"تعفّن السرير".. هروب جيل زد من ضغوط الحياة إلى ملاذ البطانية

في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، ظهر مصطلح جديد أثار الكثير من الجدل ولفت أنظار الملايين: "تعفن السرير" (Bed Rotting). ورغم أن الاسم قد يبدو غريبا للوهلة الأولى، إلا أن معناه بسيط: تمضية ساعات طويلة في السرير دون نوم، بل بالانشغال بأنشطة خفيفة مثل تصفح الهاتف، مشاهدة الأفلام، الاستماع إلى الموسيقى، أو تناول وجبات سريعة.
هذا السلوك، الذي بدأ كممارسة فردية، سرعان ما تحول إلى ظاهرة ثقافية عالمية، غذّتها منصات مثل "تيك توك"، حيث يتفاخر المستخدمون بروتينهم اليومي لـ"تعفن السرير"، باعتباره شكلا جديدا من العناية الذاتية. ليغدو السرير بالنسبة للكثيرين ملاذا آمنا يتيح لهم التوقف مؤقتا عن سباق الحياة، واستعادة بعض الراحة والهدوء. إنها ببساطة رسالة صامتة تقول "أنا أستحق أن أرتاح".
اقرأ أيضا
list of 2 items"العناية الذاتية تبدأ من سريري"
لم يكن مصطلح "تعفن السرير" حاضرا في لغتنا اليومية من قبل، لكنه ظهر كتعبير عفوي عن البقاء في السرير لساعات طويلة دون هدف محدد. ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، سرعان ما تحوّل إلى ظاهرة لافتة. هناك، يتشارك المستخدمون مقاطع قصيرة توثق روتينهم داخل السرير: وسائد متناثرة، بطانيات دافئة، شاشات هواتف مضيئة، ووجبات خفيفة مبعثرة. هذه المشاهد، التي غالبا ما تُعرض بإضاءة ناعمة وموسيقى هادئة، منحت "تعفن السرير" جاذبية بصرية جعلت منه تجربة مرغوبة.
لعب تيك توك دورا محوريا في ترسيخ هذه الظاهرة، حيث لم يقتصر الأمر على مشاركة اللحظات الشخصية، بل جرى الترويج لها كنوع من "الرفاهية البسيطة". تعليقات متكررة مثل: "يوم تعفن السرير هو طريقتي المثلى لإعادة شحن طاقتي" أو "العناية الذاتية تبدأ من سريري" تكشف كيف تغيّرت النظرة إلى هذا السلوك: من كونه مجرد كسل، إلى اعتباره خيارا واعيا للراحة واستعادة التوازن.

تعفن السرير تمرد على الثقافة
وبدون شك، تحمل ظاهرة "تعفن السرير" جدلا حول ما إذا كانت تمثل شكلا من أشكال العناية الذاتية أم أنها مجرد وسيلة للهروب من الواقع. حيث يرى أنصار هذه الظاهرة أنها وسيلة لتخفيف الضغط النفسي، في مجتمع يمجد الإنتاجية ويطالب الأفراد بأن يكونوا دائما "في حالة عمل"، حيث يبدو تخصيص يوم للبقاء في السرير تمردا صغيرا على هذه الثقافة.
يقول جيفري غاردير، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة تورو في الولايات المتحدة الأميركية، إن الظاهرة تلقى رواجا بين "جيل زد" تحديدا، حيث يعاني الكثير منهم من إرهاق وضغوط متواصلة بسبب الدراسة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية.
كما توضح كورتني دي أنجليس، أخصائية علم النفس في مستشفى نيويورك بريسبتيريان، أن تخصيص وقت قصير في السرير قد يساعد على تهدئة الجسد وتخفيف التوتر.
ومع ذلك، هناك من يرى أن هذا السلوك قد يكون أكثر من مجرد استراحة لمن يشعرون بالإرهاق من التوقعات الاجتماعية، وقد يتحول إلى فخ خفي يعزز العزلة.
حيث حذر رايان سلطان، أستاذ مساعد في الطب النفسي بجامعة كولومبيا، من أن الظاهرة قد تصبح إشكالية إذا استمرت أكثر من يوم أو يومين: "إذا تحوّل تعفّن السرير إلى عادة، فقد يكون علامة على الاكتئاب أو مشاكل نفسية أعمق".
متى تتحوّل الراحة إلى مشكلة؟
رغم أن "تعفن السرير" قد يبدو تجربة مريحة وممتعة في ظاهرها، إلا أن له انعكاسات محتملة على الصحة الجسدية والنفسية. فعلى الصعيد الجسدي، فإن قضاء ساعات طويلة بلا حركة قد يسبب مشاكل مثل آلام الظهر، ضعف العضلات، وزيادة الوزن. كما أن تناول الوجبات الخفيفة داخل السرير، خاصة تلك الغنية بالدهون والسكريات، قد يرسخ عادات غذائية غير صحية.
أما على الصعيد النفسي، فتتباين التأثيرات بشكل ملحوظ؛ فبينما يجد بعض الأشخاص في قضاء يوم كامل في السرير وسيلة لاستعادة طاقتهم وتحسين حالتهم المزاجية، قد يواجه آخرون آثارا عكسية، إذ يمكن أن يعزز ذلك مشاعر العزلة أو الإحباط إذا أصبح السرير الملاذ الوحيد الذي يمنحهم الإحساس بالأمان.

كيف نحقق التوازن؟
إذا كان "تعفن السرير" قد أصبح جزءا من ثقافتنا الرقمية، فكيف يمكننا الاستمتاع به دون الوقوع في فخ العادات غير الصحية؟
يقترح دكتور ريان سلطان عدة نصائح إذا رغبت في الانضمام للترند دون أضرار:
تحديد وقت محدد: خصص وقتا محددا للراحة في السرير، مثل بضع ساعات في عطلة نهاية الأسبوع، بدلا من جعلها عادة يومية.
دمج الحركة: حتى لو كنت في السرير، حاول القيام بتمارين خفيفة مثل التمدد أو التنفس العميق لتجنب الخمول.
تنويع الأنشطة: بدلا من التركيز فقط على الهاتف، جرب أنشطة مثل القراءة أو الكتابة الإبداعية لتحفيز العقل.
التفاعل الاجتماعي: حاول التواصل مع الأصدقاء أو العائلة، حتى لو كان ذلك عبر مكالمة هاتفية، لتجنب العزلة.
مراقبة الصحة النفسية: إذا شعرت أن الرغبة في البقاء في السرير ترتبط بالحزن أو القلق، فقد يكون من الجيد استشارة مختص.
في النهاية، "تعفن السرير" هو أكثر من مجرد صيحة عابرة، إنه انعكاس لحاجتنا الإنسانية إلى الراحة في عالم صاخب وفي الوقت ذاته تذكير بأهمية التوازن. سواء اخترت قضاء يوم في السرير مع كوب قهوة و مسلسلك المفضل، أو قررت الخروج لاستنشاق الهواء النقي، المهم هو أن تستمع إلى احتياجاتك وتجد طريقك الخاص للعناية بنفسك.