الثانوية العامة أم البكالوريا؟ جدل يربك الأسر المصرية

مع بداية العام الدراسي الجديد، يجد مئات الآلاف من طلاب المرحلة الثانوية وأولياء أمورهم أنفسهم أمام قرارات مصيرية تتعلق بمستقبلهم التعليمي، في ظل غياب المعلومات الكافية حول المناهج والمسارات الجديدة التي طرحتها وزارة التربية والتعليم المصرية. فبين الثانوية العامة بصورتها التقليدية، والبكالوريا كخيار جديد لم تتضح ملامحه بعد، يُطلَب من الأسر اتخاذ قرارات حاسمة دون امتلاك رؤية واضحة عن طبيعة الدراسة أو فرصها المستقبلية، وهو ما يثير حالة من القلق والارتباك لدى الكثيرين.
أثار إعلان وزارة التربية والتعليم المصرية عن تطبيق نظام البكالوريا إلى جانب الثانوية العامة جدلا واسعا بين أولياء الأمور والطلاب معا، إذ وجدوا أنفسهم أمام خيار مصيري يحدد مستقبل أبنائهم من دون توافر معلومات كافية عن طبيعة المناهج أو شكل التقييم. وبين تحذيرات بعض المدرسين من خوض تجربة غير واضحة المعالم، وتفاؤل آخرين بإمكانية أن يحظى الجيل الأول من طلاب البكالوريا بامتيازات خاصة في الامتحانات والتنسيق الجامعي، انقسمت آراء الأسر وتزايدت حيرتهم حول من يجب أن يتخذ القرار: الأهل أم الأبناء؟
مجموعات الأمهات بين الاختيار والإجبار
انقسمت آراء أولياء الأمور بشأن الجهة التي ينبغي أن تتحمل مسؤولية اختيار المسار الدراسي للطلاب.
ترى أسماء هشام (45 عاما)، ولية أمر لتوأمين أنهيا المرحلة الإعدادية وتعمل مدرسة، أن القرار لا ينبغي أن يُترك للطلاب في هذه المرحلة، قائلة "لا يجب أن نحمل الأولاد مسئولية قرار مثل هذا… فهم لا يعرفون الفرق بين البكالوريا والثانوية التقليدية".
أما أمل ممدوح (43 عاما)، أم وموظفة، فترى أن الكلمة الأخيرة يجب أن تكون للأسرة، موضحة: "الأولاد مش هيعرفوا مصلحتهم، إحنا اللي نختار لأننا الأقدر على التعامل مع المدرسين واختيار المسارات المؤهلة للجامعة".
وبينما تتمسك بعض مجموعات أولياء الأمور، خصوصا في مرحلة ما بعد الإعدادية، بضرورة أن يتولى الأهل مسؤولية الاختيار، يختلف الموقف في مجموعات المرحلة الثانوية. ففي هذه الأخيرة، تترك كثير من الأمهات حرية القرار لأبنائهن لاختيار المسار الدراسي، سواء بين الشعبة العلمية والأدبية أو بين العلمي علوم والعلمي رياضة، دون تدخل مباشر منهن، باعتبار أن الطالب هو المعني أولا بتحديد مستقبله الدراسي والجامعي.
في دراسة نشرت بالمجلة الدولية للمراهقين والشباب، عن كيف يمكن أن يعرّض تدخل الوالدين في المسارات الدراسية حياة المراهقين لمخاطر الإرهاق والاكتئاب عوضا عن الفشل الدراسي كذلك، وخلصت الدراسة التي تم إجراؤها على عينة شملت 134 طالبا في المرحلة الثانوية الإيطالية، أن تدخل الوالدين من شأنه أن يقوض استقلالية الطلاب، وتحفيزهم وشعورهم بأنفسهم كفاعلين وليس مفعولا بهم، وأن التدخلات التي تبدأ بالدراسة الثانوية لن تتوقف عند الجامعة وأحيانا المهنة، مما سيفرض نمط حياة مستمرا قد يدفع الأبناء للاكتئاب والرفض وكراهية الآباء.

يرى الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، أن ثقافة الإجبار هي السمة الغالبة في النظم التعليمية المصرية، موضحا أن الأمر لا يتوقف عند أولياء الأمور، بل يمتد إلى المدارس والأنظمة نفسها. ويقول في حديثه لـ"الجزيرة نت": "الإجبار الذي تمارسه وزارة التعليم على أولياء الأمور يعيد الآباء صياغته ثم يمارسونه على الأبناء، مما ينتج أجيالا غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة، وتبقى متشككة في قدرتها على القيادة والإبداع".
ويضيف حمزة أن مواجهة هذا النمط تتطلب وعيا من الأسر عند اللحظات الحاسمة، مثل الاختيار بين الثانوية العامة والبكالوريا، مشيرا إلى أن هناك 5 خطوات رئيسية يمكن أن تساعد ولي الأمر على دعم ابنه لاتخاذ قرار سليم:
- إتاحة الوقت الكافي للبحث والتحليل
لا بد من التمهل ودراسة جميع النماذج المتاحة، مع الوصول إلى شرح وافر وتحليل شامل يساعد على تقييم الخيارات بشكل موضوعي. - الاختيار وفق قدرات الطالب الحالية
يجب أن يستند القرار إلى إمكانات الطالب الواقعية لا على التوقعات. فإذا كان يميل إلى المذاكرة الطويلة ولا تشكل كثرة المواد عبئا عليه، تكون الثانوية العامة خيارا مناسبا. أما إذا كان متفوقا في العلوم أكثر من المواد التي تحتاج إلى الحفظ المكثف، فقد يكون نظام البكالوريا أنسب له. - تجنب إسقاط رغبات الأهل على الأبناء
لا يصح أن يفرض ولي الأمر أحلامه الخاصة، فكون الأب طبيبا مثلا لا يعني أن يرغم ابنه على استكمال المسار نفسه، إذا لم يكن متوافقا مع ميول الابن. - الابتعاد عن التخويف وتحميل المسؤولية
لا ينبغي تهديد الطالب بأنه سيتحمل وحده تبعات الفشل إذا اختار بنفسه. هذا الأسلوب يدفعه إلى التراجع عن خياره الحقيقي ويقبَل برغبة الأهل خوفا لا اقتناعا. - الدعم المستمر أيًا كان القرار
على الأسرة أن تقدم المساندة للأبناء في جميع الأحوال. عدم اختيار الطالب لرغبة والديه لا يجعله عاقا، بل يعني ببساطة أن لديه أحلامه الخاصة التي يسعى لتحقيقها.