات على مستوى المدن الكبيرة، إلى جانب غياب قائمة للأشخاص المرشحين أو الذين هم بحاجة ماسة لعمليات زرع الأعضاء مبنية على ما يسمى "التوافق النسيجي"، إذ يتطلب نجاح عمليات الزرع درجة عالية من التوافق النسيجي، لأن وجود القائمة يسمح باستدعاء المريض مباشرة للمستشفى لإجراء عملية الزراعة.