لماذا نصبح عرضة لفقدان الصداقات بعد الزواج؟ وكيف نحافظ على علاقاتنا؟
يمثل الزواج فصلا جديدا كليا في حياتك التي تعرفها، ويعد أحد أكبر التغييرات التي تمر بها على الإطلاق. فبعد الارتباط بشريك الحياة، تتغير الكثير من الأشياء، بداية من حالتك في البطاقة الشخصية من أعزب إلى متزوج، وصولا لإعادة ترتيب اهتماماتك والتزاماتك وأولوياتك، وليس انتهاء بشؤونك المالية ومحل إقامتك.
ومن ضمن التغيرات التي قد تطرأ على حياتك بعد دخول "عش الزوجية"، البصمات الفارقة التي تتركها في حياتك الاجتماعية، إذ يعاد ترتيب علاقاتك الشخصية، بل قد تجد نفسك أحيانا مضطرا لخسارة بعض الصداقات.
تلك الظاهرة الغريبة والشائعة تم توثيقها في مقولة عربية مأثورة تقول "من لقي أحبابه، نسي أصحابه"، للتدليل على أن إيجاد شريك الحياة غالبا ما يتزامن مع خسارات في الأصدقاء.. لكن ما أسباب هذه المشكلة بالتحديد؟
حياة العزوبية مقابل الحياة الزوجية
تكشف الدراسات العلمية أن علاقة الإنسان بالآخرين تتغير عندما يرتبط ارتباطات عاطفية طويلة الأمد -مثل الزواج- فيصبحون بالتالي أقل تواصلا مع عائلاتهم الممتدة وأصدقائهم، لأن ببساطة تم إحلال العلاقات بعلاقة شاملة جديدة.
في المقابل، يميل الشخص الأعزب أكثر إلى التواصل مع الأصدقاء، ومع أسرته وأفراد العائلة المقربين مثل الوالدين والإخوة والأخوات.
وقد توصلت الأبحاث لما بات يُعرف بمفهوم "الزواج الجشع"، وهي الحالة التي يصنف فيها الناس بعض الزيجات، لأن الزوجين فيها يقضيان معظم وقتهما فيها مع بعضهما بعضا، ولا يخصصون وقتا يذكر لعلاقاتهم الاجتماعية الأخرى.
وبحسب دراسات المسح الوطني للأسر في الولايات المتحدة، تظهر النتائج أن أولئك الذين ظلوا عازبين أمضوا وقتا أطول مع أصدقائهم وأفراد عائلتهم، مقابل أولئك الذين يعيشون مع شركاء الحياة، حيث لوحظ ميل المتزوجين للانسحاب من الأصدقاء والعائلة والجيران والدوائر الاجتماعية المختلفة، بسبب احتلال كل منهما لوقت الآخر الحرّ، واستنزافه لطاقته في ممارسة الأنشطة والهوايات المختلفة.
اختلاف الرغبات والأهداف
كما أوضحت دراسات علمية أيضا أن صورة الحياة الشخصية تشهد تغييرات عميقة بعد الارتباط، وبالتالي يتغير تركيز وأهداف الشخص كليا، فبدلا من أن يكون شخصا حرا يتمتع بعلاقات مع عدد من الأصدقاء، يصبح جزءا من كينونة جديدة وهي "الزوجان معا".
كما قد يتعلق كل من الرجل والمرأة في علاقاتهم الزوجية بالأطفال إذا أصبحا آباء. وبالتالي ينجرفون تدريجيا بعيدا عن أصدقائهم المعتادين إذا ظلوا عازبين، لأن مساحات الاهتمامات المشتركة تصبح أقل.
ضيق الوقت وقلة الجهد الفائض
لا يملك الإنسان سوى 24 ساعة فقط في يومه، وبالتالي فإن علاقات الصداقة تتعرض لضرر بالغ، بسبب استحواذ أساسيات الحياة الجديدة للمتزوجين على جل أوقاتهم.
