كيف تربين طفلا عطوفا في عالم يحرّم عليه البكاء؟
نعرف جميعا معلومة بدت حقيقية، تفيد بأن الإناث يبكين أكثر من الذكور، مع أن لا فرق بين معدل بكاء الجنسين في مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة.
أرجعت تفسيرات علمية ذلك إلى طبيعة المرأة العاطفية، والتغيرات الهرمونية المصاحبة لسن البلوغ، لكن هل يعني عدم بكاء ابنكِ الذكر علامة على رجولته حقا؟ أم أن العلم غيّر رأيه بشأن ذلك؟
عاطفة تواجه مكبوتا
افترضت عالمة النفس كارين فراي، من جامعة واشنطن، في الثمانينيات أن الفجوة بين الذكور والإناث في عدد مرات البكاء تبدأ مع بلوغ الإناث الحيض. وظل ذلك التفسير واقعا حتى عام 2002، حينما اختبر باحثو الطب النفسي والعلوم السلوكية، في جامعة تيلبورغ الهولندية، تلك الفرضية، بدراسة الفروق بين الجنسين في البكاء خلال فترة المراهقة، ودور الحيض في التعاطف.
اختار الباحثون 500 ذكر وأنثى، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 سنة، لملء استبيانات البحث. واكتشف الباحثون أن الفرق في معدل البكاء بين الجنسين يتطور قبل عمر 11 سنة، ولم يظهر فرق بين عدد مرات بكاء الفتيات البالغات وغير البالغات، ولم يتغير عدد مرات بكاء الفتيات بعد بلوغهن، لكن تراجع عدد مرات بكاء الذكر بوتيرة سريعة قبل سن 11 سنة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsطفلك كثير البكاء وصعب الإرضاء.. إليك نصائح سحرية لمساعدته على النوم
وفسرت ليز إليوت، أستاذ علم الأعصاب في مدرسة شيكاغو للطب، في مقالة بمجلة "ساينتيفك أميركان" بأن الذكور لا يختلفون عن الإناث كثيرا في بداية حياتهم، وإن كان هناك اختلاف واضح، فمن الملاحظ كثرة بكاء وصراخ الذكور في طفولتهم، حتى يكبر الفتى، ويتعلم إخفاء خوفه وحزنه وعطفه، إلى أن يترك ذلك التحول أثره على دماغه، ويقل نشاط اللوزة الدماغية المسؤولة عن التعاطف، ما يجعله أقل تعبيرا عن عواطفه، وأقل تفهما لمشاعر الآخرين.
كيف يضر كتم الشعور طفلكِ؟
تتفاجأ بعض الأمهات بأطفالهن يعضون شفاههم لكتم صرخة ألم نفسي أو جسدي حرجا، لكن تتعلم الإناث في مرحلة الطفولة أن لا عيب في بكائهن، بينما يلقى الذكور تشجيع المحيطين على كتم دموعهم، وقد يتعرضون للتنمر إذا ذرفوا دمعة.
ونشر موقع جامعة "إكزتر" البريطانية، في أبريل/نيسان الماضي، نتائج دراسة عن أثر النوع الاجتماعي على البكاء بين طلاب المدارس. وقابل الباحثون طلابا في مدرستين ثانويتين مختلطتين، واحدة في منطقة ريفية والأخرى في مدينة، واستطلعوا آراء 34 طالبا بين إناث وذكور تراوحت أعمارهم بين 12 و17 عاما، كما أجروا مقابلات مع مدرسين ومديري المدرستين.
توصل الباحثون إلى أن الصور النمطية للجنسين أثرت على كل من الفتيات والفتية، فالفتيات أكثر انفتاحا على التعبير عن مشاعرهن، وأقل خجلا من البكاء أمام زملائهن، في حين يخفي الفتية مشاعرهم ولا يتحدثون عن أزماتهم النفسية، أو يلجؤون لسلوكيات تخريبية وعنف وإدمان، بالتالي يتعرضون للإهمال لسوء سلوكهم، وفق تقرير نشره موقع "ساينس ديلي".
"الرجال لا يبكون"!
عبّر الطلاب والمعلمون عن خشيتهم من صعوبة حصول الذكور على دعم نفسي، نتيجة لوم المحيطين إذا بكوا أو حزنوا لأن "الرجال لا يبكون"، ما قد يجعلهم مجموعة معرضة لخطر الكبت واللجوء للعنف. وعلى الجانب الآخر حذر الباحثون من النظر إلى الفتيات باعتبارهن عاطفيات، كي لا يتم التعامل مع اضطرابات الإناث النفسية بطريقة أقل جدية.
وتعرّف جمعية علم النفس الأميركية نهج الذكور في كتم المشاعر والبكاء بـ"التكيف القمعي"، فيتخلى الإنسان عن فوائد البكاء الصحية للقلب وتسكين الألم وتهدئة الحزن، في مقابل إظهار صورة إيجابية وهمية لإنسان لا يقلق، بحسب موقع "ديكشينري".
ويرتبط اتباع الإنسان أسلوب التكيف القمعي في مواجهة مشاعره بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وفق دراسة لباحث علم النفس، جامعة فريدريش شيلر جينا الألمانية، كما ذكر موقع "بابميد".
كذلك قد تنخفض وظائف الجهاز المناعي لدى الشخص، وتظهر عليه أعراض جسدية للتوتر، مثل: تشنج العضلات، ومشكلات الجهاز الهضمي، والإرهاق، واضطرابات النوم، بحسب موقع "هيلث لاين".
كيف تربين ابنا عطوفا؟
يختلف تعامل الآباء والأمهات مع مشاعر أطفالهم، فقد تسمع الأم طفلها، في حين ينهره الأب إذا بكى، لكن لا يعني ذلك تضرر نفسية الطفل تضررا حتميا، بل قد يفيده الجمع بين وجهتي النظر، طالما هناك فرصة لدعمه نفسيا من أحد الوالدين، وتاليا بعض النصائح المفيدة التي يقدمها موقع "سيكولوجي توداي":
- إذا وصل ابنكِ سن المراهقة، وقمع مشاعره، أو كنتِ تخشين نظرة المحيطين لطفلكِ عند بكائه فيمكنك طرح بدائل، فلا تتهميه بالضعف إذا بكى، ولا تنكري فائدة بكائه، ولا ترهبيه بنظرات الآخرين، بل ساعديه على تحديد سبب بكائه، وحل المشكلة التي يواجهها.
- زودي طفلكِ بمفردات لوصف مشاعره، مثل: سعيد، حزين، خائف، وحيد، ولا تخجلي من وصف مشاعركِ أمامه، وحاولي قراءة قصص عن كل شعور، وسؤاله عن شعور البطل في موقف ما، وعلّميه أفضل سبل للتعبير عن مشاعره في ذلك الموقف، لتنمية شعور التعاطف لديه.
- يحتاج ابنكِ المراهق بناء مرونة عاطفية في مواقف عدة بقدر حاجته إلى البكاء، فتغلب على المراهق مشاعر الإحباط، والغضب، والارتباك، والغيرة، ويخجل من وصفها، لذا لا تسأليه عن شعوره، بل كوني محلا لثقته إذا أراد الحديث، ولا تتسرعي في تقديم نصائح، واستمعي جيدا، قبل سؤاله عما ينوي فعله، ثم تبادلا الآراء حول قراره.
- قد يبكي الذكور سرا، لكن لا يمنعكِ ذلك من جعل العناق، والتربيت، واللمسات الحنونة عادة مع أبنائكِ، كما يقترح موقع "بيرنتس".