فالارتباط بالوظيفة والأولاد والالتزامات الأسرية الجديدة تستلزم قضاء الوقت مع شركاء الحياة، ناهيك عن الوقت الذي يستغرقه قضاء الواجبات المنزلية والتنظيف والطهي وما إلى ذلك. يتفاجأ كثيرون بعدم وجود ما يكفي من الوقت أو الجهد لقضائه مع الأصدقاء كما جرت العادة قبل الزواج.
في الوقت نفسه، قد يبدأ الزوجان في إحلال علاقاتهم السابقة بأخرى مشتركة جديدة مع أصدقاء آخرين يمكن قضاء الوقت معهم بشكل جماعي، الأمر الذي يقلل بدوره من مساحة التلاقي التي تجمع المتزوجين بأصدقائهم القدامى، خاصة من غير المتزوجين.
التوفيق بين العلاقة الزوجية والصداقات
يُعد الجمع بين علاقات الصداقة من جانب وتطوير العلاقة الزوجية من جانب آخر أمرا بالغ الأهمية، ويتطلب الكثير من الجهد، وإذا ما أُضيف أطفال إلى المعادلة، سيكون الأمر أكثر صعوبة بكثير، لكن التعامل بالطريقة الصحيحة من شأنه مساعدتك في الحفاظ على صداقاتك، وأيضا تطوير وتعميق علاقتك الزوجية.
ويمكن ذلك من خلال:
- الاستعداد لتقبُّل التغيير: يتفاعل كل شخص مع التغيير بطريقة مختلفة. ففي الوقت الذي قد تصبح فيه بعض صداقاتك أقوى بعد الزواج، فإن أخرى قد تتبدد. قد لا يتأقلم بعض الأصدقاء معك، وقد يختارون خلق مسافة بينكما، وهي عادة علامة على أنهم غير مستعدين أو راغبين أو قادرين على التكيف مع احتياجاتك وتوقعاتك الجديدة.
- بذل المزيد من الجهد: للحفاظ على صداقاتك في هذه المرحلة من حياتك، ستحتاج إلى بذل المزيد من الجهد. وإذا كنت معتادا على تحقيق التوازن بين حياتك الشخصية وأصدقائك، بعد الزواج، قد يستغرق شريك حياتك الجديد مزيدا من الوقت، لذلك سيصبح من الضروري بذل المزيد من الاهتمام والجهد لرؤية أصدقائك.
وبحسب استشارية العلاقات الأميركية أماندا رويز، قد تحتاج مثلا إلى التخطيط للقاء شهري مع صديقك المقرب للحفاظ على علاقتكما.
- المزيد من الاهتمام: بمجرد أن تتزوج، فإنك تقضي تقريبا كل ثانية من وقت استيقاظك (غير المرتبط بالعمل) مع شريك الحياة الذي أصبح الآن الأولوية الرئيسية لك، لذلك فإن الحفاظ على الصداقات يتطلب الاهتمام والرغبة في المقام الأول لإيجاد الفرصة.
وهذا يعني جدولة الوقت معا مسبقا، وتوضيح التزاماتك وحدود وقتك للأصدقاء المهمين، بالإضافة إلى مناقشة إستراتيجياتك مع شريك حياتك للحفاظ على صداقات المهمة ومنحها الاهتمام المناسب من حياتك بشكلها الجديد والتزاماتها الجديدة.
- المحادثات الرقمية قد تكون خيارك الأمثل: حتى لو كان لديك وقت محدود لرؤية صديقك، أو ربما ليس لديك وقت على الإطلاق، فلا يوجد سبب للتخلي عن الصداقة تماما. كل ما يتعين عليك فعله فقط هو التواصل عبر الرسائل النصية أو شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة. خاصة إذا كان لديك أطفال يستحوذون على معظم وقتك وجهدك.
- اترك مساحة لنفسك عند الحديث عن المساحات: من المهم أيضا أن تدرك أنه على الرغم من أنك متزوج، فلا يزال لديك احتياجاتك الشخصية التي يجب عليك الاهتمام بها، ولا يزال لديك أصدقاء تحتاج إلى قضاء بعض الوقت معهم.
لذلك من خلال التفاهم والتواصل الواضح والصريح، احرص دائما على توفير الوقت الشخصي الذي يحقق لك السلامة النفسية، دون أن تضطر إلى المساومة.